مصر والسعودية: هل خسر الإخوان الرهان؟ / د.خيام الزعبي

 

 

د.خيام الزعبي* ( سورية ) الثلاثاء 10/2/2015 م …

*مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق

 

فيما لم يظهر حتى الآن أي تغيير في الدعم السعودي لمصر، إلا أن ثمة رهاناً إخوانياً على ذلك، وهو ما يتضح في حرص الإخوان على إبراز اي تحليل سياسي يصب في هذا المضمار، أو حتى تفسير بعض المواقف والأحداث بما يخدم هذا الرهان، في إطار ذلك عكست رغبة الإخوان في التشويش على صفو العلاقات المصرية – السعودية، التي ترجمت في دعم سياسي وإقتصادي للنظام السياسي الذي أفرزته ثورة 30 يونيو، عن طريق بث بعض القنوات القريبة من التنظيم، المصنّف إرهابياً في مصر وعدد من دول الخليج، تسريبات منسوبة الى الرئيس السيسي، تحت عنوان “السيسي يحتقر الخليج”، لكن جماعة الإخوان أصيبت بخيبة أمل كبيرة خاصة بعد الإتصال الهاتفي بين السيسي والملك السعودي الذي شدد على عمق الروابط بين البلدين ورسوخها وأنه لن يستطيع أحد تعكيرها.

اليوم تروج جماعة الإخوان بإمكانية قيام العاهل الجديد بدور الوسيط بين النظام والإخوان، لإعتقادهم أنه متعاطف معهم بحكم إنتمائه للتيار المحافظ بالأسرة المالكة السعودية، ولكنهم لا يعرفون أن تحالف مصر والسعودية هو تحالف مصير وأن المملكة قاست وعانت من حكم الإخوان في المراحل السابقة، ومن هنا فإن ملك السعودية لن يخاطر بالخوض في ملف المصالحة، لحرصه على أن تكون حدوده مستقرة وآمنة وأن تتمتع مصر بحكم قوي وثابت، لاسيما وأن الجبهات مفتوحة عليه من كافة الإتجاهات، حيث يواجه في الجنوب الخطر الحوثي، وفي الشرق تنظيم داعش، ومن ثم لن يساعد الإخوان على القيام بدولة على حدوده الغربية في مصر، لأن ذلك أيضاً يعني خطراً كبيراً على المملكة، وبالتالي فإن الكماشة تتحرك لقضم أجزاء متعددة من الوطن العربي من أجل تقسيم المنطقة كما حدث في العراق والسودان وليبيا واليمن وغيرها.

في سياق متصل إن العلاقات بين مصر والسعودية إستراتيجية عنوانها الأمن القومي المشترك،  فالسعودية تدعم مصر لأن الخطر سيلحق بها وليس إنها قلب الأمة العربية فقط، لذلك فإن الخطر الذي يهدد السعودية، وكل دول الخليج، هو نفسه الذي يهدد مصر اليوم وفي المستقبل، في إطار ذلك لا تزال هذه الرؤية سارية حتى الآن، ولا أعتقد أن تغيير القيادة فى السعودية سيؤدي إلى إنتهاء هذه المرحلة سريعاً، بل من المتوقع أن تستمر فى المستقبل المنظور، ليس لحرص مصر على بقاء العلاقات مع السعودية عند هذا الحد، بل نظراً لأن الأسباب التى أدت إلى مثل هذا التعاون الوثيق بين البلدين لا تزال موجودة، وربما تتعزز وتزداد قوة أيضاً، فالإرهاب لا يزال يشكل خطراً على البلدين وكل دول المنطقة، مع ظهور داعش، والإضطراب فى اليمن يتصاعد مع سيطرة الحوثيين على مقاليد الأمور، وللقاهرة والرياض مصلحة فى إنهاء هذا الوضع وعدم إنزلاق اليمن إلى الإنفصال بين شطريه أو السقوط فى هاوية الحرب الأهلية الطويلة، بالإضافة الى قضية أمن الخليج لا تزال تجمع بين البلدين، وهى مسألة يصفها الرئيس السيسي بأنها خط أحمر لمصر، فضلاً عن الوضع فى سورية الذي يوجب تقارب وجهات النظر بين البلدين فى الفترة المقبلة، لمواجهة تصاعد المتطرفين المنتمين إلى داعش والنصرة وغيرهما، لأن سقوط سورية فى فخ التفكك يعني إنزلاق المنطقة الى المجهول.

هنا يمكنني القول إن دمشق والقاهرة تنطلق من رؤية واحدة وهي ضرورة مواجهة أي أطماع إقليمية أو دولية، وخاصة بعد نجاح كل منهما في ضرب المخطط الغربي لتقسيمهما، أمام ذلك، وهذا هو وجه الغرابة في الأمر، إن العلاقات المصرية دخلت حالة من الفتور مع السعودية بسبب إختلاف موقفيهما تجاه القضية السورية، إذ لعبت الرياض دوراً أكثر حزماً في الصراع السوري التي دعت علناً إلى تسليح المناهضين للأسد، وموازاة ذلك كانت مصر تدعم الحل السياسي للأزمة في دمشق، في حين دعا الفيصل إلى إتخاذ قرار حاسم يدعم التدخل الدولي في سورية، في المقابل، تحتمل مصر من السعودية الخلاف حول سورية على مضض، لأن مصر المستقلة تعرف أن أمنها الوطني يبدأ من بلاد الشام،  وأن المصريون يدركون أن تدمير الدولة السورية وإستنزاف الجيش السوري في معارك داخلية، يهدد أمنهم الوطني إستراتيجياً، ويضعفهم إزاء العدو الصهيوني والغرب، وينقل معركة الإستنزاف والتفكيك والفتنة إلى داخل مصر نفسها.

وأنني على يقين إن الحرب في سورية لم تعد ذات مردود إيجابي للأنظمة والحكومات التي رعتها، كونها حرب معقدة ذات أبعاد دولية وإقليمية, والآن تطورت إلى حرب عابرة للحدود يأكل فيها كل طرف خارجي نصيبه من حصاد السم الذي زرعه على مدى السنوات الماضية في سورية، بالرغم من أن الرياض إنخرطت في مشروع إسقاط النظام في سورية، على أمل تحقيق إختراق في الخريطة الإستراتيجية في المنطقة، فإنها تشعر الآن إن إستثمار مليارات الدولارات ووضع ثقل السياسة السعودية وراء هذا المشروع معرّض للزوال والفناء، على ضوء إعادة العديد من الدول مراجعة سياساتها حيال تطورات هذا البلد، إضافة الى ذلك ثمة تخبط واسع في داخل المملكة حيال التعامل مع حقيقة تورط الكثير من أبنائها في القتال في سورية, يُخشى من عودتهم إلى السعودية، إضافة إلى وجود المتعاطفين مع التنظيم المتطرف داخل السعودية، فإختلاف دعاة المؤسسة الدينية حول وجوب أو حرمة الذهاب إلى سورية للمشاركة في الحرب يشير إلى أن الحكومة بدأت تستشعر الأخطار الأمنية القادمة من عودة المقاتلين الجهاديين إلى المملكة وما يحمله ذلك من أخطار.

بالتالي لا شك إن غياب المثلث “سورية ومصر والسعودية” قد ترك بصمات واضحة على مجمل الحالة العربية التي هي بالأساس تعاني ضعفاً مزرياً، وتفككاً قل نظيره في وقت تلتحم فيه الأمم الأخرى، وهنا يمكنني القول إن إعادة هذا المثلث يمثل في الظروف الحالية حاجة إستراتيجية للأطراف الثلاثة، لإنه سيعيد إلى المنطقة شيئاً من الأمان والإستقرار وسيشكل حاجزاً للدور الغربي المدمر سياسياً للعالم العربي، لذلك لقد آن الأوان لنتعاون مع باقى قوى التوازن بالعالم لإنقاذ سورية من الدمار والخراب، وتجاوز أزمتنا والمضي بوطننا نحو الأفضل.

لذلك لماذا لا تدعو السعودية ومصر معاً لمؤتمر قمة عربية لمناقشة الأزمة السورية، أي ليس مؤتمراً للكلام والإستعراضات، ولكن للوصول إلى حل دائم يعيد الأمن والأمان لسورية، تحضره كل الأطراف، وتتفق علي كل شيء، بسبب خطورة الموقع الجغرافي لسورية، الذي لو سيطر الجهاديون عليه فإنه يحكم الحصار على كل دول المنطقة، وأخيراً إن الأشهر القليلة القادمة ستكون شاهدة على تغييرات جذرية في ملف السعودية وداعش، وبالتالي فإن الحكومة السعودية لا تملك خياراً سوى الدخول في معركة لضرب الإرهاب وعليها أن تتعاون مع النظام السوري لضرب هذه المجموعات التكفيرية التي عملت سورية على ضربها منذ البداية، وتخطئ الرياض إذا لم تتعاون مع القيادة السورية في القضاء على الإرهاب، لأنّ سورية هي بوابة التصفية لمشروع داعش في المنطقة، لذلك سيكون من الحكمة إعادة فتح قناة اتصال مع النظام السوري لمكافحة هذا الخطر الذي يحدق بالجميع.

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.