سلطة الأوليغارشية في الولايات المتحدة الأمريكية / ماريان وليامسون

ترجمة حسين علوان حسين * – الأحد 4/6/2023 م …
* أديب و أستاذ جامعي 




راعية أوبرا وينفري" تترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية – الشروق أونلاين

مقدمة المترجم
هذه ترجمة لمقالة الكاتبة والناشطة الأمريكية ماريان وليامسون المنشورة عام 2021 في مجلة النيوزويك تحت باب: “رأي”. ورغم تشخيصها الدقيق لطبيعة سلطة الأوليغارشية الحاكمة في واشنطن منذ عام 1980، وكذلك للإجراءات المطلوبة لإسقاط هذه السلطة الغاشمة، لكنها تتصور بحسن نية بأن الرئيس بايدن قادر على اتباع السياسات التي من شأنها ضرب السلطة السياسية والاقتصادية المتجذرة لهذه لأوليغارشية الامريكية. وهي واهمة في ذلك، لكون بايدن وغيره هم الخدم الذين رفعتهم نفس سيدتهم الاوليغارشية للسلطة، والاخيرة لم توصل للبيت الابيض سوى أكثر خدمها طاعة لها، منذ ريغن الى اليوم، وحتى المستقبل المنظور. ولهذا نجد أن ادارة بايدن تخدع الشعب الأمريكي الآن بالتراجع عن وعودها الانتخابية في رعاية مصالح سواد الشعب الأمريكي ضد الأوليغارشية عبر إلهائه عن طرق خلق الأعداء الوهميين مثل خطر الصين وروسيا وكوريا الشمالية وبيلوروسيا وصربيا وكوبا وفنزويلا .. الخ، رغم أن حكم الأوليغارشية هو العدو الأكبر للمصالح الأساسية لسواد الشعب الامريكي. بل ولقد دشن عهد بايدن الحرب الباردة الثانية لنفس أغراض الحرب الباردة الأولى: لإدامة الهيمنة الأمريكية على العالم وذلك على حساب المصالح الحيوية لحلفائه الأوربيين الغربيين وغيرهم، وخدمة لمصالح لوبي التصنيع العسكري الأمريكي.
نص المقالة:
“ماريان ويليامسون ، كاتبة عمود في مجلة Newsweek ومؤلفة وناشطة اجتماعية وسياسية.
بتاريخ 3/10/21 الساعة 9:08 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة
يقولون أن الشيطان يكمن في التفاصيل، ولكن في بعض الأحيان يكمن الشيطان في الصورة الكبيرة.
عندما يتعلق الأمر بالنظام السياسي الأمريكي، فإن المشكلة القائمة الآن ليست هي مجرد حصول حالة من الخلل الوظيفي هنا أو عنصر من عناصر الفساد هناك. إنها لا تتمثل بشيء واحد فحسب، بل بكل شيء. لقد أصبحت حكومتنا نظامًا للرشوة القانونية، حيث أفسد التأثير غير المشروع للمال، وخاصة أموال الشركات، ديمقراطيتنا.
وقد أدى ذلك إلى خلق ما يعتبر لجميع المقاصد والأغراض نظامًا مزورًا اقتصاديًا. فنظرًا للتأثير غير المشروع للمال على نظامنا السياسي، فإن السياسيين لدينا يبذلون الآن المزيد من الجهود لخدمة مصالح الشركات الكبرى أكثر من عملهم لخدمة المصالح الإنسانية. أنهم ينادون بتعظيم الأرباح قصيرة الأجل لكيانات الشركات الضخمة قبل دعوتهم لضمان صحة ورفاهية وأمن الشعب الأمريكي والكوكب الذي نعيش عليه.
هناك كلمة تصف الوضع الذي تتحكم فيه مجموعة صغيرة من الناس على معظم الموارد وتمارس معظم السلطة في بلد ما، أنها: الأوليغارشية.
يدرك المزيد والمزيد من الأمريكيين من اليسار واليمين الآن أن ديمقراطيتنا قد تحولت إلى حكم الأوليغارشية. لقد تمت عرقلة قدرة حكومتنا على خدمة شعبها حقًا ، وذلك بما يضمن خدمة المصالح الخاصة لعدد قليل نسبيًا على أفضل وجه ؛ ولم يؤد هذا إلى خلق مجرد فصل شاذ في تاريخنا، بل وخلق نظامًا راسخًا على ما يبدو من الظلم الاقتصادي.
لقد تعرضت الديمقراطية للهجوم في أمريكا منذ فترة طويلة جدًا، وفي هذه المرحلة لا يبدو أنها ستربح المعركة ضد هذا الهجوم.
بدأت سيطرة الأوليغارشية على حكومة الولايات المتحدة منذ عام 1980 حتى اليوم. وكانت تتحرك بتسارع كبير أحيانًا، وأحيانًا تتحرك بشكل أبطأ، ولكنها لم تتضاءل أبدًا. في الوقت الحالي، تم إدخالها ضمن خانة: “الطريقة المعتادة التي تسير بها الأمور” – وعلى حد تعبير الأب المؤسس توماس باين: “فإن العادة الطويلة المتمثلة في عدم التفكير بشيء ما على اعتباره أمراً خاطئاً من شأنها أن تمنح هذا الخطأ المظهر السطحي بكونه هو الصواب”.
على عكس حيلته الترويجية لذاته ، مثلت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب ذروة حكم الأوليغارشية. ففي الوقت الذل ادعى فيه ترامب أنه يمثل صوت الشعب الذي يدافع عن مصالحه ضد نخبة واشنطن ، لم يكن هناك شيء أبعد عن الحقيقة من هذا الادعاء. وتعتبر صورة دونالد ترامب كبطل للمواطن الفقير أحدى أكبر الأكاذيب في صميم فترة رئاسته.
لكن ترامب لم يعد رئيسًا ، والقوة الهائلة لهذا المنصب تكمن الآن في يد جو بايدن . لا يزال الوقت مبكرًا على رئاسة بايدن ، ولكن حتى الآن ، فإن إدارته تقدم الدعم في كثير من الحالات للسياسات التي مهدت الطريق لصعود ترامب أصلاً.
يتأرجح وعد بايدن بـ “إعادة البناء بشكل أفضل” نحو إعادة البناء إلى حد كبير كما كان من قبل: عدم إيقاف حكم الأوليغارشية بقدر ما يجعله أكثر احتمالًا بالنسبة للإنسان البسيط. يوفر قانون الإنقاذ الأمريكي ما يكفي من الراحة لتمكين الناس من العودة إلى حياتهم المليئة بالضغوط والصدمات الاقتصادية كما كانت قبل حدوث الوباء.
حتى قبل الوباء ، لم يكن 40 في المائة من الأمريكيين قادرين على تحمل دفع 400 دولار من الانفاق الاضافي. اليوم ، يعيش غالبية الأمريكيين في حالة من انعدام الأمن الاقتصادي. صحيح أن العديد من العناصر الواردة في قانون الإغاثة من وباء كوفيد كانت ممتازة ، ويجب الاعتراف بذلك؛ لكنها لا تخلق ذلك النوع من التغيير الأساسي الذي من شأنه أن يدمر المكانة المريحة التي تتربع فيها الأوليغارشية الأمريكية الآن.
لقد تسبب الرئيس بايدن في موجة من الإثارة عندما وضع صورة روزفلت على رف الموقد في المكتب البيضاوي. لكن روزفلت لم ينقذ الناس في فترة الكساد العظيم فحسب ؛ بل وخلق التغييرات الاقتصادية الهيكلية التي عالجت الأسباب الأساسية للكساد في البداية. لقد أعطى الناس “الصفقة الجديدة” ، بمعنييها الحرفي والمجازي. إن إنقاذ الأشخاص الذين يغرقون في وسط المحيط ليس كافيًا بحد ذاته ، إذا كان الامر يتعلق فقط بإيصالهم إلى الشاطئ حيث يظلون أفضل بقليل من وضع الأقنان في أرضهم.
لم يقودنا وباء كوفيد وحده إلى ما نحن فيه ، ولم يقودنا ترامب وحده إلى ما نحن فيه. لقد استمر النقل الهائل للثروة إلى أيدي 1٪ من الأمريكيين منذ 40 عامًا ، وهي مسيرة من المخالفات بدأت مع الجمهوريين ولكن لم يوقفها أي رئيس ديمقراطي. لا شيء أقل من القطع الجذري لتلك المسيرة سيضع حداً للاستبداد الاقتصادي الذي من خلاله تستخدم الكيانات المؤسسية العملاقة – من شركات التأمين الصحي إلى شركات النفط الكبرى إلى مقاولي الدفاع وأكثر من ذلك – حكومة الولايات المتحدة باعتبارها أكثر بقليل من مجرد بقرة نقدية لزيادة أرباحهم على المدى القصير.
سواء كان في رفضنا لحكم الأرستقراطية الإنجليزية عام 1776 ، أو لنظام الشركات الأمريكية عام 2021 ، فإن أكثر ما يقوله الأمريكيون في العالم هو: “لا، بحق الجحيم” لمثل هذا الهراء غير الديمقراطي.
هل تقدر الأوليغارشية على نبذ زعمها بأن الموارد الرئيسية للبلد يجب أن تكون ملكًا لها ولها وحدها؟ بالطبع لا؛ لم يحدث هذا أبدًا ولن يحدث ذلك أبدًا. هذه هي طبيعتها الوجودية.
وبكلمات توماس جيفرسون: “إن الاتجاه العام للأغنياء هو افتراس الفقراء .”. . من المفروض أن يعرف كل جيل هذه الحقيقة وأن يصدر القوانين بموجبها.
إن النظام الذي يسهل بشكل روتيني على الأغنياء أن يصبحوا أكثر ثراءً ويصعب على الفقراء حتى تحقيق الحياة على الإطلاق ، هو نظام غير أخلاقي وغير أمريكي وغير ديمقراطي. ليس من حقنا فقط ، بل ومن مسؤوليتنا أن نعارض مثل هذا النظام ، سواء كان ذلك ضروريًا للجمهوريين أو للديمقراطيين .
إن فئة المانحين من أصحاب المليارات لا تتعرق في سبيل المواطن الأمريكي العادي ، ووجود مثل هذا النظام الطبقي الاقتصادي يحمل بصمات الحكومة ألتي تدير ظهرها بشكل منهجي لشعبها. عندما لا يُسمح لنا بالتفكير بجدية في فرض الضريبة الثروة بنسبة 3 في المائة على المليارديرات ، ومع ذلك لا يمكننا رفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولارًا في الساعة ، فإن الشعب الأمريكي يواجه هنا مشكلة حقيقية، حيث لا يتم فقط تجاهل احتياجاته ؛ بل انه يتعرض للعدوان أيضاً.
إن الشعب الأمريكي يستحق رئيسًا ينحاز بشكل لا لبس فيه إلى مصالحهم، وهذا الانحياز لن يجعله دائمًا يحظى بالشعبية لدى الجميع ، لكن كسب رضا الجميع لا ينبغي أن يكون أمراً مهمًا.
أولئك الذين وصفهم روزفلت بـ “الملكيين الاقتصاديين” دافعوا بقوة ضد خططه للصفقة الجديدة – والتي رد عليها بعبارته الشهيرة: “أنا أرحب بكراهيتهم”. هل صرخوا بصوت عال أنه اشتراكي؟ بالطبع فعلوا ، تمامًا كما نراهم يفعلون الآن. وكيف كان الرد؟ لقد كان رده، من بين أمور أخرى ، هو بإنشاء قانون الضمان الاجتماعي. هل هناك من يشتكي من هذا القانون اليوم؟
كان روزفلت يعلم أن مجرد مساعدة الناس أثناء الأزمات لا يكفي ؛ لأن دور الحكومة يجب أن يكون خلق المجتمع الذي يمكن فيه تفادي مثل هذه الأزمات. لقد كان مكرسًا لما أطلق عليه “الاصلاحات الثلاث”: إغاثة العاطلين عن العمل والفقراء، وتعافي الاقتصاد إلى المستويات الطبيعية، وإصلاح النظام المالي لمنع تكرار الكساد.
في ظل ظروفنا الحالية، يولي الرئيس بايدن اهتمامًا جديرًا بالثناء للمبدأين الاثنين الأوليين، لكن العنصر الثالث – إصلاح النظام المالي لتحقيق تكافؤ الفرص فعليًا ومنع المزيد من الكوارث – لا يزال معلقاً في الهواء. لماذا؟ لأن مثل هذه التغييرات الأساسية من شأنها أن تغضب الأوليغارشية اليوم ، ويبدو أن بايدن غير راغب بعد في اتباع خطى روزفلت والترحيب بكراهيتهم.
أين يتركنا ذلك؟ على الأرجح في الطريق إلى رئاسة ترامب الثانية أو الى الرئاسة الترامبية التالية، مثلما أخشى.
لأنه بدون اتباع السياسات مثل الإعفاء النقدي الشهري المباشر، والحد الأدنى للأجور الأعلى، والرعاية الصحية الشاملة، والتعليم الجامعي المجاني، وإلغاء ديون قروض الطلاب، وإعادة قانون غلاس-ستيجال، والحوكمة القوية للاحتكارات، والتشريعات المؤيدة للعمل ، وفرض الضريبة على الثروة ، والإلغاء من التخفيضات الضريبية لعام 2017 (وليس تخفيضات الطبقة الوسطى) – والتي ستشكل جميعها نسخة اليوم من الصفقة الجديدة – عندها سيفعل الديمقراطيون بثلاثيتهم في واشنطن ما يفعله الديمقراطيون كثيرًا هذه الأيام: ألم الملايين من الناس ، لكنهم يرفضون تحدي القوى الكامنة التي تجعل عودة معاناتهم أمرًا لا مفر منه.
إذا كان الأمر كذلك ، فماذا سيفعل هؤلاء الناس في الانتخابات القادمة؟ الكثير من الناخبين – الكثيرون جدا – سيبقون في منازلهم ببساطة. لقد خرج ثمانية ملايين شخص للتصويت لصالح بايدن أكثر من ترامب لسببين: للتخلص من ترامب ، نعم ، وأيضًا لأنهم آمنوا بالديمقراطيين عندما طرحوا الوعد القائل بأن يومًا جديدًا لهم هو أمر متاح.
أن حقيقة كون اليوم ليس مروعاً بالدرجة التي كان عليه الأمس لن تكفي ؛ اليوم الجديد يعني يومًا جديدًا بمعنى الكلمة، ليس فقط مع قدر أقل من اليأس ولكن أيضًا مع المزيد من الأمل. وهذا يعني وضع حد لهذا النمط السائد، والرفضً للظلم الاقتصادي الراسخ بلا مجاملات، والشجاعة في إحراج أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين وتجاوز قواعد مجلس الشيوخ القديمة، والالتفات الى مصالح الشعب أكثر من الاهتمام بمصالح الحزبين لكي يصار الى إنامة الأوليغارشية المؤسسية لدينا في الفراش – مرة واحدة وإلى الأبد.
هل تريد أن تكون مثل فرانكلين روزفلت ، يا سيدي الرئيس؟ تحرك إذن من فضلك. لقد كان الشعب الأمريكي يستحق “الصفقة الجديدة” في الثلاثينيات، وهو يستحق الصفقة الجديدة اليوم.”
ماريان ويليامسون: كاتبة عمود في مجلة نيوزويك، ومؤلفة وناشطة سياسية وزعيمة فكر روحي. وهي العضو المؤسس لمنظمة: Project Angel Food والعضو المؤسس المشارك لتحالف “السلام”. وكانت أول مرشحة في الانتخابات التمهيدية الرئاسية لعام 2020 لجعل التعويضات عن أضرار وباء كوفيد أحد أعمدة حملتها. ألّفت 13 كتابًا، من بينها “شفاء روح أمريكا” و “سياسة الحب” .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.