مخيم جنين.. الأرض بتتكلم عربي / حمدي فراج
حمدي فراج – الخميس 20/7/2023 م …
الأغنية باللهجة المصرية “الأرض بتتكلم عربي” التي وضعها الشاعر فؤاد حداد وأداها لحنا وغناء الفنان الكبير سيد مكاوي، كانت والحديث موجه الى زعماء إسرائيل، ومعهم المطبعين، عربا و فلسطينيين، قديمهم و حديثهم، ان هذه الأرض تتكلم العربية، لم يقل الشاعر انها تتكلم الفلسطينية أو العراقية أو المغربية أو الخليجية، وأن كلمة الأرض ليست مقتصرة على فلسطين فقط، بل على الأرض التي تمتد من المحيط الى الخليج.
هذه الأرض التي تتوزع على القارتين الأعظم والأقدم في التاريخ الإنساني؛ افريقيا وآسيا، وبالحضارتين الاعرق؛ حضارة النيل والفراعنة، وحضارة كنعان ما بين النهرين؛ حدائق بابل المعلقة والكتابة المسمارية ومئة اله عبدهم الكنعانيون ومن بينهم آلهات إناث كعشتار.
ليست الأرض تتكلم العربية فقط، من خلال نحو نصف مليار انسان، وتتكلم معهم شمس ساطعة و مياه حلوة عميقة، وثروات لا تعد و لا تحصى . فما الذي جعلكم تعتقدون انكم قادرون على اختراقها، ما الذي جعلكم تعتقدون انكم قادرون على تغييرها، ما الذي جعلكم تعتقدون انكم قادرون على حكمها حتى ولو بالحديد والنار والمسح والابادة.
جنين جزء لا يتجزأ من هذه الأرض، تتكلم عربي، وتنتمي بالتالي الى العروبة و نفس الطبيعة الناطقة والصامتة، تتاخم المرج، والبحيرة وجنوب لبنان، فيها مخيم جاء سكانه من حيفا وعكا والكرمل وصفد وعشرات القرى التي هدمت ودمرت قبل خمسة وسبعين سنة، كيف تعتقدون انه بامكانكم ترويضه وتدجينه ونزع جذوته ونضاله الذي لم يبدأ بالكتيبة، بل لثلاثة أجيال مضت في طريق المقاومة والفخر والكرامة، لقد نظر الجيل الرابع، جيل الكتيبة، الى سلام الوهم قبل ثلاثين سنة، فوجد انه لم يجلب الا الخيبة والخداع والصغار للشعب كله والأمة برمتها. حتى الخيمة التي نصبت مؤخرا في قرية الغجر ينظر اليها الجنينيون انها نصبت من اجل نصرتهم ، كما ينظرون الى انهم قادرون بدورهم على حمايتها من الذئاب والخنازير البرية.
لا ينفع ولا بأي حال، ولا بأي وسيلة، ولا بأي مجزرة أو جزرة، ان يغير مخيم جنين جلده، لأن هذا مناف للطبيعة، ومناف للقيم والأخلاق والأعراف، و مناف للأرض التي تتكلم العربية.
بعد اتفاقية أوسلو ووادي عربة، أعاد الفنان الأردني الكبير موسى حجازين أداء اغنية سيد مكاوي (الأرض بتتكلم عربي، ويا خوفي تتكلم عبري). مستحيل يا أخ موسى، مستحيل أن يتكلم مخيم جنين عبري، وإن تكلم فسيأتيه مخيم بلاطة وعين الحلوة واليرموك والوحدات، فيعيدوا إلى شوارعه وأزقته عربيته وعروبته.
“الأرض بتتكلم عربى قولوا الله / ان الفجر لمن صلّاه”. أما محمود درويش في قصيدته الخالدة “أيها المارون بين الكلمات العابرة”، فقد طالبهم ان يخرجوا من اربع مفردات “حائية” كل مفردة من ثلاثة أحرف فقط : اخرجوا من بحرنا من ملحنا من قمحنا من جرحنا.
التعليقات مغلقة.