اجتماع العلمين.. قراءة في الدروس والدلالات / هاني المصري
هاني المصري ( فلسطين ) – الثلاثاء 1/8/2023 م …
ثانيًا: أن مصر لم تقم بدور الراعي، كما كانت تفعل في اجتماعات المصالحة التي عقدت فيها، بل اكتفت بدور المضيف، وهذا أبقاها على مسافة من الاجتماع، فإذا نجح باركت النتائج، وإذا فشل لا تتحمل المسؤولية.
وحتى نتعرف إلى مغزى ذلك، نشير إلى أن كل اللقاءات التي رعتها مصر عقدت في مبنى المخابرات المصرية، وكان وفد منها هو الذي يدير الجلسات، ومعظمها خرج باتفاقات عبرت عن نفسها ببيانات مشتركة نفذت جزئيًا وبعد ذلك انهارت، من إعلان القاهرة في آذار 2005، مرورًا باتفاق أيار 2011، واتفاق القاهرة (اتفاق التمكين) تشرين الأول 2017.
الرئيس نجم اجتماع العلمين
لوحظ أن الرئيس كان مبادرًا حادًّا، وعرض موقفه بوضوح وحزم من دون استعداد للمساومة من لحظة إطلاق الدعوة لاجتماع الأمناء العامين، مرورًا بالخطاب الذي ألقاه في مخيم جنين، وانتهاء برفضه لكل الدعوات والوساطات لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، خصوصًا بعد إعلان حركة الجهاد الإسلامي أنها لن تحضر الاجتماع إذا لم يتم الإفراج عنهم، ووافقت على الإفراج عن قسم منهم قبل الاجتماع، والقسم الآخر بعده، ولم يغيّر الرئيس موقفه.
وإذا أردنا التعرف إلى السبب علينا أن نرى ماذا قال عباس لإسماعيل هنية ووفد حركة حماس في تركيا قبل اجتماع العلمين بأيام عدة؛ إذ قال: “لن نسمح بالطخطخة ولا بالمسلحين في الضفة الغربية الذين يراد من وراء عملياتهم زعزعة السلطة والانقلاب عليها، وأنه لن يرضى بأن تَعْقِدَ “حماس” تفاهمات مع الاحتلال تؤدي إلى الهدوء في قطاع غزة وتقوم بالتصعيد في الضفة، فإما تصعيد هنا وهناك، أو وهذا هو المطلوب، تهدئة في الضفة والقطاع”.
ودافع عن موقفه بأن عمليات المقاومة تخدم حكومة المتطرفين في تل أبيب، وتعطيها ذريعة للاستمرار في العدوان ضد الفلسطينيين، وقال: “إن الطريقة الوحيدة المفيدة للتعامل مع حكومة الاحتلال هي المقاومة السلمية، والاستمرار في السعي لإقناع الإدارة الأميركية للضغط عليها”.
وأكد الرئيس في تركيا ومصر أنه لن يوافق على مشاركة حركتي حماس والجهاد في منظمة التحرير من دون موافقتهما على الشرعية الدولية والتزامات المنظمة؛ لأنه إن فعل سيعرض الاعتراف الدولي بالمنظمة للخطر، كما أنه للسبب نفسه لن يستبدل حكومة معترفًا بها بأخرى يقاطعها العالم.
لماذا كل هذه المرونة المفرطة من “حماس”؟
طبعًا، نفى هنية أن المقاومة في الضفة تستهدف السلطة، وإنما الاحتلال، ودعا إلى المقاومة الشاملة والاتفاق على إستراتيجية في مواجهة الاحتلال، إضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين لدى السلطة.
وعلى ذمة الراوي، فإن وفد “حماس” اقترح أثناء اللقاء في تركيا الدعوة إلى إجراء انتخابات وفق تفاهمات إسطنبول 2020؛ أي تشكيل قائمة مشتركة تتمتع بأغلبية فتحاوية والتوافق على الرئيس محمود عباس مرشحًا توافقيًا للانتخابات الرئاسية، ولكن الرئيس لم يكترث بالاقتراح.
كما أن الاتفاقات السابقة المختلفة، بما في ذلك الانخراط في السلطة، لم تكن تتضمن الاتفاق على برنامج سياسي، أو على كيفية التعامل مع أوسلو والتزاماته، وهذا مؤشر قوي على أن “حماس” فضلت الاشتراك في السلطة أولًا، ثم أصبحت أولويتها بعد الانقلاب/ الحسم المحافظة على السلطة في القطاع، لذلك تأخذ نصائح حلفائها وداعميها في قطر وتركيا، وموقف مصر الشقيقة الكبرى وجارة القطاع الوحيدة والممسكة بملف المصالحة، وهو الذي يفسر لماذا بدت “حماس” ضعيفة في كل ما يتعلق بالاجتماع منذ البداية وحتى النهاية، وهي تقبل عقد اجتماع من دون تحضير جاد ولا توفير أجواء إيجابية، بل على العكس كانت الأجواء سلبية.
حتى إدارة الانقسام لم تتحقق
قد يقول قائل إن الاتفاق على إدارة الانقسام، أو على تشكيل لجنة متابعة، أفضل من استمرار التكاذب والتواطؤ المتبادل، وإصدار بيانات تَبْقَى حبرًا على ورق، ومن استمرار فصول مسرحية المصالحة التي أشبه بمسلسل تركي لا ينتهي، فهي تشهد صعودًا وهبوطًا وقصص نجاح، ثم سرعان ما يتبين أنها مجرد فشل جديد انتظارًا لفصل آخر.
من قال إن هناك اتفاقًا على إدارة الانقسام ولم يظهر ذلك؟ فلم يتم الاتفاق على شيء، ومن قال إن لجنة المتابعة ستمارس عملها، بل يمكن أن يكون مصيرها كمصير الإطار القيادي المؤقت المحدد الصلاحيات الواسعة في اتفاق القاهرة، الذي تقزّم وتحوّل إلى بند انتظام عقد الأمناء العامين، وأخذت “حماس” والفصائل الأخرى تطالب به “وكأنه خشبة الخلاص، وكذلك مصير الانتخابات التي ألغيت في اللحظات الأخيرة واللجان، بل الحكومات التي شكلت بعد اتفاقات المصالحة وانهارت قبل أو بعد أن رأت النور، كل ذلك مفترض أن يكون شاهدًا يردع أن يُلدغ المشاركون من الحجر نفسه مرات ومرات، فكل اللجان والحكومات سرعان ما تنهار. فأي لجنة أو اتفاق أو تشكيل مهما كان نوعه بحاجة إلى أرضية ومرجعية مشتركة.
هل سترى لجنة المتابعة النور، وإذا رأته ما مصيرها؟
لو سلمنا جدلًا أن لجنة المتابعة ستجتمع، وكذلك صيغة الأمناء العامين، فهي ستعطي شرعية للسلطة وللرئيس، وتعزز سياسته وخياره، بما في ذلك تعزيز هيبة السلطة في المدن الفلسطينية، وما يعنيه ذلك من احتواء أو قمع للكتائب ومجموعات المقاومة، خصوصًا في جنين ونابلس، من دون مقابل، لا سيما أن في رأس الرئيس موال جديد ورهان قديم جديد عن إمكانية إطلاق أفق سياسي يهدف إلى إحياء ما يسمى “حل الدولتين”، فالرئيس قال في الجلسات المختلفة “إن علينا الاستعداد لما هو قادم، فهناك تحولات وتغييرات حصلت وستحصل في المنطقة والعالم وإسرائيل، وعلينا الاستعداد لها”.
صفقة كبرى تسعى إدارة بايدن إلى إنجازها
إذا وضعنا ما سبق في سياق المعلومات عن صفقة كبرى تسعى الإدارة الأميركية إلى عقدها للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، ومن ضمنها نقاط تتعلق بالقضية الفلسطينية. فقد أجاب مسؤول أميركي ردًا على سؤال في لقاء خاص: لماذا تهمل الإدارة الأميركية القضية الفلسطينية والفلسطينيين، وتعطي الأولوية للتطبيع السعودي الإسرائيلي؟ بالقول: إن هذا حدث بعد أن أبلغ ولي العهد السعودي واشنطن بأنه اتخذ قرارًا إستراتيجيًا بالسلام مع إسرائيل، وحدد المطلوب من أميركا مقابل هذه الخطوة، لكنه طلب وقتًا لبلورة ما يريده فلسطينيًا.
سجلت السلطة ورئيسها هدفًا، بل أهدافًا في مرمى حركة حماس والفصائل الأخرى التي بدت مختلفة مع بعضها، التي تبرر خيبتها بأن مجرد عقد الاجتماع جيد، متناسية أنه عُقد بعد سلسلة طويلة من الاجتماعات والاتفاقات الفاشلة، وتقول إن عدم صدور بيان أفضل، متناسية أن هذا يطلق يد القيادة الرسمية لتفعل كل ما تريد، وأصبح تشكيل لجنة متابعة مقبولًا من الفصائل بسبب عدم وجود تحضير، وكأن المهم الاعتراف بها وتمثيلها، وليس مدى تأثيرها ولخدمة أي برنامج.
لماذا تمكن الرئيس من استعادة زمام المبادرة؟
إن عجز “حماس” وحدها، أو بالاشتراك مع فصائل أخرى، عن الاتفاق على برنامج واحد وإستراتيجية سياسية ونضالية واحدة، وتقديم بديل نظري وعملي من خيار القيادة الرسمية وليس من المنظمة أو المؤسسات، هو الذي يفسر ما جرى ويمكن أن يجري، وهو الذي مكّن الرئيس من إمساك زمام المبادرة مجددًا، على الرغم من الضعف الكبير الذي تمر به السلطة، خصوصًا بعد تصاعد المقاومة في الضفة، وفي ظل فقدان أي أفق سياسي، والنتائج الكارثية لمسيرة أوسلو، خصوصًا في السنوات الأخيرة التي سقفها أقل من أوسلو بكثير، إضافة إلى ضعف وخلافات حركة فتح على خلفية التنافس على الخليفة أو الخلفاء، بدليل عدم عقد المؤتمر الثامن، والكف عن تحديد مواعيد لعقده.
من يعلق الجرس؟ من يملك زمام المبادرة؟
هناك خطر وجودي يهدد القضية والشعب والأرض، وهو يوفر قاسمًا مشتركًا أعظم لتوحيد الفلسطينيين إذا توفرت الإرادة اللازمة، ولن يختفي هذا الخطر إذا سقطت حكومة نتنياهو الحالية، حكومة الحسم والضم السريع للضفة وتصفية القضية، وحلت محلها حكومة برنامجها الضم والقضم المتدرج، وتسعى أيضًا بشكل آخر إلى تصفية القضية الفلسطينية من مختلف أبعادها، لمجرد أنها تتحدث عن انفصال سياسي عن الفلسطينيين ضمن صيغة حكم ذاتي مع استمرار التحكم فيهم فوق الأرض وتحت الأرض وعلى الحدود وفي كل شيء.
التعليقات مغلقة.