الأنسان العراقي.. الديموغرافيا والتاريخ…. / محمد اسماعيل السراي
محمد اسماعيل السراي – السبت 5/8/2023 م …
ان الانسان العراقي القديم، موجود هنا ماقبل الحضارة، وليس هو نتاج وجودها بل هي نتاج وجوده…حيث يصور لنا البحث التاريخي الحضاري ان العراق عمره ٧ الف سنة فقط، وذلك ربطا بظهور اولى بوادر المدنية فيه، حيث ظهور المدن او القرى الاولى في حدود الخمسة آلاف سنة قبل الميلاد هنا في هذا الاقليم ، والتي كانت تتميز بتنظيم سكني واجتماعي من خلال نموذج القرية ثم المدينة فيما بعد، وكذلك تنظيم اقتصادي من خلال الزراعة وتدجين المواشي. وتتميز ايضا بالتطور الحضاري من خلال استخدام الادوات الفخارية والحجرية المتقدمة. والادوات المعدنية، وبعض المكتشفات الأثرية المهمة مثل الرحى والمحاريث والابر وادوات خزن الطعام والمنسوجات وغيرها من الادوات المادية المتطورة. ثم ايضا هنالك التطور الثقافي المتمثل بظهور الدين المنظم المتمثل بالمدافن ومعابد القرية والتماثيل الانثوية الطينية او العظمية التي تشير ربما الى عبادة او تقديس الانثى او الام كرمز للخصب المرتبط بخصب الارض الزراعية، وكذلك تطور الرسوم او النقوش الهندسية وغيرها على ادوات الانسان الفخارية والعظمية واستخدام التلوين … لكن هذا الايهام التاريخي يصور لنا ان العراق بدا وجوده من تلك اللحظة فقط. وربما نفهم من ذلك ان العراق كان قبل هذا التاريخ ارض خربة او خالية من الانسان، وهذا غير صحيح، وكأن الناس جاءت العراق مكتملة بادواتها الحضارية، المادية والمعنوية، وانها اول ما وطئت الاقليم او الارض العراقية شرعت ببناء حواضرها ومدنها!! لكن العراق كارض موجود منذ القدم، وايضا الانسان موجود فيه منذ عصور ابعد من عصور الحضارة والمدنية و الاستقرار. إذ كان الإنسان يعيش قديما على هذه الارض، وان كانت موارد العراق البيئية ماقبل الزراعة تعتبر فقيرة، فلا هو ارض غابات واشجار وثمار كي ما يعتاش الانسان القديم على ثمارها، ولا هو كان ارض رعي خصبة تتوافر فيها العواشب لتكون طرائد مناسبة للانسان. لكن ربما كانت الانهار والبحيرات توفر للانسان البروتين المناسب من خلال صيد السمك او بعض الطيور، وايضا ربما مارس الانسان العراقي القديم الرعي في العصر الحجري الحديث بعد تدجين الانسان للحيوانات، وربما كانت الحبوب البرية قبل اكتشاف الزراعة ايضا في فترة ما توفر له غذاء جيدا. واين يكن، فيبدو من خلال قدم الاثار وتسلسلها، ان الانسان العراقي القديم انحدر من الشمال صوب الجنوب، بدا من ثقافة او حضارة حسونة الاقدم ونزولا لثقافة سامراء والعبيد ثم انحدارا لثقافة اوروك ثم جمدة نصر وظهور السلالات السومرية الاولى، ومع ذلك يؤشر لوجود الثقافات او الحضارات المتباينة في فترات متزامنة في جميع ارض الرافدين بدا من وجود الانسان النياندرتالي الاقدم. وعلى كل حال، فان الانسان العراقي القديم عاش في هذه الارض منذ فترات قديمة، لكنه تطور اجتماعيا وتنظيميا شيئا فشيئا حتى وصل لمرحلة الاقتصاد الانتاجي، اي انتاج طعامه من خلال الزراعة، وهجر اقتصاد الجمع والالتقاط الاقدم شيئا فشيئا حتى وصل لمرحلة الاستقرار السكني وبناء مجتمع القرية ومن ثم المدينة. وهذا ماحدث قبل تاريخ السبعة الاف عام التي يضعها اكثر الناس في عقولهم كصورة لبداية الاقليم العراقي كاقليم مسكون بشريا. انما هذا التاريخ هو يؤرخ فقط لانطلاق اولى بدايات الحضارة – او المدنية بشكل ادق- في ارض الرافدين، وليس يؤرخ لوجود الانسان العراقي بهذا التاريخ، بل ان وجوده اقدم من ذلك بكثير، حيث يسجل التاريخ الاحفوري وجود الانسان النياندرتالي في شمال العراق على الاقل قبل عشرات الآلاف من السنين. اذن فالانسان العراقي الذي بنى تلك الحضارات القديمة في ارض الرافدين منذ القدم، لم يكن انسانا مستوردا من أقاليم آخرى او مهاجر مر من هنا كما يصورون لنا، بل هو ابن هذه الارض قبل وجود الحضارة وقبل انبثاق المدن، لكن الذي حدث انه في فترة لاحقة تعرض لعملية التطور الاقتصادي والاجتماعي والحضاري.
التعليقات مغلقة.