حق الشعوب في المقاومة / إشتيوي الجدي

 

اشتيوي الجدي ( ليبيا ) الخميس 18/8/2016 م …

حق الشعوب في المقاومة :

في مرحلة تاريخية شديدة الوطأة على المنطقة العربية سعت الدول الغربية الأمبريالية بزعامة امريكا إلى  إعادة تشكيل المنطقة سياسياً وجغرافياً وفق مطامعها الاستعمارية  من خلال المخطط القديم الجديد الذي ورد على لسان الصهيوني الأمريكي ” برنارد لويس ” و ” كونداليزا رايس ” من بعده ، الهادف الى تفكيك وتفتيت الوطن العربي والإسلامي إلى مجموعة ” كانتونات ” ودويلات عرقية ودينية ومذهبية وطائفية . ففى يونيو 2006، صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية انذاك كونداليزا رايس خلال وجودها في مدينة تل الربيع (تل أبيب) بفلسطين المحتلة عن مبادرة الشرق الأوسط الجديد ، ثم صدر الإعلان البريطاني- الأمريكي- الإسرائيلى المتعلق بـ » خارطة الطريق العسكرية « ، والتى اُعلنت من العاصمة اللبنانية بيروت أعقاب المواجهة العسكرية مع حزب الله ، والتى تقضى بضرورة  تجزئة وتفكيك دول الوطن العربى إلى دويلات على اُسس عرقية ودينية ومذهبية ، وذلك بإيجاد حالة من الفوضى والعنف التى يترتب عليها إعادة التشكيل والبناء فيما اُطلق عليه  »الفوضى الخلاقة  «.

ان كل الشواهد تؤكد بالقطع بأن ماسُمي زوراً بالربيع العربي عام 2011 كان عبارة عن تدشين مرحلة الفوضى الهلاكة ، إذ لم يعد خافياً على العقلاء أن الاضطرابات التي حصلت في أكثر من دولة من دول المنطقة العربية لم تكن عفوية ، وإنما تم الترتيب المسبق لها من خلال توجيه المظاهرات باستخدام عدة وسائل وأساليب حديثة من مثل الفضائيات ـ قناة الجزيرة ، والعربية ، والحرة ، والـ بي بي سي ، وفرانس24، وغيرها ـ والإنترنت ، ومنابر فقهاء بلاط حُكام دويلات الخليج العربي المتصهينين ودعاة الفتنة وشخصيات صهيونية معروفة وعلى رأسهم اليهودي الفرنسي الصهيوني ” برنارد هنري ليفي ” ، وتحريك العملاء والمأجورين في الشوارع وميليشيات الجماعات الإسلاموية الظلامية الذين قادوا التمرد المسلح ميدانياً.

ولقد بات من الواضح جداً ومن دون أدنى شك بأن المؤامرة التي أطلقت عليها أمريكا اسم  » الربيع العربي«  تتجه في مسار » مشروع الشرق الأوسط الكبير « ، وهي مؤامرة كبرى غايتها صياغة مستقبل الأمة العربية حسب المشروع الأمريكي الصهيوني الامبريالي. فقد تكلم عشرات المفكرين والسياسيين والمحللين والكتّاب عن هذا الموضوع وأشبعوه درساً وتحليلاً وتمحيصاً وأكدوا بما لا يدع مجالاً للشك بأن ما سُمي زوراً بـالربيع العربي ما هو إلا مؤامرة ، غايتها صياغة المنطقة العربية من جديد.

وفيما يخص ليبيا ، فإن تدخل التحالف  الأجنبي عسكرياً في ليبيا عام2011 بزعامة امريكا وفرنسا وبريطانيا ، انما يوضح وبشكل فاضح ماذا تعني حكومات الدول الغربية الامبريالية بشعارات الديموقراطية والحرية الزائفة التي ترفعها ، فالهدف الاساسي هو اعادة الاستعمار بحلة جديدة وشعارات جديدة وان تبقى ليبيا مرهونة بثرواتها وسياساتها للدول الغرببة الامبريالية.

وللأسف تحوّلت ليبيا من دولة حرة ذات سيادة الى دولة فاقدة للسيادة ، شبح دولة  تحت وصاية مجلس الأمن الدولي ، وصارت غنيمة حرب تتقاسم خيراتها دول حلف الناتو ومحمياته مثل تركيائيل وقطرائيل وغيرهما!.أما بخصوص وضع الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان فهو في أسواء حال على مر العصور التي مضت على ليبيا ، وذلك بشهادة المنظمات الإنسانية والحقوقية المحلية والدولية ؛ حيث يعيش الشعب الليبي تحت وطأة حُكم شرذمة مجرمة سلّطها حلف الناتو على البلاد والعباد.

إزاء هذا الوضع المزري الذي خلّفته مؤامرة فبراير الأسود2011.. السؤال الذي يطرح نفسه: هل يحق للشعب الليبي الرازح تحت نير الإحتلال الميليشياوي الإرهابي – وكيل المستعمر الأجنبي –  مقاومة هذا الإحتلال بكل الوسائل المتاحة بما فيها المسلحة؟.

التاريخ سجّل لنا أمثلة كثيرة فيما يخص اسلوب المقاومة الشعبية ، فعندما انهارت الأنظمة الحاكمة في أوروبا أمام الاجتياح النازي , نهضت الشعوب وحلّت محل الحكومات في ممارسات حق الدفاع عن الأرض وكانت المقاومة الشعبية هي الشكل المعتمد والسائد , واعترفت حكومات الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفييتي آنذاك بمشروعية هذه المقاومة , وتعاملت معها كممثل شرعي لشعوبها , وأمدتها بالمال والسلاح.

فضلاً عن ان اسلوب الكفاح الشعبي يتفق تماماً مع مبادئ القانون الدولي  والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، ولو راجعنا مدونة القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لوجدنا أن هناك ، منذ زمن بعيد ، نصًا يتكرر يتضمن إعادة تأكيد الجمعية العامة للأمم المتحدة شرعية كفاح الشعوب في سبيل الإستقلال والسلامة الإقليمية والوحدة الوطنية والتحرر من السيطرة الإستعمارية ومن التحكم الأجنبي ، بكل ما تملك هذه الشعوب من وسائل بما في ذلك الكفاح المسلح.

فقد أصدرت منظمة الأمم المتحدة العديد من القرارات والتوصيات التي تُشرّع حق مقاومة العدوان بكل الأساليب بما فيها الكفاح المسلح. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

ـ  تنص المادة 51 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة على شرعية حق المقاومة للشعوب من أجل الدفاع عن نفسها “.. ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول ، فرادى أو جماعات ، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة “.

ـ  قرار رقم (1514) في 14/12/1960، الذي جاء تطبيقًا لمبادئ حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها ، وقد جاء فيه : ” ان إخضاع الشعب للاستعباد الأجنبي والسيطرة الأجنبية والاستغلال الأجنبي يشكل إنكارًا لحقوق الإنسان الأساسية ، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة ، ويعرض السلام والتعاون الدوليين للخطر، وإن كل محاولة تستهدف جزئيًا أو كليًا تقويض الوحدة الوطنية والسلامة الإقليمية لقطر ما ، تتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها “.

ـ  القرار رقم 637 بتاريخ 16/12/1970، الذي اعتبرت فيه منظمة الأمم المتحدة حق الشعوب في تقرير مصيرها شرطا أساسيا للتمتع بسائر الحقوق والحريات الأخرى ، وقد جاءت الاتفاقيتان الدوليتان (الاتفاقية الدولية لحقوق المدنية والسياسية ، والاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الثقافية (لتدعما هذا الموقف).

ـ  قرار الجمعية العامة 37/43 في 3/12/1982 ، يعيد بشكل جلي ” التأكيد على شرعية نضال الشعوب من اجل الاستقلال ووحدة الأراضي والتحرير من الهيمنة الاستعمارية والأجنبية والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة بضمنها الصراع المسلح “. وقد أكدت لجنة حقوق الإنسان ، مرارا ، شرعية القتال ضد الاحتلال بكل الوسائل المتاحة ضمنها الصراع المسلح (القرار رقم 3 (35) في 21/2/1979 والقرار رقم19/1989 في 6/3/1989).

أن مجمل القواعد والقرارات الدولية التي أشرنا إليها تشكل النصوص القانونية المكونة أو المؤكدة لشرعية حق المقاومة . وهكذا تكون المقاومة الشعبية قد دخلت ضمير الإنسانية التي أسبغ عليها الرأي العام العالمي الشرعية ، وكرستها نصوص قانونية في اتفاقيات وقوانين وقرارت دولية عديدة.

لاريب ان احدا لايستطيع ان ينكر مدى الحالة الماساوية التي وصلت اليها ليبيا فيكاد يكون هناك اجماع على انها بلد مهدد بالانهيار والتفتت الى دويلات وكيانات تعود ملكيتها لامراء الميليشيات المسلحة.

إذاً ، لا يستطيع أحد أن ينكر على الشعب الليبي مشروعية كفاحه في مقاومة شعبية وطنية سواء أكانت مقاومة سلمية أو مسلحة وضمن الأطر المتعارف عليها بين كفاحات الشعوب ، لتخليص  بلاده من قبضة ميليشيات الفبرايريين الخونة عملاء الإستعمار ، وتحرير السيادة الوطنية الليبية من براثن الهيمنة الأجنبية ،  وبناء دولته الحرة المستقلة كاملة السيادة.

ختاماً ، لابد من الاشارة إلى إن الاعتراف العالمي بحق تقرير المصير، والاستقلال الوطني ووحدة الأراضي والوحدة الوطنية والسيادة بدون تدخل أجنبي وتثبيته في قرارات دولية ، وبتحوله من مجرد مبدأ سياسي إلى حق قانوني ، يعتبر نصرا إنسانيا لا يمكن الاستهانة به ، وهذا النصر لم يأت جزافا ولا منة ولا عطاء لقد تحقق هذا الانتصار بفضل نضال الشعوب ، فلم يكن وخزة ضمير أو عودة وعي لدى قوى الهيمنة الامبريالية بل هو نتاج توازن قوى في ساحات المعارك ساندها نجاح باهر على المستوى الإعلامي بحيث تمكنت هذه الشعوب المناضلة والمكافحة أن تكسب الرأي العام في المجتمعات الغربية فساهمت من خلال الضغط على حكوماتها في ترجيح كفة الشعوب المضطهدة والمناضلة.

إشتيوي مفتاح محمد الجدي/ دبلوماسي ليبي ومحلل سياسي

·        ممثل تنظيم الحراك الشعبي لإتقاذ ليبيا

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.