الياس فاحوري يكتب: من جون كنيدي الى جو بايدن، ومن نيكيتا خروتشوف الى فلاديمير بوتين .. من ديانا فاخوري الى راديكا ديساي (Radhika Desai) وبالعكس: حرب نووية ام حرب عالمية بين دول نووية!؟
الياس فاخوري* ( الأردن ) – الأربعاء 31/5/2023 م …
* * ملاحظة من المحرر:
حيثما وردت كلمة ” ديانا ” في مقالات الكاتب، فهي تعني تحديدا الراحلة الكبيرة المفكرة القومية ، شهيدة الكلمة الحرة والموقف الوطني ” ديانا فاخوري “… والصورة أعلاه لهما معا …
هل نتدحرج، كما اشارت “ديانا فاخوري” اكثر من مرة، نياماً الى هرمجدون (Armageddon) بذات ليلةٍ كليلة الكاريبي يوم حبس العالم أنفاسه بانتظار الشتاء النووي حين قرر “جون كنيدي” غزو كوبا وتفكيك الصواريخ النووية التي نصبها الاتحاد السوفياتي على مسافة كيلومترات من الشواطئ الأميركية – ام نسير يقظين الى يوثانت (U Thant) و28 اكتوبر 1962 جديد – عندما توصل كلّ من الرئيس الأمريكي جون كينيدي وأمين عام الأمم المتحدة يو ثانت إلى اتفاق الصفقة الشهيرة مع السوفيتي “نيكيتا خروتشوف” لإزالة قواعد الصواريخ الكوبية شريطة تراجع الولايات المتحدة عن غزو كوبا والتخلص بشكل سري من الصواريخ البالستية المسماة بجوبيتر (PGM-19 Jupiter) وثور (PGM-17 Thor)!؟
نحن اليوم في عالم مضطرب تتداخل فِيْهِ الجبهات وتتشابك وتتبدّل، مع كلّ تحوّل على مسرح عمليات الحرب الأطلسية ضدّ الشرق بشكل عام، وروسيا بشكل خاص. فروسيا اليوم في حالة حرب ليس مع أوكرانيا وجيشها فقط، بل مع “الغرب الجماعي” بكليته علي حد تعبير وزيرالدفاع الروسي، “سيرغي شويغو”، حيث تتكون القيادة الغربية من 150 متخصصا عسكريا وأكثر كانوا يتواجدون بالفعل في كييف. كما يعتمد الجيش الأوكراني على أكثر من 70 قمرا عسكريا و200 قمر مدني غربي لاكتشاف مواقع المجموعات العسكرية الروسية!
لا بد لي هنا من العودة لتكرار مقولة “ديانا” أن حلف شمال الأطلسي إنما أُنشئ عام 1949 لمواجهة الاتحاد السوفياتي فلماذا أُستبقي بعد زواله!؟ ربما ليكون “عصا الشيطان” كما ألمح، ذات مرة، “يفغيني بريماكوف”.
فأمريكا التي دخلت التاريخ بإلقاء القنابل النوويّة على هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين، وبقتل مِئات الآلاف من الأبرياء لن تتورّع عن إنتاجِ أسلحةٍ بيولوجيّةٍ وتحويل العالم بأسْره إلى حقلِ تجاربٍ لها. الم يستحضروا الجحيم للهنود الحمر أهل البلاد!؟ الم يستنسخوا جهنم بقنبلتي هيروشيما ونجازاكي ليتفاجئ المخرج الياباني “أكيرا كوروساوا” بالسيد المسيح يبكي متكئاً على كتفيه في تلك الليلة!؟
كم كان استاذنا (ديانا وانا) “ناعوم تشومسكي” رؤيوياً حين تحدث عن “السوبرالشيزوفرانيا” الأميركية وعن “الديانة الأميركية” التي “خرجت” لتحل محل الديانات المنزلة الثلاث .. البلد الذي رمى هيروشيما بالقنبلة الذرية هو الذي رمى الكرة الارضيّة بالروك اند رول .. البلد الذي قتل مئات الآلاف في كوريا، وفي فيتنام، وفي أفغانستان، وفي العراق، هو نفسه الذي جعل نادلة المقهى في هانوي ترتدي الجينز، وتلتهم، بشغف، سندويتش الهمبرغر، الى جانب دور الشبكة العنكبوتية في الانتقال بالبشرية من زمن الى زمن .. تحت عنوان “سيكولوجيا الآلهة”، رأى أن ما يحدث في أوكرانيا أشبه ما يكون بصراع البقاء بين أميركا وروسيا. أميركا لا تستطيع، وخوفاً من أن تتزعزع كما تزعزعت الأمبراطورية الرومانية، الا أن تكون في غرفة القيادة.
من يدري الى أين يتدحرج الكوكب وسط ذلك الدخان الأسود. الأميركيون الذين يراهنون على كسر رقبة القيصر او انفه على الأقل، وإلحاق سيبيريا ببلادهم مثلما ألحقت آلاسكا عام 1867، يتخوفون من أن تكون خيوط اللعبة قد أفلتت من ايديهم.
ولكن أوروبا، الذراع الجيوستراتيجية للبيت الأبيض او الذراع الغبية كما يصفها “ريجيس دوبريه”، تتقهقر اقتصادياً على نحو مروع وقد اطاح بها الجفاف . هل هي العودة الى أزمة 1929!؟ وهل سيظهر “أدولف هتلر” من جديد؟ وكان “دوبريه” قد لاحظ أن الأميركيين “يحاولون احلال “الفوهرر” محل المسيح في “لا-وعينا”!
فكل الساحات تحشد وتتأهب (بالسلاح ومعلومات الاقمار الصناعية) من تركيا لاذربيجان وبلغاريا وعلى سواحل بحر إيجة .. ومن اسرائيل لباكو، ومن قيرغيزستان لطاجيكستان .. ليتوانيا .. صربيا .. لاتفيا .. بولندا .. وها هو “لافروف” يُعلن مجدداً “ان الناتو أنشأ تهديدًالأمننا في أوكرانيا فاضطررنا للدفاع عن أنفسنا”، ويُصر أنَّ أخطاء الغرب تقوض الثقة في المنظمات الدولية والقانون الدولي كحام للضعفاء من الأقوياء حيث تعمل واشنطن على تحويل العالم كله لساحتها الخلفية، كما “تريد وقف عجلة التاريخ وتعتبر نفسها رسول الله في الأرض”، لافتًا إلى أنَّ “الدول ذات السيادة مستعدة للدفاع عن مصالحها وهذا سيؤدي إلى إنشاء نظام متعدد الأقطاب”، فروسيا وحلفاؤها يطالبون ببناء نظام عالمي مستقبلي دون ابتزاز وترهيب. اما “الغرب فلا يخجل من الإفصاح عن نيته بفرض هزيمة عسكرية على روسيا وتفكيكها”.
وقال لافروف: “واشنطن تلعب بالنار مع إيران وتايوان والعقوبات الأميركية أداة للابتزاز”، مضيفًا أننا “حاولنا حلّ الأزمة الأوكرانية إلا أن الانقلابيين قصفوا شرق أوكرانيا، فأوكرانيا بالنسبة للولايات المتحدة دولة مستهلكة في الحرب ضد روسيا”. وأردف، “أثار الغرب نوبة غضب بسبب الاستفتاءات التي تمّت في لوغانسك ودونيتسك وزابوروجيه وخيرسون، والتي هي أساسًا ردًا على دعوة زيلينسكي للروس للخروج من أوكرانيا” .. واليوم يهدد ميدفيديف باستهداف أي مسؤول بريطاني واعتباره هدفا مشروعا، كما تصف زاخاروفا موقف الغرب من هجمات المسيرات على موسكو بـال”دنيء”.. وها هي مسيرة أوكرانية اخرى تشعل حريقا بمصفاة نفط روسية!
الى ذلك يتبدى اهتزاز النظام العالمي الأحادي وترنّحه أكثر فأكثر اذ اسست قمة منظمة شنغهاي في “سمرقند” بكازاخستان لعالم متعدد الأقطاب وتُمهد للانتقال من المركزية الغربية نحو الشرق بجبهة شرقية جديدة تضمّ أربع دول نووية هي الصين وروسيا والهند وباكستان ودولة خامسة قادرة أن تكون كذلك خلال أسابيع لو أرادت (ايران) .. ولعل مشروع “قوة سيبيريا 2” من أهم منتجات القمة للحد من الهيمنة الأمريكية واغتصابها للقرار العالمي، عبر جذب أوروبا باتجاه الحلف الشرقي حيث ان هذا المشروع سيصل بين روسيا والصين بخط طاقة جديد قد يُشكل بديلاً لخط أنابيب “ستريم 2” الذي كان قد أنشيء بين روسيا وأوروبا لتغذية القارة الأوربية بالغاز والطاقة الروسية بربع ثمنه في السوق العالمي. انها فرصة للإقتصادات الأسيوية و صدمة للإقتصادات الأروبية!
وها هي قمة جدة العربية ومعها قمة الصين-آسيا الوسطى تؤشر لبدء أفول للتأثير الغربي وانعتاق دول وشعوب العالم من أكاذيب وأوهام المساعدت الغربية، وتَفتُّح العيون والشفاه على نهب الثروات واستمرار زرع بذور الفرقة والشقاق بين الصفوف فنبقى جميعاً خاضعين خانعين اذلاء مستسلمين لإمرة أطماعهم وجشعهم! وعلى الضفة الاخرى، تنعقد قمة مجموعة السبع المؤلفة من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا واليابان في مدينة هيروشيما في اليابان .. قِمّتان للسلام والتآخي، وثالثة لمواصلة الهيمنة والتسلط ولو بالحروب ناعمةً او خشنة، باردةً او نووية!
وفي “الأخبار” (الخميس 25 أيار 2023)، يقدم كريم الأمين ملخصاً لمقابلة اجراها مع راديكا ديساي (Radhika Desai)، أستاذة الدراسات السياسية ومديرة المجموعة البحثية في “الاقتصاد الجيوسياسي” بجامعة مانيتوبا في كندا، والمنسقة لمجموعة البيان الدولي، ومؤلفة لعدة كتب، بينها “الاقتصاد الجيوسياسي: بعد الهيمنة الأميركية والعولمة والإمبراطورية” و”الرأسمالية، كورونا والحرب: الاقتصاد الجيوسياسي”. في هذه المقابلة، تشرح “ديساي” مفهومها عن “الاقتصاد الجيوسياسي” وأهميته في عالم اليوم المتحوّل. وترى “ديساي” أن الكثير مما يحدث مردّه إلى امتناع الدول الإمبريالية عن الإقرار بخسارتها النسبية للسلطة والنفوذ. وفيما يتراجع الغرب، فإنّ بقيّة دول العالم تصعد “حتى الدول التي ليست في الصدارة، كبلدان أميركا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط التي باتت ترى أن هناك بدائل للطريق الرأسمالي الذي لم يحقق أي تنمية خلال العقود الماضية”. وتعتبر أنّ اعتماد نظام مختلف أمر “ضروري وبشكل عاجل”، وأنّ “الصين، تماماً كما فعل الاتحاد السوفياتي في السابق، تقود عملية إنشائه”. وفيما وصلت الإمبريالية والرأسمالية إلى ذروتها في أوائل القرن العشرين وكان “أفولها حتمياً” بعد ذلك، تلاحظ “راديكا ديساي” – لدى تحليلها لمجريات الحرب الأوكرانية في كتابها “الرأسمالية، كورونا، والحرب” – أن المشاركة العالمية في العقوبات الأميركية ضد روسيا تعيد رسم خريطة العالم وحدود المنظومة الإمبريالية كما كانت عليه في 1914. وتوصلت “ديساي”، بعد مراجعة أفكار ماركس، إلى خلاصتين:
“أولاً، تم الوصول إلى ذروة الإمبريالية والرأسمالية في أوائل القرن العشرين، وكان أفولها حتمياً بعد ذلك. وشهدت تلك الفترة الأزمة الإمبريالية وصعود الثورات الشيوعية وحركات التحرر الوطني. وعلى الرغم من التحديات، سعت الدول النامية، إلى استقلال متمحور حول الذات، واقتربت من الصين وروسيا. ومع بداية القرن الجديد، وتوازي تعاظم دور الصين مع انحدار المنظومة الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة، استدارت الأخيرة نحو الأولى باعتبارها منافستها الرئيسية.
ثانياً، ان هذا يحدث بطريقة حاسمة لأن الرأسمالية نفسها وصلت إلى ذروتها في أوائل القرن العشرين.”
باختصار، استشرفت “ديانا” تمكن بوتين من تحقيق كافة أهداف العملية العسكرية في أوكرانيا بتحرير الدونباس، وتدمير التسلح الأوكراني الشامل، ومنع كييف من أن تصبح دولة عضواً في الناتو. لقد استثمر بوتين في اعتلال نظام واختلال معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي كشف عورة نظام التوازن العالمي المتأرجح منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه.
و بعين المادية الديالكتيكية رأىت، كما بوتين، انتكاسات أمريكا والغرب وهزائمهم تترى وتتوالى امام انتصارات ومقاومة تتكاثر وتتعاظم لتمهد للتغيير الكيفي استنادا الى التراكمات الكمية .. هزائم عسكرية متكررة ومتلاحقة على بوابات عواصم الشرق التاريخيّ من بغداد الى دمشق الى صنعاء وصولاً لكابول .. كما يبدو انه قد رأى في خروج بريطانيا من التكتل الاقتصادي الاوروبي آخر علامات السقوط المدوّي لأوروبا في الحضن الأميركي إثر فشلها في الدفاع عن نفسها كقطب مستقلّ بعد انتهاءالحرب الباردة!
حرب نووية ام حرب عالمية بين دول نووية؟
إذن تتسع رقعة التوتر وتتمدد على خريطة العالم، ولم يعد يفصلنا عن “هرمجدون” سوى كبسة زر، فبريطانيا والولايات المتحدة لم يتركا أي خيار امام بوتين سوى الذهاب لأخر مرحلة، وفي حال استخدم النووي لن يتوقف الامر على كييف ولربما تكون لندن المحطة التالية!
فهل نحن حقاً على حافة حرب نووية قد لا تحدث، لكنها بالتأكيد ستُسَّرع تغيير وجه العالم!؟ سؤال طرحته “ديانا”(“رأي اليوم” – Sep 26, 2022) لتجيب عليه “راديكا ديساي”:
“إذا كانت هناك حرب نووية ستحدث، فمن المرجح أن تكون بسبب الموقف العدواني للولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع الدول الإمبريالية الأخرى التي لديها مواقف مماثلة. بينما كل الدول الأخرى التي تمتلك أسلحة نووية موقفها دفاعي في جوهره. أمّا في حال اندلاع الحرب، فمن المرجح أن يكون ذلك نتيجة الإحباط الأميركي في الحفاظ على ما تبقى من هيمنة وسطوة. على الرغم من أن الولايات المتحدة تتمتع بقوة كبيرة، فإنني لا أعتقد أنها تمكنت من تحقيق الهيمنة الكاملة. لقد شهدنا تراجعاً في قوة الكتلة الإمبريالية، ولم يعد الاقتصاد الأميركي الأكثر إنتاجية وديناميكية، وقدرتها العسكرية التي تسمح لها بالتحكم في الأحداث العالمية تتراجع، ولقد بان في فشل الحروب التي خاضتها في القرن الحادي والعشرين والتي توجت بالانسحاب من أفغانستان وعجزها عن السيطرة على أحداث أوكرانيا. وعلى الرغم من كل هذا التراجع، فإنّ النخب الأميركية تبقى مصمّمة على تحقيق نسختها الخاصة من «الهيمنة»، برغم ضعف قدرتها على تحقيق ذلك أكثر من أي وقت مضى. ونظراً لعدم وجود خطة بديلة لدى هذه النخب، فإنها قد تتخذ خطوات خطيرة. وبينما لا شك في أن جميع الدول، بما في ذلك الصين وروسيا، ستتصرف بتحفظ وتحاول تقليل الضرر على الكوكب في حال لجأت الولايات المتحدة الأميركية إلى السلاح النووي، إلا أن الجدير ذكره هو أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي استخدمت أسلحة نووية من دون سبب يمكن تبريره، إذ إنها لم تفعل ذلك من أجل الفوز بالحرب ضد اليابان بل لتخويف الاتحاد السوفياتي.”
اما “ديانا”، فكانت قد علّقت ان بوتين يقبض على معادلة الردع الاستراتيجي الأخطر وهي كفيلة بتطويع الغرب فيسلّم بعالم متعدّد الأقطاب، ويتم تنظيم الاستفتاء في أربع ولايات أوكرانيّة لتصبح جزءاً من التراب الروسي، وروسيا تعلن التعبئة ولو الجزئيّة، وتهدد الغرب الجماعيّ بأسلحة الدمار الشامل دون أن تستعملها. فوفقاً لدراسات مراكز الأبحاث الغربية، تتفوق روسيا نووياً على الغرب عشرات المرات، وتكفي ثلاث قنابل من نوع “القيصر”، تعادل قوة الواحدة منها 100 مليون طن “تي ان تي” لمحو واشنطن، ولندن وباريس!
فهل نتدحرج نياماً الى هرمجدون (Armageddon) بذات ليلةٍ كليلة الكاريبي يوم حبس العالم أنفاسه بانتظار الشتاء النووي حين قرر “جون كنيدي” غزو كوبا وتفكيك الصواريخ النووية التي نصبها الاتحاد السوفياتي على مسافة كيلومترات من الشواطئ الأميركية – ام نسير يقظين الى يوثانت (U Thant) و28 اكتوبر 1962 جديد (ربما في 28 أكتوبر 2022)، لاستعادة اتفاق الصفقة الشهيرة، وهل ننتظر العودة إلى الاتفاق النووي ونراقب الانسحاب الأميركيّ والتركيّ من سورية!؟
هزمتك يا موت “ديانا” روحا نقيّا كالسَّنا
فريدةٌ لم يُقرَن بها أحدٌ، وهكذا الشمس لم تُقرَن بها الشهب ..
الدائم هو الله، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
* الياس فاخوري
كاتب عربي أردني
التعليقات مغلقة.