الياس فاخوري يكتب: الغزو من الداخل واستراتيجية “الإلهاء”… مَن الـمـسـتعمر الــسـرّي؟ … من عبدالله البردوني الى نعوم تشومسكي!




الياس فاخوري ( الأردن ) – الأحد 18/6/2023 م …

* حيثما وردت كلمة ” ديانا ” في مقالات الكاتب، فهي تعني تحديدا زوجته الراحلة الكبيرة والمفكرة القومية ، شهيدة الكلمة الحرة والموقف الوطني ” ديانا فاخوري “… والصورة أعلاه لهما معا …

ابدأ بالآية الكريمة 9 – سورة المنافقون: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ” ..

 لقد نهى الله في هذه الآية الكريمة عن الانشغال بأمر الأموال والتصرف فيها والسعي في تدبير أمرها، والانشغال بأمر الأولاد إلى حد الغفلة عن ذكر الله، وإيثار ذلك عليه ومن يفعل ذلك كان خاسراً خسارة عظيمة. هذا معنى الآية على وجه الإجمال، إلا أن هناك أسراراً تعبيرية تدعو إلى التأمل منها: 1ـ إنه قال: (لا تلهكم أموالكم) ومعنى (لا تلهكم): لا تشغلكم وقد تقول: لماذا لم يقل: (لا تشغلكم)؟ والجواب: أن من الشغل ما هو محمود فقد يكون شغلاً في حق كما جاء في الحديث: “إن الصلاة لشغلاً” وكما قال تعالى: “إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ” [يس – 55] أما الإلهاء فمما لا خير فيه وهو مذموم على وجه العموم، فاختار ما هو أحق بالنهي. 
في 80 القرن 20 شاعت قصيدة “الغزو من الداخل” للشاعر اليمني الراحل عبد الله البردوني .. وفي العام 2011 تناقلت عدّة مواقع عالميّة قائمة أعدّها عالم اللسانيات المفكّر الأمريكي نعوم تشومسكي واختزل فيها الطّرق التي تستعملها الحكومات والانظمة الحاكمة للسيطرة على الشّعوب وتدجين الجماهير. إستند تشومسكي في هذا المقال على” وثيقة سرية للغاية” يعود تاريخها إلى العام 1979 وكان قد تم العثور عليها صدفةً سنة 1986 بعنوان : “Silent Weapons For Quiet War – الأسلحة الصامتة لخوض حرب هادئة” .. وهي عبارة عن كتيب أو دليل للتحكم في البشر والمجتمعات، ويرجح المختصون أنها تعود إلى بعض دوائر النفوذ العالمي التي عادة ما تجمع كبار الساسة والرأسماليين والخبراء في مختلف المجالات .. وفي هذا المقال ”استراتجيات التحكم والتوجيه والتضليل العشر“، يقدم شومسكي ألطرق الذكية التي تعتمدها دوائر النفوذ في العالم عبر وسائل الإعلام من أجل التلاعب بجموع الناس وتوجيه سلوكهم والسيطرة على أفعالهم وتفكيرهم في مختلف بلدان العالم. وفيما يلي قائمة بهذه الاستراتيجيات استناداً لبعض المصادر والموسوعات، كما أضع الخلاصة في الملحق بين يديكم:
نعوم تشومسكي

١- إستراتجية الإلهاء أو التسلية (The strategy of distraction)                                                          

٢- إستراتجية إفتعال المشاكل وتقديم الحلول (Create problems, then offer solutions)

٣- إستراتجية التدرج (The gradual strategy)

٤- إستراتجية التأجيل (The strategy of deferring)

٥- مخاطبة الجمهور على أنهم أطفال (Go to the public as a little child)

٦- مخاطبة العاطفة بدل العقل (Use the emotional side more than the reflection)

٧- إغراق الجمهور في الجهل والغباء (Keep the public in ignorance and mediocrity)

٨- تشجيع الجمهور على استحسان الرداءة (To encourage the public to be complacent with mediocrity)

٩- تحويل مشاعر التمرد إلى الإحساس بالذنب (Self-blame Strengthen)

١٠- معرفة الأفراد أكثر من معرفتهم لأنفسهم (Getting to know the individuals better than they know themselves)

اما في قصيدة “الغزو من الداخل”، فيبدو ان البردوني قد اتّكأ على سداد الحجة ان الإلهاء مما لا خير فيه، بل هو مذموم على وجه العموم .. وهو، كالتسلية والضحالة والجهل والاداء الباهت، أحق بالنهي لانه “يـــحــجــر مــــولـــد الآتــــــي”، ويديم “الحاضر الــمـزري” .. ومــــن دمــنــا عــلـى دمــنـا .. يتموقع بهم “جيش الإرهاب”، “وفـــوق وجـوهـهـم وجــهـي .. وتــحــت خـيـولـهـم ظــهـري” .. انهم “غـــــزاة الــيــوم كـالـطـاعـون .. يــخـفـى وهـــو يـسـتـشري” ..
عبدالله البردوني.. مؤرخ مستقبل اليمن في قصيدتين | فارع المسلمي | السفير العربيالشاعر البردوني
 
فــظـيـعٌ جــهـلُ مـــا يــجـري .. وأفـــظــعُ مـــنــه أن تــــدري
 
وهــــل تــدريــن يـــا صـنـعـاء .. مـــن الـمـسـتعمر الــسـرّي
 
غـــــــــزاة لا أشـــاهـــدهــم .. وسـيـف الـغـزو فـي صـدري
 
فـــقــد يــأتــون تــبـغـا فــــي .. ســجــائــر لــونــهــا يـــغــري
 
وفـــي أهـــداب أنـثـى فــي .. مــنـاديـل الــهـوى الـقـهـري
 
وفـــــي ســـــروال أســـتــاذ .. وتــحــت عــمـامـة الـمـقـري
 
وفــي أقــراص مـنـع الـحمل .. وفـــــــي أنـــبــوبــة الــحــبــر
 
وفــي عَـود احـتلال الأمـس .. فــــــي تـشـكـيـلـه الــعــصـر
 
وفــــي قـنـيـنـة الـويـسـكي .. وفــــــي قــــــارورة الــعــطــر
 
ولعلكم تذكرون إشارة “ديانا فاخوري” لِقمّة شرم الشيخ العربية (27/2/2002) وما تم مؤخراً في قمة جدة العربية (19/5/2023) من تعرّية لتلك المصطلحات والعبارات الرنانة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية أو التنمية باستخدام الحرب التي كانت تتوسلها دول المحور الصهيوامريكي .. كما جرى كشف الاقنعة عن خططهم لإخضاع العالم بالسيطرة على المنطقة العربية، ونهب ثرواتها النفطية والغازية والمعدنية، وإعادة رسم الخريطة كما يناسبهم بدءاً من احتلال العراق وتدمير بنيته التحتية وصولاً لكل الدول العربية وان على مراحل ..
 
وكم من دولٍ اعتدوا على سيادتها، وكم من قوانين واتفاقات دولية انتهكوا بحجة “توزيع الديموقراطية” فالمال “ربهم الأعلى” و”وول ستريت”  “كاتدرائيتهم العظمى”؟!
 
 ثم انظروا الى ما يجري في دنيا الفضائيات من تسليع للمرأة واستغلال الصورة على حساب الموهبة .. واليوم ينشطون في نشر “المثلية” والترويج للشذوذ الجنسي!
 
وكم يبالغ اعلامهم (اعني دول المحور الصهيوامريكي) وتسترسل بروباغندتهم الفجة هذه الأيام في الحديث عن هزائم روسيّة ومرض الرئيس بوتين حتى حسبنا أنّ الدولة الروسية برمتها قاب قوسٍ (لا قوسين) او أدنى من الانهيار. 
خلقوا تنظيمَيْ داعش والقاعدة ومشتقاتهما، ثم أبادوهم فماتوا ثم بعثوهم احياء علّهم يطيحون بالعقائد الوطنية للجيوش العربية (إسرائيل هي العدو) ضرباً للمقاومة باستبدال الْعَدُو الحقيقي بعدوّ من صنعهم تارةً يسمونه الإرهاب، وطوراً هو الربيع (اسقط الحرف “ر” ان شئت) العربي، ودائماً ايران!
هذا غيض من فيض لِيُلهِنا اعلامهم ووسائل الترفيه عن المسائل الحقيقية والقضايا الهامة غزواً داخلياً ومستعمِرّاً سرّياً كما أسهب البردوني، ومن بعده تشومسكي .. اما ايمان “ديانا” المطلق: ” اسرائيل الى زوال” فيبقى منقوشاً على ظهر الدهر لتهزم الموت روحا نقيّا كالسَّنا .. نعم، “ديانا”، ما زلنا نصغي لصدى خطواتِكِ فى أرض فلسطين ونردد مٓعٓكِ:
 
الدائم هو الله، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون .. 
 
* الياس فاخوري
كاتب عربي أردني
****************************************************************

ملحق المقال ”استراتجيات التحكم والتوجيه والتضليل العشر“:

١- إستراتجية الإلهاء أو التسلية :

”حافظوا على اهتمام الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية ، اجعلوه مفتونا بمسائل لا أهمية حقيقية لها“.

هذه المقتطفات من كتيب أو دليل ” الأسلحة الصامتة لخوض حرب باردة ” هي التي جعلت شومسكي يرى بأن وظيفة وسائل الإعلام هي الهاء الجماهير عن الوصول إلى معلومات حول القضايا الهامة و التغيرات التي تقررها النخب السياسية و الاقتصادية عن طريق وسائل الترفيه المختلفة و التي تروج لمصالح الفئات المسيطرة في المجتمع كما تقول النظرية النقدية قي دراسة الاتصال.

ومنه، أن ما تقدمه وسائل الإعلام حسب هذا المقتطف هو عبارة عن ”الهاء الناس عن البحث عن الحقيقة” فمن خلال الثقافة الجماهيرية التي تقوم وسائل الترفيه بنشرها، ينجح أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي في تحقيق أهدافهم .

٢- إستراتجية إفتعال المشاكل و تقديم الحلول:

هذه الإستراتجية التي تسمى ” المشكلة ، التفاعل ، الحل ” أريد أن أربطها بفكرة أن محتوى وسائل الإعلام هو كبناء لغوي من الرموز التي يتم اختيارها بعناية، من بين الإطار المرجعي لفكرة الصفوة المهيمنة و أهدافها، حيث يتم التفكير في افتعال مشكلة، لكي تصير حديث الناس في المجتمع و نشرها عن طريق مضامين وسائل الإعلام حتى يندفع الجمهور ليطلب حلا لها، مثل العنف و الأزمات الاقتصادية، وهنا تتحرك آلة النفوذ من أجل تقديم الحلول المبرمجة مسبقاً و هكذا تثبيت شعار ”الهيمنة”.

٣- إستراتجية التدرج:
وهنا نأخذ فكرة ” النيوليبرالية “ التي صاحبتها معدلات البطالة الهائلة و الهشاشة في البنية التحتية للمجتمع ، و التي لو لم يتم تمريرها تدريجيا و على مراحل في سنوات متعددة للجمهور لأحدثت ثورة عند الناس. فالجمهور عنيد يقاوم جهود المنتجين في وسائل الإعلام الذين يفرضون خبراتهم عليه من خلال المحتوى، و لهذا إستراتجية التدرج إستراتجية ناجعة في تقبل فكرة ما من عدمه.

٤- إستراتجية التأجيل:

هذه الإستراتجية تتلاعب بالوقت بشكل جيد حيث تفرض على الجمهور بأن يعتقد بكل سذاجة كما قال شومسكي أن” كل شيء سيكون أفضل غدا ” و هكذا تقوم وسائل الإعلام بتمرير قرارات مؤجل تنفيذها حتى يحين الوقت و يعتاد الجمهور عليها.

٥- مخاطبة الجمهور على أنهم أطفال:

 في هذه الإستراتجية يرى شومسكي أنه كلما كان الهدف تضليل المشاهد إلا و تم اعتماد لغة صبيانية عن طريق الإعلانات و الملصقات التي تستعمل في الأصل لغة صبيانية هي في الأصل لغة لأطفال مازالوا يعيشون مرحلة النمو العقلي و الفكري و هكذا يكون رد فعل البالغين كرد أطفال صغار لأن وسائل الإعلام غرست فيهم ذلك.

٦- مخاطبة العاطفة بدل العقل :

إن الأمر الذي لا شك فيه هو أن العاطفة تتغلب على العقل في كثير من الأحيان عند العديد من البشر وهذا ما تستفيد منه وسائل الإعلام من خلال أسلوبها الكلاسيكي في استخدام سلاح العاطفة من خلال التحدث عن الانتماء أو الدين أو العادات التي يمتلك الناس التزاما عميقا تجاهها ، فيدخل الأفراد في حالة من اللاوعي و عدم التفكير إذا ما تم التعدي على أي من هذه المعتقدات التي تثير عندهم المخاوف و الانفعالات.

٧- إغراق الجمهور في الجهل و الغباء: 

وهذه الإستراتجية هي شكل من أشكال تعزيز علاقات اللامساواة و القهر التي يعتمد عليها النظام الاقتصادي الرأسمالي حيث تهدف إلى إبقاء الجمهور غافلا عن التقنيات و الاستراتجيات التي تستعمل من أجل السيطرة عليه و تبدأ هذه الإستراتجية من نوعية التعليم التي تقدمها المدارس الحكومية و التي يدرس فيها أبناء العامّة.

٨- تشجيع الجمهور على استحسان الرداءة :

و هنا وسائل الإعلام هي المسئولة بشكل كبير على تدهور مستوى الذوق الثقافي العام و العامل المحفز على ارتكاب الجريمة و العنف و الشذوذ الجنسي و تدهور الملكات الفردية و الغباء و الابتذال و الجهل إلا أنها تشجع الجمهور على التعامل مع كل هذا و القبول به.

٩- تحويل مشاعر التمرد إلى الإحساس بالذنب :

غرس مشاعر الذنب و التعاسة في الناس حيث تقوم وسائل الإعلام بتمرير مجموعة من الرموز التي تدفع الفرد إلى الاعتقاد بأنه المسئول عن عدم حصوله على فرص في النظام الاقتصادي العام بسبب عدم توفره على المؤهلات التي تسمح له بذلك ، فينغلق على نفسه بدلا من أن يثور على النظام الاقتصادي.

١٠- معرفة الأفراد أكثر من معرفتهم لأنفسهم:

  مع تطور الوسائل التكنولوجية و تطور مجال العلوم أصبح أبناء الصفوة و النخب الحاكمة الذين تحصلوا على معرفة عالية المستوى في علم الأعصاب و النفس و في مختلف العلوم الإنسانية يتحكمون بالأفراد في المجتمع بشكل أكبر ، حيث يتحكمون بمعلومات تجعلهم يتعرفون على الأشخاص أكثر من معرفتهم لذواتهم.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.