من ذاكرة تاريخ ثورة الفاتح الليبية / إشتيوي مفتاح محمد الجدي

 

إشتيوي مفتاح محمد الجدي ( ليبيا ) الخميس 1/9/2016 م …

من ذاكرة تاريخ ثورة الفاتح الليبية: للأمم والشعوب الحرة تواريخ ومواقيت تعد من المحطات المهمة في مسيرة التاريخ الإنساني..
و بالنسبة لليبيين الشرفاء الأول من سبتمبر 1969 يأتي على رأس قائمة المحطات المشرّفة في مسيرة تاريخ ليبيا الحديث.. ولأن الثورات المفصلية في حياة الشعوب تستعصي على النسيان ، بل تكون ملهمةً ومحفزةً للشعوب في استكمال مسيرتها التاريخية ، فليس بمستغرب أن يحي الشعب الليبي في كل عام ذكرى انبلاج فجر ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 ، تلك الثورة العظيمة التي خطط لها وقادها الطالب المناضل العروبي الوحدوي معمّر القذافي ورفاقه من الرعيل الأول وسار تحت لوائها الشعب الليبي .

كما هو معروف أنه رغم اعلان الأمم المتحدة عن منح ليبيا لاستقلالها في 24 ديسمبر 1951 ، إلا انها واقعياً ظلت تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة التي كانت تشرف على تأسيس هياكل حكم المملكة الليبية الوليدة الى غاية عام 1963 ، ناهيك عن أن الدول الإستعمارية احتفظت لنفسها بمعاول التدخل في شؤون ليبيا الداخلية من خلال ربط البلاد بمعاهدات سياسية واقتصادية وعسكرية سمحت لإمريكا وبريطانيا بإقامة العديد من القواعد العسكرية الجوية والبحرية والبرية ، علاوة على ربط اقتصاد البلاد بتلك الدول الإستعمارية من خلال  بنك روما والشركات النفطية الأمريكية والبريطانية والإيطالية والفرنسية ، وعشرات الآف المستوطنين من الطليان الفاشيست الذين كانوا يستولون على قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة.

ولهذا فإن الاستقلال الحقيقي لليبيا إنما اُنجز بقيام ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 التي عطلت العمل في القواعد العسكرية الأجنبية منذ اللحظة الأولى لإنبلاجها وطردت بشكل نهائي القواعد البريطانية في 28مارس 1970 والقواعد الأمريكية في 11يونيو1970 وبقايا المستوطنين الطليان في 7أكتوبر1970.. ووزعت المزارع والمساكن والمحال التجارية والصناعية على المواطنين الليبيين البسطاء الذي كانوا مستخدمين لدى ملاكها الأجانب. وبهذا جعلت الليبيين يتمتعون بالحرية والكرامة والكبرياء.. وفوق ذلك وفي فترة زمنية وجيزة تمكنت من إستعادة الثروة الوطنية الليبية وتحرير الاقتصاد  من خلال تأميم قطاع النفط  والشركات والمصارف الأجنبية.

يعلمنا التاريخ أن مقياس نجاح الثورة – أي ثورة – بمقدار ما أحدثته من تغيير جذري في حياة الشعب الذي قامت من أجله ، هنا وبإختصار ، ثورة الفاتح من سبتمبر 1969، هي من حققت للشعب الليبي العزة والكرامة والمجد ، ولاينكر ذلك إلا جاحد ، ذلك أنه وقبل هذه الثورة العظيمة كانت ليبيا الدولة المسلمة تحت حكم الملك ادريس (حامل كتاب الله )! ، وفي ظل راية الإستقلال المزيف ، تعج بالخمارات وبيوت الدعارة المشرعة بحكم القانون ! والأجانب يقذفون المواطنين الليبيين بـ علب وقناني الجعة والنبيذ والويسكي الفارغة ، ويتلهون مع بعض الليبيات على مرأى من الرجال الليبيين دون أن يستطيعوا تحريك ساكنا لأن هؤلاء الصعاليك الأجانب محميون من شرطة الملك المعظّم! ، ليس هذا فحسب بل أن الليبيين كانوا ممنوعين من دخول الأحياء التي يقطنها الأجانب إلا إذا كانوا خدماً لديهم ، بل أنهم أي الليبيين كانوا ممنوعين من دخول شوارع المدن الرئيسية أيام الآحاد حيث يؤدي الأجانب صلواتهم بالكنائس!.  لكن مع ثورة  الفاتح من سبتمبر 1969 انتقلت ليبيا فعلياً من حال إلى حال ، فمنذ أيامها الاُول اقفلت الخمارات ودور الدعارة ومنعت  شرب الكحول وممارسة الرذيلة ، كما حوّلت الكنائس إلى مساجد إسلامية ، وفي زمن قياسي  طهرت ليبيا من دنس الوجود البريطاني والأمريكي والإيطالي ، فهل من عزة وكرامة ومجد تضاهي ما حققته ثورة الفاتح من سبتمبرالعظيمة للشعب الليبي؟.

والمُلفِت أن هذه الثورة العظيمة قد ركزت في بدايتها المبكرة على تحرير ليبيا من رواسب الحقبة الإستعمارية واسترداد ثروة الشعب الليبي ، وتوظيفها في مشروعات التنمية تعويضاً لهذا الشعب عن حرمان عهود بائدة فٌرضت عليه ، فكانت خطط التنمية التي بدأتها بتوفير المسكن اللائق للمواطن الليبي وشملت خطط التنمية التوسع في التعليم المجاني في كل مراحله والعلاج المجاني وكذا مظلة التأمين والضمان الإجتماعي وغيرها من المجالات الخدمية والتنموية ، فمنذ إنطلاقتها المباركة فجر الفاتح من سبتمبر 1969 وهذه الثورة الإنسانية تعمل و تدفع للأمام باعثة الحماس في الجموع والازدهار في الربوع فلم تترك مكاناً قرُب أو نآى على امتداد رقعة تزيد مساحتها عن المليون و ثلاثة أرباع المليون من الكيلو مترات المربعة إلا و طالته يدها المباركة بالبناء والإنجاز ولم تترك مواطناً واحداً مقيماً كان في المدن والأرياف و القرى أو في أعالي الجبال و أقاصي الصحراء إلا أنالته حظه بالكامل من الخدمات و متطلبات الحياة العصرية المتكاملة من الطريق إلى المسكن الحديث إلى المدرسة إلى مكان العمل إلى المصحة إلى المكتبة و كامل خدمات المياه و الكهرباء الاتصالات و البث الإذاعي المرئي و المسموع .وهكذا تحقق الوعد التاريخي الذي جاء به البيان الأول

لثورة الفاتح من سبتمبر1969″ لا مغبون ولا مهضوم ، ولا مظلوم ولا سيد ولا مسود بل إخوة أحرار في ظل مجتمع ترفرف عليه راية الأخوة والعدالة والمساواة ” ، واطلقت مشروعات للتنمية الوطنية حوّلت ليبيا من احدى افقر عشر دول فى العالم الى دولة مزدهرة .

من الثابت والمعروف أن ما حققته ثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا ، على أرض الواقع من انجازات معنوية ومادية هو شيء يفوق الوصف  ويحتاج الى مئات بل الآف الصفحات للحديث عنه. لذا سأكتفي بالاشارة الى بعض أهم ما أنجزته ، فعلى سبيل المثال لا الحصر  كسبها لمعركة تصفية الألغام المزروعة في أرجاء الأرض الليبية والتي كانت تعوق طموحات التنمية لعدم وجود الخرائط بالمواقع لإزالتها ، وقد أكدت على هذا الحق قرارات الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة وقرارات القمم ووزراء الخارجية للمؤتمرات الإفريقية والآسيوية والعربية ، وبذلك أرست ليبيا قاعدة جديدة في العلاقات الدولية وهي أن المستعمر عليه أن يدفع ثمن عدوانه مهما طال الزمن ، وان ضحايا جرائمه لا تسقط بالتقادم. . وأكملت ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة خطواتها ، وتوجت انتصاراتها ، بإرغام رئيس حكومة ايطاليا يوم 30/08/2008على الأعتذار رسمياً وعلناً للشعب الليبي عن فترة استعمارايطاليا لليبيا والتزام الحكومة الإيطالية دفع تعويضات بقيمة خمسة مليارات دولار امريكي وتقديم خدمات صحية وتعليمية وفنية لصالح الشعب الليبي.

هذا ولم تكن ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 ، حدثاً مفصلياً ومضيئاً في حياة الليبيين فحسب ، بل وفي حياة العرب والأفارقة ، و العالم الثالث برمته.. فعلى الصعيد العربي فقد  كانت كلمة السر لإندلاع ثورة الفاتح الليبية هي ” القدس “؛ ما له بالغ الدلالة على اعتبار القضية الفلسطينية هي محض تركيز واهتمام قيادة الثورة الليبية.. وبالفعل فقد دعمت ليبيا حركات المقاومة الفلسطينية بالسلاح والمال من اجل تحرير فلسطين ، فضلاً عن الدور السياسي الذي لعبه القائد معمر القذافي على الساحة الدولية في سبيل نصرة القضية الفلسطينية والذى كان اُولى ثماره قطع العديد من الدول الافريقية علاقاتها الدبلوماسية مع حكومة دولة الكيان الإسرائيلي الغاصب لفلسطين المحتلة.

هذا وكانت مواقف ليبيا بزعامة القائد معمر القذافي ، تجاه القضايا العربية مواقف عروبية صادقة وشجاعة للغاية ، ففي حرب أكتوبر 1973 ضد دولة الكيان الإسرائيلي الغاصب للآراضي العربية أرسلت ليبيا إلى  مصر قوة مكونة من لواء مدرع وسربين من طائرات ميراج الفرنسية المتطورة ، علاوة على مساهمة مادية بقيمة مليار دولار امريكي استخدمت في شراء تجهيزات ومعدات منها مئات القوارب المطاطية التي اُستخدمت في عبور قوات المشاة ، كما أن القوات الليبية قد أبلت بلاءً حسناً في جبهات القتال جنباً إلى جنب مع القوات المصرية.

كما ركَّز الزعيم الليبي معمّر القذافي قائد ثورة الفاتح من سبتمبرالعظيمة ، على الوحدة العربية ، وعقد العديد من الإتفاقيات الوحدوية خلال الفترة (12/1969 ~ 1989 ) مع دول عربية عدة ، بيد أن الحكومات العربية المرتهنة للغرب الإمبريالي تلكأت و أوأدت في المهد كل المشاريع الوحدوية التي تبنتها ليبيا وكانت النتيجة فشل تلك المشاريع الوحدوية لفقدان تلك الحكومات العربية للإرادة الوحدوية الصادقة. ومع ذلك ظل البعد القومي الوحدوي يشكل بعداً مهماً في توجهات الثورة الليبية ، ولقد قدمت ليبيا نموذجاً للروح الوحدوية ، بأن جعلت من أراضيها أرضًا لكل العرب ، وأرست مبدأ المساواة بين المواطن الليبي والعربي ، في كل الحقوق والواجبات.

أما على صعيد افريقيا والعالم الثالث فقد انحازت ثورة الفاتح الليبية للقضايا العادلة للشعوب ودعمت حركات التحرر في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ، وتبنت دبلوماسية نشطة دعت إلى ضرورة أن يسود السلام في العالم ، وأسست مبكراً جمعية عالمية للدعوة الإسلامية تُعني بإشاعة ثقافة التسامح والحوار ونشر الدين الإسلامي السمح. افريقياً لعب القائد الليبي معمّر القذافي دوراً هاما في سبيل توحيد القارة الافريقية ، وقد تُوجت جهوده بنجاحه في تأسيس تجمع دول الساحل والصحراء عام  1989،  وتطوير منظمة الوحدة الأفريقية  وتحويلها إلى الإتحاد الأفريقي في عام 1999 ، وبفضل إرادته  وإصراره مع بعض قادة إفريقيا المخلصين تحظى افريقيا اليوم بمجلس للسلم والأمن يتدخل لفض النزاعات الإفريقية بعيداً عن التدخل الأجنبـــي. وفي 23 سبتمبر 2009 وقف القائد الليبي معمّر القذافي متحدثا باسم 53 دولة افريقية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بصفته رئيساً للإتحاد الأفريقي ، مطالباً بتعويضات قدرها (7 ترليون و770 مليار دولار) لإفريقيا من مستعمريها السابقين ، ومنحها مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. وعلاوة على هموم القارة الافريقية وقضاياها ، تحدث القائد الليبي معمّر القذافي عن هموم الشعوب المقهورة والمستضعفه والمسحوقة في ارجاء الدنيا وحاول ان يُسمع للإنسانية صرخات شعوب كثيرة في وجه الإمبرالية العالمية متهماً حكومات الدول الغربية الكيل بأكثر من مكيال في الشؤون الدولية وخاصة ما يتعلق بالعرب والمسلمين.

في الختام نستخلص أن ليبيا ولأكثر من أربعة عقود في ظل ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة نعمت بمكانة عالمية سامية وكانت دولة فاعلة على الصعيد العربي و الإقليمي والدولي ، وكان لقيادتها فضل السبق في فضح وعرقلة المخططات الإمبريالية الصهيونية في جميع انحاء العالم ، لهذا استهدفها التحالف الإمبريالي بالتآمر على نظامها الثوري في فبراير الأسود عام 2011 وشن عليها عدوان مسلح همجي لطيلة ثمانية أشهر بغية تدمير كامل قدرات ليبيا العسكرية والمدنية ولم يتوقف إلا بعد تمكنه من تصفية قائدها المناضل معمر القذافي.

أخيراً ، وبالرغم من المؤامرة الإمبريالية على ليبيا  و مهما حاول اليوم المفترون على ثورة الفاتح العظيمة وقيادتها التاريخية ورموزها ، إلا أن الشعب الليبى الصامد يعى حقيقة ثورة الفاتح العظيمة ويقدر دورها الهام فى تحقيق عزته وكرامته واستقلاله. .وسيبقى التّاريخ شاهداً على الحقيقة كاملة وتامّة.

إشتيوي مفتاح محمد الجدي/ دبلوماسي ليبي ومحلل سياسي

·        المنسق العام لتنظيم الحراك الشعبي لإنقاذ ليبيا

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.