الإتحاد الأوروبي والمغرب / الطاهر المعز

 




الطاهر المعز ( تونس ) – الأحد 16/7/2023 م …

جانب من علاقات الشراكة

وقّع المغرب، سنة 1988، اتفاق الصيد البحري مع أوروبا، الذي يسمح بنهب السفن الأوروبية ثروات السواحل المغربية ( والسواحل الإفريقية الأخرى) المُطلّة على المحيط الأطلسي، وشابت هذا الإتفاق بعض الشّوائب السياسية والقانونية، في ظل علاقات متكافئة بين المغرب وأوروبا، فضلاً عن انتهاك الإتفاق بعض قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالصحراء الغربية التي يُسمّيها المغرب “الأقاليم الجنوبية”، ذات السواحل الثرية بالأسماك، فضلا عن مناجم الفوسفات التي جعلت من المغرب مُصدّرًا كبيرًا وذا احتياطي ضخم من الفوسفات، وسبق أن رفض البرلمان الأوروبي الموافقة، سنة 2011، على تجديد هذا الاتفاق “لأسباب اقتصادية وبيئية وقانونية”، لكن المفوضية الأوروبية وهياكل الإتحاد الأوروبية ليست مؤسسات ديمقراطية منتخبة (باستثناء البرلمان الذي لا وزْنَ له أمام المؤسسات الأخرى، غير المنتخَبَة) بل تمثل الحكومات التي تُعيّنها، وتكرر الجدل كل أربع سنوات، عند موعد تجديد تم الإتفاق، بشأن نهب الثروات البحرية للصحراء الغربية، وسبق أن أصدرت محكمة العدل الأوروبية حكماً، في شباط/فبراير 2018، ببطلان هذا الإتفاق لأنه يشمل سواحل الصحراء الغربية، لكن المُفوّضية (التي تُمثل الحكومات) جدّدت الإتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في تموز/يوليو 2019، لينتهي في 17 تموز/يوليو 2023، رغم الحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبية، وفي الأثناء (أيلول/سبتمبر 2021)، ورفعت “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذّهب” (بوليساريو) التي قاومت الإستعمار الإسباني، قبل استيلاء المغرب على الصحراء الغربية، قضية لدى محكمة العدل الأوروبية التي أصدرت حكما جديدا يقضي “إيقاف سريان الاتفاقيات التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، إذا تضمّنت  منتجات زراعية وسمكية من منطقة الصحراء”، وكالعادة أعلن ممثل الاتحاد الأوروبي المكلف بالسياسة الخارجية جوزيب بوريل، ووزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في بيان مشترك، إن علاقات الشراكة مستمرة، كأن شيئًا لم يَكُنْ.

خَلْفِيّة تاريخية:

احتلت إسبانيا منطقة “الصحراء الغربية” سـنة 1884، في إطار تقاسم النفوذ في إفريقيا، بين القوى الإستعمارية الأوروبية، وبقيت الصحراء مُستَعْمَرة إسبانية، وأكدت قرارات الأمم المتحدة، منذ سنة 1960، على “حق شـعب الصـحراء الغربية في تقرير المصير” إلى حين وفاة الجنرال فرانكو سنة 1975، فأخطرت إسبانيا الأمم المتحدة بانسحابها، وطلبت الجمعية العامـة للأمـم المتحدة من إسبانيا تنظيم إجراءات تقرير المصير قبل الإنسحاب، كما أصدرت محكمة العدل الدولية (بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة) منتصف تشرين الأول/اكتوبر 1975، رأيا قانونيا يعتبر الصحراء أرضًا غير خاضعة وغير مرتبطة قانونيا بالمغرب أو موريتانيا، وغير خاضعة لها، وإنما وجب تطبيق حق تقرير المصير على ساكنيها، وانسحبت إسبانيا منتصف شباط/فبراير 1976، بعد توقيع اتفاقية سرية مع المغرب وموريتانيا لتسهيل عملة احتلال الصحراء، فيما أعلنت “الجبهـة الشـعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ” أو جبهة “البوليساريو”، تأسيس “الجمهوريـة العربيـة الصحراوية الديمقراطية، يوم 27 شباط/فبراير 1976، وحاربت القوات الغازية، بدعم من الجزائر وكوبا وبعض البلدان الإشتراكية، وانسحبت موريتانيا سنة 1979، لتستمر الحرب مع القوات المغربية إلى غاية سنة 1988 بعد أن أنشأ المغرب ستارا رمليا ضخما يُحيط بالمناطق الغنية بالفوسفات وبالمناطق الساحلية، والمُدن الرئيسية، وأشرفت الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية ( الإتحاد الإفريقي، حاليا) على وقف إطـلاق النـار وخطة لتنظيم استفتاء تقرير المصير، في غضون ستة أشهر (أي قبل نهاية تشرين الأول/اكتوبر 1991)، ولا تزال السلطات المغربية تعرقل هذه الخطّة، بدعم من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والكيان الصهيوني والأنظمة الرجعية العربية، ولم تتمكن بعثة الأمم المتحدة، منذ شباط/فبراير 1991، تنفيذ تدابير تنظيم الإستفتاء ليختار الصـحراويون بـين الاستقلال أو الانضمام للمغرب. في المقابل نفذت السلطات المغربية خطة استيطانية بهدف تغيير واقع وهوية الصحراء، التاريخية والجغرافية والدّيموغرافية، من خلال توطين مئات الآلاف من الأسـر المغربية مكان السكان الأصليين الذين تم إبعادهم وتهجيرهم…  

لهذه الأسباب يُشكّل استغلال الموارد الطبيعية من قِبَل المغرب، أو التفريط فيها لطرف ثالث انتهاكًا لِلَوائح ولقرارات دولية لو قامت كوبا أو فنزويلا أو إيران أو كوريا الشمالية بمثلها لاحتلتها قوات شمال حلف الأطلسي، ولذا لا يحق للمغرب التصرف في الموارد الطبيعية وإبرام اتفاقات مع دول وشركات أجنبية لاستغلال المعادن أو الأسماك أو أي موارد أخرى بالصحراء الغربية، ما يجعل اتفاقيـة الصيد البحري بين الإتحاد الأوروبي والمغرب مُخالفة لقرارات الأمم المتحدة، لأن الشعب الصحراوي لم يتمكن من تقرير مصيره ولا يجني أي منافع من تلـك الاتفاقية…  

ذكرت وسائل إعلام إسبانية أن مدريد “تضغط” على مؤسسات الاتحاد الأوروبي من أجل تجديد اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد للسنوات الأربع المقبلة “في أقرب وقت ممكن”، لأن إسبانيا – القوة الإستعمارية السابقة التي تواطأت مع السلطات المغربية ضد الشعب الصحراوي- أول مستفيد من اتفاقية الصيد والتجارة الحرة ( بشروطها الحالية) التي مكنت سلطات المغرب من تغيير التركيبة السكانية للصحراء الغربية، ليصبح السكان الأصليون أقلية في بلادهم، كما في فلسطين  

علاقات غير متكافئة

تربط اتفاقية الصيد بين المغـرب والاتحـاد الأوروبـي بقضية الصحراء الغربية، لأنها تشمل سواحل الصحراء، وتتجاوز تداعياتها الجانب التجاري لتشمل قضايا المياه الإقليمية والاقتصاد والبيئة والوضع الإجتماعي للسّكّان،  ومن الناحية الاقتصادية، يُعتبر الإتحاد الأوروبي المستفيد الأكبر من هذا الاتفاق بالنظر إلى حجم التعويضات التي يتلقاها المغرب، إذ يقبض النظام المغربي مبلغًا قدره 208 ملايين يورو على مدى 4 سنوات، بمعادل 52 مليون دولارا سنويا، وهو مبلغ ضئيل جدًّا، لتتمكن 128 سفينة صيد أوروبية، منها 93 سفينة إسبانية، من الصيد في المياه الإقليمية المغربية ومياه الصحراء التي لم يُوقّع ممثلوها ولم تتم استشارتهم أصلا، وتنتمي بقية السفن للبرتغال وألمانيا وهولندا وفرنسا وإيطاليا وليتوانيا ولاتفيا وبولندا…

تتمتع أوروبا بثروة سمكية هائلة، وتمتلك إسبانيا لوحدها ثاني أسطول للصيد البحري بعد اليابان، ولا تكفي الأسماك التي يصطادها الصيادون الأوروبيون في سواحل القارة، لأن نسبة الاستهلاك الأوروبي من السمك مرتفعة، حيث يستهلك المواطن الإسباني الواحد ما بين 60 و65 كليو من السمك سنويا ولذا لا يكفي المنتوج السمكي الأوروبي لتلبية السوق الداخلية، فيما لا يتعدى استهلاك الفرد المغربي الواحد سنويا سبعة كيلوغرامات، معظمها من السردين، رغم طول السواحل المغربية على البحر الأبيض المتوسط شمالا، والمحيط الأطلسي غربًا، وتعود أسباب انخفاض الإستهلاك إلى ارتفاع الأسعار مقارنة بمتوسط الدّخل الفردي، وبغياب البنية التحتية لتخزين وتبريد ونقل السمك لتسويقه خارج المناطق الساحلية، لذا تندرج علاقات الشراكة بين بلدان المغرب العربي والإتحاد الأوروبي ضمن العلاقات غير المتكافئة بين البلدان الإستعمارية (المركز) والواقعة تحت الإستعمار غير المباشر (الأطْراف، أو “المُحيط”)  

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.