رحـلـــة وطـــــن …وقصة 12 عاماً تستحق أن تروى / د. خيام الزعبي

د. خيام الزعبي ( سورية ) – الجمعة 30/6/2023 م …

بعد 12 عاماً من الحرب على سورية،  هناك قصة نجاح تستحق أن تروى، بصورة او بأخرى النتائج التي تحققت وتمخضت عن تلك السنوات  التي كانت أشبه بالمعجزة البشرية على الارض، لترسم ملامح ولادة جديدة لسورية التي تبدأ معها معركة البناء واستعادة محركات التشغيل والتأثير والحضور للدور والمكانة السورية في المعادلات الإقليمية والدولية، عبر دور سياسي رئاسي ناشط وفاعل ومحفز لمبادرات الحل والعقد، من أجل التمكين لمحفزات العودة للدور السوري واستعادة اسم هذا البلد وإحياء عناصر القوة الذاتية.




لم تصل الحرب في سورية إلى خواتيمها بعد، لكنها على ما يبدو دخلت مرحلتها الأخيرة لإنهاء الوجود المسلح، حيث يقف السوريون على مشارف نهاية 12 عام من التوحش الدولي، بأيدٍ غربية-عربية، حاولت التنظيمات المسلحة والقوى المتطرفة الأخرى، بتحريض أميركي – إسرائيلي، للسيطرة على العاصمة دمشق، لكن السوريين استطاعوا فرض وجودهم وكسر المعايير المتعلقة بالتوازن وإسقاط كل حسابات أمريكا والغرب بشأن سورية. 

إذا أردنا أن نفهم ماذا يحدث في سورية اليوم، يجب أن نضع في حسباننا حقيقة أساسية واحدة وهي أن داعش وأخواتها تخسر حربها للسيطرة على سورية، هذه الحرب فضحتهم  وكشفت الأوراق وأسقطت كل الأقنعة وأظهرت إفلاس سياسة أمريكا وأدواتها في المنطقة وجعلتها تتخبط لأن الجيش السوري يواصل سحق رؤوس الإرهاب  ودك أوكارهم محرزاً تقدماً كبيراً على كافة الجبهات، ما جعل من المعادلة أن تنقلب على الأرض وتعيد الكثير من الجهات الداخلية والخارجية حساباتها من جديد خصوصاً بعض الدول التي راهنت على إسقاط النظام السوري  وتغيير وجه المنطقة. 

يبدو أن مشهد إنتصار سورية سيكون عنواناً بارزاً خلال المرحلة القادمة، فنحن نشاهد بوضوح إصرار الجيش السوري ورغبته في الحسم سريعاً، إذ تؤكد كافة المعطيات والدلالات الميدانية إلى أن الجيش حقق إنجازاً نوعياً كبيراً على أرض الواقع، وأن الإنتصار الحتمي قادم والمسألة برمتها نحو الحسم خلال الأسابيع  القليلة القادمة خاصة في مدينة ادلب بعد التقدم الكبير للجيش وحلفاؤه.  

تتلخص المعادلة الميدانية الراهنة في سورية من خلال المؤشر الأكبر لسيطرة الجيش السوري وحلفائه على معظم الأراضي السورية، و فقدتْ التنظيمات المسلحة نفوذها وقوتها في سورية والمنطقة، لأن الدعم المطلق لإسقاط الرئيس الأسد انتهى مفعوله وبدأت الدول الداعمة تتجه نحو تقليص دورها في سورية، لأن هذه التنظيمات بكافة أشكالها فشلت في تحقيق أهدافها وما تسعى الوصول إليه، ولأن اللاعبين الروسي والإيراني بدّلا قواعد اللعبة وأغلقا الطريق على تركيا، الممر الأساسي الذي كان يمدّ هذه الجماعات المتطرفة بالمال والسلاح والدعم اللوجيستي، وبإنتزاع ادلب من احتلال المتطرفين لن يبقى لهم بعده سوى جيوب صغيرة محاصرة ومعزولة عن الإمداد.

بشكل عام، يتعامل الكيان الصهيوني مع كل التطورات الإقليمية والدولية باهتمام بالغ في المرحلة الحالية، وعلى وجه الخصوص، عودة العلاقات بين سورية والدول العربية وعودتها إلى جامعة الدول العربية، كونها ستقلل بشكل كبير من تأثير الحصار والعقوبات الغربية الأمريكية على دمشق، كما تعتبر إسرائيل إن الاتفاق بين إيران والسعودية، وعودة سورية إلى الجامعة العربية هي نتيجة هذه التطورات التي لا تصبّ في مصلحة “إسرائيل” إطلاقاً. 

القراءة الإسرائيلية المتعمقة تقول بوضوح إنه لا يوجد أي سبب يجعل الكيان الإسرائيلي سعيداً هذه الأيام لما يجري في سورية ، والصفعة الكبرى كانت إثر حضور الرئيس الأسد القمة العربية في جدة، وكان لهذا النبأ انعكاس كبير في وسائل الإعلام والدوائر الصهيونية، لأن عودة دمشق إلى العالم العربي تقوي وتوحد الجبهات ضد الكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط. 

وكان الحضور اللافت والتأثير العميق للرئيس الأسد  في القمة العربية التي عقدت في الرياض نقطة فاصلة في استعادة الحضور والتموضع السوري على المستوى الإقليمي  والدولي، بجانب الزيارات والمشاركة القوية للدور الرئاسي السوري الحيوي بديناميكية وثابة في المؤتمرات الدولية، التي غيرت المكانة واحترافية الحضور والشراكات العميقة في المسارات السياسية والاقتصادية والتنموية والأمنية مع العديد من دول العالم.

وبالتالي إذا قارنا عزيزي القارئ وضع سورية الآن بعد نجاح الجيش السوري في دحر الارهاب، وما بين استمرار وبقاء المتطرفين والمسلحين، فماذا كان وضعنا وكيف أصبحنا، ولتقارن كيف نجحنا، وكيف خرجنا من أبواب الجحيم الإرهابي والتدمير.

اليوم ينظر السوريون إلى يوم تحرير ما بقي من المناطق تحت سيطرة داعش وأخواتها حتى آخر شبر منها ورفع العلم العربي السوري فوق ثراها بعد تطهيرها من الجماعات المتطرفة،  كما يجدد السوريون إصرارهم على استكمال معارك التحرير، وتخليص سورية من إرهاب القاعدة وتنظيماتها المختلفة، والتي تتماهى اليوم مع الاعتداءات التركية الغادرة على سورية بغطاء غربي، وتأييد من بعض العرب المتورطين في المشروع الصهيوني.

هكذا ستظل سورية باقية بقاء شعبها على أرضها مهما اشتدت المؤامرات ومهما إستهدفتنا قوى الشر الإرهابية ومن خلفهم مموليهم و داعميهم، فسورية أكبر من هؤلاء جميعاً، وشعب سورية أدرك منذ القدم ان قوته الرادعة و الضامنة لوجوده هي توحده علي قلب وطن واحد مع جيشه.

وبإختصار شديد يمكنني القول، إن الحرب السورية دخلت مرحلة جديدة ستكون إدلب هي بوابة النصر وما هي إلا محطة جديدة من محطات النصر السوري المستمر والذي يبعث برسائل ساخنة للتنظيمات المسلحة وكل من يقف وراءها بأن الانتصار النهائي قاب قوسين أو ادنى يحققه الشعب السوري وجيشه، ذلك الشعب الذي اثبت أنه لا يُقهر ولا يستسلم للهزيمة أبداً، ولسان حاله يقول: سننتصر رُغماً عن النصر ذاته. 

أختم بالقول، إن سنوات الاثنا عشر  لم تكن شيئاً عابراً، فخلالها شهدت سورية الكثير، وقدمت الكثير أيضاً، حيث قدمت على مدى السنوات الماضية القافلة تلو الأخرى من الشهداء الذين قدموا أروع الأمثلة في الوطنية لتطهير سورية من المجموعات الإرهابية وتبقى أرضنا واحة أمن وأمان ، والعمل على إعادة ترميم ما دمرته الحرب.

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.