ميدان جنين.. كيف طورت المقاومة قتالها وأين انعكس ذلك على تكتيكات الاحتلال؟

الأردن العربي – الأربعاء 5/7/2023 م




المشهد الميداني في جنين يعكس تغيرات في طبيعة القتال بين المقاومة وقوات الاحتلال، إذ يستخدم كل من الطرفين تكتيكات ملائمة لطبيعة قوته وأهدافه، فكيف تظهر هذه التباينات في ميدان المعركة؟ وما أبرز السيناريوهات المرتبطة بتطور الأحداث؟

 

بدأ الاحتلال الإسرائيلي، الأحد، عملية عدوانية واسعة النطاق على مدينة جنين ومخيمها، شمالي الضفة الغربية المحتلة، كانت متوقعة إلى حدّ كبير عند المقاومة الفلسطينية، عبر مختلف فصائلها وأماكن وجودها.

 

فبعد تفاقم العمليات الفدائية ضده مؤخراً، على مستوى العدد وكذلك على مستوى النوع، وبروز أسماء عدد كبير من المنفذين من أبناء مخيم جنين ومن جيل الشباب، كان واضحاً أنّ الاحتلال لن يترك الوعي المقاوم يتسلل إلى عقول آلاف الشبان في المخيم، ويهدد بالتالي بصورة حساسة أمن كيانه، وسيحاول القيام بشيء ما.

 

عمليات المقاومين النوعية أخّرت وقوع العدوان

وبحسب تصريحات إعلام الاحتلال، فإنّ العدوان الذي انطلق الأحد، كان يفترض أن يحدث في عدة مناسبات سابقة، لكنّ المفاجآت التي كشفتها المقاومة من خلال عملياتها وتصدياتها أخرته أكثر من مرة، ولا سيما بعد انفجار العبوة الناسفة في المدرعة الإسرائيلية، الشهر الفائت، وإصابة 7 جنود إسرائيليين، الأمر الذي ترك أثراً كبيراً في تصورات الاحتلال لنتائج أي عملية ضد المقاومة في جنين.

 

وإذا أعلن الاحتلال هدفاً مباشراً من العملية العدوانية، وهو إحباط المقاومة في جنين عبر “إحباط البنى التحتية المسلحة، واعتقال عناصرها في جنين”، فإنّ أهدافها غير المباشرة لا تقلّ أهمية، وتصل إلى مستوى العوامل الأساسية.

 

فمن أبرز الأهداف غير المباشرة للعدوان الإسرائيلي الواسع ضد جنين ومخيمها ومحيطها، هو حاجة رئيس الحكومة المتأزّمة، بنيامين نتنياهو، إلى “كبش فداء”، يقدمه لإسكات المعارضة الداخلية، وإظهار أنّ “لا صوت يعلو فوق صوت المدافع”، ويشدّ فيها العصبيات بين مستوطني اليمين، ويكبح من خلالها المعارضة، التي تفاقم دورها بصورة كبيرة في خريطة المشهد السياسي الإسرائيلي.

 

أما بالنسبة إلى المقاومين في جنين، فإنّ العمل على تثبيت معادلات ردع مع الاحتلال، والتأكيد أنّ المخيم قادر على إلحاق الأذى الشديد بأمن الاحتلال في داخل الكيان، وأنّ المخيم لن يكون جزءاً من “إسرائيل”، وهو ما لم يقبله الاحتلال إلى الآن، هو أساس المعركة.

 

ومن خلال فهم الأهداف الأساسية للعملية، يمكن تقييم مجرياتها ونتائجها بالنسبة إلى الطرفين.

 

المعركة مع الاحتلال تنتقل إلى الضفة: جنين “مغايرة

لكنّ العدوان الإسرائيلي الجديد على الفلسطينيين في جنين، والذي لم يفصله عن العدوان السابق على غزة أكثر من شهرين، يختلف في جوانب كثيرة عن عدد من العمليات العدوانية السابقة للاحتلال ضد المقاومة، التي تتباين في طابعها وتشكيلاتها وانتشارها وتكتيكاتها، بين غزة ومناطق أخرى في الضفة.

 

بيئة حاضنة وروابط أسرية تحفظ المقاومة

تقوم المقاومة في جنين، بصورة أساسية، على بيئة حاضنة حرصت على المحافظة على الذاكرة النضالية الفلسطينية وعلى توريثها بين الأجيال، إذ إنّ معظم الشباب الفدائي في المخيم اليوم، لم يكن يتجاوز عمره أعواماً معدودة عندما اقتحم الاحتلال مخيم جنين عام 2002.

 

ومع وجود البيئة الحاضنة ضمن منطقة صعبة كجنين، ووسط علاقات عائلية وروابط أسرية قوية، تقوم التشكيلات وتنفذ العمليات الفدائية كذلك، بناءً على أواصر القربى والعائلات، إذ تؤمن العائلة سبباً للثقة المتبادلة، وللترابط والتآزر في مستويات متعددة، لا تقتصر على العلاقات ذات الطبيعتين العسكرية والأمنية.

 

وهذا ما بدا واضحاً مع عدد من العائلات التي قام عدد من أبنائها بعمليات مشتركة، أو أنهم قاموا بعمليات متلاحقة، أو بعمليات ثأرية هدفت إلى الرد على اغتيال أحد المقاومين أو اعتقاله.

 

تشبيك البيوت وبناء الأنفاق

كما أنّ تشبيك البيوت بين الأقرباء والمعارف والمقاومين، في المخيم القديم وفي منطقة عمرانية متراكمة كجنين، يُعَدّ كابوساً بالنسبة إلى أي جهاز أمني، و”جنّة” للمقاومين الذين قد يتمكنون من تضليل الاحتلال وأدوات مراقبته عبر إجراءات تمويه وتخفٍّ، تحتاج في مدن أو قرى أخرى إلى إمكانات ضخمة لتحقيقها.

 

وكما أنّ تشبيك البيوت فوق الأرض يكون مواتياً في مناطق عمرانية، كمخيم جنين، فإنّ التشبيك عبر الأنفاق يعدّ أكثر فعالية وسريةً، وذا أهمية خاصة في تجنب الانكشاف أمام العدو، وفي المكوث فترات طويلة بعيداً عن الأضواء، والاستفادة من هذه الأنفاق والمخابئ في عمليات التصنيع والتخزين.

 

وأعلن الاحتلال اليوم اكتشاف أنفاق في جنين وملجأً تحت الأرض لتخزين العبوات، وهو ما يعني أنّ معركته أمنياً واستخبارياً مع المقاومة في جنين باتت رسمياً لا تقتصر على ما هو فوق الأرض، وهو ما سيزيد في صعوبة إنجاز المهمة التي أعلنها العدو هدفاً لعدوانه، وهو إحباط المقاومة وجهودها في جنين.

 

وفي الواقع، فإنّ فكرة تحوّل جنين إلى شبكة من الأنفاق المترابطة والمنسقة للدفاع عن المخيم، تعني كارثة بالنسبة إلى الإسرائيلي، الذي بات يطلق اسم “المحميات” على هذه الشبكات من الأنفاق، والتي شكّلت أزمة له في حروبه ضد المقاومة في جنوبي لبنان وفي شمالي غزة، وحاول عبر عمليات معقدة ضربها وتدميرها أكثر من مرة، من دون أن ينجح في ذلك.

 

أزمة فقدان التغطية الجوية

كذلك، تتميز جنين من غيرها، على صعيد طبيعة العمل العسكري فيها، بغياب التغطية الجوية الكاملة والمتفوقة، والتي لطالما اعتمد عليها الاحتلال في عملياته العسكرية المحدودة والواسعة على سواء.

 

وحاول الاحتلال، في الأعوام الأخيرة، جبر هذا النقص في التغطية الجوية لقواته، عبر الاعتماد أكثر على سلاح المسيّرات، وهو سلاح أثبت فعالية محدودة في استهداف الأشخاص، بطبيعة الحال، مع كونه غير موازٍ في كفاءته لسلاح الجو المأهول، والذي يمتلك قدرات على تدمير التحصينات وضرب أهداف أكثر تحصيناً وضخامةً.

 

وتمكّن المقاومون في جنين، حتى الساعة، من إسقاط 3 مسيرات إسرائيلية، كما أنّ الاعتماد على المسيرات في الهجمات ممكن فقط مع الأهداف المكشوفة أو غير المحصنة، مع عدم قدرة المسيرات على اختراق جدران الخرسانة أو حتى البوابات والعوائق الحديدية، وهو ما يُبقي فعاليتها محدودة، ويزيد في توازن القوى بين مشاة جيش الاحتلال ومجموعات المقاومين، ولا سيما في المخيم.

 

معركة طويلة الأمد.. وعبوات “بلا توقيع

ومع كلّ ذلك، يبدو من الصعب جداً على “جيش” الاحتلال الاتكال على عقيدته القتالية الشهيرة، عبر الحرب السريعة والخاطفة، لأنّ تحقيق هدف على مستوى إحباط جهود المقاومة في جنين، لا بدّ من أن يورّط “جيش” الاحتلال في معركة طويلة الأمد ومتعددة المراحل، ولا بدّ من أن يكون مستعداً خلالها لاشتباكات من مسافات قريبة وعبوات مفخخة وكمائن، ستؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى من “جيش” الاحتلال.

 

كذلك، فإنّ الاعتماد على العبوات المصنَّعة محلياً يصعّب إمكان كشف الشبكات المسؤولة عن توصيلها وتوزيعها، والمخازن التي تُستودع فيها، إذ إنّ الخلايا الموجودة في المخيم قد تلجأ إلى بعض الخبراء لصناعة أسلحتها الخاصة بيدها، وبالتالي تحرم الاحتلال من كشف شبكاتها الخاصة.

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.