عن عودة دحلان ووحدة «حركة فتح» / هاني المصري

 

هاني المصري ( فلسطين ) الثلاثاء 6/9/2016 م …

بعد توزيع أو تسريب خطة «الرباعية العربية» لتفعيل وتحريك الملف الفلسطيني لوسائل الإعلام، وبعد ما قاله الرئيس الفلسطيني عن قطع الامتدادات الفلسطينية التابعة للعواصم الخارجية إذا لم يقم أصحابها بقطعها، يكون الوضع الفلسطيني قد دخل مرحلة أكثر خطورة قد «تنذر بالثبور وعظائم الأمور».

وتهدف خطة «الرباعية» إلى توحيد «فتح» واستنهاضها، وتحقيق المصالحة الوطنية، وتحريك عملية السلام على أساس المبادرة العربية، إضافة إلى دعم الشعب الفلسطيني وإسناده في الداخل والشتات. ويبدأ ذلك بعودة المفصولين من «فتح» والسلطة، ومعالجة الملفات القضائية، وعودة محمد دحلان إلى عضوية مركزية «فتح»، ووضع الخطط والبرامج لتفعيل المنظمة.

وتقول الخطة إنه في حال رفض أحد أطراف حركة «فتح» تحقيق المصالحة، فلا يعني ذلك التخلي عن تقديم الدعم للحركة، إنما يصبح من الواجب البحث عن آليات دعمها بعيداً عن الطرف المعرقل للمصالحة. وفي حال عدم توصل الفصائل الفلسطينية إلى اتفاق ترتضيه الأطراف كافة، يصبح من واجبنا دعوة الجامعة العربية للتدخل بهدف فرض اتفاق يضع مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته فوق مصالح الأحزاب والفصائل المتناحرة. أما أخطر ما جاء في الخطة، فتأكيدها أنه في حال لم يقم الفلسطينيون بما عليهم واستمروا في الانقسام على أنفسهم، فستضطر بعض الدول العربية لدراسة بدائلها الخاصة في التعاطي مع ملف الصراع العربي – الإسرائيلي.

ويأتي تحرك «الرباعية» في سياق «تأهيل» الجانب الفلسطيني للانخراط في تسوية للقضية الفلسطينية ضمن التسويات التي يمكن فرضها لمعالجة أو إطفاء الأزمات المشتعلة في المنطقة. وجاء نشر الخطة كعلامة غضب وتحذير ردًا على قبول الرئيس عباس و «فتح» عودة المفصولين باستثناء دحلان، ثم المراوغة والرفض من خلال مقابلة جبريل الرجوب مع قناة «أون تي في» المصرية، وأيضًا من خلال تشكيل لجنة لبحث التظلمات كل واحدة على حدة.

ما حرّك الرباعية العربية هو الحيلولة دون المزيد من التدهور داخل «فتح»، وتآكل الشرعيات الفلسطينية، والعمل على تحقيق المصالحة الوطنية من أجل استئناف ما سُمّي «عملية السلام»، والأهم تحضير الوضع الفلسطيني لخلافة «أبو مازن»، لا سيما أن غيابًا مفاجئًا له بالموت أو المرض أو الاستقالة من دون تهيئة الوضع للمرحلة الانتقالية، في ظل الانقسام وغياب مؤسسات المنظمة؛ يمكن أن يدفع الوضع الفلسطيني نحو الفوضى والانهيار، وهذا آخر ما تحتاجه المنطقة.

يظهر في خلفية التحرك الخشية من استفادة «حماس» (التي تعتبر امتدادًا لجماعة «الإخوان المسلمين» التي تحاربها الدول راعية الخطة) من مأزق السلطة و «منظمة التحرير» والصراع على خلافة الرئيس داخل «فتح»، خصوصاً في ضوء حصول المؤسسات المدنية والأمنية التي تهيمن عليها في قطاع غزة على الشرعية بعد قرار إجراء الانتخابات المحلية بإشراف سلطة «حماس» الأمنية والإدارية والقضائية، وكذلك استفادتها من تزايد نفوذ كل من قطر وتركيا وإيران.

إن النظام السياسي الفلسطيني برئاسة «أبو مازن» يتحمّل المسؤولية عمّا وصلنا إليه من وضع كارثي وفقاً لمسؤوليات وإمكانات وصلاحيات كل شخص وفصيل، لا سيما بعد وصول الاستراتيجيات المعتمَدة إلى طريق مسدود، والاستمرار في الالتزامات المُجحفة المترتبة على «اتفاق أوسلو» من دون اعتماد استراتيجيات جديدة، ومن دون معالجة الانقسام، ولا تجديد وتغيير وإعادة بناء مؤسسات «المنظمة» لتضمّ مختلف الأطياف، أو على الأقل إصلاحها بمكوّناتها الحالية.

ويتحمل هذا النظام، تحديدًا الرئيس، المسؤولية عن تغليب السياسة الانتظارية والبقاء في الحكم على أي شيء آخر، وعن تغييب الشعب و «فتح» والمنظمة عن القرار في ظل الإمعان في الحكم الفردي، بعيدًا عن المؤسسة والمساءلة والمحاسبة والمراقبة والشفافية، إضافة إلى رفض وضع ترتيبات الخلافة من خلال عدم عقد مؤتمر «فتح» السابع، وعدم عقد المجلس الوطني الحالي أو بتشكيلة جديدة، وعدم إجراء انتخابات عامة، شرط أن يكون إجراؤها بعد توافق وطني قادر على توظيفها في سياق خدمة الكفاح الوطني لإنهاء الاحتلال وإنجاز الحقوق الوطنية الفلسطينية.

لقد فتح هذا الوضع السيئ الأبواب كافة أمام شتى أنواع التدخلات العربية والإقليمية والإسرائيلية (وهي الأخطر) والدولية، التي باتت تهدد الكيان الوطني ووحدانية التمثيل والقرار الفلسطيني المستقل، لدرجة أصبحت عودة دحلان عند «الرباعية العربية» هي العصا السحرية لفتح كل الأقفال «الفتحاوية» والوطنية، بينما غابت أو تراجعت، إلى حد كبير، القضايا ذات الأولوية عن أجندة العمل اليومي للرئيس والقيادة الفلسطينية. إن التدخلات العربية الحميدة لإنجاز المصالحة «الفتحاوية» وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية مهمة جداً وضرورية، بشرط أن تصبّ في سياق مساعدة الفلسطينيين على إعادة الاعتبار لقضيتهم ومؤسساتهم الوطنية الجامعة ووحدانية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني، لا أن تملي عليهم ما يرتئيه العرب أو بعضهم من طريق لتحقيق المصلحة الوطنية.

وحتى يكون التدخل العربي مساعداً ولا يؤدي إلى تأجيج الخلافات والصراعات «الفتحاوية» والوطنية بدلًا من حلها، كما يحدث في الأسابيع الأخيرة، لا بد من الانطلاق من الإجابة على السؤال التالي: لماذا نريد المصالحة «الفتحاوية» والوحدة الوطنية؟ هل من أجل تكريس الوضع القائم وما انتهينا إليه منذ توقيع «اتفاق أوسلو» حتى الآن من وضع كارثي، أم من أجل المزيد من الهبوط بالسقف الفلسطيني والعربي ليتلاءم مع الوقائع والمتغيرات الجديدة، الإسرائيلية والعربية والإقليمية والدولية، التي لم تصب إجمالًا في مصلحة القضية الفلسطينية برغم بعض الإنجازات التي يجب البناء عليها لا إهدارها؟ أم من أجل شق مسار جديد ينطلق من فكرة أن إحياء ما يسمّى «عملية السلام» غير ممكن، وأنه ينبغي التركيز على جمع أوراق القوة والضغط الفلسطينية والعربية والدولية لتغيير موازين القوى وشق مسيرة سياسية مختلفة جوهرياً باتجاه تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية وإحباط «التسويات» التصفوية؟

إن التركيز على إحياء المسيرة السياسية في ظل المعطيات الحالية، والدفع نحو إحياء المفاوضات الثنائية عبر قمم فلسطينية إسرائيلية، يشكّل خدمة صافية لحكومة نتنياهو، وسيضيع المزيد من الوقت، وربما يشجع على التطبيع العربي مع إسرائيل من البوابة الفلسطينية، ويغطي على ضياع المزيد من الأرض والحقوق، ويمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى حل تصفوي للقضية الفلسطينية.

إن المصالحة «الفتحاوية» والوطنية لا تمرّ عبر إذكاء مخاوف الرئيس عباس من تكرار سيناريو تغيير قيادة عرفات وإيجاد قيادة بديلة، والتلويح بدحلان كخليفة له أو كلاعب مهم في تحديد الخلافة، إنما تكون ببلورة رؤية تبقي القضية الفلسطينية قضية جامعة بعيداً عن لعبة المحاور العربية والإقليمية والدولية، لكي تحصل على أوسع دعم ممكن، وفي سياقها ذلك يمكن النظر في عودة المفصولين، ومن ضمنهم دحلان.

هذه الرؤية تنطلق من الإجابة على سؤال حول المكان الذي تقف فيه القضية الفلسطينية الآن، والمكان الذي يراد لها الوصول إليه، وكيفية الوصول إلى ما نريد. ومنها تُشتق استراتيجية وطنية تجسد القواسم المشتركة، يتم على أساسها إصلاح النظام السياسي بمختلف مكوّناته، بما فيها الفصائل، وجميعها بحاجة ماسة للتجديد، لا «فتح» وحدها، إضافة إلى توفير الظروف لقيام فصائل وحركات جديدة.

كما تفتح هذه الاستراتيجية الجديدة الطريق أمام عقد مجلس وطني توحيدي بمشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي على أسس وطنية وديموقراطية توافقية ومشاركة سياسية حقيقية، يُعيد للمنظمة مجدها، وللقضية الفلسطينية ألقها، وللشعب وحدته، ويكفل وضع جميع الطاقات والكفاءات والفصائل في مجرى الكفاح لتحقيق الحقوق، وتحسين شروط حياة الفلسطيني أينما كان، إلى حين إنجاز الحرية والعودة والاستقلال الوطني.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.