عن جيش فقد انتصاراته في مخيم جنين / محمد العبد الله

عن ذعر الإسرائيليين

       محمد العبد الله ( فلسطين ) – الخميس 6/7/2023 م …




– ” إن دور جنين في معادلة الضفة الغربية يتجاوز تنفيذ عملية أو قتل جنود فقط، هذا المخيم الصغير هو مؤشّر حياة المقاومة في المدن كافة، هو الحافز والحياة والباعث ليعمل الجميع “.

الشهيد القائد  طارق عز الدين

– ” كل ما تدفعُه في المقاومة إذا لم تحصده في حياتك، فستحصل عليه لاحقاً، المقاومة جدوى مستمرّة “.

الشهيد  باسل الأعرج

مدخل

إن ” قيامة ” مخيم جنين باقية طالما بقي الشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء، خاصة، أن بيوت المخيم وجدرانه تحكي سردية سكانه الذين اقتلعتهم من مدنهم وقراهم الأصلية عصابات النازيين الغزاة عام 1948. وقد تعرض هذا المخيم، النموذج في قدرته على البقاء والصمود، إلى محاولات عديدة لتحجيمه، وحتى مسحه عن الوجود ، كما توهم جيش المحتلين بعد المعارك الطاحنة التي شهدها المخيم بين الفدائيين والسكان من جهة، وآلاف الجنود ومئات الآليات والمدرعات في العدوان الهمجي الذي سماه ” السور الواقي ” في شهر نيسان / إبريل 2002 ، ليعلن ” شاؤول موفاز” رئيس هيئة أركان جيش الغزاة بعد انتهاء العدوان  ” إن جنين لن تقوم لها قائمة أبداً”.

المخيم في مواجهة كاسر الأمواج

   جاء العدوان الوحشي الذي نفذه جيش الغزاة المحتلين حاملا تسمية ” البيت والحديقة ” ضد مخيم جنين فجر يوم الإثنين 3 تموز / يوليو وانتهى بعد حوالي 48 ساعة، كجزء من خطة العمليات العسكرية التي انطلقت في 31 آذار / مارس 2022 وحملت أسم ” كاسر الأمواج ” لتضيف فشلا  جديدا لأسطورة ” الجيش الذي لا يُقهر”، الذي كان الرئيس السابق لهيئة أركانه ” أفيف كوخافي ” قد أعلن قبل انطلاق تلك الحملة العسكرية ببضعة أشهر ” عن اضطرار قواته لتنفيذ عملية السور الواقي 2 في جنين ” على إثر تصاعد عمليات إطلاق النار تجاه قوات الجيش عند كل محاولة اقتحام للمخيم.

 عشرون غارة جوية نفذتها ثلاثون طائرة مسيرة وخمس طائرات أباتشي افتتح بها جيش الاحتلال عدوانه على ” المخيم / الحديقة “، استهدفت عدة بيوت ومساجد، كتمهيد لاقتحام 2000 عسكري من الوحدات الخاصة “ميغلان، دوفدوفان، وايغوز التابعة للواء غولاني”، والعشرات من عناصر”الشاباك ” المدعومين بعشرات العربات و ناقلات الجند المدرعة، والدبابات مع جرافات D9 المصفحة، من أجل ” تصفية ” 300 فدائي – الأرقام من الصحافة و وكالات الأنباء – . التقارير الميدانية التي تابعت مراحل الهجوم العسكري الصهيوني في المخيم تحدثت عن تكتيك جديد استخدمه الفدائيون في الاختفاء من المواجهات المباشرة مع بدء الاقتحام، باستثناء بعض النقاط التي تقرر بقاءها لمشاغلة العدو، لكن بعد ساعات قليلة تم احتواء الهجوم وبدأ التعامل مع عساكره وآلياته المدرعة التي اعتقد قادة الوحدات المهاجمة ان الجرافات ، لم تحرث الأرض وتهدم البيوت وتدفع السكان لمغادرة بيوتهم والمخيم، فقط، بل اقتلعت الفدائيين من مخابئهم، الذين فاجأوا القوات الغازية من الخنادق التي جهزوها للتنقل، ولتفجير الألغام واسطوانات الغاز  ، وللمواجهة بالنيران، و بالاشتباك أحيانا من مسافة صفر.

  استبسل المدافعون عن المخيم، أسقطوا خمس طائرات مسيرة، وأردوا أحد ضباط وحدة  ” ايغوز “، قتيلا، كما أصابوا عددا من العسكريين بجراح، شوهدت على اثرها المروحيات العسكرية وهي تنقلهم للمشافي القريبة. وكعادته في كل المعارك العسكرية، يتحفظ جيش الغزاة على نشر أرقام خسائره البشرية . في المقابل، ارتقى 12 شهيدا من الفدائيين والمدنيين في تلك الساعات من القصف والمواجهات، وتم اعتقال العشرات من أبناء المخيم – تم الإفراج عن بعضهم بوقت لاحق – وتهجير مئات العائلات من بيوتهم التي أصابها التدمير – عادت غالبية العائلات مع اكتمال انسحاب جيش العدو من المخيم -.

  فوجىء كيان الغزاة بكل أجهزته العسكرية والأمنية وميليشيات المستعمرين بلباسها المدني، الذي يعيش أقصى درجات استنفاره، بالفدائي ” عبد الوهاب عيسى حسين خلايلة ” من إحدى بلدات محافظة الخليل بوصوله إلى يافا  “مستعمرة تل أبيب” ويقوم بتنفيذ عملية مزدوجة ما بين الدهس والطعن، أصاب خلالها عددا من المحتلين، ليرتقي شهيدا بعد أن أصابته رصاصات أحد عناصر الميليشيات المسلحة، وبالتزامن مع العدوان على المخيم الصامد والمقاتل، قامت عدة كتائب فدائية تزامنا مع معركة جنين بإطلاق النار على عدة حواجز لجيش الاحتلال في محافظة نابلس والبيرة وبيت لحم والخليل والقدس، في تجسيد ميداني لوحدة ساحة الاشتباك في الضفة الغربية المحتلة.

 دورالحاضنة الشعبية في الصمود

  لم يكن مستغربا أو جديدا هذا الالتفاف الشعبي حول المقاومة المسلحة في المخيم وفي كل مواقع الاشتباك مع العدو على امتداد الوطن الفلسطيني المحتل، لكن تظهير الحالة الجماهيرية داخل المخيم على شبكات التواصل الاجتماعي وفي الفضائيات، جاء ردا على بعض المحاولات التي أعطت انطباعا يقود لليأس ويغذي بذات الوقت مشاعر العداء للفدائيين وللانتفاضة _ في الصفحة 122 من كتاب ” وجدت أجوبتي : هكذا تكلم الشهيد باسل الأعرج” إضاءة على ما يُثار من لغو، وثرثرة مشبوهة حول المقاومة . يكتب باسل تحت عنوان  ” الانتفاضة دمرتنا ” (المطلوب لكي يكون النقد، موضوعياً ووطنياً وثورياً، أن يقوم على مراجعة التطبيق وليس النظرية أو الأيديولوجيا التي تقف وراء التجربة) _ من خلال البكائيات من نكبة جديدة، ترافقت مع صور لتهجير مئات العائلات تحت قوة السلاح وسحق الجرافات للبيوت والمحلات، وإعطاء انطباع سياسي / سيكولوجي بأن شعبنا قد عبر إلى ” تغريبة فلسطينية جديدة “!.

 مع الدقائق الأولى لانسحاب آخر جندي وآلية لجيش الغزاة القتلة، خرج الناس من بيوتهم التي تعرض جزء كبير منها للدمار، وترافق ذلك مع بدء عودة المهجرين قسرا – الذين فُتحت لهم البيوت والكنائس والمساجد في كل البلدات المجاورة -، وتمكن مراسلو ومراسلات الفضائيات بالدخول للمخيم  ونقلوا / ن بالصوت والصورة، نبض قلوب الرجال والنساء وهم يتحدثون . وقفت امرأة خمسينية أمام كاميرات المصورين الصحافيين والفضائيات ، متسائلة بسخرية: “كل هاي القوات جاية من شان شباب من مواليد 2004، دولة بقواتها وطائراتها بتواجه شبان بعمر 19 سنة؟”. رجل آخر التقته كاميرا أحد المراسلين،  قال” البيوت مخلعة، المصاري بتتعوض، السيارات بتتعوض، الشوارع مجرفة ، ولا إشي بهمنا ، المهم سلامة الشباب “.

 كما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، رسالة تركها أحد المواطنين للفدائيين إذا اضطروا لدخول منزله، يخبرهم فيها بأن بيته «فداهم»، ويقول: ” الأكل والمونة في الدار وفي البراد. في باب خلفي بطلع على حوش جيرانا لو بدكم تنسحبوا، وفداكم الدار طوبة طوبة، المهم تظلّكم بخير. في 700 شيكل في الفريزر لو لزمكم مصاري، الله يحميكم وياخذ بيدكم “.

   أما مسيرات تشييع شهداء المخيم فقد أضافت صورة جديدة للاحتضان الجماهيري للفدائيين، كانت استفتاء ديمقراطيا حاشدا، بعيدا عن صناديق الاقتراع والمراقبين الدوليين لضمان ” نزاهة الانتخابات ؟!” التي مازال ” البعض ” _ في أتون المواجهات والاشتباكات مع المحتلين _ مُصرا على ضرورتها و” شفافيتها “. كانت تلك الحشود التي تحمل النعوش وتحيط بها، تهتف بحناجرٍ ملؤها الفخر بالشهداء وبالمقاومة المسلحة والبندقية المقاتلة، وبالغضب الشديد على سلطة أوسلو وعناصر التنسيق الأمني المسلحة التي بقيت في مبنى المقاطعة / المحافظة طوال ساعات الهجوم الإجرامي على المخيم، وبعد انسحاب الغزاة، خرجت تلك العناصر بآلياتها العسكرية لتمارس دورها الوظيفي المعادي لأهل المخيم الذين صبوا غضبهم عليهم ، بالحجارة والزجاجات الفارغة ،وبكل ما ملكت أيديهم.

 خاتمة

   يحصد العدو في عدوانه الجديد على المخيم، فشلا جديدا على الرغم من آلته العسكرية التدميرية، وعناصر استخباراته، وتكنولوجيا التجسس التي يمتلكها مع “جواسيس محليين”، لأن كل ذلك لم يستطع تصفية الفدائيين و إخضاع المخيم . مع بدء ساعات الهجوم على المخيم، أعلن ” دانيال هاغاري ” العميد في جيش العدو ( نعمل على تقويض التصور بأن جنين أصبحت مدينة ملجأ، إن الهدف ليس احتلال جنين، وإنما إضعاف ” الإرهابيين ” ).

–  جنين ومخيمها، لم ولن يكونا ملجأ، لأنهما نبع وخزان لأجيال من الفدائيين، ولأن بأسهما لاحدود له.

–  جنين ومخيمها، تحولا منذ عقود، لفكرة لا تموت، لأن الأفكار الوطنية والثورية التي ترويها دماء الفدائيين، وكل المناضلين / المقاتلين  بالكلمة الحرة الشجاعة، أيقونتها ” نزار بنات “، تتجذر وتتمدد.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.