الجولان بركان متفجّر / حمد الدرزي

لم تكن الانتفاضة الحالية لأهالي الجولان المحتل هي الانتفاضة الوحيدة، فبعدما أخذ الكنيست الإسرائيلي القرار بضم الجولان في 14 أيلول/ديسمبر 1981، انطلقوا في إضراب عام بدءاً من 14 شباط/فبراير 1982.

سيطرت على منطقة الجولان الطبيعة البركانية التي تميزت بخصوبتها وقابليتها للانفجار عند ازدياد الضغوط عليها، وهذا ما تشبَّع به أناسها الذين يعيشون فيها، وخصوصاً الذين ما زالوا في هذه الأرض بعدما اغتصبها الصهاينة بعد حرب حزيران/يونيو 1967.

يشكل الجولانيون الذين بقوا فيها نموذجاً مختلفاً عن سواهم في بقية المناطق، وهم الذين كانت تُعَّوِل عليهم “إسرائيل” بعد احتلالها منطقة الجولان، فظَنَّت بأنها ستتعامل مع سكان لهم دوافع للاندماج فيها، وخصوصاً أن مغريات ذلك لا تعد ولا تحصى من حيث رفاهية الحياة والصحة والتعليم، وتوفر خدمات البنية التحتية، وامتلاك عناصر السياحة الأساسية، وانفتاح آفاق العالم الغربي أمامهم، ولكنهم رفضوا كل ذلك، وآثروا أن يكونوا مع وطنهم السوري الأكبر.

لم تكن الانتفاضة الحالية هي الانتفاضة الوحيدة، فبعدما أخذ الكنيست الإسرائيلي القرار بضم الجولان في 14 أيلول/ديسمبر 1981، الذي يقوم “بفرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على هضبة الجولان”، ثم أتبعت ذلك بمحاولة فرض الجنسية الإسرائيلية عليهم، انطلقوا في إضراب عام بدءاً من 14 شباط/فبراير 1982.

وكان لهم موقف آخر أيضاً بعد اندلاع الحرب في سوريا وعليها، وخصوصاً ما لمسوه لمس اليد ورأوه رأي العين من دور إسرائيلي في دعم المجموعات المسلحة التكفيرية، بما في ذلك تنظيم “داعش”، في المنطقة الجنوبية من سوريا، فكان لهم دور مهم في فضح علاقات الدعم والدور الإسرائيلي في الحرب عليها، باعتبار أن الكيان الإسرائيلي هو المستفيد الأول من التدمير الواسع للمجتمع السوري وتشويهه.

تأتي هذه الانتفاضة الأخيرة ضمن السياق العام التصاعدي لمقاومة “إسرائيل”، على الرغم من الأسباب المباشرة التي تتعلّق بتركيب الكيان توربينات هوائية مولدة للطاقة الكهربائية في مناطق واسعة من أراضيهم، ما جعلهم يدركون أن هذه السياسات المتبعة لا تختلف عن السياسات الاستيطانية في الضفة الغربية، وفي كل فلسطين، القاضية بالتضييق على السكان الشرعيين الأصليين، إما لدفعهم نحو خيارات الاندماج في المجتمع الإسرائيلي والانخراط في “الجيش” والمؤسسات الأمنية، وإما لدفعهم نحو ترك أراضيهم والتوجه نحو سوريا أو أي مكان لتدمير هذه الظاهرة الإيجابية.

تؤدي البنية الاجتماعية والثقافية الخاصة بالجولانيين دوراً أساسياً في وحدة المجتمع ومواجهة مشاريع الاستيطان، فالدور الأساس في هذه البنية يعود إلى علماء الدين الذين جمعوا القيادة الاجتماعية إلى جانب القيادة الدينية، ما وحَّد المجتمع على هدف مقاومة الاحتلال ومنع اختراق المجتمع الجولاني بالعملاء بمعاقبتهم بالجرم الديني والاجتماعي.

تجلَّت هذه الوحدة الاجتماعية باشتراك كلّ المجتمع الجولاني في المواجهة المدنية لمشاريع الاحتلال الإسرائيلي، للتأكيد أنّ كلّ السياسات التي اتّبعت لم تغيّر مسار مقاومة هذا المجتمع للمغتصبين، فعبَّر عما يعتمل في صدره من مواقف حادة تجاه التطبيع بقبول الاحتلال.

تختلف هذه الانتفاضة الجديدة عن كل سابقاتها بأنها مثلت وحدة ساحات المواجهة خير تمثيل، فقد تزامنت مع ارتفاع مستوى المقاومة العسكرية في الضفة الغربية، وخصوصاً العمليات العسكرية في جنين التي دخلت ساحة جديدة كثقل مقاوم يمكنه أن يصنع غزة جديدة تُطبِق على الاحتلال من كل الجهات.

وبهذا العمل، تشير إلى الفاعل الحقيقي في الحرب السورية، وتعيد الوعي إلى العقل الباطني الجمعي للسوريين والعرب وبقية الشعوب المستضعفة بأن المتخفي خلف الحرب السورية هو “إسرائيل”، صاحبة الدور الأساسي، التي تؤدي دوراً وظيفياً فاعلاً في المنطقة عموماً، وفي سوريا بشكل خاص، لمصلحة القوى الغربية المهيمنة، وأن الأدوار الداخلية في هذه الحرب لا تعدو أن تكون جزءاً من الدور الإسرائيلي عن وعي وتصميم مسبق.

في هذا الجانب، تساهم الانتفاضة الجولانية في تصويب البوصلة الحقيقية نحو العدو الحقيقي، وتؤكد أن المقاومة كهدف أساس هي ما يُعوَل عليه لتغيير المشهد الداخلي لسوريا وبقية البلدان، شرط توافق السياسات الداخلية والخارجية على هذا الهدف، وهي بذلك يمكن أن تجمع السوريين على هدف جامع بعدما تشتت أهدافهم في الداخل والخارج.

ويمكن للسوريين أن يستثمروا جيداً في هذه الانتفاضة على مستوى القانون الدولي، إن كان في الأمم المتحدة أو المنظمات الحقوقية، لإظهار طبيعة السياسات الإسرائيلية التوسعية وقضمها الأراضي وطرد السكان الأصليين، بما يمكن أن يشكل ضغوطاً عليها ويزيد من حدة الانقسام الداخلي في مجتمعها، وبما يساهم في السير خطوات نحو يقينية زوال هذه “الدولة” التي تعدّ غريبة عن النسيج الاجتماعي الطبيعي لشعوب هذا المشرق.

وتبقى أهم رسالة في هذه الانتفاضة أنها انتفاضة للسوريين في وجه الاحتلال الإسرائيلي، كما هي المقاومة الفلسطينية، التي تعد في جانب منها مقاومة لفلسطينيين سوريين ساهموا في المؤتمر التأسيسي الأول في دمشق عام 1918، بانتظار السوريين في شرق الفرات وغربه، لإعلان مقاومتهم الاحتلال الأميركي وإخراج الاحتلال التركي واستعادتهم سيادتهم ووحدتهم في ظل سوريا جديدة يكونون شركاء فيها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.