الضفة.. السلطة صنعت “الفلتان” وتخشى القضاء عليه
الأحد 21/8/2016 م …
الاردن العربي – أحمد بدير …
لم تكن حادثة مقتل اثنين من رجال الأمن الفلسطيني مساء أول أمس الخميس في مدينة نابلس بالضفة المحتلة، هي الأولى ولا الأخيرة، في ظل تزايد حالات الفلتان الأمني وعودة ظواهر الميليشيات المسلحة في بعض المناطق بالضفة.
وحول هذه الحادثة، ردّت الأجهزة الأمنيّة بقتل اثنين ممن أسمتهم “الخارجين عن القانون” وهم: الأسير المحرر خالد ناصر الأغبر، والشاب علي حلاوة، خلال عملية الاشتباك، فيما أشار شهود عيان أن الشابين أعدما ميدانياً بلا أي سبب، وأعلنت عائلة الأسير الأغبر براءة ابنها وطالبت بتشريح الجثمان.
ومن الأحدث نبدأ، في مساء أول أمس الخميس، قام مسلحون ملثمون في نابلس، باختطاف الشاب محمد رياض النادي (22) عاماً، بعد ساعة واحدة من الإفراج عن والده، المعتقل منذ (85) يوماً لدى جهاز الأمن الوقائي.
وفي مساء التاسع والعشرين من يونيو الماضي، قتل (3) شبان فلسطينيين، وأصيب (14) آخرين منهم (7) بحالة الخطر في شجار عائلي جنوب غرب جنين.
أما فجر الأربعاء، السادس من يوليو الماضي، فشهد تجدد للاشتباكات في بلدة صور باهر بالقدس المحتلة، بين عائلتيْن، نتج عنه مقتل الشاب شادي أبو كف (26 عاماً) طعناً، وجرى إحراق مجموعة منازل ومحال تجاريّة وسيارات.
وبحسب مصادر خاصة صرحت لـ”بوابة الهدف”، فان معظم الحوادث التي تجري ترتبط بالصراع على وراثة مشروع التنسيق الأمني، وتم اتخاذ قرارات من المؤسسة الأمنيّة في الضفة بملاحقة الخارجين عن سيطرتها، “إلا أن هذه القرارات لم تنفذ إلا بشكلٍ انتقائي، سيما وأن هذه القرارات اقتصرت على بعض عناصر الأجهزة الأمنيّة، فيما تم استثناء كل السلاح المنتشر في شبكات اجراميّة وبنى أخرى لا تهدد منظومة التنسيق الأمني ولكن هي من يهدد المجتمع فعلياً”.
وتضيف المصادر لـ”الهدف”، “جرى قرار باستدعاء 1200 عنصر من المفرغين على هذه الأجهزة وغير الملتزمين بدوام محدد، من أجل البت في أوضاعهم، للاشتباه بصلة كثير منهم بحوادث القتل والفلتان، التي يغذي جزء منها شخصية أمنيّة فلسطينيّة سابقة مرتبطة بجهات اقليميّة، وهذا القرار يجري تنفيذه بشكلٍ جزئي”.
كما وتؤكد المصادر، على أن عمليات الحشد المتبادل بين المؤسسة الأمنيّة الحاليّة وشخصيّات أخرى نافذة تجري منذ أكثر من (3) أعوام، وتؤدي لتكدس سلاح واستزلام العناصر على نحو لا علاقة له بالمقاومة بل في اطار الصراع على وراثة منظومة التنسيق الأمني.
وحول نوايا الأطراف المتصارعة في الضفة، تشير المصادر الى أن كل الأطراف المتصارعة ليس لديها أي نوايا ضد الاحتلال، ونادراً ما بادر الاحتلال بأي سلوك ضدها، و”تشتري السلاح وتكدسه على مرأى ومسمع من هذا المحتل، وهناك خشية حقيقيّة من تحول الأمور الى صراع دموي حول السلطة يدفع شعبنا ثمنه، ويستفيد منه الاحتلال بشكلٍ كبير”.
من الملحوظ أن الاحتلال لا يدعم أحد الطرفين في الضفة ضد الآخر ولكن يسعى لتغذية هذا الصراع عبر التساهل مع كلا الطرفين.
تختم المصادر للهدف بالقول “بالنسبة للاحتلال فالأمر جزء من خططه للضفة الغربيّة والمشهد الفلسطيني ككل، وقد عبر عنه وزير الحرب الجديد افيغدور ليبرمان حين أكد على التواصل مع شخصيات وقيادات فلسطينيّة متنوعة بعيداً عن أي جهة سياسيّة فلسطينيّة رسميّة، وهو ما سيغذي الصراع “الفلسطيني الفلسطيني” وسيسهم في تفتيت البنية الفلسطينيّة وإضاعة المشروع الوطني الفلسطيني”.
وعن زيادة حوادث القتل والعنف الملحوظة مؤخراً، وهل هي ناتجة عن ضعف سيطرة السلطة والأجهزة الأمنيّة على بعض المناطق.
يقول الدكتور الأكاديمي والسياسي الفلسطيني، عبد الستار قاسم، أن المشكلة الأساسيّة موجودة منذ ما يقارب (20 عاماً)، لكن السلطة هي من صنعت ما أسماهم بـ”الزعران” من أجل الاعتداء على الناس بدون إذنٍ منها، بمعنى أنهم أداة إرهاب للمواطنين لكي لا يتمردوا على اتفاق “أوسلو” ومخرجاته، ومن أجل هذا سلّحت السلطة هذه المجموعات التي اعتدت على الناس وأموالهم وأعراضهم.
وأكد الدكتور قاسم في اتصالٍ هاتفي مع “بوابة الهدف”، أن هذه الأعمال ستؤدى إلى خراب البلاد، كون هذه المجموعات تطلق النار في الأماكن والساحات العامة ولا أحد يتصدى لهم، وحين قالت السلطة أنها ستقضي على الفلتان الأمني “طلبت من هؤلاء الزعران الهدوء فقط” دون ملاحقة أو محاسبة، وما زال كبار الأشخاص المعتدين على الناس أحراراً في الشوارع.
وأشار المحلل الفلسطيني، الى أن ما يحصل اليوم في بعض مناطق الضفة المحتلة وفي ظل زيادة عدد الأسلحة في يد هذه المجموعات الخارجة عن القانون، أصبحوا يتحدون أسيادهم، والسلطة تحاول القضاء على ما أوجدت في السابق لكنها لن تستطيع، مفسراً ذلك بأن السلطة هي من أوجدتهم على الساحة الفلسطينيّة، وفي حال قمع أو القضاء عليهم ستعلو أصواتهم وسيعلم الشعب الفلسطيني من المتسبب في العديد من الجرائم التي وقعت في بعض مدن وقرى الضفة، لذلك فالسلطة غير جادة في ملاحقتهم ومعاقبتهم.
وعن كونها حوادث فرعيّة ناتجة عن تراكم المشاكل الاجتماعيّة في الضفة، ينفي الدكتور قاسم ذلك قطعاً بالقول “ما يحصل هو ناتج عن سياسة السلطة الفلسطينيّة، كونها عملت منذ البداية على التمزيق الاجتماعي والانهيار الأخلاقي، وجندت هؤلاء لإرهاب الناس حتى لا يجرؤ أحداً منهم على تحدي الوضع القائم من فساد وتنسيق أمني مع إسرائيل وعلاقات اجتماعيّة مع الصهاينة”.
البعض قد حذر في وقتٍ سابق من أن انتفاضة القدس المندلعة حاليّا كانت سبباً في تدهور الوضع الأمني في الضفة المحتلة.
يعقب الدكتور عبد الستار “الحاصل حاليّا ليست انتفاضة بالمعنى الحقيقي وهذه مبالغات إعلاميّة، بل هي بعض الأعمال في مواجهة الإسرائيليين ببعض السكاكين، لكنها لم تتحول إلى مقاومة فعّالة لمواجهة المحتل، فضلاً أن هذه الهبة لم تؤدي إلى فوضى، ومن صنع الفوضى هي السلطة الفلسطينيّة والاحتلال سعيد بهذا الفلتان، لكنه لا يسمح بالفلتان في حالة واحدة فقط، إذا أصبح الفلتان يهدد أمنه”.
الدكتور قاسم والذي أعتقل أكثر من مرة على يد الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة، يؤكد أن المخابرات الصهيونيّة هي التي عملت من خلال تجار سلاح فلسطينيين على تدفق الأسلحة للضفة الغربيّة عن طريق وسائلها وأساليبها الخاصة والمتنوعة، وهم بدورهم يبيعون السلاح في الشارع الفلسطيني.
وللقضاء على مظاهر الفلتان والعربدة يقول الدكتور قاسم بأنه من الضروري أن يكون هناك سلطة جديدة بثوب فلسطيني جديد، ونسف كل السياسات القائمة حالياً التي قامت منذ البداية على الفساد والخيانة.
التعليقات مغلقة.