فلسطين … بمجسمات فنية.. سبعيني يحاكي معاناة الصيادين في غزة … (صور)
من نور أبو عيشة …
يجسد السبعيني الفلسطيني توفيق الجوجو معاناة الصيادين داخل بحر قطاع غزة عبر مجسمات فنية شكّلها باستخدام مواد بسيطة بعضها مأخوذ من مخلفات وخردة أعاد تدويرها.
الجوجو، وهو صياد ومنقذ متقاعد، بدأ صناعة المجسمات عام 2010 بعد هجوم جيش الاحتلال الإسرائيلي على سفينة الناشطين الأتراك “مافي مرمرة” التي كانت تحاول كسر الحصار الإسرائيلي المتواصل لقطاع غزة منذ صيف 2007.
آنذاك، لم يعرف الجوجو طريقة للتعبير عن غضبه من ذلك الهجوم ودعمه للمتضامنين الأتراك الذين كانوا على متن السفينة إلا بمحاكاة هذا الحادث بمجسمات فنية، كما قال.
وسلّم الجوجو حينها ذلك المجسم الفني إلى فرع هيئة الإغاثة الإنسانية التركية في غزة (IHH).
وقال الجوجو: “نحن لا ننسى ما حصل مع المتضامنين ولن ننسى، وكان القارب بمثابة تذكار بسيط لهذا الحدث”.
وكانت “مافي مرمرة” ضمن أسطول مساعدات عُرف بـ”أسطول الحرية” وتكون من 6 سفن، اثنتان منها تتبعان لهيئة الإغاثة الإنسانية التركية.
وأقلّت سفن الأسطول نحو 750 ناشطا حقوقيا وسياسيا من 37 دولة، أبرزها تركيا، وحمّلت حوالي 10 آلاف طن من المساعدات الإنسانية والإغاثية لسكان القطاع، وسعت إلى كسر الحصار الإسرائيلي عن غزة.
مجسمات فنية
بيديه النحيلتين، يمسك الجوجو مجموعة من ألواح الفلين (إسفنج أبيض خفيف الوزن) الملصقة فوق بعضها البعض، والمأخوذة من ثلاجات قديمة تالفة، ليشرع بقصها من إحدى الزوايا في إطار تشكيله لمقدمة القارب.
بمهارة وتركيز، يكمل بواسطة سكين حاد قص الألواح حتى يصل إلى شكل القارب الذي يريد، ليبدأ دهنه بطلاء أبيض اللون، ثم يضيف لاحقا اللونين الأحمر والأزرق المشابهين لألوان القوارب التي تسير في عرض بحر غزة.
أنواع مختلفة من القوارب البحرية جسدها الجوجو في مجسماته، فمنها السياحية صغيرة الحجم، والتي وضع على متنها دمى بلاستيكية للدلالة على وجود أطفال داخلها.
وبالعادة يتم استخدام القوارب الصغيرة التي تعمل بمحركات غير كبيرة لأغراض السياحة، وتوجد غالبا في حوض ميناء غزة.
ومن بين المجسمات الأخرى، صنع الجوجو مجسما لقارب يتبع لسلاح البحرية الإسرائيلي على متنه جنود جسدهم على شكل دمى يرتدون الزي الأخضر، ويوجهون بنادقهم صوب قارب آخر يقل دمى ترتدي زيا أبيض وتدل على الصيادين، وقد سقط أحدهم أرضا مضرجا بدمائه بعد أن أصابته رصاصة إسرائيلية.
كما حاكى الجوجو معاناة الصيادين في حرمانهم من التطور الصناعي والآلي، حيث صنع قوارب صغيرة الحجم، بعضها تحمل محركات بسيطة والأخرى تسير بالأشرعة أو بالتجديف.
معاناة الصيادين
وحول أوضاع الصيادين، قال الجوجو إن معاناتهم تبدأ من عدم توفر المواد الضرورية لصيانة وصناعة المراكب اللازمة للصيد بفعل الحصار الإسرائيلي.
وأضاف أنه “قبل نحو 5 عقود كانت تكلفة القارب الصغير تبلغ نحو 600 شيكل، أما الآن مع الحصار تصل التكلفة لما يزيد عن 3 آلاف شيكل (الدولار يعادل 3.60 شيكلا)”.
وأردف: “بعض الصيادين لديهم قوارب وشباك، لكنهم غير قادرين على توفير المصاريف التشغيلية لها بسبب حالة الفقر”.
كم لفت الجوجو إلى معاناة الصيادين الدائمة من “ملاحقة سلاح البحرية الإسرائيلي لهم في عرض بحر غزة لمضايقتهم وحرمانهم من مصدر رزقهم، والاعتداء عليهم بإطلاق النيران أو المياه العادمة أو محاولة إغراقهم”.
قبل غروب الشمس، يخرج الفلسطيني في رحلة الصيد، ويعود إلى منزله بعد ساعات الفجر الأولى وبالكاد يكون قد حصل على كميات صغيرة من الأسماك، حيث تخلو المناطق المسموح لهم بالعمل فيها من الأسماك، بحسب الجوجو.
واستطرد: “كثرة أعداد الصيادين، بالإضافة إلى هروب الأسماك من ضجيج المحركات الرديئة التي تعمل عليها القوارب، ساهم في خلو المنطقة من الأسماك”.
وأوضح أن الصيد يكون وفيرا فقط في موسم “المنخفضات الجوية حيث تهب الرياح القوية ويرتفع مستوى الموج جالبا معه الأسماك للمناطق الشاطئية”.
وشدد الجوجو على أن “الصياد الفلسطيني دائما يرمي بنفسه في وجه المخاطر والموت من أجل تحصيل لقمة العيش.. الوضع الاقتصادي للصياد سيئ، فإن اصطاد الأسماك نجح في إطعام أبنائه في هذا اليوم وإن لم يصطد شيئا يبقى بدون طعام”.
صياد قديم
حكاية الجوجو مع البحر بدأت كهواية منذ أن كان في عمر الثماني سنوات عام 1956، فلصيد الأسماك كان يجتمع مع أصدقائه ويتوجهون إلى ميناء غزة الذي كان يخضع آنذاك للإدارة المصرية.
بأدوات بسيطة، كان الجوجو يصطاد عددا محدودا من الأسماك في منطقة لا تتعدى شاطئ البحر، وفقا لقوله.
لكن في 1969 امتهن حرفة صيد الأسماك وهو ابن 21 عاما، حيث صنع لنفسه قارب صيد صغير باستخدام مادة النايلون، المعرضة للخدش والأضرار في حال اصطدم بها جسم صلب.
وورث الجوجو تلك المهنة، التي كان صيدها وفيرا في تلك العقود الماضية، من جدّه وعدد من أقربائه، مستكملا: “لكنها اليوم لا تطعم خبزا”.
وأوضح أنه “في السابق كانت الأسماك تتواجد بالقرب من شاطئ البحر، لكن اليوم حتى مسافة تصل إلى 4 أميال لا يوجد أسماك، بالكاد يخرج الصياد بكميات قليلة يعرضها للبيع لتلبية حاجات أسرته”.
وتابع أن الصياد الفلسطيني يعاني من حالة الفقر، ولم يعد لهذه المهنة رونقها في ظل وجود أعداد كبيرة من الصيادين ووسط حصار بحري إسرائيلي.
منقذ بحري
وبالتزامن مع مهنة الصيد، عمل الجوجو كمنقذ بحري لمدة 15 عاما، وقال إنه بدأ في هذا المجال وهو في سن متقدم، فكان آنذاك أكبر المنقذين الموجودين.
وأضاف: “عشقي للبحر دفعني للبحث عن مهن أخرى مرتبطة به، عملت منقذا للغرقى، وبعد وصولي لسن التقاعد، بدأت بصناعة هذه المجسمات”.
ولم يورّث الجوجو مهنته لأحد من أبنائه، قائلا: “مردود هذه المهنة لا يكفي لتوفير حياة كريمة للعاملين بها”.
وأردف: “50 عاما وأنا أعمل في البحر، لكن هذه السنوات الطويلة لم تساهم في تحسين أوضاعي الاقتصادية”.
وبحسب وزارة الزراعة الفلسطينية، فإن مهنة الصيد يعمل بها قرابة 4 آلاف صياد يعيلون أُسرا تضم حوالي 40 ألف فرد، فيما يعمل 1300 مركب صيد في بحر القطاع.
وسبق وأن قالت نقابة الصيادين في غزة، في مناسبات عديدة، إن غالبية الصيادين يصنفون تحت خط الفقر.
(الأناضول)
التعليقات مغلقة.