هل تضحي تركيا بالمعارضة السورية استرضاءً لروسيا ؟! / د. خيام محمد الزعبي

 

د. خيام محمد الزعبي ( سورية ) الإثنين 22/8/2016 م …

بعد تغير المعادلات في سورية، وسقوط الرهانات الإقليمية والدولية وخاصة الأميركية والغربية، يات واضحاً أن جميع الأطراف المناوءة لسورية وجيشها، باتت عاجزة أمام مواجهة مجريات الوقائع وهو ما يُشير الى تعاظم وإزدياد دور سورية وحلفاؤها على حساب الدور الأمريكي والغربي في المنطقة، فكان الصمود والتصدي، وكانت المعجزات التي تجسدت فعلاً، مقاومة قلبت المعادلات وأجهزت على المخططات التي رصدها أعداء سورية لتدميرها وتفتيتها، والصفعة الكبرى كانت في حلب التي أغلقت الباب أمام أي آمال وتمنيات بسقوط قريب للدولة السورية وشكلت دفعة قوية ورفع من معنويات الجيش الذي يقاتل في الميدان.

وما يجري الحديث عنه من إقتراب الموقف الروسي الإيراني التركي بشأن الأزمة السورية، هو في الحقيقة تخلي أنقرة عن خيار حلفائها الذي دعمته على مدى السنوات الخمس الماضية، بعد ان عجزت وحلفاءها عن إنجازه وتحقيقه بفعل صمود الجيش السوري وحلفاؤه في الميدان، كما  أكدت أنقرة من خلال توجهها الحالي، أنها لم تعد تؤمن بالطرف الأمريكي فيما يخص الحرب السورية، بذلك فإن رهاناتها على التوافقٍ لتقاسم المصالح في سورية بين واشنطن وأنقرة سقطت وإنهارت، خصوصاً بعد إعلان البنتاغون عن إرسال مقاتلات لحماية القوات الكردية قرب مدينة الحسكة، لذلك كانت الإستدارة التركية نحو روسيا وإيران ولاحقاً سورية، بسبب سياسات أميركا والغرب المصلحية التي لم يسلم منها لا أصدقاء ولا عملاء.

وشهدت العلاقات التركية الأمريكية توتراً إثر محاولة الإنقلاب التي تتهم أنقرة الداعية الإسلامي فتح الله غولن بالوقوف خلفها، وأعلن وزير تركي أن “أمريكا تقف خلف محاولة الانقلاب”، فيما اتهم وكالة “سي آي ايه” الأمريكية بتدبير العملية، كما ألمح أردوغان إلى أن رفض تسليم غولن ستكون له عواقب على العلاقات بين البلدين، متهماً واشنطن بحماية خصمه، في إطار ذلك حذرت تركيا، أمريكا من التضحية بالعلاقات الثنائية من أجل غولن الذي تتهمه أنقرة بالوقوف خلف محاولة الإنقلاب في 15 يوليو السابق.

لكن الحديث الذي أدلى به رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم، في ان الملف السوري سيشهد تطورات أساسية خلال الشهور الستة المقبلة، يعبر بشكل واضح عن توتر العلاقات التركية الأمريكية، فيما يتعلق بدعم الأكراد في سورية وضمان أمن الحدود التركية، وفي الإتجاه الآخر فأن بيد تركيا اكثر من ورقة ضاغطة في مواجهة أمريكا وحلفائها، سواء من حيث غلق حدودها بوجه الارهاب الى تعطيل نشاط قاعدة انجرليك حتى تهديد أوروبا بموجات جديدة من اللاجئين، بذلك إتخذت تركيا قرارها في تنحية أهداف أميركا وخطوطها المرسومة، وإخراجها من دائرة الأهمية، خاصة بعد قيامها بإعادة تطبيع العلاقات مع روسيا، وكذلك التقارب مع إيران إلى إمكانية أن تتعامل تركيا مع الرئيس الأسد بإعتباره جزءاً من الحل في الأزمة السورية، المهم في تغير السياسة التركية تجاه الأزمة السورية هي ان أنقرة أدركت إن الاعتماد على الغرب وخاصة أمريكا، وهشاشة التحالف معها سيجعلها تغوص في مستنقع الفوضى والحروب، وأن التحالف مع سورية هو عامل أساسي لتحقيق الامن والإستقرار في المنطقة.

لكن بعد أكثر من خمس سنوات من الحرب على سورية وجدت أمريكا وحلفاؤها إن الزمن لا يلعب لصالحهما ولابد من رؤية جديدة بعدما يئسوا من قدرة النظام السوري على الصمود في مواجهة المجموعات والقوى المتطرفة التي أرسلتها الى سورية، الأمر الذي أوقع جميع هذه الأطراف بالكثير من الأخطاء السياسية عندما رفعت سقفها السياسي وأوهمت الرأي العام بقدرتها على إسقاط الرئيس الأسد، فالمشهد الراهن يكشف على أن سورية صامدة، فى وجه تقسيم وتفكيك وشيك، تحركه أمريكا وأدواتها عبر بعض الأكراد من أجل ضرب الوحدة الوطنية.

كحاصل نهائي، إن تركيا تعيش في الوقت الراهن أسوأ مراحلها من حيث خسارتها لأكبر شبكة تحالف صنعتها لسنوات عديدة، ومن المعروف إن شهر العسل التركي مع المعارضة المسلحة ربما يكون اقترب من نهايته، ومن المؤكد إن إستدارة أنقرة نحو سورية سيترتب عليها الكثير من المعطيات أهمها، تقليل الدعم التركي للمعارضة المسلحة التي تعتمد عليه بشكل أساسي في تأمين كافة احتياجاتها سواء كان يتعلق بالدعم المادي والعسكري، وبذلك تكون  تركيا باعت أمريكا وحلفاؤها من المعارضة السورية وأختارت روسيا وإيران  وسورية، ومن الواضح أن الأتراك تعلموا درساً قاسياً من الخذلان الأمريكي والغربي الأخير، لهذا جاء الإتصال بين الأتراك والروس والإيراننين بعيداً عن أي علم أمريكي، وربما وجدت القيادة التركية أن الإعتذار لروسيا والتقرب من إيران والإنفتاح على سورية حفاظاً على المصالح التركية أفضل وأقل ضرراً من المراهنة على حليف أمريكي لا يعتمد عليه في المنطقة.

وأختم بالقول، إن المعارضة التي راهنت على أردوغان منقذا أو حليفا لها، عليها أن تستعد للمشهد الجديد، فأنقرة أدركت حجم المغامرة التي يدفعها الأمريكي وحليفه العربي اليائس نحوها، بالإضافة الى إتساع رقعة الإرهاب الذي يضرب قلب تركيا، وبادرت الى مراجعة حساباتها، لتجنب التورط قدر الإمكان بالمستنقع  السوري، وإن الأسابيع والأشهر القليلة القادمة ستكون شاهدة على تغييرات جذرية في ملف العلاقات التركية السورية، من شأنها أن تحمل المزيد من المفاجآت، لأن تركيا لا تملك خياراً سوى الدخول في معركة لضرب الإرهاب وعليها أن تتعاون مع دمشق  لضرب المتطرفين وأعوانهم، وإعادة ترتيب الأوراق من جديد نحو تحقيق المصالحات مع دول المنطقة.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.