كلمة الدكتور فايز رشيد في حفل إشهاركتاب القائد حمدي مطر الإثنين 15 /8/2016 في مجمع النقابات المهنية في عمان

 

الثلاثاء 16/8/2016 م …

الأردن العربي …

يتها الرفيقات والأخوات.. أيها الإخوة والرفاق :

بداية ,اوصل إلى هذا الحفل الكريم, تحيات حارة حُملتُها من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين , من قيادتها وعلى رأسها القائد أحمد سعدات , ومن أعضائها وكوادرها , ومن الأسير البطل بلال الكايد, المضرب عن الطعام للشهر الثالث على التوالي , وقد قررت ما يسمى بـ محكمة العدل العليا في الكيان, النظر في الاستئناف الذي قدمته محاميته,للإفراج عنه , بعد شهرين ! إنها دعوة قضائية للقتل. استعار بلال مقولة للشهيد غسان كنفاني” لا تمت قبل أن تكون ندا” , وقرر أن يكون ندا لهذا العدو الما بعد فاشي. وكل رفاقنا يتمنون النجاح لكم, في إشهاركتاب القائد حمدي مطر, القائد التاريخي في حركة القوميين العرب , وأحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين, هذا التنظيم الفلسطيني الأصيل, السباق دوما إلى التضحية, الوفي لمبادئه وتضحيات جماهير شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية, التنظيم الذي لم يساوم يوما, ولن يساوم على حق شعبنا في فلسطين الكاملة من النهر إلى البحر, ومن رأس الناقورة حتى رفح, إضافة إلى مياه إقليمية مضاعفة , كزيادة في الاحتياطات الأمنية.

نجتمع اليوم لإشهار كتاب قامة فلسطينية ,ما انكسرت يوما لصعب.. ولا لعواصف على مدى حياتها.

أبا سمير.. أيها الوطن المخبأ في جسد, والمشظّى في قضية…أسكَنتَ فلسطينَ في عينيك .. فجعلتك نجما في سمائها , تتوحد مع كل الشهداء الماضين, مع كل الذين قضوا وهم يهبون حيواتهم في سبيل قضية شعبنا الوطنيا . هم مثل سيزيف يحملون فلسطين على ظهورهم.. ويصعدون بها إلى الأعلى. وكلما تدحرجت يرفعونها من جديد, صاعدين إلى رأس الجبل.

أبا سمير.. توحدت مع أبي علي مصطفى ,وجيفارا غزة ,والشيخ عز الدين القسام, وأبي جهاد ومع كل الآخرين اللاحقين حتى تحرير الوطن, أنتم تسيرون في نسغ حروفنا , وينطق بكم نبضُ قلوبنا .

أبا سمير..سرتَ مع موج بحرنا المتوسطي الكنعاني العربي الأصيل, نحو منارة يافا ,و صمود سورعكا, ونحو كرملنا البهيّ . انزرعتَ في زيتونة خالدة تمثل الأزل الفلسطيني. طرت مع عصافير الجليل, تُسبّح وإياها بالاسم الأحب إلى قلوب أبناء شعبنا وأمتنا.. فلسطين. هذه , والتي أقسم بحبات رملها, لو كّلف تحرير كل ذرة من ترابها شهيدا, فإن شعبنا يسترخص الثمن في سبيلها . وبالحتم, سيكون مصيرُ مغتصبيها الحاليين , مثل كل سابقيهم ..حملوا عصيهم على كواهلهم ورحلوا ..طوعى أو غلابا. نعم نقولها بكل الوضوح: فلسطين لا تقبل القسمة على اثنين…هي لنا تاريخا وحاضرا… وستظل لأبنائها مستقبلا. هم , ومثلما يقول المبدع محمود درويش.. العابرون.. بين الكلمات العابرة…فليأخذوا أشياءهم ولينصرفوا.

حمدي مطر, اندغم بالنضال الوطني الفلسطيني منذ مطلع شبابه في أواسط الخمسينيات, بعد تهجير قسري لاهالي قالونيا(مسقط رأسه)عام 1948. نشا في بيت نضالي حيث كان والده من المشاركين في الثورة الفلسطينية.ثم الانتماء إلى حركة القوميين العرب في بداياتها الفعلية ,ثم يعتبر أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.. أبو سمير يعقوبي ثوري امتلأ إرادة وتحديا في مواجهة أعدائنا، وفي نفس الوقت مناضل عاطفي يبكيه موقف إنساني بسيط. بوصلته أشّرت دوما باتجاه فلسطين كان دوما يزاوج بين المهام النضالية والواجبات الاجتماعية تجاه رفاقه: يعتبرهم أبناءه, يتصرف تجاههم ليس كقائد وطني فحسب وإنما كأب حنون… حمدي مطر قامة شامخة, مناضل فلسطيني وعربي تسكنه الصلابة والصمود.

انتهيت من قراءة مذكرات المناضل الصديق والرفيق المرحوم حمدي مطر بعد بضعة أيام من صدورها. أعادتني صفحات الكتاب إلى زمن جميل مضى,تمنيت لو عشته عن قرب ! كنت حينها في السجن. نسمع الأخبار عن بعد. ما أدهشني : هذه الذاكرة الحية لأبي سمير!يسرد الأحداث بتواريخها وأسماء صنّاعها من جورج حبش ووديع حداد مرورا بكل قادة الحركة وصولا لأعضائها العاديين المناضلين. وبكل تفاصيلها, وبنَفس نضالي وإنساني ثوري,وكأنها حصلت بالأمس. ثم ينتقل بسلاسة إلى مرحلة منذ تأسيس الجبهة وحتى فترة قريبة نسبيا. حتى لو احتفظ أبو سمير بأرشيف لما مرّ به من أحداث,لكنه أضفى عليه روح المناضل الثوري, ونَفَس المتحدي لكل الصعابى سنوات طويلة في السجون التي دخلها مرارا في مراحل مختلفة من حياته.

قضى صديقي الذي أعتز بصداقته, سنوات طويلة في السجن, في زنازينه الانفرادية مرّات لا تعد ولا تحصى. لم يستكن, لم يضعف. انتصر على العذابات بإرادة التحدي والصمود. ومثلما يروي: طيلة سنوات السجن المتعددة المرات,لم يبك سوى مرة واحدة. ففي يوم طويل في الزنزانة الانفرادية من شهر طويل من سنة ممتدة, كان يريد تمضية الوقت.أخذ يكتب اسماء بناته وأبنائه على جدران الزنزانة. عندما وصل إلى كتابة اسم ابنه توحيد, فجأة, اجهش بالبكاء. لم يره أحد.لام نفسه حتى على هذا الضعف الإنساني الجميل والمشروع! وكي ينتصرعلى اللحظة باللحظة, بدأ في ترديد أغاني وأشعارالمقاومة. خاف حمدي مطرأن تظهرنقطة ضعف واحدة عليه, أمام سجانيه,الذين حتما كانواسيستغلونها عليه. حمدي مطر قامة شامخة, مناضل فلسطيني وعربي تسكنه الصلابة والصمود.

أعرف أبا سميرمنذ عام أواخر السبيعينيات (لكنه ذكّرني بحضوره إلى بيتنا في قلقيلية أواسط ستينيات القرن الزمني الماضي ,مع ثلة من حركة القوميين العرب يومها في زيارة لأخي وكان في صفوف الحركة. جاؤوا لتناول غداء المسخن المشهورة به مدينتنا). التقينا, ناضلنا معا. وبعد ذهابي للتخصص رأيته والفاضلة العزيزة أم سمير(أطال الله في عمرها) في موسكو حيث مكثا لفترة. ويوم عودتي الى الأردن أبى إلا أن يكون في المطار, كي يطمئن على وصولي. تواصلنا بعدها دون انقطاع حتى وفاته .

أبو سمير عمل في قطاعات مهنية عديدة منها, شركة الكهرباء ومصنع للبلاط. كُلّف بمهام نضالية وثورية عديدة في الخارج, كحلقة وصل وإمداد مع الأرض المحتلة. وفي عام 1982 رغم تقدمه في السن,تطوع مع المئات من الأردن للسفر إلى لبنان للدفاع عن الثورة. لم يستطع كثيرون منهم الوصول إلى بيروت الغربية, المحاصرة من قبل العدو الصهيوني فعمل في الجبهة الخلفية لإسناد المحاصرين.أذكر أنني التقيته في دمشق بعد خروج المقاتلين من بيروت إلى العاصمة السورية وعواصم أخرى, وكم كان اللقاء حارا, تحدثنا عن الحصار وأيامه الطويلة , والحقد الصهيوني على المقاومة الفلسطينية والأخرى اللبنانية,من خلال قصف يومي تجاوز كل شدة وأشكال القصف في الحرب العالمية الثانية.بالمقابل, كم كان الالتحام العضوي قويا وكبيرا بين المقاومتين والجماهير اللبنانية. رغم الاتفاق وبالوساطة الأمريكية ,إلا أن العدو الصهيوني دخل المدينة العربية, ونكّل بأهلها ,وارتكب مذبحته المشهورة (من بين مذابح لا تعد ولا تحصى) مذبحة صبرا وشاتيلا ضد اللاجئين الفلسطينيين في بيروت.

آمن مناضلنا بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر, ظلّ وفيا للاهداف التي ناضل من اجلها. لم يؤمن يوما بحلّ مرحلي أو توقيع اتفاقية مع هذا العدو أو أي إمكانية للتعايش معه. ومن جهة أخرى ,هو مدرك لطبيعة صراع شعبنا وأمتنا مع هذا العدو الفاشي, ولذا ركزت كلمته في المؤتمر الأخير الذي حضره: أن يبقى الجيل الحالي محافظا على مبادىء الجبهة الشعبية,التي انطلقت من أجلها.

أما حمدي مطر الإنسان, فهو العطاء للآخرين دون كلل أو ملل. بأحاديثه وقفشاته كان بمثابة نسمة منعشة تمر على وجه كل من يغضب او يحتد, فيعيد الهدوء إليه. من خلال كلماته الملطّفة لأجواء الاحتدام. في كهولته كان يعمل مثل شاب في اوج نشاطه وقوته. يعز فراق المناضل حمدي مطر على كل من عرفه. ما يعزينا, سيرته العطرة وتاريخه الحافل بالمهمات الصعبة, ومواقفه الثورية, وهاهو يضيف إلى كل ما ذكرت, كتاب مذكراته القيّم, والذي هو بمثابة موسوعة (يُلجأ إليها) لتأريخ مرحلة مهمة من مراحل الثورة, والتي رغم مرارة نهايتها تظل مرحلة مهمة .

لا أريد الاستمرارفي الحديث عن مذكرات المناضل حمدي مطر, كي لا أفسد على القاريء لحظات تمتعه بمعرفة الحقائق, التي أوردها مناضلنا الكبير في مذكراته. نم قريرالعين أيها الحبيب, مّثلت الشجاعة في مواقفك طيلة الحياة التي عشتها.لذلك كانت حافلة بكل العطاء الثوري.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.