متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الواحد والثلاثون / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الأحد 6/8/2023 م …




يحتوي العدد الواحد والثلاثون من نشرة “متابعات” الأسبوعية على فقرة عن هجرة الشباب والكفاءات العرب، وفقرة عن بعض ظروف تغيير رئيس حكومة تونس، وفقرة عن بعض الوضع في سوريا، وفقرة مطولة عن ظروف انقلاب النيجر، وهي مقتطفة من مقال أطولَ نُشر يوم 31 تموز/يوليو، و 1 آب/أغسطس 2023، بعنوان “أرض غَنيّة وشعب فقير”، وفقرة أخرى مُطولة عن الوضع في باكستان، حيث ارتفعت الدّيون وأصبحت البلاد مُهدّدة بالتوقف عن السّداد، وفقرة عن ديون الدّول الفقيرة، على هامش قيمة باريس التي انعقدت يومي 22 و23 حزيران/يونيو 2023 بعنوان “من أجل ميثاق مالي عالمي جديد”، وفقرة عن “قمة روسيا – إفريقيا 2023” التي التأمت بسانت بترسبورغ من 27 إلى 29 تموز/يوليو 2023، وفقرة عن اهتمام رأس المال بالرياضة النّسائية التي تَعِدُ بتحقيق أرباح مرتفعة خلال السنوات القليلة القادمة، وفقرتان عن الإضرابات في أوروبا، بشكل عام، وبريطانيا وبلجيكا، بشكل خاص، وفقرة ترصُد بعض مُؤشّرات تغيير موازين القوى العالمية في المجالات المالية والإقتصادية.  

 

الهجرة  العربية

يعيش حوالى 281 مليون شخص، أي 3,6% من سكان العالم تقريباً، خارج بلدهم الأصلي، وبما أن معظمهم هاجر بسبب الفقر والبطالة والحُرُوب، ترك المهاجرون (خصوصًا من الشباب) أُسَرَهُم ببلدانهم، وحوّلوا لذويهم مبالغ قُدِّرت بنحو 717 مليار دولارا، سنة 2019، وهي المبالغ التي تم تحويلها عبر المسالك المصرفية، ولا تتضمن الأشكال الأخرى من التحويلات المالية والهدايا، وتجدر الإشارة أن قارة أوروبا التي يشتكي قادتها من ارتفاع عدد المهاجرين، واغلقت الحدود، وخفضت من عدد التأشيرات (مرتفعة الثمن) للباحثين والصحافيين والفنانين ورجال الأعمال والطلبة والسائحين، فضلا عن الباحثين عن عمل، ولا تستقبل أوروبا سوى أقل من 5% من المهاجرين واللاجئين، ومعظمهم من ذوي الكفاءات الذين تختارهم الشرات العابرة للقارات ببلدان المَنْشَأ أو البلدان الأصلية.

يضطر عشرات الآلاف من المهاجرين إلى مغادرة بلدانهم، بسبب الحروب والغَزْو والتّدمير، والبعض الآخر بسبب البطالة والفقر والظروف المناخية (الجفاف أو الأعاصير والفيضانات…) أو بسبب الحرمان من الرعاية الصحية والسكن والمياه النّقِيّة والغذاء والتعليم وما إلى ذلك، أو بسبب الإضطهاد والقمع وأسباب أخرى يَعْسُرُ حَصْرُها، ويبقى المهاجرون، في بلاد اللجوء (سواء في أمريكا الشمالية أو أوروبا أو الخليج) عُرضَةً لانتهاك حقوقهم كبشر وكعاملين ويتعرضون للإستغلال الفاحش وللتمييز القانوني والاضطهاد والتهميش، والحرمان من الحقوق المَدَنِية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبالأخص المهاجرون غير النظاميين، وفق تقارير المفوضية السامية لحقوق الإنسان، بين 2015 و 2022، وركز أحد هذه التقارير، وهي النسخة الثالثة من التقرير السنوي عن “حالة الهجرة الدولية” سنة 2019 عن الهجرة من وإلى الوطن العربي، حيث تحولت لبلدان المغرب العربي إلى مناطق عُبُور الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، بحكم الالمسافة القصيرة، عبر البحر الأبيض المتوسط، والهجرة من الوطن العربي إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، وتستضيف البلدان العربية أكثر من 15% من إجمالي المهاجرين واللاجئين في العالم، وبلغ عددهم 41,4 مليون مهاجر ولاجئ سنة 2020، وحوالي 15 مليون نازح داخلي، فيما بلغ عدد المهاجرين العرب (من سكان البلدان العربية) الذين يعيشون خارج بلدانهم الأصلية نحو 32,8 مليون شخصًا سنة 2020، وبقي 44% منهم في بلدان عربية أخرى – في الخليج أساسًا – وفق تقديرات مُفَوّضيّة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ( 01 تموز/يوليو 2022) التي ترعى 3,6 مليون لاجئ، و5,7 مليون فلسطيني من المسجلين لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ويُمثل اللاجئون العرب أو القادمون من بلدان عربية 43% من مجموع اللاجئين المشمولين بولاية مفوضية اللاجئين أو نحو 8,9 مليون شخص من أصل 20,7 مليون شخص في العالم، وفق تقرير “حالة الهجرة الدولية في المنطقة العربية لعام 2021″، ويشمل التقرير الفترة الممتدة من نيسان/أبريل 2019  إلى كانون الأول/ديسمبر 2020.

 نشر معهد “غالوب” يوم الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2021، نتائج استطلاع للرأي أشار إلى أن نسبة 24% من سكان 14 دولة عربية يطمحون إلى الهجرة بشكل نهائي ووصلت النسبة إلى 52% بين الشباب الذين تراوحت أعمارهم بين 18 و 29 سنة، وتتطابق هذه النِّسَب مع تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) سنة 2019، مع التنويه بأن أكثر المُتحمّسين للهجرة هم من الحاصلين على شهادات جامعية ومستويات تعليمية عالية، وقُدّرت نسبة الراغبين في الهجرة غير النّظامية (بناء على عينة المُستَجْوَبِين) بنحو 25% من المواطنين ويرغب أكثر من نصف سكان السودان والأردن وتونس في الهجرة “أيا كانت الوسيلة أو الوجهة”، وتحديدا في الأردن والسودان وتونس، ويرغب 43% من سكان السودان واليمن والعراق والمغرب والجزائر وتونس، و 12% في لبنان و18% في الأردن، الهجرة ولو بشكل غير نظامي، وكلما اشتدّت الأزمة الإقتصادية، زاد عدد الراغبين في مُغادرة البلاد، والأكثر حرصا على هذه الهجرة هم الحاصلون على شهادات جامعية ومستويات تعليمية أعلى، وهو ما يُعَبّر عنه ب”هجرة الأدمغة”، ما يعيق عملية التنمية في ظل معدلات أمية عالية إلى أكثر من 27% في بعض البلدان العربية،وقدرت بعض الدّراسات عن هجرة الكفاءات العالية، خسارة الوطن العربي نحو 50% من الأطباء المتخصصين، و23% من المهندسين، وفي مجالات مختلفة تتطلب الدراسة بها من خمسة إلى سبعة سنوات، وتتطلب إنفاقًا أعلى من الدّراسات الجامعية الأخرى، كما تُشير الدّراسات إلى أن 54% من الطلاب العرب الذين يسافرون للدراسة في دول أوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا، لا يعودون إلى أوطانهم للعمل، لأنهم يجدون آفاقًا مهنية واقتصادية أفضل، وقَدَّر التقرير العالمي لرصد التعليم في الدول العربية للعام 2019 الصادر عن منظمة اليونسكو أن أعلى معدلات الهجرة لذوي المهارات العالية إلى الخارج توجد في لبنان والمغرب، حيث يهاجر واحد عن كل 4 أشخاص ( 25% ) من ذوي الكفاءات العالية، ويُتَوَقَّعُ أن تتصاعد هذه النِّسَب خلال السنوات القادمة…

 

تونس، ذهبت بُودِنْ وجاء الحَشَّاني

وَرَدَ خبر إنهاء الرئيس التونسي قيس سيعد مهام رئيسة الحكومة نجلاء بودن ( دون تقديم أي سبب أو توضيح ) التي عَيَّنَها بنفسه في التاسع والعشرين من أيلول/سبتمبر 2021، وتعيين أحمد الحشاني خلفا لها في ساعة متأخرة من مساء يوم الثلاثاء الأول من آب/أغسطس 2023، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والمالية، وحالة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وشح المواد الضرورية واختلال التوازنات المالية، وشح العملات الأجنبية الضرورية لتوريد الطاقة والغذاء والدّواء وقطع الغيار، رغم البيانات التي أعلنت تحسن إيرادات السياحة وصادرات الفوسفات. 

أشارت بعض سائل الإعلام المحلية إلى استياء قيس سعيد من نقص الخبز في المخابز المدعومة من الدولة، وغياب الطّحين (الدّقيق) والسكر والأرز والبن والحليب، لكن من يحكم البلاد؟ ومن المسؤول عن الوضع الإقتصادي ومن المسؤول عن إيجاد الحلول الملائمة؟ لا تتحمل الحكومة المُقالة لوحدها مسؤولية الوضع، لأنها ورثته عن الإخوان المسلمين وحلفائهم، الذي خربوا الإقتصاد ونهبوا واستثروا طيلة السنوات العشر الماضية، غير إنها عجزت عن حل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، أو التّخفيف من حِدّتها، وسط مخاوف من عجز الدّولة على سداد ديونها الخارجية بسبب أزمة مالية حادة أدت إلى نقص العديد من السلع، وانتقد الرئيسُ الحكومةَ، وأقال بعض وُزَرائها،على مدى الأسابيع الماضية، وحَمَّلَها مسؤولية العجز عن معالجة المشاكل مثل الانقطاع المتكرر للمياه والكهرباء، وقبل خمسة أيام من إقالتها التقى سعيد، يوم الخميس 27 تموز/يوليو 2023، رئيسة الحكومة ووزيرة المالية، وعبر عن عدم رضاه عن أداء الحكومة التي لم تتمكّن من توفير المواد الأساسية، ولا سيما توفير وتوزيع الخبز…

يُعاني معظم المواطنين من تدهور القيمة الحقيقية للدّخل، جراء التضخم وانخفاض قيمة الدّينار مقابل العملات الأجنبية التي تُقَوَّمُ بها واردات البلاد، ما رفع أسعار كل المواد المُستوردة، والمواد الأساسية المدعمة من الدولة كالمحروقات والحبوب ومشتقاتها والسكر والقهوة والزيت النباتي، وانتقد الإخوان المسلمون وحلفاؤهم قيس سعَيّد من منطلقات يمينية ونيوليبرالية، ويقول قادتهم (التاغوتي والمَكّي وديلو…): إن الرئيس هو من يتحمل المسؤولية بسياساته الفاشلة وأخطائه المتراكمة وانعدام كفاءاته في إدارة البلاد وانهيار الأوضاع، وينتقدون بشدّة رفض شروط صندوق النقد الدّولي للحصول على قرض بقيمة 1,9 مليار دولارا، لأن الإخوان المسلمين قَبلوا علنًا ودافعوا عن شروط صندوق النقد الدّولي ونَفَّذُوها بِحَماس، باستثناء خفض موظفي القطاع العام، حيث استغلوا السلطة لتوظيف مُنتسبيهم وأفراد أُسَرِهم، أما قيس سعيد فإنه رفضها قولا، وطبّقها فعلاً قبل الحصول على القسط الأول منها، وأدرجت ميزانية سنة 2023، رفع الدعم الحكومي على المواد الأساسية وخصخصة  مؤسسات وخَدَمات القطاع العام. 

كان أحمد الحشاني، رئيس الحكومة الجديد، مديرًا بالمصرف المركزي، مُكلفا بالموظفين (الموارد البشرية ) وهو غير معروف لدى الجمهور العريض الذي ينتظر منه خططًا لحل الأزمة الإقتصادية والإجتماعية المتفاقمة في البلاد، لأن اسم الرئيس أو رئيس الحكومة والوزراء غير مُهِمّ لدى المواطنين، لكنهم يولون اهتمامًا كبيرًا لما يطرحه من حُلُول (إن وُجِدَتْ) لمشاغلهم من بطالة وفقر وارتفاع الأسعار وما إلى ذلك من شروط تحسين مستوى العيش.

من الخطأ اختزال الحكم (أو السّلطة) في شخص أو بضعة أشخاص، لأن الرئيس وأعضاء الحكومة وقادة أجهزة الأمن الدّاخلي والجيش، يُمثّلون مصالح طبقة أو ائتلاف طبقي، ولهم داعمون في المحيط القريب (الجزائر والإتحاد الأوروبي، وبالأخص فرنسا وإيطاليا) والبعيد، كالخليج (قَطَر والإمارات والسعودية) والولايات المتحدة التي تُشرف على تدريب الجيش ولها قواعد طائرات آلية واستخبارات عسكرية بجنوب تونس، ولذلك من الضّرُوري تقييم أداء أي سلطة من خلال برامجها وخططها وإنجازاتها والخطوات العَمَلِيّة لإنجاز السيادة الغذائية وتوفير الشغل والدّخل للمواطنين وتوفير السلع الأساسية والأدوية، والخدمات الضرورية من مسكن ورعاية صحية وتعليم ونقل عمومي مَرْضِي الخ   

 

سوريا، عُدْوان على كل الجَبَهات

يتجاوز العُدوان على سوريا، تلك الرقعة الجغرافية التي أصبحت تُسمّى سوريا، لأن المُخَطّط بدأ ( وتم الإعلان عنه ) منذ انهيار الإتحاد السوفييتي وانفراد الإمبريالية الأمريكية بمقومات القوة والهيمنة، وكان العدوان على العراق ويوغسلافيا، خلال العقد الأخير من القرن العشرين، من مؤشّرات حروب واعتداءات واحتلالات القرن الواحد والعشرين وتخريب وتدمير أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، وتغيير الأنظمة الحاكمة بالقوة، واغتيال الرؤساء وإبادة الشّعوب، ويندرج العدوان على سوريا وحصارها واحتلال أجزاء منها من قِبَل الولايات المتحدة وتركيا وأعضاء حلف شمال الأطلسي بدعم مالي من صهاينة الخليج، ضمن خطة لتغيير العالم بالقُوّة، ولحماية الكيان الصهيوني وضمن مواجهة واسعة تمتد من بحر الصين الجنوبي إلى القطب الشمالي ومن كوبا إلى كوريا الشمالية، مرورًا بإفريقيا والوطن العربي، وما الدّيمقراطية أو محاربة الإرهاب سوى ذرائع أصبحت مكشوفة، ولا تستهدف الإمبريالية الأمريكية النّظام السّوري (وهو شأن السّوريين أولاً والعرب ثانيا ولا دخل للولايات المتحدة به) فحسب، بل تستهدف الدّولة السورية والوطن السوري وشعبه وموارده، كاستمرار لتدمير العراق وليبيا واليمن والسودان ولا يزال العدوان مستمرا، عسكريا واقتصاديا وإعلاميا، وكذلك المقاومة… 

خلقت الولايات المتحدة وكذلك أوروبا ( فرنسا وألمانيا وبريطانيا ودول شمال أوروبا…) كيانات إرهابية أنفقت على تدريبها وتسليحها مَشْيَخات الخليج التي تفوح منها الروائح الكريهة للنفط والغاز، وأهمها مليشيات عشائر الأكراد التي تحظى بدعم بعض اليسار الأوروبي، رغم إشراف الولايات المتحدة مباشرة على إدارتها، وتحتل الولايات المتحدة عسكريّا حقول النفط والغاز شمال شرقي سوريا والمناطق المُنْتِجَة للحبوب والغذاء (محافظة دير الزور ومحافظة الحسكة) وفي جنوب شرقي سوريا، وتُصر على محاصرة سوريا وإغلاق حدودها مع العراق والأردن ولبنان، وعززت مواقعها العسكرية بالجنود الإضافيين (1500 وفق التصريحات الأمريكية) والعتاد، وتكثيف التدريبات في مناطق سيطرة مليشيات الأكراد، وتكثيف الغارات الصهيونية على أراضي سوريا، بتواطؤ روسي

الحرب على الجبهة الإقتصادية: أصَرّت الولايات المتّحدة على تركيز قواعد عسكرية بلغ عددها أربعة عشر قاعدة غير شرعية، معظمها حول مواقع حقول المحروقات والمناجم والأرضي الخصبة الصالحة للزراعة، وأصرّت على مَنْع عَوْدَة اللاّجئين السّوريين ومَنْع فتح الحُدُود السورية مع الأردن والعراق ولبنان، إلاّ إذا كان ذلك لدخول الإرهابيين والسلاح والعتاد المرافق لهم، وأصرّت على احتلال مواقع استخراج المحروقات ونهبها وتهريبها عبر الحدود السورية العراقية، ومنع الفلاحين من خدمة مزارعهم، وحرق المحاصيل، كما أصرّت على تعطيل عملية إعادة الإعمار، وعلى استمرار الإحتلال، مع توزيع بعض فُتات النّهب الإقتصادي والعتاد على الوُكَلاء المَحَلِّيِّين وفي مقدّمتهم ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية، بإشراف كُرْدِي…

قدّرت الحكومة السورية حجم النّهب الأمريكي من النفط والغاز بقيمة 107 مليارات دولار بين سنتَيْ 2011 و2022، فضلاً عن الخسائر الناجمة عن الغارات والحرائق، وكانت سوريا قد حققت الإكتفاء الذّاتي الغذائي بين سنتَيْ  2004 و 2008، قبل أن يُصيبها جفاف دام ثلاث سنوات، وأدّت الحرب والإحتلال الأمريكي والتّركي (والأطلسي) إلى تحويل سوريا إلى مستورد للطاقة والغذاء، وأصاب سوريا زلزال مُدمِّر، لكن استمر الحصار والحظر على الغذاء والدّواء ووسائل الإنقاذ بل أضافت الولايات المتحدة سلسلة من “العقوبات” شَلّت التمويل والإستثمار والإنتاج، بهدف إثارة غضب الشعب ضد النظام، وفق التصريحات الأمريكية، وفي الواقع فإن الفئات الأكثر هشاشة هي المُتضرّرة من الإرهاب والإحتلال وارتفاع الدولار مقابل اللِّيرة السُّورية، فلم يعد نحو 80% من السوريين الذين بقوا داخل البلاد، من شراء الغذاء والدّواء والطاقة…

لا يُمْكن للعدو أن ينجح وأن يستمر الإحتلال بدون عملاء في الدّاخل، وهو ما يحصل في سوريا، حيث اغتال الكيان الصهيوني عربًا من سوريا وفلسطين ولبنان، واغتال إيرانيين يُقاتلون بسوريا، وقصف مواقع عشرات المَرّات، إضافة إلى المليشيات الإرهابية “المُعَوْلَمَة” التي عززتها عناصر من الشيشان والإيغور والأوروبيين والأمريكان ومن عشرات الجنسيات، بتمويل سخي من صهاينة العرب في الخليج ودعم عسكري ولوجيستي تركي وأطلسي، لكن الحكومات المتعاقبة في سوريا ( كان أحد رؤساء الحكومة عميلا غادر البلاد ليستقر في قطر) مسؤولة عن إدارة الجبهة الدّاخلية وعن خلق لُحْمَة بين فئات الشعب، استعدادًا لطرد الإحتلال بكافة أشكاله وتفرعاته والمُقاومة على كافة الجبهات العسكرية والإقتصادية والإجتماعية. إنها حرب شاملة تتطلب مواجهة شاملة…        

 

النيجر

شهدت منطقة غرب إفريقيا سبع انقلابات، خلال سنَتَيْن، وشهد النِّيجر ثلاث محاولات انقلابية، خلال نفس الفترة، فشلت الأولى سنة 2021، قبل تولي الرئيس محمد بازوم السلطة بأيامٍ قليلة، وفشلت الثانية في آذار/مارس 2023، خلال زيارة خارجية للرئيس، ثم نفذت قوات الحرس الجمهوري يوم الإربعاء 26 تموز/يوليو 2023 ثالث محاولة انقلاب، خلال سنتَيْن – مُباشرةً إثر صدور قرار تغيير قائدها- واحتجزت الرئيس محمد بازوم في القصر الجمهوري بالعاصمة نيامي، فيما يعاني سكان البلاد من أزمة اقتصادية زادت من حدّة الفقر، رغم اليورانيوم والألماس والذهب والفحم، في ظل تعرُّض البلاد لهجمات المجموعات الإرهابية التي تنشط في مالي وبوركينا فاسو ونيجيريا، وخلافًا لحكومات البلدَيْن الجارَيْن – مالي وبوركينا فاسو – اللذَيْن طلبا من القوات الفرنسية مغادرة بلدَيْهما، وافق رئيس النّيجر محمد بازوم، الذي عُرِف بموالاته للغرب، ويُلَقَّب ب”رجل فرنسا”، على زيادة عدد القوات الفرنسية بتِعِلّة “مكافحة الإرهاب”، كما امتنع عن المُشاركة في قمة روسيا وأفريقيا بسان بطرسبورغ، وأعلنت قيادة الجيش موالاتها للرئيس محمد بازوم، لكن رئيس أركان الجيش أعلن يوم الخميس 27 تموز/يوليو 2023، تأييد العسكريين الانقلابيين، “تفاديًا للإقتتال الدّاخلي”. أما ممثلو الحرس الجمهوري فقد أعلنوا إن سبب غضبهم هو “تدهور الأوضاع الأمنية وسوء إدارة البلاد”.

تقع النيجر غربي إفريقيا، على مساحة 1,3 مليون كيلومتر مربع، ولا يقطنها سوى 24 مليون نسمة (سنة 2021)، من بينهم حوالي 80% في المناطق الحدودية مع نيجيريا وبنين من ناحية وحدود بوركينا فاسو ومالي، فضلا عن العاصمة “نيامي”، ولها حدود مع سبع بلدان الجزائر وليبيا في الشمال، وتشاد، شرقًا، ونيجيريا وبنين في الجنوب، وبوركينا فاسو ومالي، على حدودها الغربية، ولذا فهي لا تُطلّ على البحر، 

أقامت الولايات المتحدة قاعدة عسكرية للطائرات الآلية (بدون طَيّار) في النيجر، وأعلن وزير الخارجية الأميركي “أنتوني بلينكن” خلال زيارته للنيجر ولقاء رئيسها في آذار/مارس 2023 “تقديم مساعدات بنحو 150 مليون دولار للنيجر ودول الساحل”، ودعم قرار الرئيس محمد بازوم تنفيذ عمليات تحديث للجيش وتحسين التّدريب وزيادة العتاد العسكري، و”التحديث” مجرد غطاء لعزل الموالين للرئيس السابق محمد إيسوفو، بما في ذلك قيادات الجيش، في إطار صراعات أجْنِحَة السلطة.

تُعتبر النيجر إحدى أفْقَر بلدان العالم، رغم ثرواتها المنجمية، وتمتلك أَحَدَ أكبر الاحتياطيات العالمية من اليورانيوم الذي تستغله شركات فرنسية مُعَوْلَمَة، كما تُعتَبَرُ النيجر من أهم ركائز البرنامج العسكري الأمريكي لإفريقيا “أفريكوم” وأعلنت الولايات المتحدة إنفاق نحو 500 مليون دولار في العقد الأخير على تحديث جيش النيجر في شكل منح ومساعدات، وهو في الواقع مبلغ صغير لا يتجوز عشرة ملايين دولار سنويا، كما أعلن الإتحاد الأوروبي تقديم “منح ومساعدات إنسانية”

يعتمد اقتصاد البلاد على الزراعة والصيد واستغلال الغابات، وهو القطاع الذي يُشكّل حوالي 45% من الناتج المحلي الإجمالي والمصدر الرئيسي لملايين المواطنين، فيما تحتكر فرنسا، القوة الإستعمارية السابقة، اليورانيوم منذ عُقُود، في حين تواجه النيجر أزمات اقتصادية وإنسانية باستمرار، وأعلن الرئيس محمد بازوم معالجة الوضع الإقتصادي ب”تحرير بعض جوانبه وخصخصة ما تبقّى من القطاع العام”، بدعم من صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي    

يسلّط الانقلاب الأخير، وهو السابع، منذ سنة 1960، الضوء على تدهور الوضع الإقتصادي والإجتماعي في النيجر، وكذلك على تراجع النفوذ الفرنسي والأميركي، في دول “السّاحل الإفريقي” ( الدول الواقعة جنوب الصّحراء الكُبْرى)، حيث أنشأت الولايات المتحدة قاعدة عسكرية هامة لحلف شمال الأطلسي، وقاعدة طائرات آلية أمريكية، ولذلك سارعت الولايات المتحدة وفرنسا إلى إدانة الإنقلاب على الرئيس الذي دعم مليشيات “الدّعم السّريع” في السّودان، ومَتَّنَ علاقات بلاده مع الإمبرياليتَيْن الأمريكية والفرنسية اللتَيْن تنهبان موارد البلاد التي تُعَدُّ واحدةً من أفقر دول العالم، وفق مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، ويعيش قرابة 43% من سكانها في حالةَ الفقر المُدقع، وفق البيانات الرسمية لحكومة النيجر، وتتخوف فرنسا والولايات المتحدة من تَوَجُّه قادة الإنقلاب نحو روسيا والصين، لتصبح ثالث دولة ينحسر بها نفوذ الإمبريالية الفرنسية في غربي أفريقيا، بعد خسارة مالي وبوركينا فاسو، ما قد يجعلها تخسر رابع منتج عالمي لليورانيوم، إذ يُغطي يورانيوم النيجر 35% من الاحتياجات الفرنسية من هذه المادة، ويُمَكِّنُ محطاتها النووية من توليد 70% من الكهرباء المستخدمة في فرنسا التي لها قواعد عسكرية (بها رسميا 1500 جندي)، وفق موقع صحيفة “فاينانشيال تايمز” (27 تموز/يوليو 2023) التي تتوقع زيادة النُّفُوذ الرّوسي في إفريقيا الغربية، وفي إحدى عشر دولة إفريقية…

 

باكستان

تعيش باكستان – التي تأسّست على أُسُس دينية، سنة 1947 – إحدى أسوأ أزماتها الإقتصادية، أعلن وزير مالية باكستان، يوم 27 تموز/يوليو 2023، اقتراض حكومته مبلغ 2,4 مليار دولارا من الصّين، لفترة سنَتَيْن، والقسط الأول بقيمة 1,2 مليار دولارا، كدفعة أولى من قرض صندوق النقد الدّولي بقيمة ثلاثة مليارات دولارا، وفي واقع الأمر، لم تحصل باكستان على 2,4 مليار دولارا من الصين، وإنما تم التّمديد لمدّة عامَيْن إضافِيَّيْن في أجَلِ الأقساط التي حل أجل سدادها من قِبَل حكومة باكستان التي تعاني من شُحّ احتياطيات النقد الأجنبي التي لا تكفي  لتسديد فاتورة الاستيراد لمدة شهرين، وتم تأجيل تسديد أصل الدّيْن، على أن يتم تسديد قيمة الفائدة، وأعلن رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف (الذي تدعمه الولايات المتحدة وحلفاؤها، منذ انقلابه الدّستوري على “عمران خان” في نيسان/ابريل 2022)، يوم الأربعاء 26 تموز/يوليو 2023 “لم تَعُدْ باكستان تواجه مخاطر التخلف عن السداد”، غير أن التباطؤ الاقتصادي لا يزال سائدًا. 

تعد الصين من الدّائنين الرئيسيين لباكستان، وعملت على تجنيب باكستان التّخلّف عن سداد الدّيون، فأقرضتها خمسة مليارات دولارا، خلال النصف الأول من سنة 2023، لأن باكستان تُمثل محطة هامة من خطة “الحزام والطريق”، وهو الْمَمَرّ الإقتصادي والتجاري بين الصين وأوروبا، عبر مناطق عديدة من آسيا ومنها باكستان التي أنشأت بها الصين العديد من المشاريع الضخمة منها بناء الطرقات وتأهيل الموانئ البحرية ومحطات الطاقة وتأهيل قطاع الزراعة، ضمن ما تعتبره الصين “مشروع شراكة وتعاون استراتيجي”، لتصبح الصين أكبر شريك تجاري لباكستان، خصوصًا بعد انضمام باكستان إلى مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ، من أجل تحسين الطرقات والسكك الحديدية والممرات البحرية بين الصين وسائر دول العالم.

يحتل اقتصاد باكستان المرتبة الثالثة والأربعين، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي حوالي 280 مليار دولار، فيما يعيش يعيش 21% من السكان تحت خط الفقر، وبلغ عدد العاملين نحو ستين مليون شخصًا، يعمل 43% منهم في قطاع الزراعة الذي يُساهم بنحو 25% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، و 13,5% في قطاع الصناعة (المنسوجات والملابس والجلد وتجهيز الأغذية والمستحضرات الصيدلانية ومواد البناء وتركيب السيارات )، لكن الإقتصاد غير النظامي يشكل حوالي 40% من النشاط الاقتصادي بالبلاد الذي يعتمد كثيرًا على قطاع الخدمات، وتُصدّر البلاد الأرز والقطن والملابس إلى الولايات المتحدة والصين وأفغانستان وألمانيا وبريطانيا، فيما تستورد النفط وزيت النخيل والمعادن (الحديد والفحم…) من الصين والإمارات ( وهي عملية إعادة تصدير سلع يتم تخزينها في ميناء دُبَي، إضافة إلى النّفط) والكويت والسعودية والهند، ويحقق اقتصاد باكستان نموًا بطيئًا منذ عدة سنوات، وعجزا تجاريا مستمرا، وتضمنت شروط قَرْض صندوق النّقد الدّولي خصخصة عدد كبير من الصناعات، بذريعة “تقليص عجز الموازنة واجتذاب الإستثمارات الأجنبية، وتحسين البنية التحتية وتأهيل مؤسسات القطاع العام التي تتميز بعدم الكفاءة وبانخفاض الأرباح”، بسبب إهمال الدّولة التي تتخذ من هذه السلبيات تعلة للخصخصة.

قَدَّرَ البنك العالمي معدل الفقر في باكستان بنسبة 37,2% (3,65 دولار للفرد في اليوم)، قبل فيضانات أيلول/ 2022 التي سبّبَتْ خسائر بقيمة 30 مليار دولار، ولا يزال ( تموز/يوليو 2023) وعلاوة على ذلك فإن الوعود التي قُطعت لباكستان في الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر المناخ “كوب 27”  لم تتحقق بعد.

اجتاحت الفيضانات المفاجئة، الناتجة عن تغير المناخ الناجم عن الأمطار الموسمية الاستثنائية، في أيلول/سبتمبر 2022، أكثر من ثلث أراضي باكستان وجرفت أكثر من مليون هكتار من المحاصيل والبساتين، ومات ما لا يقل عن أَلْفَيْ شخص وتضرر مليون مبنى سكني كليًا أو جزئيًا، مما أدى إلى تشريد أكثر من 50 مليون شخص، لا يزال أكثر من أربعة ملايين منهم يقيمون في مخيمات على جانب الطريق، ونفق أكثر من ثمانمائة ألف رأس من الماشية …

على مدار العشرين عامًا الماضية، تم تصنيف باكستان باستمرار بين الدول العشر الأكثر ضعفاً في العالم في مؤشر مخاطر المناخ العالمي، ليكون شعب باكستان ضحية أزمة عالمية لم يساهم فيها، بل سبّبَتْها الانبعاثات المفرطة للدول الغنية والشركات الملوِّثة، ولما طلبت حكومة باكستان قروضًا لإصلاح أضرار الفيضانات ولسداد الفوائد على الديون السابقة، حيث تواجه البلاد انخفاضًا حادًا في احتياطيات النقد الأجنبي بسبب ارتفاع أسعار السلع العالمية وارتفاع الدولار الأمريكي، كانت باكستان مدينة، فيما ارتفعت تكاليف الكهرباء والغذاء في الأسواق العالمية، وسيتعين على باكستان دفع ما مجموعه حوالي 38 مليار دولار لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمؤسسات المالية الأخرى، بما في ذلك مصرف الدولة الصيني، قبل نهاية سنة 2023.

لن يُؤَدِّيَ تراكم الديون الإضافية لبلد يعاني أزمة مالية إلا إلى كارثة أخرى، لأن ارتفاع مستوى المديونية في باكستان يجعل البلاد أكثر عرضة للصدمات الاقتصادية وفي موقف ضعيف أمام المقرضين الخارجيين الأقوياء، فالديون مشروطة بانخفاض الاستثمار في التعليم أو الرعاية الصحية أو البنية التحتية، ولو علقت المؤسسات الدولية تحصيل الديون، لن تحتاج باكستان إلى قروض جديدة، ويمكن استخدام الأموال الخارجة من باكستان لإعادة توطين ملايين النازحين، بدل سداد الدائنين الدوليين، لأن البلاد تحتاج أربع سنوات على الأقل لإعادة بناء الإقتصاد، وإعادة توطين ملايين النازحين وإصلاح الأضرار الناجمة عن الفيضانات والأمطار الغزيرة.

في 12 تموز/يوليو 2023، وافق مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على إقْراض باكستان بقيمة 3 مليارات دولار، بهدف تجنب التخلف عن السداد، لكن الشروط القاسية التي يفرضها صندوق النقد الدولي سوف تزيد من معاناة السكان، وأدى تنفيذ شروط قرض صندوق النقد الدولي إلى زيادة أسعار الفائدة بنسبة 21% وارتفاع غير مسبوق في الأسعار وارتفعت أسعار الكهرباء والغاز خلال يوم الموافقة على القرض من قبل صندوق النقد الدولي، وألْغت الدّولة العديد من الإعانات التي كانت تهدف مساعدة الفُقراء، وفرضت ضرائب جديدة، وهي إجراءات تؤثر  بشكل رئيسي على ذوي الدّخل المحدود والمتوسّط، لأنهم هم الذين يتحملون العبء الضريبي الأكبر، رغم إقرار ضريبة جديدة بنسبة 10% على الأفراد الأثرياء والشركات الرابحة منذ أيار/مايو 2022، لكن لا توجد حاليًا آلية فعالة لتحصيل الضرائب من هذه الثروات الكبيرة.

دفعت باكستان 12 مليار دولارًا بعنوان خدمة الدين الخارجي في السنة المالية 2022-23، قبل الحصول على قرض بثلاثة مليارات دولارا، موجهة لتأمين الحد الأدنى من الاحتياطي النقدي،  ولم تستثمر الصين، وهي مستثمر رئيسي بالبلاد، سوى 25 مليار دولار  في شكل قُرُوض، من أصل 60 مليار دولار تعهدت بها، وأعرب المُشرفون على صندوق النقد الدولي عن قلقهم من احتمال استخدام حكومة باكستان قروض صندوق النقد الدولي لسداد ديون الصين، كما تلقت باكستان قرضًا بقيمة مليَارَيْ دولار من السعودية وقرضًا بقيمة مليار دولار من الإمارات، وقد خففت هذه القروض بشكل مؤقت من مخاطر التخلف عن السداد بالنسبة لباكستان.

 

عن ديون بلدان “المُحِيط” (أو “الجنوب”)

انعقدت بباريس يومي 22 و23 حزيران/يونيو 2023 قمة بعنوان “من أجل ميثاق مالي عالمي جديد”، وهو عنوان فضفاض ولم يُسفِر اللقاء عن أي نتيجة إيجابية ولا أي دراسة جِدّيّة بشأن “السّعْي لتعزيز التعاون بين الدول في مواجهة تغير المناخ والأزمات العالمية، وأزمة الديون، والتمويل المبتكر، والضرائب الدولية…” كما ادّعت الوثيقة الإشهارية، وتتمثل حقيقة اللقاء في كونه اجتماع لنادي باريس ( 22 بلد منها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة وبريطانيا، والبرازيلن فضلا عن صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وأهم الدّائنين للبلدان الإفريقية، من القطاع الخاص) مع بعض حُكّام إفريقيا لتحذيرهم من التخلف عن السداد بعد ارتفاع حجم الدّيُون و”خدماتها” (فوائدها)، وبعد المشاكل التي اعترضت بلدانًا مثل سريلانكا وباكستان والحبشة وزامبيا وغانا ولبنان وتونس، و45 بلدًا آخر مثقلة بالدّيون وقد تتخلّف عن السّداد، وفق دراسة نَشَرَها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في شباط/فبراير2022، أشارت أن ما لا يقل عن 26 دولة تنفق حوالي 20% من ميزانيتها لسداد الفائدة، فضلاً عن أَصْل الدّيْن، وارتفعت دُيُون بعض هذه البلدان بفعل الحظْر الأمريكي، مثل فنزويلا التي احتجزت الولايات المتحدة وحُلفاؤها أُصُول فنزويلا في الخارج، ومنعتها من تصدير النّفط ومن توريد الغذاء، أو السّودان وإريتريا ولبنان والرأس الأخضر وسورينام وجزر المالديف، وفاقت دُيُون جميع هذه البلدان حجم الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي التي تُظْهِرُ ارتفاع مديونية البلدان “النامية” بأكثر من الضعف، خلال الفترة من 2012 إلى 2021، لتصل إلى تسعة آلاف مليار دولار (تسعة تريليونات دولارا) سنة 2021، وارتفعت ديون الأرجنتين وباكستان وأنغولا وأوكرانيا وإكوادور، خلال سنة 2021،  وفقاً للتقرير السنوي للبنك العالمي عن الديون – كانون الأول/ديسمبر 2022، وتجدر الإشارة إلى تقويم معظم الدّيون بالدّولار (وأحيانًا باليورو أو الين) ويشترط صندوق النّقد الدّولي الحَدّ من الإنفاق الحكومي، وخصخصة القطاع العام، وإلغاء دعم الأسعار والخدمات الأساسية، وتخفيض قيمة عملة الدّول المُقْتَرِضَة، مقابل الدولار، ما يُؤدّي إلى ارتفاع سعر الواردات وخصوصًا الطاقة والأسمدة والأغذية والأدوية، ما يُؤدّي إلى شُحّ أو نفاذ احتياطيات العُملات الأجنبية…

اشترت الصناديق الإنتهازية ( أو الكواسر) ديون البلدان الأكثر فقرًا، لما كانت مُهَدّدة بالتخلف عن السداد، ويبيع الدّئنون ما تبقى من الدّيون لأنهم حصلوا على أضعاف قيمتها من الفائدة وخدمة الدّيْن، وبذلك أصبح القطاع الخاص من مصارف وصناديق ائتمان أو استثمار يُطالب الدّول الفقيرة بتسديد الدّيون ويُقدّم قضايا لدى محاكم الولايات المتحدة لكي يحصل على قرار قضائي يناسب مصالحه، وكلما تأخر البلد المُدان زادت خدمة الدّيْن والغرامات، ولذلك فضّلت العديد من الدّول الإفريقية الإقتراض من الصّين، ومهما كانت الجهة الدّائنة، فإن الدّيون تُؤَدِّي إلى إلغاء أو تأجيل مشاريع التنمية لأن الدّائنين يشترطون عدم الإستثمار في مشاريع زراعية أو صناعية أو أي مشاريع منتجة، بل يشترطون استخدام القُروض لتسديد دُيُون سابقة ولسدّ عجز الميزانية، وبذلك يرتفع حجم الدّيون كل سنة ويدخل البلد المُقْتَرِض في دوامة لا يمكن الخروج منها سوى بإلغاء الدّيون وتوجيه قيمتها إلى مشاريع مُنْتِجَة…

 

روسيا/إفريقيا

انعقدت قمة  “روسيا – إفريقيا 2023” من 27 تموز/يوليو 2023، إلى 29 تموز/يوليو 2023، بمشاركة رؤساء وفود 34 دولة إفريقية في سان بطرسبرغ  وكانت أبرز عناوين هذه القمة الثانية “تعزيز الحوار بين دول إفريقيا وروسيا”، وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة 28 تموز/يوليو 2023، خلال الجلسة العامة للقمة، زيادة إمدادات الحبوب إلى إفريقيا وتوفير ما بين 25 ألف و 50 ألف طنا من الحبوب مجانًا، في إطار برنامج الأمم المتحدة إلى ست دول إفريقية: زيمبابوي ومالي وبوركينا فاسو والصومال وإريتريا وجمهورية إفريقيا الوسطى، وشطب ديون بقيمة 23 مليار دولار على دول القارة، كما أعلن دراسة زيادة التبادل التجاري وتنويعه والتعامل بالعملات الوطنية، ودعم قطاع الرعاية الصحية وبناء “شراكة استراتيجية متبادلة المنفعة”، في إطار السّعي نحو “عالم متعدد الأقطاب…”، وأعلن إن الأزمات السياسية والإجتماعية والنزاعات القومية والإثنية هي إرث النظام الاستعماري الذي يمارس سياسة “فَرِّقْ تَسُدْ“.

كان عدم استئناف ربط المصرف الزراعي الحكومي الرُّوسي بشبكة (سويفت) الدّولية للتحويلات المالية أحد أهم أسباب انسحاب روسيا من اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر مؤانئ البحر الأسود، وأعدّت الحكومة الرُّوسِيّة مشروع مرسوم يهدف تمكين زبائن روسيا من فتح حسابات خاصة بالروبل لِمُشْتَرِي الصادرات الزراعية  الروسية، بدلا من الدّفع بالدولار، ما يُمكّن من الالتفاف حول العقوبات الأمريكية والأوروبية، وما يمكّن الدّول الصديقة من الوصول إلى الإنتاج الغذائي الروسي بأسعار مُنْخَفِضَة، وكذلك لحماية المُصَدِّرِين الرُّوس والدول “الصديقة” من ضغط العقوبات…

 

بزنس الرياضة

سَمَحت اللجنة الأولمبية الدّولية (وجميع أعضائها من الرجال) للنساء بالمشاركة في بعض الرياضات، خلال دورة باريس سنة 1900، ولكن لا يزال الرجال يُسَيْطرون على سلطة القرار ولم تبلغ نسبة تمثيل النساء 20% وهو الحدّ الأدنى الذي أقرّته اللجنة نفسها، ورغم ارتفاع مُشاركة النساء في مجمل الرياضات الفردية والجَمْعِيّة، لا يزال الدّعم والتّمويل ضعيفًا، وكذلك التغطية الإعلامية…

توقع تقرير نشرته رابطة كرة القدم الإنغليزية أن “تبلغ قيمة كرة القدم النسائية في إنغلترا مليار جنيه استرليني سنويا”، خلال سنوات قليلة، ونشرت إحدى الشركات المُستثمرة في سباق الدّرّاجات دراسة عن “آفاق الإستثمار في الرياضات النسائية”، واشترك التقريران في تطور الرياضة النسائية بسرعة، ولا تزال التغطية الإعلامية للأنشطة الرياضية النسائية والإستثمارات محدودة، رغم الفرص الربحية التي تحاول استغلالها شركات قليلة، قد تحتكر الرياضة النسائية التي تُقَدّر أرباحها حاليا بنسبة تتراوح بين 5% و 6,5%  ويتوقع أن ترتفع خلال فترة تتراوح بين ثلاثة وخمسة سنوات إلى أكثر من 15% وأصدرت “شركة الخدمات المهنية العالمية” دراسة استقصائية تؤكد “إن سوق الرياضة النسائية واعدة للمستثمرين ولشركات الرعاية وللشركاء التجاريين… وسوف تحقق مزيدا من العوائد والإيرادات، خلال سنوات قليلة…”

بلغت القيمة العالمية لرعاية الألعاب الرياضية نحو 55 مليار دولار سنويا، ولا تُمثل رعاية الرياضة النسائية سوى جزءا صغيرا لا يتجاوز 20% منها، غير أن النوادي الكبرى زادت من استثماراتها في الرياضة النسائية بجميع فروعها وزادت معها الجوائز المالية المخصصة للألعاب الرياضية للسيدات، ما اجتذب اهتمام بعض القطاعات الرأسمالية مثل العلامات التجارية لملابس النّساء وللزينة وغيرها من المؤسسات التي اهتمت بالإعلانات ورعاية الرياضة النسائية…

 

بريطانيا

توقف آلاف الأطباء المتخصصين عن العمل، يوم الخميس 20 تموز/يوليو 2023، لأول مرة منذ عشر سنوات، ما أدى إلى توقف العمل بجميع المستشفيات، وتوقفت كذلك محطات القطارات بسبب إضراب جديد للسائقين، فضلا عن إضرابات قطاعات النقل الأخرى والتعليم والبريد، ضمن أزمة خطيرة سببها ارتفاع الأسعار وإيجار المسكن، ورتفاع كلفة المعيشة مع انخفاض قيمة الرواتب، ويطالب الموظفون بزيادات في الرواتب لمواجهة التضخم الذي بلغت  نسبته 7,9% بنهاية حزيران/يونيو 2023، وسبق أن أضرابت الممرضات وطواقم الإسعاف و”الأطباء المبتدئين”، قبل الأطباء الإختصاصيين والأكثر خبرة، لمدة 48 ساعة، وانضم إليهم أطباء الأسنان بالمستشفيات الإنغليزية التي تضررت جراء سنوات التّقشّف ونسف القطاع العام جراء خفض الإنفاق الحكومي إلى أن أصبح الحصول على الرعاية اكثر تعيقداً، حيث يتعَيّن على الأطفال انتظار 18 شهراً لتلقي علاج للأسنان، وفقاً لتحقيق نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) يوم الأربعاء 19 تموز/يوليو 2023، وسبق أن أضرب الأطباء الشّبّان لفترة خمسة أيام، ما أدّى إلى تأجيل مائة ألف مواعد، ما يزيد من عدد المواعيد المُتأخرة إلى ستمائة ألف موعد طبي خلال ثمانية أشهر من الإضرابات والإحتجاجات في قطاع الرعاية الصحية العمومية، وفق وكالة التأمين الصحي والخدمات الطبية ( NHS ) ورفضت نقابة الأطباء اقتراح الحكومة زيادة بنسبة 6% لهذا العام ( 2023) لرواتب الأطباء المتخصصين، بسبب انخفاض القيمة الحقيقية للرواتب وارتفاع نسبة التضخم وهي الأعلى في مجموعة السّبع، أما المُعلمون فقد علّقوا إضرابهم وقبلت نقابتهم زيادة رواتبهم بنسبة 6,5%

شملت هذه الموجة من الإضرابات سائقي القطارات الذين بدأوا احتجاجاتهم قبل سنة، ونفّذوا إضراباً جديدا عن العمل أيام 17 و 22 و 29   تموز/يوليو 2023، مع بدء العطلة المدرسية، فكانت خدمات السكك الحديدية محدودة جدًّا أو معدومة، وتسبّب تدني الرواتب وارتفاع نسبة التضخم وسوء ظروف العمل في إطلاق هذه الإضرابات في قطاعات عدة خلال الأشهر الأخيرة، بمشاركة عمال النقل بأنواعه وعمال البريد والرعاية الصحية والتعليم… 

بلجيكا

تم إلغاء 96 رحلة بمطار مدينة “شارلوروا” ببلجيكا، يومي السبت 29 والأحد 30 تموز/يوليو 2023، نتيجة إضراب طياري شركة “راين آير” الإيرلندية عن العمل، احتجاجا على سوء ظروف العمل، وعدم احترام الإتفاقية المشتركة ( عقد العمل الجماعي) ما يؤثر على 17 ألف مسافر يستخدمون مطار شارلوروا، أي نحو 28% من الركاب الذين كان المطار يتوقع وصولهم ومغادرتهم لهذين اليومين، حسب بيان إدارة المطار الذي نقلته وكالة الصحافة الفرنسية ( فرنس برس أ. ف. ب. 29/07/2023)، وكانت إدارة شركة “راين إير” قد اتفقت مع نقابة الطّيّارين سنة 2020، أثناء انتشار وباء كوفيد-19، على منحهم عددًا معينًا من أيام الإجازة مقابل التخفيضات التي طالت أجورهم آنذاك، كما اتهمت نقابات الطيارين الشركة بعدم احترام القانون البلجيكي وبتحقيق أرباح بفضل “الإغراق الاجتماعي” الذي يخلق منافسة غير عادلة مع الشركات الأخرى.

 

اقتصاد- من مؤشرات تغيير موازين القوى، ولو بِبُطْءٍ

لمّا بدأ الإحتياطي الإتحادي (المصرف المركزي الأمريكي) رفع أسعار الفائدة، بذريعة خفض نسبة التضخم، ارتفع سعر الدّولار مُقابل العُملات الأخرى إلى أعلى مستوى خلال عقدين في أيلول/سبتمبر 2022، لكنه بدأ الإنخفاض بفعل انهيار ثلاثة مصارف وبفعل المخاوف من الرّكُود الإقتصادي، بالإضافة إلى عدم حصول وفاق بين نواب الكونغرس بشأن الإنفاق ومستوى سقف الدَّيْن الأمريكي، وانخفض الدّولار (وكذلك أسعار الأسهم والذّهب)، خلال الأسبوع الأخير من تموز/يوليو 2023، إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من 12 شهرًا، مقارنة بسلة من العملات هي الجنيه الاسترليني واليورو والفرنك السويسري والين الياباني والدولار الكندي والكرونا السويدية، ولا يُحْتَمَلُ أن يرفع  الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة مُجدّدًا، وفق توقُّعات شركات التكنولوجيا التي تضررت (قليلاً) من ارتفاع سعر الدّولار، لأن هذه الشركات (“مايكروسوفت” و”أبل” و”سيلزفورس” وغيرها ) تُحَقِّقُ نسبة هامة من أرباحها من تصدير إنتاجها إلى الخارج، مُقَوّمًا بالدّولار، وعَوّضت هذه الشركات مضار ارتفاع الدّولار بأرباحها من ارتفاع قيمة أسْهُمها…

في الأثناء، ارتفعت حصة العُمْلَة الصّينِيّة (يُوَانْ) من مدفوعات المعاملات الخارجية، كخطوة نحو توسيع استخدام العملة الصينية على مستوى العالم، بدْءًا من معاملات الصين مع الخارج، حيث تجاوز حجم المدفوعات بالعملة الصينية في آذار/مارس 2023، الدولار الأميركي للمرة الأولى، ليصبح اليُوان العملة المهيمنة في مدفوعات الصين عبر الحدود، وفقاً لإدارة النقد الأجنبي الصينية، وزادت حصته في السوق العالمية خلال عشر سنوات، من 1,1% بنهاية سنة 2013 إلى 2,5% في أيار/مايو 2023، وهي نسبة صغيرة، لكن الزيادة مُستمرة، ولو بِبُطْءٍ، حيث لا يزال الدّولار مُهيْمِنًا، ومثل 43% من المدفوعات الدّولية، خلال أيار/مايو 2023، واليورو 32% والجنيه الإسترليني 7% واليِنْ الياباني 3,2% ، وفقاً لشبكة المدفوعات المالية العالمية “سويفت” (SWIFT)، وأشار تحليل لمصرف “غولدمان ساكس” إلى ارتفاع حصة العملة الصينية عبر الحدود في استثمارات الأسهم والسندات، وبلغت 21 تريليون يوان، أو ما يعادل 2,9 تريليون دولارا، وإلى ارتفاع حجم التجارة الدّولية باليُوان، مع روسيا والسعودية وإيران والبرازيل والأرجنتين والعديد من الدّول الأخرى، ما يُخفّض من حصة الدّولار الأمريكي ويزيد من حصة اليُوَان  

في الوقت نفسه تتوافر مجموعة واسعة من الأصول المقومة بالرنمينبي في هونغ كونغ، المركز الخارجي للرنمينبي، للمستثمرين العالميين، وتشمل هذه السندات وصناديق الاستثمار والمنتجات المرتبطة بالسلع وصناديق الاستثمار المتداولة وصناديق الاستثمار العقاري والأسهم ومنتجات التأمين.

يعود الفَضْل في تَدْويل وسيادة عُملة الدّول الرأسمالية المتطورة (مثل الدولار الأميركي والجنيه الإسترليني واليورو والين الياباني ) إلى التداول الواسع للعملة في الأسواق الدولية، وهو ما جعل الدّولار الأمريكي يمثل أكثر من 25% من التمويل العالمي، كما شكلت القروض والودائع الخارجية المقومة باليورو نحو 20% من إجمالي القروض والودائع باليورو وبلغت قروض وودائع اليوان الخارجية نحو 0,5% فقط من إجمالي القروض والودائع، لأن تداول اليوان لا يزال محدُودًا بين دول أخرى، غير الصين، ولا تزال الاحتياطات المقومة بالرنمينبي ( اليُوَانْ) منخفضة، مقارنة بحصة الصين في الناتج الإجمالي العالمي، أو في تجارة البضائع، أو في الاستثمار الدولي…

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.