العرب والعراق.. تبديد غيوم سوء الفهم / عباس البخاتي
عباس البخاتي ( العراق ) – الإثنين 12/6/2023 م …
لمصر خصوصية تميزها عن بقية الدول العربية, تجعل المتابع ينظر لواقعها الإعلامي بمعزل عن فهم بقية العرب السائد, للعراق وواقعه السياسي الذي أْسس بعد 2003.
من الواضح أن الفهم المصري لعراق ما بعد صدام وحزبه، لم يكن على نقيض من تصورات العقل الجمعي العربي، الرافض للاعتراف بالحالة السياسية للعراق، التي حلت بديلا عن نظام البعث..
تلك التصورات التي بني عليها الفهم العربي المشترك للعراق الجديد، كان له بالغ الأثر في عرقلة استقرار البلد وتقدمه، الأمر الذي تطلب بذل مزيدا من الجهود، من قبل الفواعل السياسية العراقية الراعية للتجربة الفتية، بغية إقناع المحيط العربي بالتجربة السياسية، وإزالة سوء الفهم الحاصل حولها، وتبديد المخاوف ورد التهم التي ألصقت بأغلب المسميات المتصدية، بناء على إنتمائها المذهبي والقومي..
بطبيعة الحال إن التعاطي الجماهيري العربي مع القضايا الطارئة، يأتي إنعكاسا للشعور الرسمي التي يتبناه حكام أغلب الدول، وبالتالي فهو نتيجة لعرف خاطئ بنيَ عليه إنطباع وأحاسيس المواطن العربي، ويتلخص بتلقي الخطاب الرسمي بأريحية لا تقبل التشكيك والمناقشة، كونه صادرا من ولي الأمر، ألذي لا يجوز عصيانه والخروج عليه، بغض النظر عن الآلية التي أوصلته للحكم!
هذا العرف يحسب للمؤسسة الدينية المتبنية لفقه المذاهب الإسلامية _ عدى الفقه الجعفري، والمرتبطة بالبلاط الحاكم، وهوما يعني نجاحها في تمرير قناعاتها, بل وترسيخها في أذهان الناس، التي هي بالنتيجة قناعة السلطة الحاكمة ورؤيتها للأمور, بغض النظر عن مطابقتها للحكم الشرعي الواقعي، كالذي عليه المدرسة الجعفرية، التي تتميز باختلافها عن بقية المدارس الإسلامية المرتبطة بالمؤسسة الحاكمة والتابعة لها.
بعد أحداث الربيع العربي، تغيرت الأوضاع في اغلب الدول العربية، وخصوصا تلك التي شملتها رياح التغيير، فما عادت المؤسسة الدينية, ولا رؤية السلطة الحاكمة, بذاك التأثير في مزاج الجماهير التي دأبت عليه لعقود.. ما يظهر دون شك أن تفكير المواطن العربي ونظرته للأشياء، شهدت نوعا من الاستقلالية أو التمرد على رؤية السلطة الحاكمة.
بالعودة لمصر وخصوصيتها كنموذجٍ لحالة التفرد والإختلاف عن العرب, خلال فترة حكم الرئيس السيسي عكس ما كانت عليه أيام الرئيس مبارك، فالأخير وبما أنه جزء من منظومة الحكم العربي، التي كانت متطابقة بنظرتها الخاصة للتجربة العراقية، نجده يعبر عن شكوكه فيها ويحجم أحيانا عن دعمه لها, ويتهم أحيانا أخرى جزءا مهما من فواعلها الرئيسية بالتبعية لدول أخرى، كتصريحه المثير للجدل حول واقع الشيعة في العالم العربي، وإتهامه لهم بالولاء لإيران، مما دعى بمكتب السيد السيستاني، اكبر مراجع الشيعة وعلى لسانه، أن يرد عليه ببيان واضح حينها، كاشفا لحقيقة الأمر ومفككا للمفاهيم التي التبس عليه فهمها.
كما شهدت سنوات حكم الرئيس مبارك, توجيه خطاب إعلامي مضادا, للأسس الديموقراطية في العراق، ومعرقلا لحركة الوئام المجتمعي، وهو أمر طبيعي بلحاظ أن المؤسسة الإعلامية هناك, تتبنى خطاب السلطة وتروج لمفاهيمها، وذات الأمر إنعكس على تعاطي المواطن المصري، حيث أن الفضاءات المفتوحة في مواقع التواصل وحديث الشارع، يؤكد الرفض الواضح للتغيير الذي حصل في العراق، مع تصور البعث يمثل الحالة الوطنية الحقيقة للشعب العراقي, الذي يعتز بقوميته العربية ويرفض الطبقة الحاكمة، وغيرها من التراكمات الذهنية الخاطئة, التي توجت بمشاركة أعداد كبيرة من المصريين, في عمليات إرهابية ضد أبناء الشعب العراقي، فيما ساهمت مؤسسات أخرى بتجنيد الشباب وجمع التبرعات, لدعم الزمر الإرهابية في العراق سواء خلال حقبة القاعدة أو داعش.
بعد نجاح ثورة أكتوبر ونجاح السيسي في تولي زمام السلطة خلفا لمرسي، وتنبه المصريون لخطر الإخوان مبكرا، شهد الواقع تغيرا لافتا في المساحات التي شْخِصَت آنفا، من قبيل التعامل الرسمي الإيجابي مع التجربة العراقية، والتفاعل الموضوعي من قبل المؤسسات الإعلامية مع الوقع السياسية العراقية، ناهيك عن تغير الشعور العام لدى المواطن المصري، وتحول نظرته للواقع العراقي بعيدا, عن ضغوطات الخطاب الديني المتشنج وتحريض حملة الفكر القومي الشمولي.
ربما يتساءل البعض عن مصاديق ذلك وما هي المجسات الموثوقة والعاكسة لكل ما سبق؟
المتابعة البسيطة للتغطية الإعلامية والتفاعل الرسمي والجماهيري والنخبوي، مع زيارة عمار الحكيم لمصر قبل مدة قصيرة, ولقاءه بالرئيس ووزير الخارجية وعددا من الشخصيات الرسمية، وحضوره في مراكز الفكر والأبحاث المصرية، ناهيك عن زيارة لشيخ الأزهر.. هذا الاهتمام ونوعية الحضور, وخطورة الملفات التي وضعت على طاولة البحث وحساسيتها، يعد جوابا عن التساؤل الذي سبق.
بالنتيجة فان البعد الإيجابي الذي تم الحديث عنه، هو نتيجة لسببين، يتمثل أولهما بتطور الفهم المصري حول التجربة العراقية، بعد دخول عدة عوامل في بلورة أفكار معينة ساهمت بحدوث هذا التحول، بينما ينحصر السبب الثاني بقدرة الحكيم على التعامل مع الأحداث, وخبرته في تفكيك المفاهيم وبراعته في تبديد غيوم سوء الفهم لدى الآخرين, وهو ما جعل منه ضيفا مرحبا به في القاهرة, وغيرها كثير من العواصم العربية.
من المتوقع جدا أن نشاهد مواقفا متقدمة, كما شاهدنا من تحول دراماتيكي في الموقف المصري, في دول عربية أخرى.. فمصر مؤثرة بطريقة وأخرى في رؤية العرب لمختلف القضايا, وهذا واحد من فوائد كثيرة لهكذا زيارات, يقوم بها هكذا زعماء سياسيون, يمثلون بلدهم وشعبهم بحكمة.
من الواضح أن الفهم المصري لعراق ما بعد صدام وحزبه، لم يكن على نقيض من تصورات العقل الجمعي العربي، الرافض للاعتراف بالحالة السياسية للعراق، التي حلت بديلا عن نظام البعث..
تلك التصورات التي بني عليها الفهم العربي المشترك للعراق الجديد، كان له بالغ الأثر في عرقلة استقرار البلد وتقدمه، الأمر الذي تطلب بذل مزيدا من الجهود، من قبل الفواعل السياسية العراقية الراعية للتجربة الفتية، بغية إقناع المحيط العربي بالتجربة السياسية، وإزالة سوء الفهم الحاصل حولها، وتبديد المخاوف ورد التهم التي ألصقت بأغلب المسميات المتصدية، بناء على إنتمائها المذهبي والقومي..
بطبيعة الحال إن التعاطي الجماهيري العربي مع القضايا الطارئة، يأتي إنعكاسا للشعور الرسمي التي يتبناه حكام أغلب الدول، وبالتالي فهو نتيجة لعرف خاطئ بنيَ عليه إنطباع وأحاسيس المواطن العربي، ويتلخص بتلقي الخطاب الرسمي بأريحية لا تقبل التشكيك والمناقشة، كونه صادرا من ولي الأمر، ألذي لا يجوز عصيانه والخروج عليه، بغض النظر عن الآلية التي أوصلته للحكم!
هذا العرف يحسب للمؤسسة الدينية المتبنية لفقه المذاهب الإسلامية _ عدى الفقه الجعفري، والمرتبطة بالبلاط الحاكم، وهوما يعني نجاحها في تمرير قناعاتها, بل وترسيخها في أذهان الناس، التي هي بالنتيجة قناعة السلطة الحاكمة ورؤيتها للأمور, بغض النظر عن مطابقتها للحكم الشرعي الواقعي، كالذي عليه المدرسة الجعفرية، التي تتميز باختلافها عن بقية المدارس الإسلامية المرتبطة بالمؤسسة الحاكمة والتابعة لها.
بعد أحداث الربيع العربي، تغيرت الأوضاع في اغلب الدول العربية، وخصوصا تلك التي شملتها رياح التغيير، فما عادت المؤسسة الدينية, ولا رؤية السلطة الحاكمة, بذاك التأثير في مزاج الجماهير التي دأبت عليه لعقود.. ما يظهر دون شك أن تفكير المواطن العربي ونظرته للأشياء، شهدت نوعا من الاستقلالية أو التمرد على رؤية السلطة الحاكمة.
بالعودة لمصر وخصوصيتها كنموذجٍ لحالة التفرد والإختلاف عن العرب, خلال فترة حكم الرئيس السيسي عكس ما كانت عليه أيام الرئيس مبارك، فالأخير وبما أنه جزء من منظومة الحكم العربي، التي كانت متطابقة بنظرتها الخاصة للتجربة العراقية، نجده يعبر عن شكوكه فيها ويحجم أحيانا عن دعمه لها, ويتهم أحيانا أخرى جزءا مهما من فواعلها الرئيسية بالتبعية لدول أخرى، كتصريحه المثير للجدل حول واقع الشيعة في العالم العربي، وإتهامه لهم بالولاء لإيران، مما دعى بمكتب السيد السيستاني، اكبر مراجع الشيعة وعلى لسانه، أن يرد عليه ببيان واضح حينها، كاشفا لحقيقة الأمر ومفككا للمفاهيم التي التبس عليه فهمها.
كما شهدت سنوات حكم الرئيس مبارك, توجيه خطاب إعلامي مضادا, للأسس الديموقراطية في العراق، ومعرقلا لحركة الوئام المجتمعي، وهو أمر طبيعي بلحاظ أن المؤسسة الإعلامية هناك, تتبنى خطاب السلطة وتروج لمفاهيمها، وذات الأمر إنعكس على تعاطي المواطن المصري، حيث أن الفضاءات المفتوحة في مواقع التواصل وحديث الشارع، يؤكد الرفض الواضح للتغيير الذي حصل في العراق، مع تصور البعث يمثل الحالة الوطنية الحقيقة للشعب العراقي, الذي يعتز بقوميته العربية ويرفض الطبقة الحاكمة، وغيرها من التراكمات الذهنية الخاطئة, التي توجت بمشاركة أعداد كبيرة من المصريين, في عمليات إرهابية ضد أبناء الشعب العراقي، فيما ساهمت مؤسسات أخرى بتجنيد الشباب وجمع التبرعات, لدعم الزمر الإرهابية في العراق سواء خلال حقبة القاعدة أو داعش.
بعد نجاح ثورة أكتوبر ونجاح السيسي في تولي زمام السلطة خلفا لمرسي، وتنبه المصريون لخطر الإخوان مبكرا، شهد الواقع تغيرا لافتا في المساحات التي شْخِصَت آنفا، من قبيل التعامل الرسمي الإيجابي مع التجربة العراقية، والتفاعل الموضوعي من قبل المؤسسات الإعلامية مع الوقع السياسية العراقية، ناهيك عن تغير الشعور العام لدى المواطن المصري، وتحول نظرته للواقع العراقي بعيدا, عن ضغوطات الخطاب الديني المتشنج وتحريض حملة الفكر القومي الشمولي.
ربما يتساءل البعض عن مصاديق ذلك وما هي المجسات الموثوقة والعاكسة لكل ما سبق؟
المتابعة البسيطة للتغطية الإعلامية والتفاعل الرسمي والجماهيري والنخبوي، مع زيارة عمار الحكيم لمصر قبل مدة قصيرة, ولقاءه بالرئيس ووزير الخارجية وعددا من الشخصيات الرسمية، وحضوره في مراكز الفكر والأبحاث المصرية، ناهيك عن زيارة لشيخ الأزهر.. هذا الاهتمام ونوعية الحضور, وخطورة الملفات التي وضعت على طاولة البحث وحساسيتها، يعد جوابا عن التساؤل الذي سبق.
بالنتيجة فان البعد الإيجابي الذي تم الحديث عنه، هو نتيجة لسببين، يتمثل أولهما بتطور الفهم المصري حول التجربة العراقية، بعد دخول عدة عوامل في بلورة أفكار معينة ساهمت بحدوث هذا التحول، بينما ينحصر السبب الثاني بقدرة الحكيم على التعامل مع الأحداث, وخبرته في تفكيك المفاهيم وبراعته في تبديد غيوم سوء الفهم لدى الآخرين, وهو ما جعل منه ضيفا مرحبا به في القاهرة, وغيرها كثير من العواصم العربية.
من المتوقع جدا أن نشاهد مواقفا متقدمة, كما شاهدنا من تحول دراماتيكي في الموقف المصري, في دول عربية أخرى.. فمصر مؤثرة بطريقة وأخرى في رؤية العرب لمختلف القضايا, وهذا واحد من فوائد كثيرة لهكذا زيارات, يقوم بها هكذا زعماء سياسيون, يمثلون بلدهم وشعبهم بحكمة.
التعليقات مغلقة.