الأفارقة العراقيون.. تاريخ بعيد وأحلام مؤجّلة / عامر الطيب

عامر الطيب – الثلاثاء 8/8/2023 م …




هل سمعتم بالأفارقة العراقيين؟ من هم؟ كيف يعيشون؟ وأين تكمن معاناتهم؟

يمتازون بطولٍ فارع وشعرٍ مجعّد وبشرة برّاقةٍ، كما لو أنّ الشمس أضافت لها لمعاناً خاصاً، ولهم فرادة في إتقان العمل والمرح والموهبة، وفي المعاناة أيضاً. إنّهم الأفارقة العراقيون.

البداية والأصول

يبدو مصطلح “الأفارقة العراقيون” غريباً بعض الشيء عن التداول العراقي اليومي، إذ اندمج ذوو البشرة السوداء في النسيج المجتمعي، واكتسبوا الهويات القبلية مثل معظم العراقيين، إلّا أنّ ثمّة نظرةً ما تزال باقية تلاحقهم وتشير لهم كـ”عبيد”، ويتم ذلك من خلال الاستدلال عادةً بيتٍ شعريٍ سيئ الصيت للمتنبي، من قصيدة له كتبها في هجاء كافور الاخشيدي، وهو البيت الذي يطلب فيه عدم “شراء العبد إلا والعصا معه”. 

إثنياً، تعود أصول هؤلاء إلى عدة بلدان أفريقية، مثل إثيوبيا وكينيا والصومال وزنجبار والسودان، وتتركّز معظم أعدادهم التي تزيد على المليون ونصف المليون، في البصرة، وهناك تجمعات قليلة منهم في بغداد وواسط، ويتحدّثون اللهجة العراقية ذاتها التي يتحدّثها أهل المنطقة التي يعيشون فيها. والمعروف أنّهم موجودون في العراق منذ القرن الأول الهجري.

وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أنّ القائد عتبة بن غزوان هو أول من جلب الأفارقة إلى البصرة، وقد وفد أغلبهم كمهاجرين يعملون بحّارة أو عمال أو جنود.

يتناول الباحث يوسف كمال، في حديثٍ لـ”الميادين الثقافية”، خصوصية تواجد الأفارقة العراقيين في البصرة، بالقول: “يتواجد أغلبهم في البصرة كونها مرفأ بحرياً، وقد جيء بهم من مواطنهم الأصلية، وتمّ بيعهم في سوق العبيد، أو سوق النخاسة كما كانت تسمى، فاستُخدموا في الأعمال التي لا تحتاج المهارة أو المعرفة في بداية الأمر، ثم استقرّوا وكوّنوا أسراً وانتشروا في المناطق الجنوبية، لكنّهم لم يصلوا إلى مناطق إقليم كردستان خصوصاً، والمناطق الشمالية عموماً، وكانت أغلب زيجاتهم فيما بينهم، وقد أسلم أغلبهم”.

طقوس موسيقية وهموم خاصة

لا يمارسُ الأفارقة طقوساً غريبة، ولا توجد لديهم مناسبات مغايرة تماماً لما لدى بقية العراقيين. فقد اندمجوا اندماجاً تاماً مع المجتمع العراقي ومع طقوسه وعاداته، لكنّهم أضافوا الكثير إلى المخزون الفني للجنوب العراقي برقصاتهم وموسيقاهم. 

وقد حافظوا على موروثهم الفلكلوري الموسيقي بمسمياته الأم الأصلية، مثل معزوفات بيب، والليوة، وجونباسا، والنوبان، وتختلف هذه الأغاني الفلكلورية عن بعضها بحسب اختلاف الآلات الموسيقية المستخدمة فيها.

لكنّ بعضهم يمارسُ طقوساً أسبوعية في بيوت تسمى “المكايد”، وهي معابد تختلف عن المساجد الإسلامية لأنّها تخلط الموسيقى بالطقوس الدينية. ومن أشهر “المكايد” في البصرة مكيد أنيكا، ومكيد أبو ناظم، ومكيد سعيد منصور.

يقول الأستاذ ماجد الخالدي، وهو أحد أعضاء “تجمّع البشرة السوداء” في العراق، في حديث لـ”الميادين الثقافية” إنه: “جاء الأفارقة إلى العراق مهاجرين عبر البحار، ولديهم ثقافات وطقوس منذ زمن طويل وإلى يومنا هذا. تُمارَس الطقوس عبر أماكن مخصصة، وأكثرهم ما زالوا يمتهنون فنون الموسيقى لأسباب اقتصادية غالباً، من قبيل عدم حصولهم على فرص عملٍ في القطاعين الحكومي والخاص”.

ويوضّح الخالدي سبب عدم حصولهم على الوظائف بقوله: “لا يجدون عملاً في القطاع الحكومي بسبب المحاصصة وعدم إشراك هذه الشريحة في إدارة مؤسسات الدولة، فمنذ ولادة الدولة العراقية الحديثة لم يكن هناك وزير أو نائب أو محافظ من ذوي البشرة السوداء، لذا يمكن القول إن نسبة العاطلين من العمل منهم تتجاوز الـ90% تقريباً”.

ويضيف: “أما في القطاع الخاص، فتعاني أكثر الإناث مثلاً من هذا الجانب، وتصل في بعض الأحيان حد قبولهنّ عند التقديم الإلكتروني، ثم الرفض عند المقابلة بسبب لون البشرة فقط، بحجة أنّ الزبائن قد يكون لديهم مشكلة في التعامل معها”.

ثورة الزنج.. صراخ لم يهدأ إلى الآن

تُعتبر ثورة الزنج إحدى أشهر وأعظم الثورات في العصر العباسي، إذ انطلقت من جنوب العراق بقيادة علي بن محمد، بعد أن أشعل فتيلها الزنوج الذين جيء بهم لتجفيف المستنقعات وحفر الأنهر، وامتدّت هذه الثورة لـ14 عاماً قبل أن تنجح الدولة العباسية في إخمادها عبر قتل الآلاف منهم.

وللأفارقة، بالإضافة إلى هذه الثورة، انتفاضتان أخريان، كانت أولها في العام 67 للهجرة، أثناء تولّي مصعب بن الزبير لولاية بلاد الرافدين، أما الثانية فكانت عام 75 للهجرة، أيام الحجاج بن يوسف الثقفي.

ما يزال الأفارقة يعانون التهميش اقتصادياً واجتماعياً حتى الآن. لم تتبدّل ظروفهم إلا تبدّلاً طفيفاً. تحكي سعاد (30 عاماً) التي تقطن في الفلوجة تجربتها لـ”الميادين الثقافية” فتقول: “تمّ إلغاء بطاقة المواد التموينية، مع أننا مولودون في العراق وقد درسنا وتخرجنا في جامعات عراقية، لكننا نعاني من عدم الحصول على الجنسية حتى الآن”.

وتضيف: “أنا ذات أصول صومالية، فقد جاء والداي للعراق في زيارةٍ، واستقرّا هنا منذ العام 1982، وما نزال نتكلّم اللهجة الصومالية، بل إنّ معظم طبخاتنا في البيت هي طبخات صومالية”.

سؤال المصير

ما يزال الأفارقة العراقيون ينتظرون من يمثّلهم في البرلمان، ويتطلّعون للوصول إلى مناصب هامة في الدولة، كأيّ فئة عراقية أخرى. وقد طالب ممثلوهم، وعلى رأسهم رئيس تجمع أبناء البشرة السمراء، عبد الحسين عبد الرزاق، الحكومة العراقية بتنفيذ التوصيات الصادرة في مؤتمر جنيف سنة 2018، فجميع ما ذُكِر في التوصيات من مشاركة ذي البشرة السمراء في القرار السياسي، ورفع المستوى الاقتصادي لهم، وتوفير سكن ملائم وتجريم التمييز ضدهم، لم يُنفَّذ، على الرغم من موافقة الحكومة العراقية عليه والاعتراف بحقوقهم. 

يشير الخالدي، أحد أعضاء التجمع، إلى هذا الأمر بالقول: “نعاني من التمييز السياسي، وعدم اعتراف الحكومة باختيار ممثلين لنا، حسب الاتفاقيات والتوصيات الدولية”.

ويبيّن أنّ “مطلبنا الأهم هو “الكوتا”، حتى يتمّ اختيار ممثلين عنّا، بالأخص في انتخابات مجالس المحافظة القادمة، والمطلوب من الحكومة المركزية هو تنفيذ التوصيات العامة للقضاء على التمييز”.

ويبقى السؤال الأهم: هل ستنتهي مأساة الأفارقة العراقيين، ويتمُّ التعامل معهم وفق أطر المواطنة الشاملة، لا سيّما أنّهم فضّلوا البقاء في العراق رغم كافة المعوّقات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وانصهروا ضمن نسيجه العام؟

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.