في ذكرى إلقاء أول قنبلة نووية أمريكية على المَدَنِيين / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الثلاثاء 8/8/2023 م …




جرائم بدون عقاب

احتفلت الولايات المتحدة بالذّكرى الخامسة والسبعين لإلقاء الطائرات الحربية الأمريكية أول وثاني قنبلة نووية قتلت أكثر من 220 ألف من سُكّان مدينَتَيْ كل من “هيروشيما” و “ناغاساكي” اليابانِيّتَيْن، على عين المكان، فضلاً عن من توفوا فيما بعد من أثَرِ الإصابات، وفضلا عن عدد المُشَوَّهين جراء القنبُلَتَيْن، بين السادس والثامن من آب/أغسطس 1945، واحتفلت الولايات المتحدة بهذه الذّكرى بشريط “هوليودي” بعنوان “أوبنهايمر”، تكريمًا لروبرت أوبنهايمر ( 1904 – 1967 ) مُبْتَكِر القنبلة النووية الذي لم يُبدِ أي أسف أو نَدَم… أما الأديب البريطاني “هارولد بِنْتَر” ( 1930 – 2008)، ابن الطبقة العاملة ونصير القضايا العادلة، ومنها القضية الفلسطينية، فقد أرسل تسجيلاً للكلمة – غير التقليدية أو غير المألوفة في أروقة جائزة نوبل – التي ألقاها بمناسبة فوزه بجائزة نوبل للأداب سنة 2005، ضَمّنها نقدًا لاذعًا للسياسات العُدوانية الأمريكية في أربع قارّات من العالم، ووصفها ب”الوحشية والمُسْتهْتِرة… إن القادة الأمريكيين لا يهتمُّون بالحقيقة، بل يُغالطون المواطنين بترويج الدّعايات الكاذبة… لقد كانت جرائم الولايات المتحدة مُمَنْهَجَة ومستمرة وشريرة وبدون ندم… مارس قادَةُ الولايات المتحدة القوة في جميع أنحاء العالم، بذريعة نَشْر الديمقراطية والخَيْر والسّلام”.

لقد انتهجت الولايات المتحدة سياسات عدوانية ضد أي نظام سياسي لا يناسبها، فأطاحت، “باسم الشعب الأمريكي”، سنة 1954 بحكومة غواتيمالا المنتخبة ديمقراطياً والتي قررت تنفيذ إصلاح زراعي لا يخدم مصالح الشركة الأمريكية العملاقة (United Fruit Company  ) وأسفر الإنقلاب عن مجزرة بقيت عالقة في الذّاكرة الجَمْعية لشعب غواتيمالا، ويقدر عدد ضحايا الديكتاتوريات العسكرية المتعاقبة في غواتيمالا، المدعومة أمريكيا، بأكثر من 200 ألف شخص، خلال ستة عقود، كما دعمت الولايات المتحدة نظام “سوموزا” الدّكتاتوري في نيكاراغوا وأطاحت بحكومة الساندينيستا التي وضعت حدًّا للدّكتاتورية، سنة 1979، ومولت الولايات المتحدة مليشيات اليمين المتطرف في غواتيمالا بعائدات المخدّرات التي أشرفت على تسويقها وكالة الإستخبارات الأمريكية ( سي آي إيه) ولا تزال الولايات المتحدة مستمرة في محاصرة النظام المنبثق عن انتخابات ديمقراطية فازت بها حركة الساندينيين التي عادت إلى الحكم، كما تستمر في حصار كوبا منذ أكثر من ستة عُقُود وفنزويلا منذ عِقْدَيْن…

دعمت الولايات المتحدة ورَعَتْ كل الديكتاتوريات العسكرية اليمينية في العالم، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ونورد بعض الأمثلة: إيران سنة 1953 بعد تأميم النّفط من قِبَلِ حكومة مُحمّد مصدّق، والبرازيل سنة 1964 وإندونيسيا سنة 1965 واليونان سنة 1967 وأوروغواي وباراغواي وهايتي وتركيا والفلبين وغواتيمالا والسلفادور وهندوراس وتشيلي، ودعمت الحركات الإنفصالية في نيجيريا وأنغولا والكونغو والسودان والعراق وسوريا وغيرها والقائمة ليست شاملة، وتسببت هذه الانقلابات في سقوط مئات الآلاف من القتلى والجرحى والاختفاء القَسْرِي واللاجئين والسجناء السياسيين، فالقادة الأمريكيون لا يحترمون حلفائهم أو الأمم المتحدة أو “القانون الدولي” أو ما يسمى بـ “المجتمع الدولي”، بل يستخدمون القوة العسكرية لخدمة الشركات الأمريكية العابرة للقارات، فأصبحت الولايات المتحدة مرادفة للوحشية واللامبالاة وازدراء شعوب العالم واحقار (أو تجاهل) نحو أربعين مليون مواطن أمريكي يعيشون تحت خط الفقر و 2,5 مليون سجين، يُشكلون عمالة رخيصة في السجون، وبذلك تمتلك الولايات المتحدة الرقم القياسي بعدد المساجين فشعبها يمثل نحو 5% من سُكّان العالم، ويُمثل مساجينها نحو 25% من إجمالي سُجَناء العالم، وتنفرد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بالإعتقال الإداري الذي قد يدوم سنوات دون توجيه تهمة واحتضن محتشد غونتنامو ( وفي أماكن أخرى بعضها سِرِّي) مئات الأشخاص المحتجزين من قبل الولايات المتحدة – رائدة “العالم الحر” – دون تهمة، ويدوم الإعتقال أحيانًا أكثر من عشرين عامًا،  دون حضور محامين، ودون تطبيق الإجراءات القانونية الواجبة، أو احترام اتفاقية جنيف.

يعتبر القادةُ الأمريكيون (من الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي، لا فَرْقَ ) أي انتقاد أو نقاش لقراراتهم وممارساتهم “عملاً غير ودي”، ويطبقون مبدأ “من لا يتفق معنا بنسبة 100% فهو بالضرورة ضدنا “.

يمكن وَصْفُ احتلال الصومال وأفغانستان والعراق وسوريا بإرهاب الدّولة الأقوى وممارسات قُطّاع الطّرق واللصوص، والضّرب عرض الحائط والتجاهل المطلق للمفاهيم التي أطْلَقَتْها الدّولة في مرحلة الرأسمالية، من بينها “القانون الدولي”، فالغزو هو عمل “غير شرعي” وفق قانونهم الدّولي الذي يُحَرِّمُ مبدئيًّا استخدام القوة العسكرية، لأن السلطات الأمريكية المتعاقبة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مسؤولة عن موت وتشويه الملايين من الأبرياء، من خلال عدوانات عسكرية متكررة وتعسُّفية، يتم تبريرها بحملة دعائية كاذبة، بتواطؤ من مالكي وسائل الإعلام التي تحاول إقناع الجمهور العريض بضرورة الحروب العدوانية، وفي الواقع فإن الغرض من الحروب والاستفزازات هو تعزيز السيطرة العسكرية والاقتصادية الأمريكية على العالم، إنه تأكيد على القوة العسكرية المُتَسَبِّبَة في موت وتشويه وسجن ملايين الأبرياء.

الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي استخدمت القنبلة النووية مرتين، كما استخدم الجيش والمخابرات الأمريكية (مع الإفلات التام من العقاب) القنابل العنقودية واليورانيوم المنضب وأعمال القتل العديدة والتعذيب، ونشرت الولايات المتحدة البؤس والإهانة والموت في جميع أنحاء العالم، لكن لا يتم إحصاء أو تسجيل أسماء القتلى الفلسطينيين أو العراقيين أو الأفغان أو الكولومبيين وكافة الضّحايا من غير الأمريكيين والأوروبيين والصهاينة، فهم ضحايا طُموح الولايات المتحدة للهيمنة الكاملة على العالم: السيطرة على الأرض والبحر والجو والفضاء وجميع الموارد الموجودة بها.

تمتلك الولايات المتحدة أكثر من عشرة آلاف رأس نووي نشط وعاملي ، وتريد منع كوريا الشمالية وإيران وباكستان من امتلاكها، مع التسامح الزائد عن اللُّزُوم مع الكيان الصّهيوني، وللجيش الأمريكي أكثر من 800 قاعدة عسكرية حول العالم في 135 دولة، تُستَخْدَمُ للسيطرة وللتّجسس ولشن الحُرُوب والعُدوانات

لقد أثبتت الولايات المتحدة أنها لا تتردد في استخدام أسلحة الدمار الشامل، وهي الدّولة الوحيدة التي استخدمت بالفعل أسلحة نووية مرّتَيْن، فضلا عن السُّموم الأخرى مثل القنابل الحارقة (النابالم ) والقنبل العنقودية واليورانيوم المُنضّب، ولا تزال “الفلسفة السياسية” الأمريكية الحالية تتمثّل في الهيمنة على العالم، بدون منازِعٍ، ما يدعونا ( كشُعُوب مُضطَهَدَة وطبقات مُستَغَلَّة) إلى إدانة الأعمال التي يقوم بها الجيش الأمريكي وأجهزة المخابرات مباشرة أو من خلال حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فالولايات المتحدة هي المتسبب الرئيسي في ما يحصل من اضطراب وزعزعة الاستقرار في العالم، وفي استخدام القوة العسكرية لاحتلال البلدان وتدميرها، واستخدام الدّولار ومنظومة التحويلات المالية “سويفت” لخَنْق اقتصاد المنافسين والخصوم، ناهيك عن الأعداء، وتستخدم التكنولوجيا للتجسس على قادة العالم، بمن فيهم “الحُلَفاء”، ولقتل الأبرياء (عبر الطائرات بدون طيار) على بعد آلاف الأميال من الأراضي الأمريكية.

إن السلطات الأمريكية (والطبقات التي تُمثّل مصالحها، كالمُجَمَّع الصناعي العسكري) هي العدو الرئيسي لغالبية الشعب الأمريكي ولشعوب العالم، كما تُمثّل السُّلطة الامريكية الخطر الأكبر الذي يهدد البشرية، ولذا فإن الإمبريالية الأمريكية هي العدو الرئيس والهدف الأول للنضالات، فهي رأس الحربة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.