قراءة في كتاب … اليهود والجوييم : الصراع الأبدي بين “سرّ الخير” و”سرّ الشرّ”

 

الأردن العربي ( الخميس ) 15/9/2016 م …

تأليف : سعدي جرامِه

الناشر: ليكوود، الولايات المتحدة الأمريكية ” باللغة العبرية ”

مراجعة أحمد أشقر

كتاب : “اليهود وقضية الشتات”

تكمن أهمية الكتاب لكونه يستند إلى التراث اليهودي الكلاسيكي، وآراء ومواقف كبار الفقهاء في العصر الحديث، وقد صدّر الكتاب بتوصيات ستة من كبار الفقهاء في المجتمع الأصولي اليهودي.

تعتبر العلاقة مع الآخر، الحياد/ التعاطف/ الحبّ/ الكراهية، إحدى محركات إنتاج الهوية، فردية كانت أم جمعية. قد تكون هذه العلاقة مبنية على مستندات واقعية: كلون البشرة وطول الفرد ووزنه ومستواه الثقافي والمادي وقوة وضعف الجماعة التي ينتمي إليها الفرد أو الأفراد؛ وقد تكون أيديولوجية متخيلة، أي دون مستندات واقعية: كالانتماء إلى عرق أو دين أو طائفة أو مذهب معين. إذ تعتبر العلاقة (الهوية) التي تستند إلى المحركات الأيديولوجية، وهي الأعقد والأخطر بين هذه المحركات؛ حيث يغيب عنها الواقع (العقل)، ويحل محله الخيال والمتخيّل (الأيديولوجية)- إذ لا حوار ساعتها، بل حواجز من الشعور بالفوقية أو الدونية، والكراهية والضغائن، وصراعات وحروب.

تنويه: أبقيت على استخدام مصطلح الـ goyem، ولم أعمل على ترجمته أو استخدام ترجمته العربية إلى- آخرين، وغرباء وأغيار، لأن الـ goyem، ليسوا آخرين ولا غرباء أو أغيار في المفاهيم المتعارف عليها في العلاقات الإنسانية . ومفهوم الـ goyem، تحدده منظومة كاملة من المفاهيم والشرائع والقوانين اليهودية فقط.

 كتاب (سمو يِسْرَءِل [اليهود] وقضية الشتات) الذي نقدم قراءة نقدية له، يتحدث عن العلاقات التي تُبنى على الوهم والتخيّل الأيديولوجي: العرقي والديني. يتساءل: “ما نسبة طهارة القلب ونظافة المعرفة المطلوبة لمعرفة حقائق وجهة نظر التوراة على حقيقتها […]؟” (ص 5). أي أن فهم التوراة فهماً حقيقياً لا يتطلب الإلمام بتاريخية وأسباب تدوينها، وفقه لغتها وخطابها، وسيكولوجيتها، والوقوف على فهم وشرح الأقدمين لها، وفهمها على ضوء الواقع المعيش، بل يتطلب “طهارة القلب ونظافة المعرفة”، فالطهارة والنظافة ليستا بحاجة إلى الواقع- العقل، بل إلى المتخيّل- الوهم. وعلى امتداد صفحات الكتاب جميعها، سيكدس جامع الكتاب ومحرره، “سعدي جرامه” أمامنا الشعارات، دون أن يحاول تقديم سبب عقلاني واحد عن الفرق بين اليهود والجوييم. “[…] فَهْمُ سموّنا على بقية أمم العالم، هو مقدمة لكل التوراة، ويجب أن يتم قبول التوراة المقدسة من خلال هذا التوجه بالذات” (ص 7)، كما يقول الكتاب.

تكمن أهمية الكتاب لكونه يستند إلى التراث اليهودي الكلاسيكي، وآراء ومواقف كبار الفقهاء في العصر الحديث، الذين ذكرهم بالاسم. وقد صدّر الكتاب بتوصيات ستة من كبار الفقهاء- غير الذين يستند إلى أرائهم- في المجتمع الأصولي اليهودي. وفي عرضنا هذا لن نقوم بذكر أسماءهم، لأنها لا تعني شيئاً للقراء العرب أو غير المختصين بالفرق واللاهوت اليهوديين المعاصرين. ماذا يعني إذا قلنا مثلا: العبقري من فِيلْنا، أو/ وراغب الحياة، أو/ والرؤية رجل السلام؟! فجميعهم أصحاب طرق في المجتمع الأصولي/ “الحَرِدي” ولهم مئات آلاف المريدين والأتباع والمحبين في أصقاع الأرض قاطبة. ويصف الكاتب اليهود بأتباع “سرّ الخير” والجوييم/ goyem بأتباع “سرّ الشرّ”. فإذا كانت المانوية تعتبر الصراع بين الخير والشرّ صراعاً أبدياً (وهي فكرة جديرة بالتمعن)، فإن الكتاب يعتبر الصراع بين اليهود الأخيار، والجوييم الأشرار صراعاً أبدياً! والأهمية الأخرى للكتاب أنه صدر في طبعتين على التوالي خلال سنة واحدة في الولايات المتحدة الأمريكية، دون أن يقوم أحد بنقاشه أو ردّ عنصريته إلى حامليه وراعيه! والكتاب- على ما يبدو- ليس موجهاً بالأساس إلى طلبة المدارس الدينية الأصولية والتقليدية والإصلاحية، بل إلى القراء العاديين؛ إذ يمكن استنتاج هذا من مستوى لغته وخطابه السهلين، بخلاف الكتب الدينية الأخرى، التي تعتمد العبرية التوراتية والآرامية والييدش لدى الفرق والطوائف الأشكنازية الغربية، إلا فيما ندر.

يمكن تقسيم الكتاب إلى خمسة محاور. ولن أقوم بمناقشة آرائه والجدال معها هنا! بل سأضيء على بعض الأفكار والنقاط، التي تبدو لي-على الأقل- غير واضحة بما يكفي بالنسبة للقراء، والتي أعتبرها مهمة.

 المحور الأول-  الفرق بين اليهود والجوييم جوهراني، وراثي- إيماني

يؤمن الكاتب أن الإنسانية وبعد الخطيئة الأولى انقسمت إلى يهود وأمم العالم. كانت حصة اليهود “سرّ الخير”، وبقية أمم العالم كانت حصتهم “سرّ الشرّ”؛ “وهكذا انقسم العالم إلى سبعين أمّة- سبعون أمة نامية من سبعين جذر، ولكل واحدة قانونها وطبعها. ولكن الجانب المشترك بينها جميعها، أنها كانت من الناحية الإنسانية سافلة (أو دونية)، وفي مقابلهما وقف جذر من الناحية الإنسانية بسموّه- ءَبرهم/ إبراهيم أبونا، وشجرته النامية منه- جماعة يسرَءِل- من الناحية الإنسانية بسموّها”. ويضيف: إن كل “جوهر الأمم هو الشرّ”. وهذا الشرّ يستند إلى التوراة: “جذر الشرّ في عيسو هو القتل، وجذر الشرّ في عمون وموءب هو الزنا، وجذر الشرّ في يشمعـءل هو السرقة […]”. وإن أرادوا أن يتخلصوا من هذه الصفات ما عليهم إلا قبول التوراة، “لأن قبولها هو تناقض مطلق لواقعهم”. ويلخص وجهة نظره قائلاً: “[…] اليهودي ليس goy طيّب، اليهودي هو نوع سامي أكثر، آخر مختلف تماماً عن الـ goy، جنسان منفصلان تماماً”. إلا أنه يعترف أن بين الجوييم فروقات معينة. فجميع الجوييم- ما عدا الـ”عَمَلِق/ العماليق”- فيهم من الشرّ والخير، أي بإمكانهم تحويل الشرّ إلى خير، مثلاً: “الغضب- للانتقام من الخطاة، والقتل- أن يكون جزّارا أو مُطَهّرا […]”. أما “العماليق”، الذين هم أبناء البلاد الأصلية، “أرض كنعان”، التي أِحتلها “بنو يسرءل” عندما خرجوا من “مصريم/ مصر”، فأساسهم “شرّ بدون جانب خير” (ص 16- 22). أي أن الفروقات بين اليهود والجوييم جوهرانية ولا تتغير أبداً. وإن تغيرت فيجب أن تتغير في اتجاه تطبيق شرائع التوراة، وليس باتجاه بناء مجتمعات تعاونية وتشاركية وتسامحية أكثر.

المحور الثاني- الحروب الأبدية بين اليهود والجوييم

بما أن الإنسانية: اليهود والجوييم، نقيضان، فهذا يحتم أن يصبح الصراع والحروب بينهم أبدياً. وهذا الصراع فيه منتصر واحد: “لذا لا يمكن أن يكون نصراً لجموع يسرءل [اليهود] وأمم العالم سوية، فإذا انتصر واحد وانتعش من الضرورة أن لا ينتصر الثاني ويسقط”. أي أن الصراع والحروب بين اليهود والجوييم هي حروب لا مناص ولا مفرّ منها، أي واقع أبدي، “لأن جذرها هو الحرب بين قوى الخير وقوى الشرّ”. وعندما يتحدث عن الحروب والصراعات بينهم وبين الجوييم، فإنه يعتبر سببها “الاغتصاب والسيطرة”، وعندما تتوقف الأسباب، تتوقف الحرب. أما الحرب بين اليهود والجوييم فهي أبدية (ص 23- 27). بكلمات أخرى: لا فرصة للتعايش أو التعاون أو الهدنة أو أي شيء من قبيل الهدوء والتسوية الممكنة بين اليهود والجوييم. فمثلما صفات الجوييم شرّ جوهراني، فإن الحرب مع الجوييم أبدية.

يدخل الكاتب حقلاً مليئاً بالألغام لدى اليهود، إلا أنه وكسائر المتدينين اليهود لا يتردد في دخوله، ألا وهو: النازية. يقول: “جماعة يسرءل [اليهود] هي جماعة تاريخية لإله الروح، ومقابلهم الشعب الألماني الذي هو شعب اختيار جديد الذي انتقل إلى إله الطبيعة، لذلك لا يمكن أن يتصالح الفريقان: هذا مع ذاك”. بكلمات أخرى: استعار الكاتب من الأيديولوجية النازية صفاتاً كي يثبت تفوق اليهود على بقية الأمم/ “الجوييم”. بمعنى آخر: تبنى النازية بحذافيرها، إلا أنه وبدلاً من أن “يقرّ” بتفوق الشعب الألماني على بقية الشعوب، واليهود تحديداً، كما هي الأيديولوجية النازية ، فإنه يقول بتفوق اليهود على الألمان، ليس وحدهم، بل على بقية الأمم/ “الجوييم”. ويضيف مقويّا الإدعاء النازي، إلا أنه يقلبه هذه المرّة أيضاً، فيقول: “هذه هي القضية: حرب الأمم بيسرءل [اليهود] هي حرب عميقة وداخلية، حربّ الشرّ بالخير، يحاول الشر جاهداً إهانة واقتلاع الخير”. لذلك، “الهتلرية حالة طبيعية ولا عجب منها”. وينهي مؤكداً: “نعود [ونؤكد]، إن كل حروب الأمم بمواجهة جماعة يسرءل [اليهود] هي حرب قوى الشرّ ضد قوى الخير، النجاسة ضد الطهارة، هذه هي مقومات الحرب وليس غيرها”. بكلمات أخرى يقول: جميع الأمم/ الجوييم نازيّون، إلا أن الفروقات بينها هي شدّة الكراهية والرفض لليهود (ص 26- 28). أي أنه لا يميّز بين بقية الأمم والألمان النازيين الذين “أبادوا” اليهود بحسب الادعاء اليهودي “الإسرائيلي” الرسمي. فكل من هو آخر، فهو نازي! وسيتكفل به الـ”مشيح” كما سنرى.

المحور الثالث- انعزالية اليهود وتمايزهم عن الجوييم

إذا كانت الصراعات والحروب بين اليهود والجوييم أبدية، فلا بدّ إذاً من تجنبها قدر الإمكان. وتفاديها ليس معناه البحث عن سبل التعاون مع الجوييم والاشتراك معهم في سبل العيش المختلفة، بل بالانعزال عنهم. فـ”جمع منعزلاً- وليس وحده كما يرد في الترجمات العربية- يسكن”- كما يرد في التوراة-، ليس معناه السكن في مناطق خاصة والتميّز بالملبس والمأكل والعادات، لكيّ يحافظ على تميّزه وتمايزه، بل لأنه: “مثل أي إنسان سويّ لا يقلد عادات ونمط حياة الحيوانات والبهائم، كذلك اليهودي السويّ بيهوديته فإنه لا يقلد عادات ونمط حياة “الجوييم”/ الـgoyem“، والجوييم “حيوانات سيئة” بطبعهم. وما لباسهم وعاداتهم وأدبهم وأخلاقهم إلا غطاء لهذه “الحيونة”. ألا يوجد أسباباً لذلك؟ دعونا نقرأ الجواب: “الحقيقة هي، أنه لا توجد إجابة على هذا السؤال، ولا يوجد توضيح. السؤال نفسه هو الجواب، وعدم الفهم هو التوضيح. من هنا نتعلم معرفة الوجه الحقيقي للجوي/ الـ goy، لا يوجد “جوي” حصيف! كل حكمتهم وأخلاقهم ليست إلا قناع ظاهري يُخفي ما بطن. في الداخل- الـ”جوي” هو حيوان سيء، واقعه- قاتل ومفسد. ولا فرق بين “جوي” ألماني أو “جوي” أمريكي أو إنجليزي، كلهم سواء من فَرْعُه/ فرعون إلى آخر الجالس خلف حجار الرحى. أن نعتقد أن النازيين فقط يقطع نسلهم، مستعدين لإحداث دمار مرعب كهذا هو خطأ فادح، كل الجوييم مستعدون لذلك […]”. ورغم موقفه السلبي تجاه الآخرين الجوييم وحقده وكراهيته لهم، فإنه يحملهم مسؤولية العداء لليهود قائلا: “نعرف أن كراهية أمم العالم ليسرءل هي كراهية ثابتة منذ أجيال، وتشمل كل الأمم وكل الدول في العالم، بدون استثناء […]”. فالشعور بالمطاردة وعداء الجوييم لليهود هو الضمان لبقائهم، لذا يوصي اليهود قائلاً: “لا تتمردوا عليهم” (ص 35 – 60) . هنا يؤكد المرة تلو المرّة، أن عداء الأمم لليهود جوهراني.

وعندما يتحدث عن الأعمال الإيجابية والحسنة التي فعلها بعض الجوييم لليهود، فإنه لا يعزِي هذا إلى حسن أخلاقهم قط، بل يؤكد قائلا: “وإذا وجدنا بين الجوييم أية قيادة طيبة أو أي شيء حسن، بأن هذا ليس إلا من قوة تأثير التوراة” (ص 50). أي لا طيبة في نفوس ووعي الجوييم، الطيبة هي توراة اليهود ومن أجل اليهود فقط! فالجوييم لا يفعلون الأفعال الحسنة من خلال وعيهم لواقع أفضل، بل من شدة تأثير التوراة. والجوييم ليسوا كائنات حرّة واعية لمصيرها!

المحور الرابع- الحق في فلسطين

يعترف الكاتب أن العرب هم نسل “يشمعـءل/ إسماعيل بن أبينا ءبرهم/ إبراهيم”. لذا يختلفون عن بقية الأمم/ الجوييم. فبقية الأمم “حيوانات”، أما العرب فهم: “حيوان وحشي بشري”، كما يرد في سفر التكوين 16: 12. أي أنهم أعلى مرتبة من بقية الجوييم، وذلك لأنهم يُختنون، وكل من يختن “له حصة في ملكوت السماء”. لأن الاختتان يهودي الأصل. وبما أن الوعد- الوعد بأرض كنعان- أعطي “لأبينا ءبرهم/ إبراهيم”، فإن للعرب الحق فيها أيضاً، لأنهم نسل ابنه البكر “يشمعـءل/ إسماعيل”- إلا أنه وبعد أن خُصّص العهد بـ”يصحق/ إسحق”، “شريطة الحفاظ على الشرائع والقيام بها”، وإذا لم يتم تنفيذ هذا فإن الوعد المخصص لنسله يصبح باطلا؛ فإن العرب، “اليشمعـءليم”، قد تم سحبهم من العهد، وتمت تصفية حصتهم في وطنهم كنعان. وبطبيعة الحال لن يقبل العرب بهذه النتيجة. لذا فإن الصراع على “أرض يسرءل”، أي فلسطين، يستمر وسيدوم. ولن تحسمه الحروب ولا المراكب ولا الخيول، “من أجل طرد العرب منها”. فنتيجة الحرب ستُحسم بتكثيف العبادة وإقامة التوراة وشرائعها. بداية يخرج الكاتب من لاهوته الظلامي إلى الحيّز المعيش؛ فيقول أن تحرير العرب لقبر يوسف في نابلس في بداية الانتفاضة الثانية عام 2000، هو إشارة إلى “الأساس” في بداية حرب العرب ضد اليهود. وهذه إشارة من السماء، ومن هنا تأتي أهمية ولادة “يشمعـءل/ إسماعيل” ونسله وتكاثرهم في البلاد. يقول: “هنا يتضح أن جوهر ولادة يشمعـءل ومجيئه للعالم وتكاثر نسله، الكل لهدف واحد، ضغط يسرءل للصلاة لله سبحانه وتعالى […] نحن موعودون أن الله سبحانه وتعالى سيسمع صلواتنا ويستجيب لنا”. ومن كان يعتقد أن العرب سيهزمون أمام صلوات اليهود، أو يتهوّدون فقد أخطأ، لأنه ما من حلّ سلمي على هذه الأرض، بدليل قوله: “[يقول سبحانه وتعالى] أرسل غضبي وغلياني في الجوييم الذين يضايقونهم [اليهود] وأقضي عليهم مثلما تقضي النار على الأشواك وحقل البور سوية […]”. (ص 86- 97). بمعنى أن الله خلق العرب: ليس أسوة بسائر خلقه، بل من أجل أن يضغطوا على اليهود وينجسوا عيشتهم، أي أنهم يؤدون وظيفة لليهود، لكي يكثفوا من صلواتهم وعباداتهم للفوز بأرض فلسطين. أي أنه عزّ شأنه وحاشا قدره يعمل خادما عند اليهود! وبطبيعة الحال لم ولن تحسم العبادة أية معركة قومية، هذا ما يقرّ به الكاتب. لذا سيقوم “الله سبحانه وتعالى”- إله اليهود طبعاً- بتوجيه غضبه وعنفه تجاه العرب. وكنا قد تعرفنا على عنف إله اليهود في التوراة، إبادة كل كائن يتنفس في “يريحو/ أريحا”، على سبيل المثال فقط!

 المحور الخامس- شتات أمريكا والخلاص

من يعتقد أن اللاهوت اليهودي يتحرك في فلسطين والبلاد من “النيل إلى الفرات” فقد أخطأ! يقول الكاتب ما يلي: “[إن] شتات أمريكا- المسير الأخير لجماعة يسرءل قبل الخلاص”. والشتات بالنسبة له، هو “القبر”، وأمريكا رغم “ديمقراطيتها” فهي الأخرى قبر. لأن في أمريكا الديمقراطية لا توجد قوانين وحدود شرعية؛ “عندما تنعدم القوانين والعقبات- يبحث كل واحد عن المُتَعِ وطرق تحقيقها، بدون مانع ومعيق. هكذا تبدو اليوم الصورة بكافة دول العالم”. والواقع هو ما يخيف الكاتب، بدليل قوله: “هبوط كهذا في جماعة يسرءل، تفريغ الأحمال– ديمقراطية بعبادة الله- لم تكن أبداً. هذه المنزلة الأسفل […]”، لذلك يتوجب الإكثار من الصلاة والعبادة. وبالتالي سيؤدي الوضع إلى “مجيء المشيح ولمّ الشتات” (ص 101- 110). و”مشيح” اليهود، هو على عكس مسيح المسيحيين والمسلمين، الذي سيملأ الأرض “عدلاً وسلاماً”– بل إنه، وبحسب ما جاء في التلمود البابلي وكما شرحه الفقيه موسى بن ميمون / الرمبام (1135- 1204)، سوف يأتي من بني الإنسان، وسيقوم بإزالة نير الجوييم من رقبة اليهود، وينشئ دولة تستند إلى الشريعة اليهودية في “أرض يسرءل”، عندها ستتم هزيمة الجوييم المسيطرين عليها ثم يُبْعدون عنها. وفي رواية أخرى، وهي أكثر دموية فقبل ظهوره/ أو أثناء ظهوره/ أو بعد ظهوره، ستندلع حرب “جوج ومجوج/ يأجوج ومأجوج”، وسيتم فيها إبادة من يعترض له. وبعد ذلك يكون الخلاص العالمي، الذي يقبل به جميع الجوييم بسلطة الـ”مشيح” من نسل “دَوِد/ داوود”، ومن لا يقبل يُحارب إلى أن يقبل أو يُقتل.

هذا ما جاء في الكتاب كأساس جوهري في هوية اليهود المتدينين، وقطاع واسع من هوية بقية اليهود. يُدرّس هذا الكتاب في غالبية المدارس الدينية في “إسرائيل” وأمريكا. وتعيش هذه المدارس الدينية ويعيش طلبتها على أموال من ميزانية دولة “إسرائيل”، وتبرعات قطاع لا بأس به من أغنياء اليهود المتدينين و”العلمانيين” على حدّ سواء.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.