لقاء مع المسرحيّ الجزائريّ محمد زعيتري … (المسرح والحياة والفكر والتّشكيل) / د.سناء الشعلان

 


 

أجرت اللقاء : د. سناء الشعلان ( الإثنين ) 9/2/2015 م

 

   *كان لي هذا اللقاء معه على أرض الجزائر العظيم، أرض المليون شهيد أرض الأبطال والإباء، أرض الجمال والعلم والزّهاد وزوايا الصوفيّة ومراقد الأولياء. كان الحوار معه في أرض مدينة معسكر حيث في الأفق يعتلي مرقد البطل عبد القادر الجزائري صهوة الجبل، ويناظر من مكانه أرض جهاده وحركات المجاهدين الأبطال ضدّ الاستعمار الفرنسيّ، وفي الأفق المقابل تنتصب أمامه على الرّبوة المقابلة جامعة معسكر باذخة بالعلم والمحبّة والعطاء.

   وكان المسرحي محمد زعيتري على عادته التي يألفها كلّ من يعرفه؛ فهو يضجّ حماساً وإبداعاً ومحبّة، ويهدر بسيل من المعلومات في شتى العلوم؛ إذ هو طلعة مبتكر جريء روحه مزيج من خفة الدّم والابتكار والدّعم للآخرين وإنزال أفكار العلم لاسيما في حقول المسرح على أرض الواقع. هو باختصار رجل الاحتمالات التي لا تنتهي.

 

إطلالة على بطاقة التّعريفيّة: هو جزائري من مواليد الجلفة، مارس التّعليم الإبتدائي، ويمارس الآن التّعليم الجّامعي بعد أن نال عدّة شهادات في حقول الإعلام وأدب اللّغة العربيّة والأدب العالمي والسايكودراما ،عمل كذلك في الإعلام المكتوب والمرئي، كما عمل رئيساً لمكتب الاتّصال والعلاقات العامة في المركز الثّقافيّ الإسلامي، كتب القصّة القصيرة والمسرح والسيناريو، وأخرج بعضاً من المسرحيّات والأعمال التّسجيليّة التّاريخيّة والوطنيّة، عضو في كثير من المشاريع الأدبيّة والسّينمائيّة والمسرحيّة، كما شارك في الكثير من ورش العمل والمهرجانات والمؤتمرات.

 

1-   ماذا يقدّم تخصّص السّايكودراما للمسرح؟

لكل ميدان من ميادين الفنون جوهر ولب يدور حوله ليكتسب نوع من الحياة والسيرورة التي تبعث في الاخر شعلة الانجذاب ؛ والمسرح اساسا اذا لم يتعلق بالحياة النفسية للمتلقي فانه لا يعدو ان يكون مجرد عبث مقصود بعيدا عن الهدف الرئيس الذي وجد من اجله وهو التطهير و تقديم الرسائل الاجتماعية التي تكرّس الدستور الاجتماعي للرقي بالحياة الى الممارسة الاجتماعية الراقية ، والسايكودراما هي عصب المسرح ومن خلال المصطلح فهي تعني بتعبير بسيط المعالجة النفسية ( سايكو ) و (درما) وتعني المسرح او العمل المسرحي او المسرحية في حد ذاتها ومن هنا نصل الى مفهوم كلي  يأخذنا الى التفكير في كيفية توظيف المسرح نفسيا حتى يصل الى اعماق المتلقي ومنه يكون متنفسا للاحتقان الاجتماعي والفكري ومن هنا فما تقدمه السايكودراما للمسرح هو بث الروح فيه و جعله نبض جمعي يخدم القضايا الانسانية الكبرى

 

2-   ماذا قدّم محمد زعيتري للمسرح عبر تخصّصه بالسّايكودراما؟

محمد زعيتيري يخطو خطواته الاولى نحو عالم مليئ بالمفاجآت الا وهو عالم المسرح الذي يتشعب كلما غصنا فيه اكثر؛ وما يحاول تقديمه للمسرح عبر تخصص السايكودراما هو ترسيخ فكرة ان المسرح ليس ركحا لممارسة حركات واداء نصوص بقدرما هو فضاء ذاتي اناني يحتاج اليه كل فرد منّا في حياته اليومية دون الاضطرار للاحترافية ؛ فكلنا يمارس المسرح يوميا من خلال تصرفاته اليومية ، وكل منّا يلعب دور الممثل في اطوار مختلفة من يومياته حتى يستطيع التعامل مع مجريات الحياة ولذلك يحاول محمد زعيتري ان يلج ميدان الصحة النفسية من خلال توظيف السايكودراما في المسرح.

 

3-   لماذا لجأ محمد زعيتري إلى المسرح؟

المسرح بالنسبة لي عالم واسع لا يحده نص وركح ؛ بل اعتبره مدرسة حياتية تسمح لنا بفهم الواقع من زوايا مختلفة والوصول الى خلق توازنات حقيقية لكل متناقضات هذا العالم ؛ فالمسرح كان ولا يزال ذلك الفضاء الميتافيزيقي الذي من خلاله يحق لنا التحليق في ذات الذّات وسبر اغوار النفس البشرية بعيدا عن قيود العلوم الدقيقة ويمنحنا فرصة إعمال الفكر في مواجهة القضايا الانسانية والاجتماعية بفكر متفتح لا يتصلب للافكار الجامدة ولا ينحاز للنعرات القبلية ؛ فمن يعود للمسرح منذ تاريخ الاغريق يفهم ان هذا الميدان كان ولا يزال الى يومنا هذا فن من فنون التنفيس عن المآسي الاجتماعية ؛ فالمسرح انعتاق و تحرر .

 

4-   ما هو العمل المسرحيّ الذي تحلم بإنجازه؟

سؤال يصيبني بغصة ؛ ليس لصعوبته بل لحرقة في نفسي مما حلمت به دائما وتحطم على جدار الواقع . حلمي بسيط جدا لكنه في ذات الوقت عميق ومهم ؛ احلم بتقديم عمل مسرحي يخدم المسرح ذاته و يمحو الصورة السيئة التي التصقت به بسبب بعض المتطفلين وبعض الجهلة الذين شوهو صورته واصبح يعني الفوضى والعبث المقصود وليس العبث الذي اسس له صموئيل بيكت ومن هذه النظرة حلمت دائما ان انتصر للمسرح بكتابة واخراج مسرحية تستعرض تاريخ المسرح عبر العصور وما قدمه للمجتمعات على مر السنين من خدمة لقضاياهم العادلة

 

5-   هل يمكن أن يغدو المسرح مدرسة للجيل ومستشفى من الأمراض النّفسيّة والفكريّة التي يعاني الكثيرون منها؟

انا اثق كل الثقة بأن المسرح له دور كبير في بناء الذات الانسانية وصقل الخبرات الفردية من خلال ما يقدمه من تجارب الاخر و الانفتاح على ثقافات متعددة فهو مدرسة حقيقة للاجيال لمد جسر بين الماضي والمستقبل مرورا بالحاضر وربط اواصر محبة بين المجتمعات من خلال الغوص في ثقافات بعضها البعض ومنه نستطيع ان نبني جيلا يفكّر بطريقة منطقية بعيدا عن العصبيات والعقد النفسية في اطار المفاضلة بين المبادئ و الاخلاق و ليس الاعراق والاجناس

جيل متفتح على العالم يتمتع بصحة نفسية متزنة بعيدا عن الافكار الضيقة التي يصاب بها بسبب التقوقع والتقليد الاعمى؛ فالمسرح متنفس لكثير من الازمات النفسية لما يعالجه من قضايا قد تتيح للمتلقي فضاء رحبا وتفتح امامه ابواب الامل .كما ان المسرح ليس مأساة فقط بل اوجد الاغريق الملهاة لتختص بالترفيه عن المشاهد واعادته الى توازنه النفسي

 

6-   ما رأيك بالمسرح الحداثيّ والتّجريبيّ؟

المسرح الحداثي والتجريبي سلاح ذو حدين اما ان نحسن استعماله وامّا عمّ الهلاك … لكن ما يجب التركيز عليه هو انّ من يمارس المسرح الحداثي ويحاول رسم خط سير في ميدان التجريب يجب عليه ان يكون ذا تكوين عال وثقافة واسعة حتى لا يقع في عقدة التقليد الاعمى وحتى لا يجني على المسرح بحجة التجريب فيسلخه عن مقصده الاساسي ويجعل منه مسخا فلا هو حافظ على الاصالة ولا هو وصل الى التجديد ؛ وبمعنى آخر ان التجريب في المسرح لا يعني التشظي في اللغة والفكرة والصورة والاطناب في الاغراب بحجة الحداثة بل المقصود هنا ان نجد أليات جديدة لمسايرة الحياة الاجتماعية السريعة التي نعيشها ؛ فالمسرح اليوم على غير العادة اصيب بثقافة السندويتش والاكلات السريعة وفي ظل العولمة لم يصبح لنا متسع من الوقت لعرض مسرحية في ثلاث فصول مثلا او ان تتجاوز مدتها بضع ساعات فالمتلقي في عصرنا هذا بحاجة الى مسرح حداثي يعتمد التكثيف وتوظيف ثنائية المخاتلة وتقديم الصورة والعبرة بصورة صحيحة غير معقدة و في نفس الوقت لا يجب ان تكون سطحية فيضيع هدفها الاسمى

 

7-   هل المسرح المدرسيّ والجامعي مطلب تربويّ مهمّ؟

من بين القضايا التي دافعت عنها كثيرا هو التأسيس للمسرح في كل الاطوار وفي كل الميادين فاذا لم تحتضن المدرسة والجامعة المسرح وتهذبه وتصبغ عليه صفة الاكاديمية فأين يمكن ان نؤسس  لمسرح يخدم القضايا التربوية والفنية ولقد كانت لي تجربة مع وزارة التربية الجزائرية انبثقت عن يوم دراسي حول دور المهاذب الجمالية في ترقية النتائج التحصيلية لدى تلاميذ الطور الابتدائي – أوصينا فيها بتأسيس لفقرة المسرح التعليمي باعتباره في ايامنا هذه نوع من انواع تقديم الدروس ووسيلة ناجعة لتقدم الطفل في التحصيل لانه يسهّل العملية التعليمية ويحولها من النمط الجاف الى النمط الترفيهي في نظر الطفل . والمتعلّم بصفة عامة ؛ وقد اصبح من الضروري اليوم مسرحة بعض المناهج لتسهيل تلقينها خاصة ما يتعلق بالاطوار الاولى من التعليم باعتبار الطفل جاء الى المدرسة ليلعب لا أن يسجن –كما يتصور- ومن هنا ارى بأن المسرح ضرورة تربوية ملّحة في عالم التعليم من الابتدائي الى الجامعة وطريقة ناجعة لتثقيف وتعليم ابنائنا باسلوب راق وبسيط بعيدا عن القيود

 

8-   كانت لك تجربة بتكوين فرقة المسرح الجامعيّ في جامعة الجلفة وجامعة المسيلة.فماذا تقول عن هذه التّجربة؟

حقيقة هي تجربة رائدة ونقطة تحول بالنسبة لي خاصة بعد ان قطفت ثمارها في اقل من سنة بعمل كان له صدى كبير داخل وخارج الجامعة وحتى على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي ففكرة الفرقة المسرحية هي نوع من كسر حواجز الخوف من المسرح وكذا فضاء للمبدعين الشباب لممارسة فنون الكتابة والابداع خاصة اذا كان هؤلاء من الطلبة المبدعين اساسا وكانت أول تجربة في تأسيس فرقة مسرحية مع بداياتي في التعليم الابتدائي وكوّنت فرقة من تلاميذي كنت اسهم بهم في تنشيط الحفلات المدرسية والمناسبات الرسمية وكذلك الاستعانة بهم في تأدية بعض حصص المحادثة والتعبير وبقيت الفكرة معي الى الجامعة حيث أسست فرقة على مستوى جامعة الجلفة بمعية بعض الطلبة وكررت التجربة في جامعة المسيلة بصحبة الدكتور مفتاح خلوف الا أنّ المشروع توقف مؤقتا لحين اعادة هيكلة الفرقة .لكن تبقى هذه التجربة خطوة اولى في مشروع التأسيس لمسرح جامعي قوي و هادف يكون شريكا حقيقيا في المنظومة الجامعية ولسان حال المبدع داخل و خارج محيط الجامعة …

 

9-   ماذا تقول عن المسرح والحياة والفكر والتّشكيل عند محمد زعيتري؟

تتكلمين عن رباعية جميلة جدا ومهمة في حياة كل مبدع فالمسرح والحياة والفكر والتشكيل عند محمد زعيتري هي معادلة بسيطة تختزل الى ثنائية الحب والموت فبهذه الرباعية احيا ومن دونها اموت

 

10- هل المسرح- وفق رأيك- هو حياة موازية للحياة المعيشة؟

لا يجب ان يكون المسرح حياة موزاية للحياة المعيشة لانه بهذا سيفقد اهم ركن فيه ولا يصبح سوى مرآة عاكسة لما يحدث في المجتمع ولا فرق بينه وبين التقارير التي تحملها الجرائد في طياتها كل يوم ؛ بل يجب ان يضطلع بمهمته الاصلية وهي التطهير والتغيير ونقد الواقع ليقدم للمجتمع البدائل والحلول وليس فقط اعادة اجترار ما يحدث فعلا . المسرح الحقيقي هو مسرح الثورة على الواقع في محاولة للتطوير الدائم للمجتمع وتحسين الاداء الجمعي في كل القضايا الانسانية

 

11- كيف ترى المسرح الجزائري في الوقت الحاضر؟

على الرغم من واقع الركود العام الذي يتخبط فيه المسرح العربي اجمالا؛ الا ان الجزائر اليوم تعيش عصر تحولات -والحمد لله- المبدعون الشباب اكتسحو الساحة بجدارة ، وهناك اسماء لامعة تحاول جاهدة الرقي بالمسرح الى اعلى المستويات ،  وذلك بانتاجها الغزير وبالاحتكاك بالتجارب المسرحية العالمية ؛ سواء التاريخية او الحداثية .وبحكم قرب الجزائر من اوروبا ؛ فإنّ حلقة الاحتكاك كبيرة جدا ،ونشطة ،والمسرح الجزائري يخطو خطوات جبارة رغم بعض العراقيل والحواجز – من حين لآخر-  لكن المستقبل يبشر بالخير ؛ شرط  المثابرة واستمرارية العمل والتطوير ليصل الى مراحل متقدمة .

 

12- بماذا تصف المسرح العربيّ في الوقت الرّاهن؟

سؤال يحتاج فعلا لدقيقة صمت …..فالمسرح العربي عرف نوعا من التقهقهر والركود وهذا عائد الى اسباب عدة قد يكون من اهمها ضياع الهوية العربية وفقدان الانتماء للقضية العامة لكن هذا لا يعني انه مات كليا فهناك بعض التجارب الراقية لكنها قليلة ، ولا تكفي في ظل التحولات العالمية الكبرى التي تحاول طمس هويتنا العربية، و القضاء على الاجيال بترسيخ ثقافة التغريب .

 

13- لماذا ليست هناك إسهامات عربيّة مهمّة في تشكيل خارطة المسرح العالميّ؟

حتى نكون حقا شركاء في صنع خارطة المسرح العالمية يجب اولا ان نتوقف لحظة لاعادة ترتيب الصفوف وفرض الذّات وتكوين جيل مثقف يحمل رسالة التغيير الحقيقي ،والهادئ ، بعيدا عن تكريس ثقافة الدمار التي يبثها فيه الغرب لتحطيم كل مقومات المجتمعات العربية ، وتحطيم آخر حصن وهو الثقافة ؛ ثم يجب علينا ان نؤسس لمسرح حقيقي يخدم قضايانا بكل خصوصياتها ولا نبق نجتر اعمال الغرب فقط والاعتماد على الترجمة والاقتباس ؛ بل يجب فتح المجال واسعا اما الابداع الحقيقي وتقديم يد المساعدة لجيل الشباب ليستلم المشعل وحينها سيصبح للمسرح العربي مكانة حقيقة في خارطة المسرح العالمي وسيؤثر بشكل كبير في تغيير الفكر المحموم الذي يبثه الغرب من خلال السينما ووسائل الاعلام

 

14- أنت قد درست الإعلام.ماذا يقدّم الإعلامي للمسرحيّ؟

المسرح فن ، والاعلام هو فن نقل المعلومة . وكما يحتاج المسرحي الى نقل الفكرة الى المتلقي بطريقة صحيحة؛  فإن الاعلامي ايضا يحتاج الى تقنيات عالية للبحث عن المعلومة ،وصياغتها ،ونقلها ،وهذا هو العامل المشترك بين الاعلام والمسرح . وقد ساهم الاعلام كثيرا في بلورة الكثير من الافكار المسرحية من حيث النص وكذلك من حيث المعالجة الدرامية ؛ كما ان الاعلام هو القناة الناقلة للفنون الاخرى .

 

15- لقد درستَ اللّغة العربية واللّغة الفرنسيّة والانجليزية .ماذا تقدّم دراسة اللّغات للمسرحيّ؟

اللغات هي النافذة الحقيقية لفهم العالم والاحتكاك الثقافي ولذلك فالمسرحي غير المتفتح على اللغات هو مسرحي متقوقع ولا يمكن ان يبدع اعمالا ترقى الى مستوى العالمية فاللغة مفتاح الفكر والمسرح يحتاج لمبدع مثقف ومتفتح

 

16- لقد درست الكثير من التخصصات،مثل العلوم السّياسيّة والعلاقات الدّوليّة والقانونيّة والإنجليزيّة التّقنيّة.فما سبب ذلك؟

قد تكون الاجابة صادمة نوعا و لكن سأقول باختصار اني اؤمن بأن الانسان في هذا العالم لا يجب ان يكتفي بتخصص واحد لان الانسان مجموعة من العلاقات المختلفة وفهم القضايا الحياتية يحتاج الى فكر ناضج متفتح و يحتاج الى نظرة شمولية وانا كنت ادرس هذه التخصصات من باب التفتح على الاخر .

 

17- هل من المهم أن يكتب المسرحيّ نقداً حول المسرح؟

ممارسة عملية الكتابة المسرحية او حتى الاخراج المسرحي هو نوع من النقد لذلك نجد كاتب النص او المخرج يبحث دائما عن نقطة الكمال وهذا في حد ذاته اسمى مراحل النقد سواء كتب ذلك في  مدونة أم اكتفى بتطبيقه

 

18- متى يكتب محمد المسرحيّ النّقد المسرحيّ؟

بالعادة انا لا اكتب نقدا بالمفهوم الاكاديمي ؛ لكني أدوّن بعض الملاحظات طبقا لما تمليه علي الذائقة الفنية واكتفي بتدوين ملاحظات لصالح الرقي بالمسرح واعادته الى دوره المنوط به

 

19- ماذا قدّم المسرح العربيّ في تاريخ المسرح العالميّ؟

نستطيع القول ان المسرح العربي كان في فترة من الفترات وخاصة المائة سنة السابقة – تاريخ ظهوره وازدهاره – لبنة اساسية في تكوين المسرح العالمي بتلقيه للحضارات السابقة وتوظيفها وكذا تأثيره في الحضارات المعاصرة له ولكن بعد ذلك وبكل أسف فإن المسرح العربي اجمالا يحتظر بغض النظر عن بعض التجارب الناجحة وبعض المحاولات هنا وهناك للنهوض به ؛ ولكن الجو العام يبعث في النفوس الملل والركود خاصة بعد التوجه الكبير للسينما . واصبحت دور المسرح مناسباتية وليست كما عرفتها الحضارات السابقة منارات ادبية و ثقافية صنعت اجيال قادرة على بناء مجتمعات قوية ومثقفة وضاعت الفلسفة الارسطية الداعية للتطهير وطمست النظرية البريختية للتغيير وبهذا اصبح المسرح العربي يعاني من فقر في الموضوعات بالرغم من توفرها و فقر في جوهر النصوص المختارة ، وادى عزوف المتلقي الى فراغ رهيب  .

 

20- ما خصائص مسرح الطّفل وفق رأيك؟

مسرح الطفل هو مسرح بكل المقومات المعروفة في العملية المسرحية غير انه يختص بطبيعة النص الموجه لهذه الطبقة العمرية كما انه يراعي الهدف الموجه والرسالة الخفية من خلال العمل ككل باعتباره قناة تواصلية مع فئة الاطفال المباشرة وحتى غير المباشرة اي من الكبار البالغين الذين يتلقون هذه الرسائل ويترجمونها تصرفات حياتية سواء في البيت او المدرسة ويفهمون من خلالها مزاج الطفل وتفكيره  ؛ ومن هنا وجب علينا او نولي اهمية قصوى لهذا النوع من المسرح ولا يمكننا ان نتكلم على خصائص معينة بالمفهوم الحقيقي للكلمة ولكن يجب الانتباه الى جوهر الاعمال المقدمة من خلال مناسبة الموضوع للفكر الطفولي وكذا استعمال عناصر الشد والانتباه مثل تسخير الاضاءة وادراج الحركة باعتبار ان العملية التعليمية لدى الطفل ترتكز اساسا على الصورة البصرية

 

21- كتبت وأخرجت مسرحيات للطّفل. فماذا تقول عن هذه التّجربة؟

تجربة الكتابة تجربة تمازج بين اللذة والالم ؛ فالكتابة تشبه المخاض والاخراج يشبه عملية الولادة ؛ فالعملية تكاملية وهي ثمرة لفكر راسخ عند محمد زعيتري الذي يؤمن بأن الطفل هو نواة المجتمع الذي ينبثق منه مستقبل الاجيال فاذا نحن لم نهتم بالطفل بغرس بذور الفكر السليم بداخله منذ البداية فلا يحق لنا ان نحلم بمجتمع راق .

وعملي في مجال مسرح الطفل كان من باب المسؤولية الاخلاقية في عالم انتهكت فيه كل الحقوق والحريات ونسينا في لحظة من اللحظات أننا نحن من اسس لهذا الفكر الضيق .

 

22- أين حدود السّخرية والحقيقة في (السبوت لايت شقلبة)؟

بداية العمل كان فكرة انبثقت من نص كتبه صديقي الرائع الاديب الساخر مصطفى بونيف وهو نفسه الذي مثّل العمل ؛ وكان لي مهمة الاشراف على هذا العمل واقتراح عنوان ” شقلبة ” الذي اعتمد في الاخير .

وفي هذا العمل تبدأ حدود السخرية من العنوان في حد ذاته ؛ فعالمنا اصبح يفكر بالمقلوب الظالم مظلوم والمظلوم مجرم يجب معاقبته باعتبار عدم اذعانه للقوي ولو كان ذلك على حساب حريته وكرامته . انقلاب الموازين الحياتية واختلال المنطق الانساني الذي افرزه النظام الدولي الجديد وخاصة بعد احداث 11 سبتمبر ؛ جعل الامور غير مفهومة وتعقدت الحياة بطريقة شوشت الرؤى الواضحة للقضايا الانسانية ؛ فجاء هذا العمل “شقلبة ” كردّة فعل صريحة ترفض ان تداس المقدسات وان تكسر نواميس الكون فحمل في طياته عدّة موضوعات تبدو مختلفة ولكنها تصب في هدف واحد ؛ الا وهو حرية الرأي وحرية التعبير .والنظر الى القضايا العالمية بعين الحياد بعيدا عن التهويل الاعلامي الذي تفرضه القوى الكبرى ؛ وتطبيل ضعاف النفوس .كما انه تناول قضايا مصيرية تخص مستقبل الشباب كالعمل والزواج وعالجها بطريقة ساخرة في ظل اتساع رقعة البطالة وتزايد نسبة العنوسة ؛ أمّا حدود الحقيقة فالعمل كان بحق ترجمة بالصوت والصورة  لما يحدث داخليا و خارجيا وللتطورات الاجتماعية والسياسية الراهنة .

 

23- ماهو المسرح الذي تسعى لترسيخ مفاهيمه؟

ككل مثقف غيور على الثقافة العربية ؛ احلم بمسرح يخدم القضايا الانسانية بجرأة تلغي كل الحواجز والاعراف الديبلوماسية ؛ مسرح يحمل هموم البشرية ويقدمها في أصدق صورها دون مداهنة واذعان وهذا لا يتأتى الا اذا رسخنا قواعد صارمة للممارسة المسرحية تعتمد على الاكاديمية الصحيحة وتبتعد عن التجريب العبثي الذي يعتمد الفوضى مقياسا ؛ وذلك باالاعتماد على عنصر الشباب وتسليمهم المشعل ليصنعو مستقبلهم بعيدا عن الوصاية القاتلة هؤلاء الشباب الذين لهم الحق في معالجة قضاياهم فهم الاحق بها وهم من يرسم معالم المستقبل والمسرح في ايديهم بأمان تام بداية من النص وصولا الى الاخراج .

 

24- عملتَ في الدّراما التّسجيليّة لشخصيّات تاريخيّة ووطنيّة.ما الذي حرصت على إبرازه في مثل هذا النّوع من الدّراما وفق رأيك؟

الافلام التسجيلية ركيزة اساسية في المحافظة على التاريخ والموروث الثقافي الجمعي ؛ فنحن اليوم في صراع حضاري خطير يحاول الغرب من خلاله طمس معالم هويتنا وتزييف حقائق تاريخية ؛ فالافلام التسجيلية هي الخزانة الحافظة لهذا التاريخ وهي السجل الآمن لحفظ تاريخ شخصيات وحضارات سابقة وعملي في هذا الميدان كان نابعا من مسؤولية اخلاقية تجاه الماضي وقد حاولت ان ألج هذا العالم بتسجيل اشرطة وشهادات حية حول شخصيات معروفة في المنطقة ولها افضال كثيرة على اجيال متعددة بعدها ؛ كما حاولت ان اعتمد الموضوعية في التأسيس لارشيف وثائقي قد يكون مرجعية في يوم من الايام …. التجربة مازالت فتية وتتطلب تفرغا واماكانات كبيرة جدا الا ان النتائج تستحق بذل الكثير من المجهود

 

25- لقد عملت في مشروع إحياء تراث منطقة الجلفة. ماذا تقول عن هذه التّجربة؟

وهذه التجربة ايضا مرتبطة بصفة غير مباشرة بتجربة الافلام التسجيلية وقد حاولت من خلالها ان اجمع التراث الذي بدأ يتلاشى شيئا فشيئا في عرض الحياة المتسارعة . وكانت التجربة نابعة من تجربة سابقة كنت قد خضتها مع اعضاء مكتب النشاطات الثقافية بالمركز الثقافي الاسلامي -اين كنت اعمل سابقا – وحاولنا من خلالها جمع هذا الموروث الثمين وتصنيفه وتدوين ما هو شفهي واعتماد الاكاديمية في البحث ؛ ولقد كانت تجربة مليئة بالاكتشافات والمغامرة وخاصة في عالم الزوايا *- التي تختص بتعليم القرآن والسنة وما تحتفظ به من رصيد ثقافي خاصة ما يتعلق بالمخطوطات و دواوين الاشعار والمتون .

 

26- بماذا تصفّ السّينما الجزائريّة؟

السينما الجزائرية مرت بمرحلتين اساسيتين

المرحلة الاولى وهي مرحلة السينما الاكاديمية او السينما المحترفة ( الواقعية ) وقد قطعت فيها الجزائر اشواطا كبيرة وخطت خطوات جبارة وفرضت نفسها عربيا وعالميا من خلال الدراما الثورية خاصة والدراما الاجتماعية المنبثقة من روايات وسيناريوهات جزائرية مثل “الافيون والعصا” و” دورية نحو الشرق” و “سنين الجمر” وغيرها وكلها افلام تعتمد اللمسة التاريخية في مسيرة التحرر للشعب الجزائري وكل ما تعلق بقضايا السياسة والاقتصاد ؛ و نجحت بشكل باهر كاد يصل الى مرحلة الكمال و الجوائز العالمية خير دليل على ذلك

اما المرحلة الثانية فهي المرحلة الحالية وتعتمد فلسفة التجريب فتتراوح فيها بين النجاح احيانا والاخفاق احيانا اخرى الا انّ بعض التجارب الناجحة تبعث بصيص امل في صناعة سينما قوية ترقى الى مصاف العالمية

 

27- هل هناك فوضى في المصطلح النّقدي ّوالمسرحيّ في المشهد الإبداعيّ والفنّي والنّقديّ الجزائريّ؟

فوضى المصطلح اشكالية يعاني منها العالم العربي برمّته والعالم الثالث عموما وذلك بسبب التأثير القوي للمدارس الغربية على الثقافة العربية وجنوح كثير من مثقفينا الى اعتماد الثقافة الغربية كمقياس للتطور والرقي وهو ما انعكس سلبا على المدونة العربية النقدية التي لم يتجشّم هؤلاء المثقفون عناء التأسيس لها ؛ والجزائر كغيرها من الاوطان العربية ورغم محاولات منفردة هنا وهناك لبناء منظمومة نقدية عربية تعتمد المصطلح العربي الذي يتناسب والثقافة العربية ؛ الا انها تبقى تعاني من نفس التبعية الثقافية .

 

28- حاضرتَ في الجامعة الأردنيّة في كلّيّة الفنون والتّصميم. ماذا تقول عن هذه التّجربة؟

التجربة كانت رائدة بكل المقاييس لأن التبادل الثقافي والمعرفي يصنع ثقافة متفتحة ومتطورة ؛ وروح العمل الجماعي والاحتكاك بخبرات مختلفة هو في حد ذاته نوع من صقل المعارف واثراء المنظومة المعلوماتية لدينا. وقد كانت ناقاشات الاساتذة الكرام والطلبة المحترمين ثرية جدا وسمحت لي بالتعريف بافاق تخصص السايكودراما خاصة في كلية الفنون والتصميم مما سمح للطلبة بولوج عالم جديد كما حاولت من خلالها نقل التجربة الجزائرية بما يختص بالمسرح والفنون الاخرى بمساعدة زميلي الدكتور مفتاح خلوف الذي حاضر بدوره في تخصص سيمياء المسرح

 

29- ماذا يمكن أن يقدّم المسرح للصّم ولذوي الاحتياجات الخاصّة؟ وهل يمكن أن يكون هناك مسرح خاصٌ بهم؟

المسرح فن بصري تعبيري ؛ والصم يحسنون المشاهدة لأنّ عيونهم هي آذانهم ومن هنا فالمسرح بالنسبة لهم منبر فسيح واداة تعبير قوية جدا لطرح قضاياهم ولغة الاشارة التي يستعملونها هي نوع من مسرحة الالفاظ بمعنى انها فن تعبيري حركي وهو الركيزة التي ينبني عليها الاداء المسرحي ؛ كما ان الصم لهم باع كبير في الاداء المسرحي وقد اثبتت التجربة ذلك وهنا لا يفوتني ان اصف التجربة المسرحية الرائدة للصم في الاردن في المهرجان الثقافي المسرحي العربي الاول للصم والذي نظمته جمعية تنمية المرأة الاردنية للصم سنة 2013 تحت شعار “بلاغة الجسد وحديث الاصابع” أين شاركت في فعاليات هذا المهرجان بمحاضرة تحت عنوان ” الصم وثقافة التواصل الاجتماعي ” وشهدت ذلك التألق للعروض المسرحية التي قدمها الصم و كانت بحق رسالة واضحة تترجم مدى اهمية المسرح كفن تعبيري في ترجمة مكنون الذات مهما كانت لغة التواصل سواء المنطوقة ام الاشارية . فالمسرح فضاء فسيح امام  الصم وذوي الاحتياجات الخاصة باعتباره قناة تبادلية سواء كانوا مؤدين أم متلقين – مشاهدين –

 

30- لقد شاركت في الكثير من الملتقيات والنّدوات الدّوليّة حول المسرح والنّقد.ماذا تقّدم هذه المشاركات لمحصّلة محمد زعيتري المسرحيّ؟

هذه المشاركات أكيد هي نوع من الثروة المعرفية التي تسمح لي بالاستزادة في هذا الميدان والاحتكاك بالثقافات المختلفة وبناء رؤية واضحة و تفصيلية حول المشهد المسرحي والنقدي العربي والعالمي وهذا يساعدني كثيرا في بحوثي وتجاربي الابداعية كما انها قناة تفتح لي آفاق التعاون المستقبلي مع مختصين في المجال ؛ وخبرات ابداعية لها رصيد معرفي كبير .

 

31- ما رأيك بالمهرجانات المسرحيّة العربيّة؟

كثير من المهرجانات العربية المسرحية فقدت الهدف المنوط بها للرقي بالمسرح العربي ورفع مستوى الذائقة الفنية العربية والعالمية واهتمت بجزئيات صغيرة جعلت من المسرح آخر اهتماتها بترسيخ ثقافة السوبر ستار والتنافس على نيل الجوائز بمعايير بعيدة كل البعد عن فن المسرح ولكن رغم ذلك تبقى بعض المهرجان تحافظ على الحد الادني من روح المسؤولية لخدمة قضايا المسرح العربي

 

32- هل تعتقد أنّ السّياسات الثّقافيّة العربيّة تدعم المسرح كما هو مأمول؟

لا استطيع ان اقول ان السياسات العربية تدعم او لا تدعم المسرح لأن الامر يتعلق بمسؤولية مشتركة بين السلطات والمثقفين فالدعم ليس فقط بناء دور مسرح وتمويل المشاريع لكنه ايضا مسؤولية اخلاقية في رسم مسار تكويني تختص به الجامعات والمسارح الوطنية لتخريج شباب ذوي  كفاءات عالية وهذا لا يتأتى الا بمشاركة المختصين والمثقفين في بناء هذا الجيل الذي يحافظ على الاستمرارية ويستثمر المسرح كشريك حقيقي في العملية الثقافية الاجتماعية

 

33- هل المسرح في وجهة نظرك تجسيد للمجتمع أم مشروع إصلاحي له؟

اذا اردنا ان نبني مسرحا يجسد ثقافة التطهير والتغيير فإنه حري بنا أن نؤسس لمسرح يحاكي – ولا يعكس – الحياة الاجتماعية بتلمّس القضايا المراد معالجتها وبلورة الافكار وفق ما تقتضيه هذه القضايا من اصلاح ؛ فالمسرح ليس تجسيدا للمجتمع كما هو؛ بل هو اعادة تشكيل للمجتمع وفق ما تلميه المشروعات الاصلاحية .

 

34- ماذا تعني الكلمات التّالية لك:

أ‌-    خشبة المسرح: فضاء الانعتاق

ب‌-  الإضاءة المسرحيّة: شعاع الحقيقة

ت‌-  الديكور المسرحيّ: فضاء الخيال و تفتح الافق

ث‌-  المؤثّرات الصّوتيّة للمسرحيّة: الوتر الحساس  عند المتلقي

 

 

* – الزوايا وهي جمع لكلمة زاوية وهو مكان يشبه المركز التعليمي يختص بتعليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وتخريج الائمة ومعلمي القرآن الكريم ويؤطره مشايخ .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.