إسحق الخطيب.. ارقد بسلام / جهاد المنسي

 

جهاد المنسي ( الأردن ) الأربعاء 11/2/2015 م …

 

الأحد الماضي رن الهاتف، كان على الجهة الأخرى، المناضل عبدالعزيز العطي (أبو الوليد)، أمد الله في عمره، سألني عن الحال والأحوال، وعن الوالد والوالدة، وعن الصحة والعمل، ثم قال لي بصوت كله تأثر: “إسحق الخطيب (أبو إسماعيل) أعطاك عمره”.

أبو الوليد، كان متأثرا جدا، تحدث لي برهة عن المناضل الراحل، وبين كل جملة وجملة، كان يتبعها بتنهيدة قوية، كانت تدلل على التأثر برحيل زميل نضال طويل في الحزب الشيوعي الأردني، منذ الخمسينيات، عايشاه يافعين، ومن ثم قياديين سويا في الحزب، عاشا فيها مراحل مد وجزر، مراحل ألق ونكوص، وفي كل تلك المراحل، عانيا سويا، كما حال كل الحزبيين الآخرين، ورفاقهم، مرارة الملاحقة حينا، والابتعاد عن الوطن حينا، والتخفي والحبس أحيانا.

شخصيا، تعرفت بالراحل إسحق الخطيب، في نهاية الثمانينيات، وبداية تسعينيات القرن الماضي، كان وقتها عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي، وكان صاحب إطلالة مهيبة، وكنت وقتها، أنا وأبناء جيلي، نسمع بالرجل، ولكن لم ألتقه، ورغم أني عرفته وقت ذاك، إلا أن ذلك لم يجعلني أقترب منه أكثر، بسبب ظروف عمله، وظروف ترحاله، وربما لظروف أخرى، كانت ذات صلة بالحزب الشيوعي نفسه.

رغم ذلك، فقد كان أبو إسماعيل حاضرا، اسما في كل مناسبة، تخصّ الشيوعيين، وكانت مواقفه تتردد، إما تأييدا لها في بعض الأحيان، أو مناقشة وتعقيبا وتوضيحا في أوقات أخرى.

فلم يكن اسحق الخطيب بالنسبة للجميع اسما من ضمن أسماء عابرة، كان له أثر وتأثير، وحضور، سواء غاب أو حضر، فهو الشيوعي العتيق، وهو أيضا، إضافة إلى ذلك، عضو المجلسين المركزي والوطني الفلسطيني، وفي هذا معانٍ كثيرة وعميقة تدلل على عمق العلاقة التي ربطت وتربط الشعبين الأردني والفلسطيني على مر السنين، والتلاحم الذي عبّر عنه رجالات الشعبين مع بعضهما بعضا، باعتبار أن الأردن هو فلسطين، وفلسطين هي الأردن، وأن الفقر الذي يعاني منه ابن معان أو الطفيلة، سينسحب معاناة على كل المناطق من دون استثناء.

كان هدف الجميع وعنوانهم، وقت ذاك، أردنا وطنيا ديمقراطيا، ووطنا حرا وشعبا سعيدا، شعار التفّ حوله ابن الكرك، والسلط ومعان وإربد، كما التف حوله ابن الخليل والقدس والرملة وبيت لحم، كان هدف الجميع النهوض بالوطن، وتعزيز الاستقلال، وتكريس فكرة الدولة المدنية العصرية الديمقراطية، التي تتسع لجميع أبنائها، بلا استثناء، وتعزز فيهم قيم المواطنة، وحب الآخر واحترامه، وحقه في الكلام والقول والتعبير، وعدم التفرقة في الدين أو اللون أو الجنس أو المعتقد.

هؤلاء، ومنهم إسحق الخطيب، آمنوا أن في الأردن فسيفساء ثمينة، يتوجب الحفاظ عليها ورعايتها، وأن الأردن يستطيع أن يكون ديمقراطيا وحرا، رغم أن محيطه يعجّ بدول لا تعرف الديمقراطية، ولا الحرية، وتحبس وتجلد من يعتقد بها، أو يدعو لها.

إسحق الخطيب، وثلة من رفاقه؛ فؤاد نصار، روفائيل زيادين، زكي طوال، سالم حجازين، عيسى خشان، عبدالفتاح تولستان، سليمان حنا، سمير حداد، رحمهم الله، وعيسى مدانات، عبدالعزيز العطي، يعقوب زيادين، أطال الله في أعمارهم، وغيرهم الكثير الكثير، آمنوا بالأردن، وطنيا ديمقراطيا، وأن الوطن للجميع، فعملوا لهذا الشعار، وأخلصوا العمل.

رحل إسحق الخطيب، تاركا خلفه تاريخا نضاليا مشرفا، وفكرا آمن به وزرعه في نفوس أجيال لحقته، وأخرى ستلحق، رحل كما حال المناضلين الكبار، بلا ضجيج، رقد بسلام، أغمض عينيه، بعد أن عاش مرحلة الملاحقة، وعاش مرحلة بدء إطلاق الحريات، التي ما نزال نعمل لاستكمالها، عاش مرحلة، كانت فيها الشيوعية تحارب بقانون ويسجن في الجفر من يدعو لها، ويلاحق كل من يعتقد بها، كما عاش مرحلة بات للحزب الشيوعي فيها مكتب في عمان وشعار.

إسحق الخطيب (أبو إسماعيل) ارقد بسلام.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.