ملاحظات حول نظرية الدولة في الفكر الماركسي (الجزء الثاني) / ترجمة مرتضى العبيدي
مرتضى العبيدي – السبت 5/8/2023 م …
2 ـ الدولة الرأسمالية
لقد أوضحنا في الجزء السابق أن الدولة أداة تستخدمها الطبقة الحاكمة لفرض هيمنتها على المجتمع. إنها ليست جهازًا للتوفيق الطبقي، كما تقول بعض التيارات في علم الاجتماع البرجوازي، ولكنها جهاز للإكراه والقمع. يؤكد فريدريك إنجلز أن الدولة “نتاج المجتمع عندما يصل إلى مرحلة معينة من التطور. إنها الاعتراف بأن هذا المجتمع قد أصبح متورطًا في تناقض لا يمكن علاجه، ومنقسم بسبب تناقضات لا يمكن التوفيق بينها، وأنه لا قدرة له على تفاديها.
فعندما أفسح المسار التاريخي المجال لظهور الدولة الرأسمالية نتيجة لتطور القوى المنتجة، كان لدى البرجوازية الناشئة والمتمكنة من السلطة القدرة على إخفاء الطابع الطبقي للدولة، وإظهارها على أنها مؤسسة تقوم على مبدأ وحق الإرادة الشعبية لتقرير مصير المجتمع. لكن ذلك مجرد وهم، وبالتالي، فإن الأشكال المختلفة التي اتخذتها، والمؤسسات التي تم إنشاؤها لممارسة الحكم لم تغير جوهرها، أي كونها ديكتاتورية البرجوازية.
أكد كارل ماركس، عند تحليله للثورات البرجوازية التي حدثت في منتصف القرن التاسع عشر، أن جميعها “حسّنت هذه الآلة، بدلاً من تدميرها”، وأن الدولة شيئًا فشيئًا بدأت تظهر وكأنها مستقلة. وكان ذلك كافياً لأي شخص ممثل للطبقة الحاكمة، مدعوما بقوة البنادق، أن يشغّلها. بالإضافة إلى ذلك، فهو يؤكد أن المؤسسات الأكثر تمييزا لآلة الدولة البورجوازية هي البيروقراطية والجيش النظامي.
فالدولة الممركزة بالكامل – وهي ميزتها في بداية الرأسمالية – خضعت لتغييرات عدّة، إذ أدخلت البرجوازية عناصر لتأكيد هذا الطابع اللاطبقي المزعوم للدولة، وبالتالي ضمان ممارسة الهيمنة. وكانت العديد من هذه التغييرات، إن لم تكن كلها، نتيجة للضغط الجماهيري – في نضالهم من أجل الديمقراطية والحقوق السياسية – واستخدمتها البرجوازية كصمام أمان لمنع الانفجارات الاجتماعية. نشير، على سبيل المثال، إلى جوانب مثل الحق في التصويت للنساء اللواتي لم يكن لديهن من قبل، وبعض متطلبات الحصول على صفة المواطنة، والتقليل من شروط الترشح أو معايير المساواة بين الجنسين، من بين أمور أخرى.
كما أنشأوا مؤسسات تطالب الدولة بالاهتمام بحقوق الناس وبتشريكهم في صنع القرار السياسي. وفي هذا السياق، تعمل الأدوات التي تُعرف في بلدنا (الاكوادور) باسم “الدفاع عن الشعب” (الموجودة عمليًا في جميع البلدان) أو مجلس مشاركة المواطنين؛ كما كان هناك تحول من مفهوم “الديمقراطية التمثيلية” إلى مفهوم “الديمقراطية التشاركية”، بما يتماشى دائمًا مع تقوية الدولة الرأسمالية وأنماط عملها.
“إن أحد العناصر الرئيسية في توطيد الديمقراطية هو وجود آليات مختلفة للتحكم في ممارسة السلطة. إن ما يسعى إليه هذا النظام هو التوازن بين القوى المختلفة التي تتعايش في هذا الشكل من تنظيم الدولة، “تؤكد لورينا غونزاليس فوليو، رئيسة معهد البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان. كما نرى، فإن محاولة تقديم الدولة كمؤسسة “محايدة”، فوق المصالح والتناقضات الطبقية، مهمة ثابتة.
من الناحية المفاهيمية، فقد وضعوا الكثير من النظريات في نفس الاتجاه، والآن هناك قطاعات – مرتبطة أساسًا بالاشتراكية الديمقراطية – تتحدث عن تكوين “حكومة مفتوحة ، حكومة جيدة” ، حيث “مشاركة المواطنين في الإدارة. يقدمونها على أنها عملية البناء الاجتماعي للسياسات العامة التي تشتغل وفقًا للمصلحة العامة لمجتمع ديمقراطي، والتي من شأنها أن تستجيب أو توسع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية للأفراد، وحقوق المنظمات أو المجموعات التي يتم دمجهم فيها … “
في بلدنا، خلال ما يسمى بـ “الثورة المواطنية”، كان هناك الكثير من الحديث عن هذه الجوانب. قيل إن البلاد تمر بتحولات كبيرة تمثل بداية “تغيير الزمن”، لكن لا شيء من هذا القبيل حدث. تم إلقاء ثقل المؤسسات البرجوازية على العمال والمنظمات السياسية اليسارية التي شجبت الطبيعة البرجوازية لحكومة “كورّيا”. وكانت هذه المؤسسات نفسها ضمانة لمجموعات كبيرة ممن بيدهم السلطة ليغنموا، كما لم يحصل لهم في السابق، بشكل فاحش من عمليات النمو الاقتصادي.
مع كل هذه الإصلاحات والتنظيرات حول كيفية تحسين “الحوكمة” و “أساليب الحكم”، وكيفية دمج السكان في صنع القرار في إدارة الشأن العام، لم تفقد الدولة الرأسمالية والشكل الذي تتخذه في “الديمقراطية البرجوازية” جوهرها، بل حافظت على دورها كأداة في خدمة البرجوازية الكبرى لقمع العمال والشعوب.
وقد بيّن لينين بوضوح، اعتمادا على معيار سبق أن شرحه ماركس وإنجلز، أن الديموقراطية البرجوازية تُختزل إلى “الحق” الممنوح للشعب في “أن يختار بشكل دوري أعضاء الطبقة الحاكمة الذين سيضطهدون ويسحقون الشعب في البرلمان: ذلك هو الجوهر الحقيقي للبرلمانية البرجوازية، ليس فقط في الملكيات الدستورية البرلمانية، ولكن في الجمهوريات الأكثر ديمقراطية، كما يؤكد في كتابه “الدولة والثورة”.
En Marcha، العدد 1989، من 09 الى 15 فيفري/فبراير 2022
التعليقات مغلقة.