التنين وقمة العشرين والرد السوري في مفاوضات أوباما –بوتين / د. يحيى محمد ركاج
د. يحيى محمد ركاج* ( سورية ) الخميس 15/9/2016 م …
* باحث في السياسة والاقتصاد …
لقد أصبح حل الحدث السوري –باعتقادي- جلياً بعد الخطوة التنفيذية الثانية لمنظومة البريكس في مواجهة الغطرسة والعدوان الصهيوأمريكي على سورية، متجسداً بنجاح بارز في إفشال الهيمنة الأمريكية على السياسة النقدية العالمية وتخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن صناعة الأعداء لتوحيد جهودها وحلفائها لمواجهة التكتل العالمي الجديد الذي فرض سيطرته على الساحة العالمية نتيجة حاجة شعوب العالم للعدالة الدولية المفقودة.
لقد تبلور حل الحرب ولم تعد باقي التفاصيل الصغيرة التي يوسوس الشيطان بها إلا مسألة إكمال لطريقة إخراج الحل في سورية، وقد أتت الآن قمة العشرين لتؤكد صوابية الرؤية بتوقيتها وزمانها من عدمها، حيث:
1- إن حجم الدمار الذي لحق بسورية هو الرقم الذي سعت إلى تحقيقه المنظمات الدولية منذ الأيام الأولى للأحداث في سورية والتي لم تكن بعد قد اتخذت الطابع الإرهابي الظاهر حالياً، فأخرجته كرقم متنبأ به.
2- إن الولايات المتحدة قد أكملت جمع أدواتها لمواجهة العدو الجديد بأسلوب مستحدث من الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، وقد تجلت استكمال عدتها ببداية تحجيم خطورة الاتحاد الأوروبي والذي تم عبر:
a. إغراق أوروبا باللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين والمخترقين من أجهزة الاستخبارات العالمية والمفخخين ببعض الإرهابيين المترقبين للحظة الصفر لإغراق بلدان أوروبا بالدماء طوعاً لسيدهم الصهيوأمريكي.
b. انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وهي التي كانت خارج منطقة اليورو أصلاً.
3- إن منظومة البريكس قد انتقلت إلى خطوات تنفيذية أكثر تقدماً في إعلان وجودها وسيطرتها على القرارات العالمية وقد دعم هذه الخطوات التواجد الروسي والصيني في الأراضي السورية.
4- إن الحدث التركي في إخراج الدور الجديد للحكومة التركية من داعم وممول للإرهاب في سورية إلى ضرورة وقف الإرهاب كشرط ضروري للحفاظ على تركيا، والمترافق مع غباء بعض القوى المسلحة الكردية قد حمل أكثر من رسالة صريحة في التحولات العالمية التي تشير إلى وقف أي نشاط عسكري في إشغال القوة العسكرية للبريكس في سورية، رغم عدم الإشارة إلى إيقاف النوايا العثمانية والكردية في المنطقة.
5- إن التباطؤ المتعمد في نمو الاقتصاد الصيني قد أحرج القوة الاقتصادية الأمريكية ومقدرتها في السيطرة المطلقة على أسواق النفط بمعزل عن تأثيرها في الداخل الأمريكي وأسواق حلفائها في أوروبا والمنطقة العربية.
6- إن التسابق على ثروات أفريقيا يجب أن يسبقه اقتسام كعكة الشرق الأوسط بغض النظر عن حجم المكاسب المتحققة، فحجم الدمار الذي لحق بمنطقة شرق المتوسط قد أغنى جيوب مافيات المال في العالم وإن اختلفت حجم المكاسب الأولية نتيجة العسكرة، لأن مكاسب تصدير التنمية لهذه المنطقة سوف تفي بتحقيق باقي المكاسب المتوقعة.
7- إن الانتصارات المتلاحقة التي حققتها الجمهورية العربية السورية سواء أكانت على صعيد إنجازات حماة الديار وبعض المناطق في ريف اللاذقية وحلب والقنيطرة ودرعا، وأخرها رسائل إسقاط مجموعة الطائرات الصهيونية والتي لم يعلن إلا عن واحدة منها فقط، أم على المستوى الاقتصادي والمتمثل بقدرة فائقة على تطويع أدوات السياسة النقدية في ضبط سعر الصرف والتي تشير ضمنياً إلى قدرة كبيرة على التأثير في الأسواق المجاورة إن رغبت بذلك، قد أكدت مضمون الاعتراف العالمي الضمني بانتهاء الحدث السوري وأن توقيت إعلان الانتصار لم يعد مهماً في هامش التقادم الزمني للمكاسب المتوقعة بالنسبة لهم، بمقدار أهميته لنا لوقف نزيف الدم السوري الطاهر على أرض الشام المباركة.
لذلك أتت قمة العشرين في مدينة “هانغتشو” الصينية بأهيمتها بعد لقاء شنغهاي الذي استقطب القطبين النوويين الهند وباكستان ليرسم خريطة التأثير العالمي في السيطرة على العالم.
فكان لمكان إنعقادها بأبعاده السياسية والاقتصادية والعسكرية والديموغرافية أهمية بالغة التأثير، فالصين من أقوى الاقتصاديات العالمية وثاني احتياطي نقدي والأكبر من حيث عدد السكان والاستهلاك، والمهيمنة عالمياً على الأسواق العالمية بما تمتلكه من حداثة في آليات المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، وصاحبة التجربة الفريدة في التعامل مع حقوق الإنسان والمجتمع الدولي، والمبدعة في حفظ مكانة الرؤساء والزعماء ببروتوكولات استقبالها للرئيس الأمريكي أوباما، والمحققة تكاملياً في منظومة البريكس السيطرة الغذائية والسياسية على العالم، صاحبة الفيتو الفريد في العدوان على سورية.
أما الأهمية الثانية فكانت لتوصياته المتمثلة بمبادرة المنصة الإلكترونية للتجارة العالمية والابتكار الذكي للتشجيع على ريادة الأعمال والابتكار في الأدوات المالية، وتطوير التمويل الأخضر والبدء بمسار جديد للنمو الاقتصادي العالمي، وزيادة المشروعات عالية الجودة وقابلة التمويل،وأيضاً تيسير استثمارات القطاع الخاص في البنية الأساسية وتعزيز تنمية التمويل الأخضر وسوق الاستثمار.
وترتكز الأهمية الثالثة في تسليم حق استضافة القمة إلى اتحاد غرف الصناعة الألمانية التي تم إغراقها سياسياً وعسكرياً بالمهاجرين واللاجئين وفت مسارات جديدة أمام صناعاتها غير العسكرية. وقد انبثق وفق الرؤية الأولية عن القمة اتفاق ظاهري بين الرئيسين بوتين وأوباما حول الملف السوري، بحيث يمكننا اعتباره اتفاقاً حقيقياً ناجماً عن قمة العشرين إذا ما استطاعت الصين ومجموعة العشرين توجيه دفة الاقتصاد العالمي وفق القرارات والتوصيات التي نجمت عن هذه القمة إلى ما قبل التحضير للقمة القادمة في ألمانيا، وهو ما أعتقد أن التنين الصيني سوف يعمل جاهداً لتحقيقه خلال الستة أشهر القادمة على أقصى تقدير، وإلا فإنه سوف يبقى في حدود المماطلة وإطالة استنزاف الدم السوري حتى انعقاد القمة القادمة والتي سوف يتم من خلالها رسم جديد لخارطة الاستثمارات والسيادة العالمية، بحيث تستمر الحرب السورية إلى تلك الفترة تكريساً لمواجهة غير مباشرة بين الهيمة الأنجلوسكسونية والبريكس الصاعدة على النقد العالمي وتحقيق التنمية الموجهة لمصلحتهم في العالم.
وقد أثبتت الأحداث اللاحقة للقمة ومفاوضات أوباما – بوتين، خاصة الرسالة السورية في إسقاط الطائرات الصهيونية المعادية، أن جل الاتفاق كان من تصميم وهندسة سورية، وأن الخطوات اللاحقة هذه تؤكد بنسبة لا تقبل الشك أن حل الحدث السوري سوف يكون بالأيام القليلة القادمة إما استناداً إلى مقررات وتوصيات القمة في لعبة المصالح المتضاربة والمتداخلة للاعبين الكبار في العالم، واستناداً إلى لعبة الكرسي والطربوش في السيادة العالمية على منطقة الثروات العالمية، ضمن الاعتراف بالدولة السورية كأحد اللاعبين الكبار في العالم.
أو حرباً عالمية مباشرة بين الدول، رغم أن احتمال الحرب أصبح ضعيفاً جداً جداً.
التعليقات مغلقة.