سوريا في حرب تموز.. كيف تجلى دورها الداعم للمقاومة والمقلق لـ”إسرائيل”؟
الأردن العربي – الإثنين 17/7/2023 م …
“سوريا هي ظَهر المقاومة، وسندها”، بهذه الكلمات وصف الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، سوريا في واحد من خطاباته.
شكّلت سوريا حلقة مهمّة في حرب تموز 2006، إلى جانب المقاومة في لبنان، وأدّت دوراً سياسياً وعسكرياً شارك في صناعة النصر آنذاك، وإفشال مخططات “إسرائيل”، ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت تتأهب لصناعة “الشرق الأوسط الجديد”، وتغيير ملامح المنطقة.
وظهر ذلك جلياً من خلال ما كانت تتداوله وسائل الإعلام الإسرائيلية، خلال حرب تموز، في عام 2006، وما أعقبه، بحيث رأت “إسرائيل” أن الوجود السوري ضمن معادلة هذه الحرب يشكّل خطراً عليها، وجبهة تستدعي القلق.
“إسرائيل”.. خشية من المواجهة
بدأ الاستعداد السوري، في الأيام الأولى لحرب تموز، متزامناً مع التأهب والجاهزية لدى المقاومة للصد والهجوم، بحيث تلقت أركان جيش الاحتلال في “تل أبيب” نبأ إعلان حالة التأهب لدى الجيش السوري، فما كان من “إسرائيل” إلا أن قامت بخطوة مماثلة، ورفعت جاهزية منظومة صواريخ “حيتس” للرد، على الرغم من تصريحات إسرائيلية أكدت أن صواريخ “حيتس” غير قادرة على الرد بفعّالية تامة في مواجهة صواريخ أرض – أرض السورية، إذا تمّ استخدامها.
وقال الصحافي وعضو الكنيست الإسرائيلي، عوفر شيلح، والكاتب يؤاف ليمور، في كتابهما “أسرى في لبنان: الحقيقة عن حرب لبنان الثانية” (2011)، “إن القرار المتعلق بإمكان تعرض الجبهة الداخلية الإسرائيلية لضربة أولى من الصواريخ السورية، من جهة الجولان السوري المحتل، كان في يد الرئيس الأسد فقط، وهو من يملك أمر تحقيقه عملياً، والجيش الإسرائيلي لم يكن مستعداً لتطور كهذا”.
ودفعت خشية “إسرائيل” من دخول سوريا معادلة الحرب، بصورة مباشرة، إلى جعلها تتردّد في تلبية رغبات الولايات المتحدة، التي كانت تريد، في ذاك الوقت، “إقحام سوريا في الحرب”، وفق ما جاء على لسان مسؤولين في واشنطن. وسمع موشيه يعلون، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، والذي كان موجوداً في الولايات المتحدة في زيارة خاصة، من مسؤولين في الإدارة الأميركية، أنه “إذا احتجتم الى مساعدة فإننا سنعمل على تقديم كل شيء: استخبارات، وأسلحة، وكل ما تريدون، إذا أردتم مواجهة سوريا، إلى جانب قتال حزب الله”.
وكانت المخاوف الإسرائيلية آنذاك محصورة في 3 احتمالات، هي: دخول سوريا الحرب إلى جانب المقاومة في لبنان، وهو الاحتمال الأقوى؛ إشعال جبهة الجولان المحتل؛ دراسة خيار التدخل المباشر أكثر لدى القيادة السورية.
في داخل “إسرائيل”، انقسمت الآراء بين مؤيد ومحذّر من المواجهة مع سوريا. فرئيس الحكومة، إيهود أولمرت، “هدّد بالرد بقوة إذا انضمت سوريا إلى الحرب”، بينما كرّر وزير الأمن، عمير بيرتس، مراراً، في جلسات الحكومة والمجلس الوزاري المصغر، أن أحد أهداف القتال هو “إبقاء سوريا خارج المعركة”.
ولم يتحمس رئيس الأركان حالوتس أيضاً للمواجهة مع سوريا، وطبعاً لم يدفع إلى خطوات تقرّب هذه المواجهة. وكان تعبير نائب قائد المنطقة الشمالية، اللواء احتياط أيال بن رؤوبين، بليغاً في اختصار النقاش بشأن توسيع الحرب في اتجاه سوريا، عبر قوله إنه “سيكون كمن يضرب قفاز ملاكمة بكيس مليء بالمسامير، لا يصيب الكثير، لكنه سيتلقى كثيراً من الخدوش”.
سوريا كانت مستهدَفة من الأميركي والإسرائيلي
“سوريا هي ظهر المقاومة، وسندها”؛ بهذه الكلمات وصف الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، سوريا في واحد من خطاباته. ولطالما أشار السيد نصر الله إلى أنّ سوريا حمت ظهر المقاومة في تموز/يوليو 2006، وأمنّته، الأمر الذي شكل عمقاً استراتيجياً وخط إمداد مستمراً للمقاومة، طوال الحرب، بينما فشل سلاح الجو الإسرائيلي في منع نقل السلاح من سوريا إلى حزب الله وإلى مناطق إطلاق الصواريخ.
وأكد السيد نصر الله، في كلماته عن حرب تموز، أن سوريا كانت جزءاً مستهدَفاً من جانب الأميركي والإسرائيلي، كما المقاومة في لبنان، بحيث قال إنّ “الهدف في عام 2006 إنهاء المقاومة في لبنان”، مذّكراً بما قاله الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، ومفاده أنّ “الهدف هو قطع رؤوس كل من حزب الله، وسوريا، وحماس، ثم العبور نحو الحرب ضد إيران”.
ولم يفصل السيد نصر الله سوريا عن لبنان في الملفات التي تتعلق بحرب تموز. ففي ذكر نتائجها، كانت سوريا أيضاً واحدةً منها، بحيث لفت السيد نصر الله إلى أنّ “النّتيجة الأولى كانت بقاء المقاومة في لبنان وتعاظمها. وثانياً، إن الحرب لم تصل إلى سوريا. وثالثاً، تم تأجيل الحرب على غزّة في عام 2006 الى آخر عام 2008”.
وأدّت سوريا دوراً عسكرياً في دعم المقاومة، كشف عنه المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله، حسين خليل، مشيراً إلى “قيام الجيش السوري بتقديم الإمدادات العسكرية للمقاومة طوال أيام حرب تموز”، مؤكداً أن “الرئيس بشار الأسد هو شريك أساسي في الانتصار على إسرائيل، وموقفه لا يُنسى على الإطلاق”.
ولفت خليل إلى أن “الجيش السوري فتح مخازنه، وأرسل جميع الأسلحة النوعية، وجرى إرسالها إلى المقاومة”، قائلاً: “كان لصواريخ الكورنيت، التي جرى إرسالها من سوريا، دور أساسي في آخر أيام الحرب، وخصوصاً في مجزرة دبابات الميركافا الإسرائيلية”.
يُذكَر أن صواريخ “الكورنيت” أُدخلت من سوريا، خلال فترة الحرب، وتم إيصالها إلى الجنوب اللبناني، الأمر الذي أدى إلى انكسار الهجوم البري بصورة كارثية، بعد “مجزرة الدبابات الإسرائيلية” الشهيرة في وادي الحجير.
الحرب على سوريا.. هل كانت نتيجة؟
ما إنّ انتهت حرب تموز، حتى خرج الرئيس بشار الأسد، في خطابه الشهير، الذي ألقاه في مؤتمر الصحافيين الرابع في دمشق، في 15 آب/أغسطس 2006، معلناً انتصار سوريا وخروجها من التهديدات المباشرة التي أحاطت بها على مدى 6 أعوام، والانتقال إلى خريطة جديدة للمنطقة، استعادت فيها دورها الإقليمي، رقماً صعباً، لا يمكن تجاوزه.
جاء ذلك في وقتٍ ضربت حرب تموز 2006 ونتائجها مشروع الشرق الأوسط الجديد، وكان من المتوقع أن تتجه الولايات المتحدة من جديد إلى إعادة محاولاتها لبناء “الشرق الأوسط الكبير” انطلاقاً من الجغرافيا السورية.
وقبل حرب تموز، حاولت الولايات المتحدة إضعاف سوريا واختراقها عبر عدة محاولات، من خلال اجتياحها العراق، ووصول قواتها إلى معبر القائم الحدودي، وخلق تهديد على بُعد مسافة من دمشق، بالإضافة إلى أوراق ضغط خارجية.
وتوسّع المشروع الأميركي، الذي عجز عن إسقاط دمشق، عبر الذهاب نحو دفع “إسرائيل” إلى القيام بحرب واسعة على لبنان للقضاء على “حزب الله”، في سياق تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، الَّذي صرحت به وزيرة الخارجية الأميركية حينها، كوندوليزا رايس، فلم يكن أمام سوريا سوى اتخاذ قرار المواجهة إلى النهاية، ولو تطلَّب الأمر منها التدخل العسكري المباشر.
لكن، بعد نصر تموز/يوليو، بدأت الولايات المتحدة وأذرعها حياكة الحرب على سوريا، التي استخدمت فيها أشكالاً متعدّدة، سياسية وعسكرية واقتصادية، وكان يراد منها إنهاء دورها تمهيداً لحصار المقاومة هذه المرة، فإذا بالمقاومة تنخرط في المواجهة.
ما بين عامَي 2011 و2018، أي في ذروة القتال في سوريا، كان الأميركيون والإسرائيليون يعبّرون عن عمق المأزق الأمني لديهم، وكثير منهم كان يشير إلى تداعيات تموز/يوليو 2006، ولو عبر وسائل غير مباشرة، بحيث إنّ قدرات المقاومة تضاعفت، كمّاً ونوعاً، ونجحت أيضاً في تعديل قواعد الاشتباك مع العدو لمصلحتها، وباتت تشكل ندّاً له في كثير من الجوانب.
وانطلاقاً من أن الحرب على سوريا، ابتداءً من عام 2011، كانت طريقاً جديداً سلكته الولايات المتحدة بعد سقوط شرق أوسطها الجديد، فإن صمود سوريا في تلك الحرب، بمساندة من حزب الله والحلفاء، تعبير أيضاً عن نتيجة من نتائج انتصار تموز/يوليو 2006.
حرب تموز ونتائجها كانت واحداً من الأسباب التي جعلت سوريا هدفاً للولايات المتحدة وأذرعها في المنطقة. ويُذكَر في هذا السياق، ما أعربت عنه الولايات المتحدة عن ندم لأنها لم تنجح في دفع “إسرائيل” إلى مهاجمة سوريا، إذ قال الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية، جيمس ولسي، في مؤتمر “هرتسيليا” في نهاية عام 2006: “لقد أخطأت إسرائيل في عدم مهاجمتها سوريا، الصيف الماضي”.
التعليقات مغلقة.