العدو الإسرائيلي من استرتيجية العدوان إلى استراتيجية منشورات الهروب السريع / م. ميشيل كلاغاصي
م. ميشيل كلاغاصي ( سورية ) – الأربعاء 7/6/2023 م …
بدأ الكيان الإسرائيلي يشعر بتقييد حركته نتيجة جملة معادلات وقواعد الإشتباك التي راكمتها المعارك وجولات المواجهة مع فصائل وأحزاب ودول محور المقاومة , إن كان على مستوى على الحدود الشمالية , أوفي الداخل الفلسطيني وقطاع غزة , ناهيك عن معاناته الداخلية وأزماته السياسية , التي تعكس الخلافات والإختلافات السياسية والإيديولوجية العنصرية – الداخلية , داخل مجتمعه العنصري أساساً , وتمييزاً ما بين متطرفيه , ومستوطنيه الغربيين والمشرقيين والأفارقة , أمورٌ لم يعد قادراً على إحتوائها , على الرغم من محاولاته الدؤوبة لتصدير أزماته الداخلية , وخوض الحروب أو المعارك , واللعب على وتر “أمن الكيان” لرص الصفوف ما أمكن , ومع ذلك كاد الداخل الإسرائيلي مؤخراً أن ينفجر بحربٍ أهلية , تزيد من همومه وهواجس وجوده وبقائه.
وبات ينتقل من إستراتيجيةٍ إلى أخرى خائفاً مرتبكاً , رغم صراخه وتهديداته المستمرة , التي “لم تعد تخيفنا” بحسب كلام سماحة السيد حسن نصر الله , وبات أكثر فأكثر بحاجةً إلى استراتيجية “الجدر الإسمنتية” , واستراتيجية النزول إلى “الملاجئ وتكديس المؤن” , واستراتيجية رسائل “المنشورات” , فلم تعد منشوراته تسعى للوصول إلى أيدي أعدائه فقط , بل بات يرسلها إلى مستوطنيه أيضاً.
وقد أثار المنشور الإسرائيلي الذي ُوزع مؤخراً على رؤساء المستوطنات والمدن الشمالية , هلع المستوطنين ، خصوصاً وأنه ركز على دعوتهم في حال نشوب الحرب , إلى “إخلاء البيوت ومغادرتها بأسرع ما يمكن” , خشية إغلاق الطرقات “جراء السقوط المرتقب لصواريخ المقاومة , بما لا يتيح فرصة الحركة والتنقل”.
إن التدريبات أو المناورات الحالية التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي في المناطق الشمالية المحاذية للحدود , تحت مسمى “القبضة الساحقة”, تأتي بعد أيام من المناورة الرمزية التي قام بها مقاومو حزب الله , والتي شكلت محاكاة لعملياتٍ نوعية تحت عنوان “سنعبر” , ورسائلها حول الإنتقال من حالة الردع والتصدي للعدوان الإسرائيلي , إلى حالة الهجوم , وسط معادلة “وحدة الساحات” و”وحدة الجبهات” على مستوى محور المقاومة مجتمعاً.
في الوقت الذي يستبعد فيه بعض الإسرائيليين نشوب الحرب , نشرت القناة “14” الإسرائيلية تقريراً أكدت فيه أنه وبحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن “ستكون الحرب في الجبهة الشمالية قاسية وطويلة” , وأقوى بكثير من الحرب في لبنان عام 2006 , ولا شيء يشبهها , “فالحرب مع حزب الله ستكون قاسية ومدمرة وغير مسبوقة “لإسرائيل” وعلى الشعب اليهودي التماسك والصبر, وبأن الحزب “سيطلق 15 ألف صاروخ في أول 3 أيام من الحرب وعلى الجبهة الداخلية الإستعداد”.
تدرك سلطات الكيان الغاصب بأنها باتت اليوم تواجه الكثير من التهديدات سواء من إيران أو حزب الله أو من محور المقاومة مجتمعاً , في وقتٍ عبّر قادتها خلال المواجهة الأخيرة مع فصائل المقاومة في غزة , بأنهم “لا يسعون إلى حربٍ كبرى” , في وقت يراقبون فيه عديد التغيرات على خارطة الجغرافية السياسية , والإنخفاض الكبير في مستوى التوترات بين الدول العربية , ومثلها تلك التوترات بين إيران ودول الجوار , وهذا يصب في خانة تعزيز النفوذ الإيراني , وزيادة صلابة الجمهورية الإسلامية في مقاومة المشروع الصهيو –أمريكي في فلسطين المحتلة ولبنان وسوريا والعراق واليمن وعموم المنطقة , أمورٌ تزيد هواجس وقلق الكيان , خصوصاً مع إنشغال وتركيز الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين على الحرب ضد روسيا في أوكرانيا واستعدادها لمواجهة الصين.
ونتيجة لذلك ، قد تكون إحتمالية إقدام سلطات الكيان المؤقت على عملٍ طائش , وخوض مواجهة جديدة على إحدى الجبهات أمراً معقداً , وقد يؤدي إلى مخاطر إقليمية كبيرة , في حين عبّرت المقاومة عن جهوزيتها واستعدادها , وسط إطلاق رئيس الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية تحذيراته للمقاومة اللبنانية من “ارتكاب خطأ يؤدي إلى حرب في الشرق الأوسط”.
لا تحتاج سلطات الكيان الغاصب إلى ذرائع لشن العدوان , بالتماهي مع طبيعتها العدوانية التوسعية , وبتقديمها الدائم لأوراق إعتمادها على مذبح خدمة من زرعها كياناً إحتلالياً في فلسطين , وفي قلب الشرق الأوسط , ومع ذلك تستمر الرواية الإسرائيلية مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو , وإتهام إيران بإنتاج الأسلحة النووية , وبخطورة ومخالفات برنامجها النووي , على الرغم من إصرار وكالة الطاقة الدولية على دحض ورفض مثل هذه المزاعم , وبأنه لا أساس لها من الصحة , الأمر الذي يضعف من قيمة الإتهامات الإسرائيلية , ويجردها من ذريعة إشعال الحرب والعدوان على إيران , ويُبقي على منسوب القلق الإسرائيلي من حقيقة انكشاف ضعف ما تسمى القبة الحديدية , وامتلاك المقاومة عدداً كبيراً من الصواريخ الدقيقة , والطائرات المسيرة المتطورة , ناهيك عن قدرات وجهوزية عناصر المقاومة لإختراق وعبور الشريط الحدودي , وبتنفيذ عمليات الأسر , وتفجير الجدر الإسمنتية , وإقتحام المستوطنات.
بالإضافة إلى ذلك ، بات على قادة الكيان توقع أن تدور المواجهة القادمة على أرض فلسطين المحتلة , وما بين المستوطنات والمدن الإسرائيلية , فقد استطاعت قوة المقاومة اللبنانية أن تشكل “مصدر إلهام” لقادة الكيان العسكريين بتجنب التحرك ضد حزب الله في لبنان , وبرفض اتهامه ببعض الهجمات الصاروخية , لأنها لا تبحث عن مواجهته وهي تعاني من الضعف والخوف والقلق , وعدم القدرة على توقع نتيجة المواجهة سلفاً , وسط غياب قدرتها على تغيير قواعد الإشتباك , وخشيتها من المواجهة دون معرفة مداها الزمني , ومتى ستنتهي , فقد باتت المقاومة هي من تستحوذ على هذه القرارات.
بات واضحاً أن قرار المواجهة الإسرائيلية مع حزب الله أو إيران أو سورية , لن يكون في تل أبيب , وأنها غير قادرة على ذلك بدون دعمٍ أمريكي مباشر, وهذا بدوره يستدعي قلقاً أمريكياً أيضاً على قواعدها وجنودها في سورية والعراق , وكامل منطقة الشرق الأوسط , وسط إدراكها قدرة إيران على استهداف أي قاعدةٍ أمريكية في المنطقة , خصوصاً وأنها تمتلك صواريخ بالستية , وصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت , ويصل مداها إلى أكثر من 2000 كم .
في الوقت الذي يعتبر الكثيرون أن العودة إلى الإتفاق النووي لعام 2015, بما يحمله من تعديلات وإضافات تم التوافق عليها في الجولات السابقة , تتجه الأنظار اليوم نحو الزيارة الهامة التي قام بها سلطان عُمان إلى إيران , وسط تقارير إعلامية غربية تتحدث عن إمكانية مناقشة “اتفاق مرحلي” مع طهران ، يضمن وقف التخصيب بما يفوق نسبة الـ60% ، مقابل تحرير جزء من الأموال الإيرانية المجمّدة ، وإعطاء الضوء الأخضر لتوسيع العلاقات الإقتصادية بين طهران والدول العربية , وقد سبق للجمهورية الإسلامية رفضها لهذه “المقايضة” المؤقتة , ولا بد اليوم من إنتظار الرد الإيراني عليها , ويبقى من المهم قراءة “العرض” الغربي , تحت عناوين استبدال لهجة الوعيد والتهديد الأمريكي , وخفض منسوب التوتر في المنطقة والعالم , وهذا بطبيعة الحال لن يكون خبراً سعيداً للحكومة الإسرائيلية , ويدعم فكرة إنشغال الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بملف الحرب على روسيا في أوكرانيا , وبأنهم لا ينوون التصعيد الكبير مع طهران وأقله في هذه الاّونة , وتشجيع سلطة الكيان الغاصب على خوض الحرب الكبرى ضد فصائل وأحزاب ودول محور المقاومة.
يبدو أنه على قادة الكيان الغاصب التوقف عن توجيه التهديدات , والتظاهر بإمتلاك القوة الفاعلة والمؤثرة , خصوصاً وأن محاولاتها لتغيير معادلات الإشتباك لم تعد مجدية , ولم يعد بإمكانها شن الحروب الخاطفة وإنهائها بتوقيتها , وكذلك استخدام ذريعة الملف النووي الإيراني للعدوان على إيران , وقريباً ستفقد قدرتها على العربدة واستمرار إعتداءاتها الجوية والصاروخية المتكررة على سورية , وأهم ما تستطيع فعله اليوم سطرته في منشورها الأخير, حول اهتمامها بالملاجئ وبالمؤن , وبإخلاء المستوطنين بسرعة فائقة , وبحالة التفكك السياسي والإجتماعي الداخلي , وعليها تجنب الحرب الكبرى فقد تكون الأخيرة على مستوى بقاء ووجود الكيان المؤقت برمته.
وفي سياق المناورة العسكرية الذي قام بها حزب الله مؤخراً , وقبيل الذكرى 23 لتحرير الجنوب اللبناني في 24 /5/2000 , حذر رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين , من أنه “إذا ارتكب العدو حماقة وتجاوز قواعد اللعبة سوف نمطر هذا الكيان بصواريخنا الدقيقة وبكافة أسلحتنا التي نملكها، والعدو سيرى فعل الصواريخ الدقيقة في قلب كيانه”.
التعليقات مغلقة.