بعد عام من معركة “وحدة الساحات”… التحوّل من الفكرة إلى الاستراتيجية / حسن لافي

حسن لافي –   الثلاثاء 8/8/2023 م …




في “وحدة الساحات” عملت “إسرائيل” على توجيه ضربة قاسمة لحركة الجهاد الإسلامي، والقضاء على جهازها العسكري، بعد أن حملت الحركة عبء استنهاض المقاومة في الضفة الغربية.

تمرّ الذكرى الأولى لمعركة وحدة الساحات، التي خاضتها سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي ضد “إسرائيل” في 05-08-2022، تلك المعركة التي تمركزت أهدافها الإسرائيلية السياسية في نقطتين رئيستين:

أوّلاً، وأد فكرة الربط بين الساحات الفلسطينية في مهدها، بعد أن تفاجأ الإسرائيلي بما حدث في معركة “سيف القدس” عام 2021، من أن الكلّ الفلسطيني في أماكن وجوده كافة انتفض مقاتلاً دفاعاً عن القدس والمسجد الأقصى والمقدسات المسيحية في المدينة. 

فرغم ما يزيد عن 75 عاماً من الاحتلال ومحاولات طمس الهوية الفلسطينية، شعباً وقضية، وتحويل الشعب الفلسطيني إلى مجموعات سكانية ذات قضايا إنسانية وحياتية مرتبطة بالجغرافيا المعيش بها، وظروفها الخاصة وخصوصيتها بعيداً عن أي مطالب وطنية شاملة تتعلّق بالشعب الفلسطيني ككتلة واحدة، ذي قضية وطنية واحدة، وجدت “إسرائيل” نفسها مجدداً أمام شعب فلسطيني يرفض تقسيمه وتغييبه كشعب واحد يسعى للتحرّر من نير الاحتلال، رغم وجوده في ساحات جغرافية متعددة، ورغم كل الخصوصيات التي تفرضها الجغرافيا الحياتية، إلا أنها لا تطغى على القضايا الوطنية الكبرى وفي مقدّمتها قضية القدس.

ثانياً، توجيه ضربة قاسمة لحركة الجهاد الإسلامي، والقضاء على جهازها العسكري سرايا القدس، بعد أن حملت حركة الجهاد عبء استنهاض المقاومة العسكرية المنظّمة والعلنية في الضفة الغربية، من خلال تأسيسها لكتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، والتي سرعان ما تطوّرت إلى مجموعة من الكتائب المسلحة في أغلب مدن وقرى مناطق شمال الضفة الغربية.

والأهم أن كتيبة جنين أعادت، على مستوى الذهنية والمزاج الوطني الفلسطيني في الضفة الغربية، التأكيد أن لا خيار للتعامل مع الاحتلال إلا من خلال الكفاح المسلّح، وأن كل الأصوات التي نادت بالتعايش مع الاحتلال تحت أي مشروع سياسي، تصطدم بعدم قدرته على فهم طبيعة وحقيقة المشروع الصهيوني، وصراعه مع الفلسطيني على الأرض والتاريخ والحضارة.

هذا التحوّل الاستراتيجي في استعادة الضفة الغربية تموضعها من جديد في سلّم أولويات خارطة التهديد الأمني الإسرائيلي، واكبه حرص سياسي وعسكري من حركة الجهاد الإسلامي، على ربط الضفة الغربية وما يدور بها من أحداث وتغوّلات إسرائيلية على الشعب الفلسطيني هناك، وبين ردود الفعل الصادرة من قطاع غزة، من خلال استراتيجية المشاغلة العسكرية للاحتلال التي تتبنّاها سرايا القدس منذ عام 2018.

لذلك عندما تمّ اعتقال الشيخ بسام السعدي أحد قادة حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، وتمّ الإعلان عن حالة استنفار عسكري من قبل سرايا القدس في قطاع غزة، انتهز الإسرائيلي تلك الفرصة، رغم أن الوساطات كانت قد وصلت إلى مرحلة إنهاء التوتر، ولكن المخطّط الإسرائيلي كان يسعى للقضاء على وحدة الساحات من خلال توجيه ضربة قاسمة لحركة الجهاد الإسلامي، الراعي السياسي الأهم لمشروع وحدة الساحات.

رغم نجاح “إسرائيل” في اغتيال مجموعة مهمة من قادة سرايا القدس الكبار، إلا أن 50 ساعة من القتال، لم تمنح “إسرائيل” صورة النصر التي كانت تبحث عنه، لكن الأخطر والأكثر أهمية على المستوى الاستراتيجي السياسي، أنّ سرايا القدس أطلقت اسم (وحدة الساحات) على المعركة، تأكيداً منها لتمسّكها وإصرارها على السير في مشروع وحدة الساحات، كاستراتيجية وطنية فلسطينية عسكرية وسياسية في مواجهة التقسيم والاستفراد واللعب على المتناقضات الجغرافية من قبل دولة الاحتلال.

ما حدث خلال عام من معركة وحدة الساحات، من تنامٍ لقوة المقاومة الفلسطينية في كامل أرجاء الضفة الغربية، وتزايد قدراتها العسكرية وأساليبها التكتيكية، التي تجلّت في أكثر من محطة، أبرزها (كمين النمر) الذي نفّذه مقاتلو كتيبة جنين ضد الآليات المصفّحة “المدولبة”، والتي كانت أهم الدوافع لشن “الجيش” الإسرائيلي هجومه لاجتياح مخيم جنين، والذي أفشلته معركة بأس جنين ووحدة المقاومة هناك بقيادة كتيبة جنين، ليسطّر مخيم جنين مرة أخرى اسمه في سجل الرمزية القتالية الفلسطينية بعد معركة مخيم جنين عام 2002.

في هذا العام أيضاً، اتحدت الساحات مرة أخرى في دفاعها عن المسجد الأقصى في شهر رمضان، وتم إطلاق الصواريخ من غزة مجدّداً، ولكن أضيف إليها هذه المرة ساحة جنوب لبنان كجبهة قتال جديدة ضمن استراتيجية وحدة الساحات، ورغم اغتيال “إسرائيل” مرة أخرى قادةً كباراً من المجلس العسكري لسرايا القدس في معركة “ثأر الأحرار”، إلا أن نتائج المعركة السياسية والعسكرية أثبتت تأكّل قوة الردع الإسرائيلي ليس تجاه محور المقاومة فحسب، بل أمام تنظيم الجهاد الإسلامي الذي خلال أقلّ من عام خاض معركتين عسكريتين ضد جيش الاحتلال.

في المحصّلة رغم أن مشروع وحدة الساحات المقاوِمة ضد الاحتلال ما زال أمامه الكثير من الخطوات والمراحل للوصول إلى الوحدة الكاملة في معركة تعتبرها “إسرائيل” سيناريو (يوم القيامة)، إلا أن فكرة وحدة الساحات التي انطلقت كشعار من ثم تحوّل إلى عنوان لمعركة مع الاحتلال، باتت استراتيجية عمل ومشروعاً وطنياً فلسطينياً يسير نحو مزيد من الوحدة من خلال المقاومة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.