“الضفة المسلحة”.. ما لم تكن “إسرائيل” تتمنّاه من أوسلو / محمد فرج

محمد فرج ( الأردن ) – الخميس 6/7/2023 م …




تجد “إسرائيل” نفسها في ورطة، وفي مواجهة حقيقة جديدة عنوانها “الضفة المسلحة”، تضاف إلى تلال من المتاعب الإسرائيلية في الإقليم، تنبئ جميعها بسقوط القدمين الرئيسيتين لاستراتيجية الاحتلال في الضفة: الأمن وخداع الاحتواء الاقتصادي.

في دراستها المنشورة في معهد كارنيغي، بعنوان “التهدئة من دون أفق سياسي، لماذا تفشل إسرائيل في السيطرة على الفلسطينيين؟”، تقول الكاتبة نور عرفة إن ثمة زيادة كبيرة في عدد العمليات ضد المستوطنين والجنود الإسرائيليين في الضفة الغربية، وكذلك في الأراضي المحتلة عام 1948م، وترى أن هذه الزيادة تكشف فشل المسار الإسرائيلي في السيطرة على الفلسطينيين، الذي اعتمد بشكل رئيسي على أداتين:

– الأولى: محاولة تعزيز تدابير التهدئة معهم من خلال استمالتهم عبر الترغيب الاقتصادي. 

– الثانية: الاعتماد على التنسيق الأمني لمراقبتهم، ما يخفّف أعباء المهمة على الاحتلال وتكاليفه.

 

المقاومة لأسباب غير اقتصادية 

تدور أطروحة شمعون بيريز في كتابه “الشرق الأوسط الجديد” حول آليات التشبيك الاقتصادي الإسرائيلي مع دول المنطقة، بحيث تكون “إسرائيل” رائدة في مجالات البحث والتطوير، ما يضع مصالح دول المنطقة الاقتصادية في يدها ويسهل عملية التطبيع.

لم تكن فرضية شمعون بيريز مصمّمة لغايات إقليمية فحسب، فقد عمل الاحتلال منذ نهاية حرب 1967م على آليات الترغيب الاقتصادي مع الفلسطينيين أنفسهم، وأصدرت السلطات الإسرائيلية (بحسب الدراسة نفسها) تصاريح للشركات الفلسطينية في مجالات النسيج والأحذية (وهي من الصناعات المشهورة فلسطينياً)، وعرضت عليها قروضاً منخفضة الفائدة، وحاولت دمج العمالة الفلسطينية في الاقتصاد الإسرائيلي. 

اعتقدت “إسرائيل” أن المزيد من المنافذ الاقتصادية للفلسطينيين يعني بالضرورة تراجع عمليات المقاومة ضدها، ونظرت إلى هذه النوافذ الاقتصادية كاستثمار سياسي، يكون عائده، حتى الاقتصادي، جيداً للاحتلال، وربطت إمكانية فتح المنافذ الاقتصادية بالرضوخ السياسي للفلسطينيين، بل إن نظام إصدار التصاريح تحول إلى أداة مكافآت وعقاب للفلسطينيين.

تُفاجأ سلطات الاحتلال اليوم بأن عضويات تنظيمات المقاومة المسلحة في الضفة، من كتيبة جنين إلى نابلس والخليل إلى عرين الأسود، ومنفذي العمليات الفدائية ضد الجنود والمستوطنين كذلك، هم من فئة الشباب، وفي بداية العشرينات، الأمر الذي يعني أن الفئة الأكثر اهتماماً بالطموحات الاقتصادية هي الفئة التي تقاتل، وهذا هو الفشل الكبير في مسار الأداة الإسرائيلية الأولى (الاحتواء الاقتصادي). 

يدرك الفلسطينيون أن “الهبات” الاقتصادية التي يقدمها الاحتلال ما هي إلا فتات المنهوب من أراضيهم ومواردهم، فالاحتلال ما زال مستمراً في مصادرة الأراضي، ومنع رخص البناء في عدد من القرى والمدن الفلسطينية، وهدم البيوت، وطرد الفلسطينيين، وحرمانهم من الوصول إلى الموارد المائية، وكذلك الغاز. ومع ذلك، يستمر المستوطنون في الهجوم على المزارع التي تشكل مصدراً اقتصادياً أساسياً للفلسطينيين. 

إذا كنا نتحدَّث عن “وحدة الساحات” ميدانياً، فنحن أمام مشهد “وحدة إدراك” فلسطيني لآلية النهب الاقتصادي الإسرائيلي، ورفض السياسات الإسرائيلية الخادعة (الاحتواء الاقتصادي) عبر إصدار تصاريح العمل وغيرها. هذا الإدراك عابر لمناطق “أ” و”ب” و”ج” التي أفرزتها اتفاقية أوسلو.

عندما انصرف الكثير من الدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية للتنظير لسياسة “الاحتواء الاقتصادي”، لم ينتبه لعوامل حاسمة أخرى، دينية ووطنية وقومية، تستطيع إشعال انتفاضة ثالثة، يقودها شباب ليس بالضرورة أن يكونوا محبطين اقتصادياً!

 

هل تحاول “إسرائيل” إعادة صياغة نتائج أوسلو؟

منذ توقيع اتفاقية أوسلو، ظلّ تسويف الاحتلال في البنود الحاسمة مستمراً تحت عنوان “مفاوضات الحل الدائم التي لن تأتي”. نظر الاحتلال إلى فكرة تأسيس سلطة فلسطينية من منطلق تحسين الواقع الأمني، وتخفيف أعباء هذا التحسين وتكاليفه، وإزالة عبء إدارة الحياة اليومية، وأخيراً تسهيل عملية التطبيع مع دول المنطقة، إلا أن الفلسطينيين الذين وافقوا على هذه الخطوة كانوا ينظرون إليها باعتبارها خطوة باتجاه تأسيس دولة.

اليوم، مع تصريحات نتنياهو المتتابعة حول فكرة “الدولة الفلسطينية” ونفيه لها من الأساس، ومع سياسة بن غفير، يجد هذا التيار الفلسطيني نفسه أمام فرضية لا يمكن تحقيقها من الأساس. وبذلك، تكون النظرة الإسرائيلية عن فكرة “السلطة الفلسطينية” مختلفة عما يدور في بال جزء من التيار الفلسطيني الذي وافق عليها أساساً.

“مزاج أوسلو” في تراجع مستمر بين الفلسطينيين، ومن ذلك نتائج التقرير الذي نشره المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات المسحية خلال حزيران/يونيو 2023م، وأجاب فيه الفلسطينيون عن أفضل ما حدث للقضية الفلسطينية منذ النكبة.

قال ربعهم إن الأفضل هو دخول حماس والجهاد الإسلامي على خط المواجهة، وتحدث ثلثان عن منظمة التحرير وإعلان فتح الكفاح المسلح، فالأغلبية ترى أن الكفاح المسلح هو الحل، ولا يروق لها لا حل الدولتين ولا حل الدولة الواحدة، وثلثا الجمهور لا يخشون تكرار أحداث النكبة، و66% يعتقدون أن “إسرائيل” لن تحتفل في ذكرى تأسيسها المئوية، و71% يؤيدون ولادة تنظيمات مقاومة مسلحة في الضفة، و51% يتوقعون انتفاضة ثالثة.

أمام هذا الواقع المعقد في الضفة، تتحدث الدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية عن 3 حلول أحلاها مرّ؛ أن تعيد “إسرائيل” هيكلة فكرة “السلطة الفلسطينية” بما يتناسب مع مزاجها، والعمل على فكّ رباط التنسيق بين الفلسطينيين في الضفة، بما فيه التنسيق العابر للأيديولوجيات والمرجعيات من كتائب شهداء الأقصى، وصولاً إلى سرايا القدس والقسام والجبهة الشعبية، والثاني إعلان الضمّ، والثالث حكم عسكري للضفة.

بين الخيارات الثلاثة، تجد “إسرائيل” نفسها في ورطة، وفي مواجهة حقيقة جديدة عنوانها “الضفة المسلحة”، ويضاف هذا العنوان إلى تلال من المتاعب الإسرائيلية في الإقليم، تنبئ جميعها بسقوط القدمين الرئيسيتين لاستراتيجية الاحتلال في الضفة: الأمن وخداع الاحتواء الاقتصادي.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.