التحالف الروسي – الإيراني.. متغيّر استراتيجي كبير / د.فايز رشيد

 

د. فايز رشيد ( الأردن ) الأحد 21/8/2016 م …

إنها مفاجأة أخرى للرئيس الروسي بوتين! فلم يكن اجتماع وزراء الدفاع في كل من روسيا وسوريا وإيران, في طهران, في شهر يونيو الماضي بروتوكوليا! كما وصفه المراقبون آنذاك, بل اجتماع هيأ لخطوات كبيرة لاحقة أبرزها:الخطوة (القنبلة) ببداية الإعلان عن تحالف استراتيجي عسكري بين روسيا وإيران ( مثلما عبّر عن ذلك مسؤول إيراني رفيع). بما يعنيه ذلك, من تداعيات على الصراع في سوريا, وحسمه على الطريقة التي يريدها البلدان. ثم في انطلاق الطائرات الروسية من قاعدة همدان الجوية الأقرب إلى الحدود العراقية, وهي القاذفات الاستراتيجية الروسية من طراز (تو22 إم 3), لمهاجمة التنظيمات الإرهابية في حلب وسوريا عموما. تقع قاعدة همدان بين الجبال, ويُراهن عليها في حماية إيران من أية هجمات, حتى لو كانت بالصواريخ المجنحة ( كما يقول الخبراء العسكريون). وأيضا, ما يعنيه هذا التحالف من بداية وقوف فعلي للبلدين أمام الاستراتيجية الصهيو – أميركية المدعومة من دول غربية كثيرة, ومن البعض العربي! وبخاصة بعد استدارة السياسية التركية (التي ستكون على المحك), إثر الانقلاب الأخير, وبعد مسار المصالحة المُنتهج في العلاقات التركية – الروسية, وزيارة أردوغان لموسكو, ومحمد جواد ظريف لأنقرة, ومسؤولون أتراك لطهران, وما تبع ذلك من تسريبات تتحدث عن المبادئ المتفق عليها بين الدول الثلاث, وتتضمن حكومة وطنية انتقالية موسعة, واحترام اختيار الشعب, وعدم اشتراط رحيل الأسد وما تلاها ربما! من تصور تركي جديد للصراع في سوريا.

في إحدى مقابلاته, قال الرئيس الروسي, الذي لا يعرف أحد ما في رأسه, سواه,”أن الطائرات الأميركية في سوريا ترى الماء في الكأس, ولا ترى مواقع داعش “. تصريح بوتين جد معبّر عن حقيقة هجمات “التحالف الدولي” على تنظيمات الإرهاب! فطيلة ما يزيد عن العامين, لم تحقيق غاراته نتائج تُذكر! سوى من استطاعة التنظيمات تحقيق نتائج فعلية جديدة, بالسيطرة على المزيد من المناطق السورية. مثّل الدخول الروسي (غير المتوقع) على خط الصراع في سوريا, لاعتبارات وحيثيات معروفة (ذكرناها في مقالات سابقة في “الوطن”) مثّل محطة التحول الرئيسية في مسار الصراع في سوريا. لقد جرى استغلال الهدنة السابقة لتسليح “داعش” و”فتح الشام” (النصرة سابقا) وغيرهما من التنظيمات الأصولية المتطرفة. كان الانسحاب العسكري الجزئي الروسي من سوريا, وموافقة موسكو على التنسيق مع واشنطن حول سوريا. بدا الأمر وكأن بوتين تراجع خطوة الى الخلف, واعتقد معظم المحللين السياسيين الجهابذة, أن روسيا تراجعت عن قرارها بشان الجبهة العسكرية، في الوقت الذي تقدمت فيه التنظيمات المسلحة الارهابية على جبهة حلب، حيث اجتاح مسلحوها الكلية الجوية, وما حولها من مواقع عسكرية للجيش في جنوب المدينة,لكن بوتين وكعادته ,فاجأ العالم بخطوة استراتيجية جديدة. صحيح أنه تراجع خطوة الى الخلف! لكنه في النهاية تقدم خطوتين, وبشكل لم يتوقعه احد.

مارك تونر, الناطق باسم الخارجية الأميركية, علق على التطور الملحوظ, المتمثل بسماح ايران لروسيا, استخدام قواعدها العسكرية واجوائها, بالقول:”إنه لأمر مؤسف, لكنه لم يكن مفاجئا”. العبارة مقتضبة, ولكن مليئة بالتعبير عن الانزعاج الشديد, والشعور بالمرارة والخيبة, والاحتمال الكبير القائم باطاحة المخطط الاميركي, الرامي الى نشر الفوضى في المنطقة, وشرعنة الارهاب, عبر اعادة تأهيل فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام, بعد ان “نصحه” الاصدقاء في تل أبيب واشنطن وعموم الدول الغربية, وخصوصاً انقرة(قبل الاستدارة الأخيرة في سياستها السورية) وبعض العواصم العربية, بفك ارتباطه بالتنظيم الأم, كي يسهل عليهم تسويقه وادخاله في التسوية السورية المرتقبة.

ان تصل العلاقة بين طهران وموسكو حدود فتح قاعدة همدان الجوية الأقرب إلى الحدود العراقية, امام القاذفات الاستراتيجية الروسية من طراز (تو 22 إم 3), ينطوي على اكثر من رسالة, ويهيئ الأجواء في المنطقة لمرحلة جديدة. واذا ما استعدنا اقوال روبرت مالي, منسق البيت الابيض لشؤون الشرق الأوسط لمجلة “فورين بوليسي” قبل أسبوع” من أن بلاده ستفعل المستحيل حتى لا ينجح النظام السوري”, لتأتي الغارات الروسية المنطلقة من قاعدة همدان الايرانية, كي تترك ادارة اوباما االذي بات فعلا ” كبطة عرجاء”, في حيرة من أمرها.

كذلك, هناك لقاءات وحوارات تتم في الدوحة للمعارضة السورية مع أطراف إقليمية لبحث المتغيرات الطارئة, وبصورة خاصة في الموقف التركي الذي كان يمثّل أحد أبرز الداعمين للمنظمات الأصولية المتطرفة. وليس واضحاً ما هو “العرض” الذي يمكن أن يقدمه الأتراك لتلك التنظيمات, بعد التغييرات في موقف تركيا. ثم اللقاء الذي تم بين نائب وزير الخارجية الروسية بوغدانوف والمعارض السوري معاذ الخطيب, وفيه تم التأكيد على وحدة الأراضي السورية وأن الحل في سوريا هو سياسي فقط. من جانبهم, بدأ كثيرون من المحللين السياسيين في إلقاء تبعة فشل المعارضة السورية في تحقيق مخططاتها المرسومة, على الشماعة الأميركية من خلال الادعاء:” بأن من الواضح أنّ الأميركيين باعوا سوريا والسوريين إلى روسيا” و “أن أوباما بات عاجزا” و “إن هذا الاستنتاج ليس جديداً, لكنّه أصبح اليوم أكثر وضوحاً, بل وهناك حديث عن تنسيق أميركي – روسي للضربات الجوية”… إلخ.

هذا يتماهى مع ما تقول الصحف الإسرائيلية. يوسي ميلمان كتب في “معاريف”, الأربعاء 17 أغسطس الحالي 2016 قائلا: “مع أن أسرة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية كانت تعرف مسبقا عن نية روسيا مرابطة طائرات قتال وقصف, إلا أن البلدين لم يفعلا شياء تجاه الكارثة الجديدة. إن القصف الروسي من إيران هو ظاهرة يجب أن تسبب منتهى القلق لإسرائيل”. أما أفرايم هليفي رئيس الموساد السابق, فقد كتب في صحيفة “يديعوت أحرونوت”, الخميس 18 أغسطس الحالي 2016 قائلا: ” ان نشر قاذفات روسية في المطار الايراني همدان, وتنفيذ طلعات يومية من هناك نحو اهداف في سوريا, هو حدث تأسيسي في التاريخ الايراني. فلم يسبق أن سمحت ايران أبدا بمرابطة قوات أجنبية في اراضيها. بوتين فنان نادر في استخدام كل رافعات القتال الاستخباري, الدهاء والخداع الاستراتيجي, التضليل والاستخدام المتوازي للعلني والخفي. حتى الان كانت نجاحاته اكبر من اخفاقاته. ليس صعبا ان نفهم ما هي مصالحه الامنية في منطقتنا وكيف يعمل على ضمانها. معروف أقل للجمهور, كيف تحفظ المصلحة الامنية لإسرائيل, غداة انتشار طائرات توبولوف في همدان الايرانية. مرغوب فيه ألا نتفاجأ”.

ألا تتفقون معي على أن التحالف الإيراني السعودي هو تغير استراتيجي في عموم المنطقة؟

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.