اقتصاد يعكس الواقع والجنون: سورية وترامب / د. يحيى محمد ركاج
د. يحيى محمد ركاج * ( سورية ) السبت 26/5/2018 م …
* باحث في السياسة والاقتصاد …
أتى الرد السوري على الكيان الصهيوني في الأسابيع الماضية بعد كوميديا الكيماوي والغوطة موجعاً للكيان وداعميه بشكل كبير، الأمر الذي أكدته دون مواربة أو نفاق التبدلات الاقتصادية التي أصابت أسواق المال العالمية، فانحرفت أسعار العملات بين الصعود والهبوط بشكل مفاجئ نتيجة المخاوف الجدية لدى قياصرة المال من خطورة وتأثيرات هذا الرد على البذرة الصهيونية العفنة التي قاموا بزرعها بالمنطقة. وقد يشير البعض إلى أنها نتيجة منطقية للحدث بغض النظر عن نتائجه في ضوء الترابط بين السياسة والاقتصاد، إلا أن موضع التأكيد وذروته في حيز التأثير المتبادل للسياسة والاقتصاد، أم المجتمعات الغارقة في الأمور الثانوية والشكلية تكون السياسة فيها هي التي تحكم الاقتصاد، أما في المجتمعات المتقدمة التي انتهت من بناء عقولها وأحسنت استثمارهم، فإن الاقتصاد هو الذي يحكم العالم ويحرك السياسة والساسة معاً. لا مواربة فلسفية في هذه الحقائق لأن الفلسفة هنا التفاف على واقع وصل إلينا عبر أجيال سابقة.
فخلال فترة ليست بالقليلة عن الرد السوري نشاهد انعكاسات الأحداث على الوقائع الاقتصادية العالمية، فالرئيس الأمريكي ترامب لا ينفك في كل حديث داخلي له أن يذكر الشعب بأنهم اختاروه ليجمع لهم الأموال، وأن كل الأدوات عليه أن يقوم بتسخيرها في سبيل هذا الأمر، حيث تسارعت وتلاحقت الأحداث المتضاربة بعد الحدث السوري المزلزل، من خلال:
1- سارعت الولايات المتحدة بتنفيذ قرارها المطّاط بنقل سفارتها الصهيونية للقدس مترافقة مع استعراض قوة للكيان الصهيوني في غزة وتقليم أظافر ما تبقى من مقاومة فيها ليعيد هيبته الشكلية لمهاجريه، الأمر الذي أعاد الاستقرار لأسواق المال العالمية والذي عكسه أيضاً انخفاض أسعار الذهب عالمياً، خاصة بعدما تم إرفاقه أيضاً بالتحاور مع كوريا الشمالية، وتسوية الرسوم الجمركية على المستوردات الصينية، أي أن العالم أصبح يشعر بالأمان، فلا يعتبر الحدث الإيراني خطيراً على قياصرة المال خارج الحلف الصهيوأمريكي.
2- ترافق اجراءات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس مع لعبة تضخم كبيرة شهدتها الليرة التركية في إشارة إلى تضييق الخيارات أمام الشعب التركي المنتشي بالوفورات الاقتصادية التي حققتها له الحرب على سورية، والتي تعتبر امتداد للوفورات التي حققتها له حكوماته السابقة من خلال استثمار الأموال لإسلامية في التحضير للحروب في المنطقة عبر مسلسلات غزة ولبنان ومن ثم سورية وإيران وروسيا.
3- أعلن ترامب فجأة قطع اللقاء والتحاور مع كوريا الشمالية فارتعدت أسواق المال واتجه قياصرة المال لاقتصاد اليابان وتهيأ الذهب للارتفاع مجدداً، الأمر الذي تسبب في إفقاد الكثير من المستثمرين لأموالهم لمصلحة القلة التي صنعت الحدث وقامت بتوجيهه.
4- أدركت أوروبا العجوز قرار سرقة الثروات العالمية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها بالأدوات السياسية فانفردت بنفسها في لعبة الاقتصاد وعمدت على تعويم اليورو في مواجهة الجنون الأمريكي من جهة، وفي مواجهة تأثيرات قرار الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.
إن الاقتصاد هو المرآة الحقيقة للواقع الذي يتحكم بالعالم، ولا تنطبق دائماً لأدوات القياسية على الظروف الحالية فمواجهة التضخم باليابان ومواجهة التبدلات الطارئة من قبل اقتصاديات اليورو أكبر شاهدٍ ودليل على ذلك، كما أن الحروب تشعلها خزائن التجار من أجل أن يجني فقط هؤلاء التجار الأرباح من خلالها ومن نتائجها. والحرب على سورية أيضاً تعتبر من أبرز الشواهد على ذلك، الأمر الذي جعلنا ندرك جيداً فترة انهاء إشعال الحرب على سورية سابقاً والوصول لمرحلة التنفيذ في إخمادها، وهو الأمر نفسه الذي يجعلنا نتنبأ المستقبل القادم لسورية والذي يجلنا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التبعية للأخر الذي يملك المال. أو الإصلاح الفعلي للموارد البشرية والمنظومة الاقتصادية لنكون شركاء في جني الثمار الاقتصادية للحرب الظالمة التي تعرضنا لها وسرقت منا دماء أبنائنا.
عشتم وعاشت سورية.
التعليقات مغلقة.