حين تحكمنا اسرائيل من خلال ادوات وواجهات عربية !! / فهد الريماوي
فهد الريماوي ( الأردن ) الثلاثاء 6/9/2016 م …
*رئيس تحرير جريدة ”المجد” الاردنية …
*اليهودية ليست ديانة، انها كارثة / (الشاعر الالماني هاينه) …
بمثل ما تنغرز السكاكين الحادة والسهام المدببة في قوالب الزبدة الرخوة، تنغرز المخالب الاستخبارية الصهيونية في هلاميات الجسد العربي الخائر القوى، والمفكك الاوصال، والمنبطح امام كل انواع الاختراقات والانتهاكات والتدخلات الاجنبية الفادحة.
ورغم ان اجهزة امنية واستخبارية اقليمية ودولية كثيرة وخطيرة تعيث في تلافيف هذا الجسد الديناصوري تجسساً وتجنيداً وتخريباً، وتجهد ملء طاقاتها لاستقطاب خلايا وشرائح واسعة من العملاء والعيون والاذناب في سائر المرافق والمجالات العربية.. الا ان الاجهزة والدوائر الموسادية والسياسية والدبلوماسية والاعلامية الصهيونية تظل هي الاشد مكراً، والاعمق غوراً، والاخطر دوراً، والاوسع تغلغلاً وانتشاراً في مشارق البيت العربي ومغاربه.
فيما يشبه مؤامرة الصمت، ولعبة المسكوت عنه، يتم غض الطرف – عربياً وعالمياً- عن المفاعلات الاستخبارية الصهيونية الاخطر من المفاعلات النووية، ويجري التعتيم على نشاطات شبكاتها العنكبوتية واذرعها الاخطبوطية.. فلا نقرأ مقالة او نسمع محاضرة او نشاهد ندوة تناقش هذا الموضوع، وتلقي الضوء على خفايا وبلايا الطاعون التجسسي الاسرائيلي المتفشي بين ظهراني الوطن العربي كله، وعلى مختلف مستوياته الفوقية والتحتية، وسائر مؤسساته ومنظوماته السياسية والاقتصادية والدينية والامنية والعسكرية.. الخ
وسط دوامة الحرائق والانقسامات والمتاهات العربية، وانهيار اسس ودعائم الامن القومي، وتدهور المناعة الوطنية لدى شرائح ونخب رخيصة من الحاكمين والمحكومين.. استطاع الكيان الاسرائيلي، المدعوم من اوكار الحركة الصهيونية ومحافل الماسونية واليهودية العالمية، تنفيذ اوسع حملة تسلل موسادية داخل البيت العربي، واحراز نجاحات ملحوظة في صناعة العملاء، وزراعة الوكلاء، وبرمجة الخونة، وتجنيد العديد من المريدين والمتواطئين والمرتزقة والمؤلفة قلوبهم وزبانية ”الطابور الخامس”.
على مدى التاريخ القديم والحديث، تميز اليهود بالمكر والغدر والتآمر والاحتيال، وتفردوا عن بقية الشعوب بالمهارة العالية والرغبة الشريرة والخبرة الطويلة في فنون التجسس والاستخبار والاستطلاع وهتك اسرار الآخرين ”الغوييم”، وكشف خصوصياتهم، وسبر اغوارهم ودخائلهم.. متخذين من شهوات الجنس ومغريات المال وبريق الحكم والسلطان طُعماً مسموماً يصطادون به ضحاياهم، ويكسرون عيونهم، ويضمنون طاعتهم، ويسقطونهم في درك الخيانة والتفريط والارتهان.
بالتزامن مع مهزلة ”جهاد المناكحة” التي روجت لها عصابات ”داعش” واخواتها منذ عامين او ثلاثة، تناهت الى الاسماع مهزلة مماثلة اطلقتها الوزيرة الغندورة تسبي ليفني تحت عنوان ”السر المباح على فراش النكاح”، واعترفت فيها علناً وعلى رؤوس الاشهاد، انها قد مارست الجنس مع شخصيات سياسية عربية وازنة، لقاء معرفة ما لديهم من حقائق ودقائق ومعلومات سرية مهمة.. ولم تنس هذه الحورية الموسادية الاشارة الى انها قد استندت، بهذا الخصوص، الى فتوى حاخامية اجازت لها هذه الفعلة الفاحشة، ما دامت تصب في مصلحة الدولة الاسرائيلية.
ليس صدفة ان يحظى اليهود، داخل اسرائيل وخارجها، باقوى اجهزة الرصد والاختراق والاستخبار، وباوسع شبكات العملاء والمخبرين والمتعاونين.. فاليهود قوم باطنيون ونرجسيون لا يشبهون الا انفسهم، بل لعلهم الشعب الوحيد في العالم الذي يشكل – رغم تباعده الجغرافي- حزباً موحداً، او تنظيماً جماعياً شاملاً متكاملاً، له قيادة مركزية وايدلوجيا عنصرية وكوادر حركية ولوائح تنظيمية وقواعد وخلايا ولجان شعبية في اربعة اقطاب الارض.
وليس سراً ان المراصد الاستخبارية والتجسسية الصهيونية كانت وما زالت تستأثر باوفر واقذر انواع الدعم والمؤازرة والاسناد من لدن اجهزة المخابرات الامريكية والاوروبية وبعض العربية والاسلامية.. فقد سبق للمخابرات البريطانية ان عهدت لمثيلتها الاسرائيلية بوراثتها غداة الانسحاب البريطاني من شرق السويس قبل نحو نصف قرن، في حين عمدت وكالة المخابرات المركزية الامريكية، منذ ذلك الوقت، الى تقاسم الادوار وتبادل الملفات وتداول العملاء مع الجانب الاسرائيلي، وليس بمستبعد ان تحذو حذو بريطانيا في استخلاف تل ابيب على عرشها الاستخباري ذات مستقبل قريب.
وقائع كثيرة وشواهد واضحة ومؤشرات عديدة تشي بان اسرائيل قد اعتمدت، في صراعها مع العرب، على ”القوة الناعمة” باكثر من اعتمادها على ”القوة الخشنة”، وانها قد احرزت انتصارات وحققت انجازات في مجال الجهد الاستخباري باكثر منه في ميدان العمل العسكري، وانها قد نجحت في اختراق الجسد العربي، ليس عبر النفاذ من اطرافه وجوانيه وهوامشه، بل من صميم قلبه ومركز قراره واعلى طبقات حكامه ومثقفيه واثريائه و.. ثواره.
ورغم ان النفوذ الصهيوني قد تسلل الى المراكز القيادية العربية والاسلامية منذ عهد الوكالة اليهودية، وقبل قيام الكيان الاسرائيلي.. الا ان هذا النفوذ السرطاني قد تعاظم وتفاقم واستفحل شره وخطره في السنوات الاخيرة حتى بات يُنذر بتهويد القرار العربي، واستيطان مؤسسات الحكم وحركات المعارضة على حد سواء، وتنصيب هياكل وادوات وواجهات عربية ذات مضامين وبرامج وتوجهات عبرانية.
ليس غريباً، والحالة هذه، ان نرى بام العين ونلمس لمس اليد، كيف يقفز وكلاء وحلفاء اسرائيل لاقتناص ارفع المناصب الرسمية العربية، وكيف يجري تكبيرهم وتسويقهم وتلميعهم بسرعة قياسية رغم ضحالة مواهبهم وضآلة قدراتهم، وكيف يبادرون على الفور ”برد الجميل” الى اولياء نعمتهم، من خلال التحطيب في حبال الصهيونية، والرقص على انغام مزامير داود.
يا لضيعتنا وبؤس امتنا، فقد ذاب الثلج وبان المرج.. ذهب الخجل وغاب الوجل واصبح اللعب على المكشوف.. بات عدونا ولياً لامرنا، وحادياً لركبنا، وراعياً لشأننا، وراسماً لخارطة مستقبلنا.. ولم يعد يصح في بقية العروبيين الشرفاء غير قول الشاعر المتنبي..
وسوى الرومِ خلفَ جيشكَ رومٌ فعلى أيّ جانبيك تميلُ
ولكن، ليس من قبيل المكابرة والمجابرة ورفع المعنويات، التأكيد ثم التأكيد على ان هذا هو الحال العربي الموجود وليس المنشود.. المنظور وليس المنتظر.. القائم وليس القادم.. المؤقت وليس الدائم، ذلك لان دوام حال من المحال، وتوقف عقارب الساعة ضرب من الخيال، فالايام دول والدهر دولاب والعنقاء تنبعث من الرماد.. وقد تعلمنا من دروس التاريخ ان امتنا العربية قابلة للانكسار ولكن ليس الانهزام، وموعودة بالعذاب والعناء ولكن ليس الاندثار والفناء، ومرشحة منذ قديم الزمان لحملات وفظائع الغزاة الطامعين ولكنها مؤهلة دوماً لابتلاعهم، وكفيلة بمحو آثارهم وآثامهم، ومواصلة مسيرة الوجود والخلود من بعدهم !!
التعليقات مغلقة.