تكالب القوى الكبرى على الشرق الأوسط .. نظرة هادئة / د. عمرو حمزاوي

 Amr Hamzawy (@HamzawyAmr) / Twitter 

عمرو حمزاوي – الجمعة 4/8/2023 م …

كلما تابعت أكثر نقاشات واشنطن بشأن الشرق الأوسط، كلما تيقنت أن الولايات المتحدة صارت ترى فى الصين، وليس روسيا، القوة الوحيدة القادرة على منافستها أمنيا وعسكريا وتكنولوجيا واقتصاديا وتجاريا بين طهران والرباط والقوة الوحيدة القادرة على المدى الطويل على تقديم بديل متكامل للدور الأمريكى.




والحقيقة أن طريقة العمل التى تتبعها الصين لتعزيز مصداقيتها فى الشرق الأوسط من خلال التعاون الشامل والعلاقات الاستراتيجية والتوسط لفض الصراعات والمنازعات وبصفتها شريكا دبلوماسيا يعتد به فى منطقة احتجت فى مناسبات عدة على فك الارتباط الأمنى الأمريكى بالمنطقة واشتكت من إهمال واشنطن لها، هو أمر يحتاج إلى الدراسة والتحليل.
والحقيقة أيضا أن جميع دول الشرق الأوسط دون استثناء ترحب بانخراط الصين فى المجالات الاقتصادية والتجارية ومنها إلى التعاون فى مجالات أخرى. فقد ازداد إجمالى تجارة الصين مع المنطقة منذ مطلع القرن الحادى والعشرين، وهو يواصل التنامى باطراد، إذ ارتفع من 180 مليار دولار فى العام 2019 إلى 259 مليار دولار فى العام 2021. فى المقابل، تراجع إجمالى تجارة الشرق الأوسط مع الولايات المتحدة من 120 مليار دولار فى العام 2019 إلى 82 مليار دولار فى العام 2021. وما زالت الصين تعمل على توطيد روابطها الاقتصادية متجاوزةً الانقسامات الإقليمية، ما يسهم فى تعزيز مكانتها بصفتها أكبر شريك تجارى لقوى إقليمية مختلفة الأولويات والتوجهات مثل مصر وإيران والأردن والكويت والسعودية والإمارات. أما فيما وراء الاقتصاد والتجارة، فقد تفادت الصين تاريخيا التورط فى صراعات الشرق الأوسط أو اتخاذ مواقف مباشرة بشأن النزاعات الشائكة. وبدلا من تحدى هيمنة الولايات المتحدة وتفوقها العسكرى فى الشرق الأوسط فى مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، استفادت الصين كقوة كبرى من الغطاء الأمنى الأمريكى من دون أن تسهم فيه ومن دون أن تتحمل الكلفة الأمنية نفسها التى تحملتها الولايات المتحدة.
• • •
غير أن الصين سيكون عليها فى المستقبل القريب أن تقرر ماهية الدور الذى ترغب فى أدائه فى المنطقة. هل هو دور وسيط دبلوماسى، أم جهة راعية عسكرية، أم عملاق اقتصادى منصرف عن الشئون الأخرى؟ ولا يزال من السابق لأوانه استباق التحولات التى قد تحدث للمكانة الإقليمية للصين. على الرغم من ذلك، تدلل المساعى الدبلوماسية المتصاعدة خلال السنوات القليلة الماضية على أن العملاق الآسيوى أصبح يعرف مصالحه فى الشرق الأوسط على نحو جيو ــ سياسى شامل يتجاوز الاقتصاد والتجارة.
وليس واضحا بعد إذا كانت سياسة «صفر نزاعات» التى تنتهجها الصين عالميا قادرة على أن تضمن لها الفاعلية المطلوبة فى الشرق الأوسط وأن تباعد بينها وبين الانحياز إلى أطراف على حساب أطراف أخرى. فقد تتسبب الصين، من خلال عملها على تعزيز التقارب السعودى الإيرانى، بإثارة حفيظة إسرائيل غير المتحمسة لهذا التقارب. ويصعب على دبلوماسية بكين أن تطبق «صفر نزاعات» وهى تغض الطرف عن القضية الدائمة فى الشرق الأوسط، أى القضية الفلسطينية، وذلك إذا أرادت الحفاظ على مصداقيتها فى أوساط الشعوب العربية. وفى مواجهة هذه المصالح المتضاربة، قد تتطوّر السياسة الإقليمية الصينية القائمة على الحرص الاستراتيجى، عن غير قصد، إلى سياسة شاملة لتحقيق توازن فى القوى وضمان الأمن فى الشرق الأوسط.
قد تحمل الصين الصاعدة آفاقا يرحب بها العرب والإيرانيون والأتراك بإرساء تعددية الأقطاب العالمية فى الشرق الأوسط، ولكن سيتعين عليها تعلم مواجهة عثرات متوقعة ترتبها الصراعات والنزاعات الكثيرة.
أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة، فالأفضل هو ألا تنظر إلى توسع الدور الصينى على أنه تهديد لها وحسب. فبكين لا تستطيع، ولا ترغب، فى الاستيلاء على دور واشنطن باعتبارها القوة العسكرية الأكبر والمهيمنة فى الشرق الأوسط. بل واقع الحال هو أن دور الصين الجيو ــ سياسى المتصاعد قد يخلق مجالات جديدة لزيادة تعاونها مع الولايات المتحدة، إن من خلال الاستثمار فى علاقات إقليمية محددة تفتقر إليها واشنطن وقد تساعد فى حل بعض الصراعات والنزاعات (وخير مثال على ذلك الروابط التجارية القوية بين الصين وإيران) أو من خلال الوساطة المشتركة لاحتواء تهديدات أمنية وأزمات تجارية. وبما أن القوتين المتنافستين عالميا متفقتان بشأن بعض مصالحهما الأساسية فى الشرق الأوسط، بما فى ذلك ضمان تدفق موارد الطاقة العالمية وحرية الملاحة، يتعين على الولايات المتحدة أن تتصرف بحكمة وبعيدا عن استدعاء مقولات الحرب الباردة والأحلاف المغلقة بالامتناع عن ممارسة ضغوط على حلفائها العرب والشرق أوسطيين للدخول فى شراكات حصرية معها. وبدلا من أن تتخوف واشنطن من دور بكين وتعمل على حصاره، ينبغى عليها أن تعيد تقييم أولوياتها فى المنطقة وتبحث عن سبل لتحقيق نتائج إيجابية ومعززة للاستقرار عبر التعاون مع العملاق الآسيوى.
• • •
تتهيأ منطقتنا، إذا، لتصبح ميدانا للتنافس المتعدد الأقطاب، غير أن هذا التنافس لن يحدث بين ليلة وضحاها ولن يتسم فورا بالحدة التى يتوقعها البعض.

————

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.