الأردن العربي – الأحد 28/5/2023 م …
من زهير أندراوس …
* اغتصبوا، نهبوا، قتلوا وهجّروا… تحقيقٌ مُحايِدٌ يكشِف تفاصيل مُروّعة عن مجزرة الطنطورة: أجبروا الأطفال بدفن الشهداء بأربع مقابر جماعيّة… وقفنا بضع ساعاتٍ دون طعامٍ وماءٍ وأخذونا للمقبرة وأمرونا برميْ الجثث
لمامًا يتفوّق الواقع على الخيال، واليوم بعد مرور 75 عامًا على نكبة الشعب العربيّ الفلسطينيّ في العام 1948 تتكشّف تفاصيل تقشعِّر لها الأبدان حول ما فعله الاحتلال الإسرائيليّ والعصابات الصهيونيّة ضدّ المُواطنين الفلسطينيين العُزّل في أبشع وأقذر جريمة اقتُرِفت في التاريخ البشريّ، وعلى الرغم من ذلك، ما زال العالم صامتًا ولا يُحرِّك ساكنًا ولا يُقاضي المجرمين.
وفي هذا السياق، كشف تحقيقٌ جديدٌ نشرته (هآرتس) العبريّة عن العديد من التفاصيل المروعة التي ارتكبها الاحتلال والعصابات الصهيونية قبل نحو 75 عامًا وراح ضحيتها مئات الفلسطينيين عام 1948 في قرية الطنطورة، وكان المذبحة قد وقعت بعد نحو أسبوع من إعلان قيام إسرائيل في فلسطين.
في 23 أيار (مايو) 1948، احتل الجيش قرية الطنطورة، نحو 1500 نسمة كانوا يعيشون في القرية، وطرد جيش الاحتلال أهل القرية، وقال سامي العلي، وهو ناشط في جمعية جديدة باسم )لجنة مهجري الطنطورة(، تركز نشاطاتها على تخليد ذكرى القرية وسكانها والمذبحة التي وقعت هناك للصحيفة العبريّة: “هذه سابقة منذ النكبة، جئنا إلى الطنطورة لتحديد الأماكن التي توجد فيها القبور الجماعية”، مشيرًا إلى أنّ “زوار المكان اكتفوا بتأشير مؤقت ورمزي بواسطة الزهور والحجارة وشريط ربطوه بينها، في المستقبل، يأملون ببناء سور في المنطقة، وإقامة نصب تذكاري لإحياء ذكرى شهداء الطنطورة والمذبحة”.
البحث الجديد، أجري من قبل (هندسة الطب الشرعي) وهو معهد يعمل في جامعة لندن برئاسة المهندس الإسرائيليّ البروفيسور ايال فايتسمان، أعضاء المعهد يوثقون حوادث خرق حقوق الإنسان عن طريق استخدام التكنولوجيا المتطورة، ومكتشفات يتم عرضها في المحاكم.
وأكّد الباحثون في المعهد، أنّهم “نجحوا في العثور على القبور الجماعيّة عن طريق استخدام تحليل صورٍ جويّةٍ تاريخيّةٍ ومقارنتها بصورٍ جويّةٍ حديثةٍ، إضافةً لجمع الشهادات، وقاموا ببناء نماذج محوسبةٍ، وأجروا مسحًا للأرض، وهي عملية يتم فيها قياس وتوثيق المباني المعدودة التي بقيت من القرية، وفحص المواقع التي توجد القبور تحتها، ويشتمل التقرير على معلومات تفصيلية عن (الأعمال الترابية) والأمور الاستثنائية وأعمال التشويش في الأرض، الأمر الذي يدل على الاشتباه بوجود قبور جماعية”.
مركز (عدالة) المختص في قضايا حقوق الإنسان بالداخل، هو الذي بادر لإجراء البحث، وطالب السلطات الإسرائيلية بناء سورٍ حول موقع القبور ووضع لافتات قربها. وقالت مديرة القسم القانوني في (عدالة) المحامية سهاد بشارة: “الاكتشافات واضحة تمامًا، وهي مقنعة، وهناك الكثير من الإثباتات، نحن نريد وقف تدنيس القبور، وتمكين عائلات الشهداء من الوصول إلى المكان، وهذا حق معترف به في المحاكم”.
وبحسب الصحيفة، اشتمل التقرير على شهادات شفويّةٍ وخطيّةٍ من قبل فلسطينيين كانوا يعيشون في القرية قبل احتلالها، وتحدثوا عن مكان القبور الجماعية للسكان، وساعدت الشهادات في العثور على القبور ومكانها، وتمّت مطابقته مع الصور الجويّة.
خبير وصفته الصحيفة بالمحايد لتشخيص الصور الجويّة، عرضت عليه “هآرتس” التقرير، قال: “أساليب العمل التي استخدمها مُعّدو التقرير مقبولة ومعقولة وصحيحة من ناحية مهنية”.
أحد الشهود الذي يستند إليه التقرير هو الطبيب عدنان يحيى (92 عاما)، أحد سكان القرية، يعيش اليوم في ألمانيا، قدّم شهادته حول وجود قبرٍ جماعيٍّ في المكان الذي توجد فيه المقبرة الإسلاميّة، وقال لـ “هآرتس”: “كان عمري 17 عامًا، قاموا بجمع عدد كبير منّا على الشاطئ تحت أشعة الشمس، وقفنا هناك بضع ساعاتٍ دون طعامٍ وماءٍ، وبعد ذلك أخذونا جميعنا إلى المقبرة، وهناك، تمّ حفر حفرةً وطلبوا رمي جثث سكان القرية فيها، رمينا جثثًا وأشخاصًا كانوا نصف أحياء، من بين القتلى نساء وشيوخ وشباب”.
وأوضح عدد من الشهود للباحثين في (هندسة الطب الشرعي) عن المكان الدقيق للقبور الجماعية، مثلاً حقل عائلة الدسوقي، وفي حالات أخرى، ساعد ذكر الأشجار في مطابقة المعلومات مع المعلومات التي تمّ الحصول عليها من الصور، وقال محمد سعود أبو حنا: “أخذونا من الشاطئ إلى مكان قريب من المقبرة، وقاموا بتجميعنا قرب أشجار الصبار”، وقال مصطفى المصري: “كانت هناك ثلاثة أشجار على بعد 30 متر شمالاً، قاموا بحفر حفرة، وكانت محاطة بأكوام التراب”.
كما وصلت شهادات أخرى إلى الباحثين في (هندسة الطب الشرعي)، أكّدت قيام جيش الاحتلال بعملة إعدام للمواطنين الفلسطينيين، وقال أحمد عبد المعطي: “أخذوا أفضل الشباب وأوقفوهم ووجوههم نحو الحائط ، وبعد ذلك أطلقوا النار عليهم، لقد شاهدت ذلك بأم عيني”، فيما أفاد محمد إبراهيم أنّ: “جنود الاحتلال قتلوا خلال ساعة أوْ ساعتين من 60-70 مواطنًا”.
وأكّد المؤرخ البروفيسور الون كونفينو، أنّه “جاء سكان جدد لهذه القرية المهجورة، لقد تمّ استخدام القرية كقاعدةٍ جيّدةٍ لبناء مستوطنةٍ جديدةٍ ومزدهرةٍ، (كيبوتس نحشوليم). مع ذلك، معظم الممتلكات التي تركت في المكان تمّ نهبها من قبل الجنود وسكان (زخرون يعقوب)، وهي مدينة شاطئيّة جنوب مدينة حيفا، بناها أبناء عائلة (روتشليد) اليهوديّة.
التعليقات مغلقة.