تلوث مياه البحر الأبيض المتوسط / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الأربعاء 9/8/2023 م …

 يُعْتَبَرُ فَصْلُ الصّيْف مرادفًا للشواطئ والبحر وللخُضار الطّازجة، بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في المناطق الساحلية، لكن قضية تلوث المياه الساحلية أصبحت ظاهرة للعيان، وتثير مخاوف مشروعة، وتشير التقديرات إلى أن مصانع العالم تُنْتِجُ أكثر من 220 مليون طن من البلاستيك ( معظمها من نفايات النّفط) كل عام وأن النفايات البلاستيكية (الكبيرة والمتناهية الصغر والنانو) من المُلَوّثات التي تتسبب في وفاة أكثر من مليون طائر بحري وأكثر من 100 ألف من الثدييات البحرية كل عام…




يشير مصطلح “الأجسام المُلَوِّثَة” إلى أي مُرَكَّب كيميائي له آثار ضارة معروفة أو مشتبه بها على البيئة وعلى صحة الإنسان، ولا يتم رصده أو تنظيمه دائمًا وبشكل روتيني في البيئة من قبل السلطات العامة، ولئن تم تحديد خطورة بعض هذه الملوثات بوضوح، فإن المعلومات والبحوث غير مكتملة للعديد من الملوثات الأخرى، فقد تم إحصاء أكثر من 100 ألف مادة كيميائية مُلَوِّثَة في البحر الأبيض المتوسط، وأهمها: المنتجات الصيدلانية (المضادات الحيوية والهرمونات) ومنتجات رعاية الجسم (المسك والمنتجات الوااقية من تأثير الشمس ومستحضرات التجميل) ومبيدات الآفات والكيماويات الصناعية والمنزلية والمواد الخافضة للتوتر السطحي (المستحلبات والرغوة) والمُلَوِّنات والمواد المضافة عند تصنيع المواد الغذائية وتعبئتها وتغليفها، والفلزات السامة (الزرنيخ السيليكون) والأتربة النادرة واللدائن الدقيقة وغيرها، وتعتبر بعض المنتجات مثل الواقيات من ضربات الشمس هي مصادر للمنتجات السامة للنظم البيئية الساحلية، ولا تزال تأثيرات ( مَضَارّ ) بعضها غير معروفة بدقّة، ما يجعل من الحد من هذا التلوث تحديًا كبيرًا، لأن الشركات المُصنّعة تتمتع بنفوذ كبير في السلطة وفي المختبرات العِلْمِيّة، وقادرة على تغيير السّلطة (بواسطة انقلاب عسكري أو دستوري) إذا ما تم تهديد مصالحها بشكل يُقَلِّلُ من أرباحها أو يحرمها من سوق استهلاكية هامّة.

تأتي أكثر من 90% من الملوثات الكيميائية الموجودة في المياه الساحلية من النشاط البشري: الصناعة والزراعة والمختبرات الصيدلانية وأنشطة الموانئ والسياحة الساحلية إلخ، حيث يتم دمج بعض المواد الكيميائية والملوثات في المنتجات التي يستخدمها أو يتناولها السكان ويتم إطلاقها عبر مياه الصرف الصحي، وتأتي نسبة تزيد عن 80% من الملوثات في البحار من الأنشطة البرية وأحيانًا من أماكن بعيدة جدًا، وقَدْ تُسَبِّبُ بعض هذه الملوثات سِمّيّةً مزمنة واضطرابًا بالغدد الصماء وإلحاق ضرر كبير بالبشر وبالبيئة والحياة البَرِّيّة والمائية.

تتطلّب أي خطّة تهدف الحَدَّ من وجود الملوثات على السواحل البحرية البَدْءَ بتقليل الانبعاثات الملوثة، من خلال وضع (أو تغيير)  معايير التصنيع، وحَظْرِ استخدام العديد من المنتجات (هذا هو الحل الأكثر فعالية) وتحسين معالجة مياه الصرف الصحي، ولكن لا يوجد حل فعال دون تشريك المواطنين ونشر معلومات واضحة لدى السكان عن المواد الكيميائية الموجودة في المنتجات اليومية حتى يتمكن السكان (المستهلكون) من التخلص من عبء تأثير الدعاية المضللة، ومن الحد من استخدام وتصريف بعض المواد مثل مستحضرات التجميل أو منتجات النظافة المنزلية، وغيرها من منتجات التي نستخدمها في حياتنا اليومية…

يمكن أن يدرك السكان أنهم قادرون على الاستغناء عن العطور وتغيير العلامات التجارية للمنتجات المنزلية، ولكن الإستغناء عن المنتجات الأخرى أكثر صعوبة، مثل الأدوية أو المنتجات التي تضيفها المصانع التي تعالج وتعبئ المنتجات الغذائية، ولذلك فإن معالجة مياه الصرف الصحي غير كافية حاليا لإزالة وتصفية العديد من الجزيئات.

يتطلب قطاع السياحة الرخيصة، بأعداد ضخمة (Mass tourism ) في المغرب وتونس مُراجعةَ وتقييمَ نتائجها، فهي منخفضة التكلفة للسّائح (المُستهلك) الأوروبي الذي لا يهتم بالوِجْهة أو بتراث وتاريخ وثقافة البلاد، وإنما يجتذبه شيء وحيد هو الثمن المنخفض للرحلة والإقامة التي هي أرخص بكثير من قضاء العُطْلَة داخل أي بلد أوروبي، ويتم الحجز في أوروبا لدى وكالات أسفار أوروبية، وتبقى العُملة الأجنبية في الخارج، وسبق أن صرّح “الشاذلي العياري” (1933 – 2021) محافظ المصرف المركزي التونسي الأسبق، من 2012 إلى 2018، إن لا أحد – بمن فيهم محافظ المصرف المركزي أو وزير المالية – يعرف حجم إيرادات السياحة، في بلدان مثل المغرب وتونس، وعلى أي حال ثبتت أضرار السياحة الجماعية الرخيصة ولم تثبت مَحاسنها أو مزاياها المفترضة، وهي من عوامل التلوث وإهْدار المياه  وخصخصة شواطئ البحر واحتكار بعض الإنتاج الغذائي كالسمك وبعض أنواع الخضار والغلال، ويمكن (بل يجب) استبدالها بالسياحة الثقافية أو السياحة البيئية…

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.