للأجيال القادمة لكي لا تنسى … ردود الفعل العربية والعالمية على مجازر صبرا وشاتيلا 1-3 / د. غازي حسين
د.غازي حسين ( فلسطين ) الأربعاء 14/9/2016 م …
ـ العالم حمّل إسرائيل المسؤولية عن المجازر
ـ حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني لا تقابل بتلبية شروط إسرائيل والموافقة على مخططاتها والاعتراف بها والتعايش معها.
في الرابع من حزيران لعام 1982 بدأت مئات الآلاف من القذائف الإسرائيلية تتساقط من الجو والبحر والبر على العاصمة اللبنانية بيروت والعديد من القرى والمدن اللبنانية والمخيمات الفلسطينية. وأخذت قوات مجرم الحرب شارون تشدد الحصار على بيروت الغربية. وقطعت عنها الماء والكهرباء، ومنعت الغذاء والدواء والغاز والوقود.
وكانت الضحايا العرب من النساء والأطفال والرجال تتساقط بالمئات، والمعاناة والآلام تتزايد، والظلم والقهر والعدوان يشتد، ولبنان يستغيث، والمخيمات الفلسطينية تستغيث، ولا من مجيب لا من الدول العربية أو من الأمم المتحدة. فزاد شارون من الإبادة الجماعية ومن الدمار والتدمير وسياسة الأرض المحروقة كي يحقق الأهداف التي من أجلها أشعلت إسرائيل الحرب العدوانية، وهو إضعاف المقاومة الفلسطينية وإخراجها من لبنان، وتشتيت المقاتلين الفلسطينيين في تسعة أقطار بعيدة عن فلسطين، وكسر إرادة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
أرسلت الولايات المتحدة على الفور فيليب حبيب، مبعوث الرئيس الأميركي ريغان لتحقيق الشق السياسي من أهداف الحرب، بينما كان شارون يدمر ويحرق ويبيد لإنجاح المهمة التي جاء من أجلها مبعوث الرئيس الأمريكي ريغان، وهو تنفيذ المخطّط الإسرائيلي بإخراج منظمة التحرير ومقاتليها من لبنان وفرض المخططات الإسرائيلية عليها.
سقطت صور، وصيدا، وجزين، والدامور، والشوف، ومنطقة عالية حتى وصلت القوات الإسرائيلية المعتدية إلى المتن ومنطقة جبيل لتُحكم الحصار على منطقة بيروت الغربية.
بدأت المباحثات والوساطات لتحقيق أهداف السفاح شارون، لإخراج المقاومة الفلسطينية والقوات السورية من بيروت. ووصلت القوات المتعددة الجنسيات الأميركية والإيطالية والفرنسية للإشراف على خروج الفدائيين. وخرجت القوات الفلسطينية والسورية. وفاز بشير الجميل بالرئاسة وانسحبت القوات المتعددة الجنسيات في 13 أيلول 1982م، بعد أن أزالت الحواجز والألغام من المعابر في العاصمة اللبنانية، تمهيداً لدخول القوات الإسرائيلية للعاصمة اللبنانية.
واغتيل الرئيس بشير الجميل بعد ظهر 14 أيلول عام 1982.
واقتحم جيش العدو الإسرائيلي بيروت الغربية بقرار من الإرهابي بيغن وبقيادة السفاح شارون في 15 أيلول وبعد أن رفعت القوات المتعددة الجنسيات الحواجز والمترايس والستائر الترابية والألغام مسجلاً احتلال أول عاصمة عربية من قبل إسرائيل وذلك بعد مضي 14 يوماً على رحيل جميع الفدائيين عنها، ومرور يومين على انسحاب القوات المتعددة الجنسيات من لبنان، والتي انسحبت قبل انتهاء مدتها بأسبوع.
وعلى الفور أحكمت القوات الإسرائيلية الطوق على مخيمي صبرا وشاتيلا، ومنعت الدخول إليهما والخروج منهما، ولم تسمح حتى للصحفيين والمراسلين بدخول المخيمين، وذلك لمدة ثلاثة أيام وهي الفترة التي نفذت فيها إسرائيل مجازر صبرا وشاتيلا. وأقام الجنود الإسرائيليون الحواجز حولهما والتي سمحت لهم بمراقبة مداخل ومخارج المخيمين. وقطع الجيش الإسرائيلي الماء والكهرباء عن بيروت تمهيداً لارتكاب المجازر. ووصل شارون إلى مفرق السفارة الكويتية في التاسعة صباحاً في 16 أيلول ليشرف بنفسه على أكبر مجزرة جماعية حدثت في القرن العشرين. وكان الفدائيون قد تركوا نساءهم وأطفالهم بدون حماية. ورحلوا عن بيروت تنفيذاً للاتفاقات التي وقعتها حكومة الولايات المتحدة الأميركية مع ياسر عرفات.
اتخذ مجرم الحرب شارون قرار غزو لبنان واجتياح العاصمة بيروت وخطط للمجازر واختار الزمان والمكان والأداة العمياء لتنفيذها وهي القوات اللبنانية وبقية المليشيات الانعزالية وأشرف عليها لإنجاحها وإخفاء معالمها.
أمر شارون برفع الحصار وفك الطوق عن المخيمين بعد أن تمت عملية إبادة جميع الأحياء فيهما حتى الحيوانات. وبلغ مجموع الضحايا ستة آلاف من الأطفال والنساء والشيوخ سقطوا جميعهم في مذابح وحشية تقشعر لها الأبدان، وتظهر مدى وحشية وهمجية وبربرية قادة إسرائيل وعملائها من القوات اللبنانية (الكتائب).
وتكشف الوجه القبيح للصهيونية والصهاينة والكيان الصهيوني والسفاح شارون للفاشيين اللبنانيين.
وكان شارون قد سمح للوحوش القتلة من الانعزاليين إدخال الجرافات لتدمير المنازل على من فيها، ولإخفاء ما أمكن من معالم الهولوكوست الإسرائيلي على اللاجئين الفلسطينيين في المخيمين. وأسهمت الجرافات في حفر قبور جماعية احتوت على المئات من الجثث واستوعبت الآلاف من القتلى المدنيين. ودفن العشرات منهم وهم أحياء وسط تعتيم إعلامي شامل فرضته إسرائيل على المجازر والتزمت به فضائيات الخليج.
وأذهلت مجازر شارون البشعة العالم بأسره الذي عبّر عن استنكاره واشمئزازه الشديدين لفظاعتها ووحشيتها، حيث كان مخطط شارون يتضمن إبادة جميع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمين لإجبار بقية اللاجئين على الرحيل من لبنان تماماً كما رحل الفدائيون الفلسطينيون.
ردود الفعل على مجازر صبرا وشاتيلا:
بدأت أنباء المجازر تتسرب منذ الساعات الأولى لارتكابها، حيث كانت النساء والشيوخ والوجهاء يتوجهون إلى الحواجز الإسرائيلية ويخبروهم بما يحدث في المخيمين. وازداد تسرب الأنباء عن فظائعها في اليوم التالي الموافق في 17 أيلول، حيث أجمعت الأنباء حتى ذلك اليوم على أن عدد الضحايا من المدنيين يزيد عن (1400). وكانت إبادتهم تتم بالخناجر والبلطات والسواطير وإطلاق الرصاص والنسف بالقنابل اليدوية وتدمير المنازل بالجرافات على من فيها من اللاجئين الفلسطينيين.
بدأت المجزرة يوم الخميس واستمرت حتى ظهر السبت، أي أكثر من ستين ساعة.
بعث رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية برسالة إلى الرئيس الفرنسي ميتران يتوسل إليه فيها باسم الدماء الفلسطينية البريئة التدخل فوراً لوقف الإبادة الجماعية والمذابح الوحشية التي ذهب ضحيتها حتى ذلك الوقت ما يزيد عن (3500) من المدنيين، ولكن السفاح شارون استمر بتطويق المخيمين وتابع المجرمون من القوات اللبنانية ارتكاب المجازر الوحشية.
وروى شهود عيان مشاهد الرعب وعمليات التعذيب والتنكيل والاغتصاب قبل القتل، والقتل الجماعي وقطع الرؤوس وتفجير الجثث..
وأدخل شارون الجرافات إلى المخيمين للمساعدة في تدمير المنازل على من في داخلها ولإخفاء معالم المجازر الرهيبة، التي أظهرت وحشية وهمجية «إسرائيل» وعملائها من الانعزاليين في لبنان.
وأكد ياسر عرفات في رسالته إلى الرئيس الفرنسي «أن الجيش الإسرائيلي يرتكب جرائم بشعة ضد السكان المدنيين الفلسطينيين داخل وخارج مخيمات اللاجئين في بيروت، وأن العالم أجمع يتحمل مسؤولية الجرائم التي يقترفها الجيش الإسرائيلي بالرغم من كل الوعود والضمانات وانتهاكاً لجميع الاتفاقات المبرمة مع المبعوث الخاص للرئيس الأميركي فيليب حبيب».
وطالبت منظمة التحرير الفلسطينية بطرد إسرائيل من الأمم المتحدة وبسحب قواتها فوراً ودعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة للانعقاد وعودة القوات المتعددة الجنسيات لضمان الانسحاب الإسرائيلي.
واتهمت الولايات المتحدة الأميركية بتقديم غطاء كامل للمجازر التي ارتكبتها إسرائيل في المخيمات الفلسطينية.
وحمّل المجلس الوطني الفلسطيني القوة المتعددة الجنسيات مسؤولية المذابح لأنها انسحبت قبل الموعد المحدد لذلك ولم تلتزم بالضمانات التي تعهدت بها. وألقى المجلس بجانب كبير من المسؤولية على الإدارة الأميركية، لأن المجازر ارتكبت في ظل استمرار التأييد الأميركي لإسرائيل ولسياستها الإجرامية، كما فعلت إسرائيل في الضفة والقطاع بدعم أميركي مطلق من الرئيس بوش الذي برر الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني بالدفاع عن النفس.
وحمّل المواطنون في المخيمات الفلسطينية في بيروت «إسرائيل المسؤولية المباشرة عن المجازر، وجاء في بيان أصدروه أن هذه الجريمة البشعة هي جزء من تاريخ الثلاثي بيغن ـ شامير ـ شارون الإجرامي الدموي ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية.
لقد تحوّلت ليلة 16 أيلول في المخيمين إلى نهار جراء قنابل الضوء الإسرائيلية بالطائرات والمدفعية، واستباحت الكتائب والمليشيات اللبنانية الانعزالية الأخرى المنازل في الشوارع والأزقة، بالبلطات والسواطير والخناجر والأسلحة. وقد أحاط الجيش الإسرائيلي بالمخيمين ومنع الدخول والخروج منهما. وكان ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي يعرفون جيّداً بما يحدث في المخيمين من إبادة جماعية، من قتل للعائلات من الرضع والأطفال والنساء والشيوخ، ومن دفن للجرحى والأحياء، وأرسل بعضهم تقارير إلى شارون ورفائيل إيتان ولكنها أخفيت، لأنهما خططا وأشرفا وجلبا العصابات اللبنانية الإرهابية والفاشية، وقدما لها الأسلحة والسيارات والبلدوزرات لتنفيذها وإخفاء معالمها».
أكد رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الرد على جرائم بيغن وشارون في الوقت المناسب وقال إن دماء شهداء المذابح لن تضيع هدراً. واتهم الولايات المتحدة بعدم الالتزام بالضمانات التي أعطتها لحماية المدنيين في بيروت وقال إن شرف أميركا الآن ملطخ بالوحل.
اتهمت إسرائيل في البداية قوات العميل سعد حداد بارتكاب المجازر. فقام العميل سعد حداد ونفى نفياً قاطعاً الاتهام، فاتهمت إسرائيل حزب الكتائب وزعمت كعادتها وعادة اليهود في الكذب أنها حاولت بالقوة وقف العناصر المتطرفة من الكتائب واضطرت في بعض الحالات فتح النار لمنع استمرار الجريمة والدمار.
وأبرق النائب العمالي في الكنيست الإسرائيلي يوسي ساريد إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي السفاح مناحيم بيغن قائلاً:
«إنه كان على الجيش الإسرائيلي الحؤول دون عمليات القتل وإن المسؤولية الرهيبة عن إراقة الدماء ستلقى على إسرائيل».
وطالب حزب المابام باستقالة حكومة بيغن ووزير حربه شارون ورئيس الأركان إيتان. وطالبت حركة «السلام الآن» باستقالة الحكومة الإسرائيلية.
وأصدرت الحكومة الإسرائيلية بياناً رفضت فيه الاتهامات الموجهة إليها وتحملها مسؤولية ارتكاب المجازر لأنها اجتاحت بيروت الغربية.
ونفى الإرهابي روفائيل إيتان، رئيس الأركان الإسرائيلي مسؤولية قواته عن المذبحة وقال: «عندما أخذ الجيش الإسرائيلي علماً بهذه المأساة تدخل على الفور. ونحن لا نأمر الكتائب، ولسنا مسؤولين عنهم، فالكتائب لبنانيون، ولبنان هو لهم، وهم يتصرفون كما يرون».
وطالب حزب العمل الإسرائيلي بيغن وشارون بتقديم استقالتهما لأنهما يتحملان مسؤولية وزارية عن أمرين: الأول هو دخول بيروت، والثاني لأنهما سمحا للكتائب بدخول المخيمات للبحث عن الإرهابيين.
وطلب عضو الكنيست مردخاي ديتشوفسكي من بيغن إقالة وزير حربه شارون من منصبه بسبب مسؤوليته الوزارية عن الوضع في بيروت الغربية.
واستقال الجنرال عمران ميتزنا، قائد مدرسة الدراسات العليا في إسرائيل من منصبه وطلب إعطاءه إجازة بسبب المجزرة وبعدما فقد الثقة بوزير الحرب شارون.
وشهدت إسرائيل أضخم تظاهرة في تاريخها ضمت حوالي (400) ألف شخص احتجاجاً على مجازر صبرا وشاتيلا. وطالب المتظاهرون بانسحاب القوات الإسرائيلية من بيروت فوراً وحملوا لافتة تشكل رسماً كاريكاتورياً لشارون في زي عيدي أمين.
وأخيراً وافقت الحكومة الإسرائيلية في (27) أيلول على تشكيل لجنة قضائية كاملة الصلاحية للتحقيق في مجازر صبرا وشاتيلا. وطلب مناحيم بيغن رسمياً في (29) أيلول من رئيس المحكمة العليا اسحق كاهان تشكيل لجنة التحقيق.
وأشار التقرير فيما بعد أن وزير الحرب شارون كان بإمكانه أن يحول دون وقوع المجازر.
وأكد مسؤوليته ومسؤولية الجنرال ساغي رئيس الاستخبارات العسكرية والجنرال يارون قائد القوات الإسرائيلية في بيروت عن مجازر صبرا وشاتيلا أبشع وأوحش مجازر جماعية حدثت في القرن العشرين.
التعليقات مغلقة.