ماذا تُريد أمريكا من العراق؟ حقائق ووقائع لنا و للأجيال / الدكتور السفير جواد الهنداوي

الدكتور السفير جواد الهنداوي ( العراق ) – الإثنين 14/8/2023 م …




أحملُ السؤال في رَحمِ الافكار، ومنذُ ثلاثة عقود، ولكنهُ عصّيٌ على الولادة. و قد اكونَ على يقين بأنَّ الادارات الامريكية التي تعاقبت، ومنذ الرئيس بوش الاب، عام 1989، وليومنا هذا، تبحثُ، هي الاخرى، الاجابة على السؤال، موضوع المقال.

 منذُ أنْ ورثت الولايات المتحدة الامريكية، مِنْ بريطانيا العظمى، تركة الشرق الاوسط وملفاته وواجب رعاية اسرائيل وحمايتها، بداية ستينيات القرن الماضي، حَملتْ أمريكا، في جوفها، جنين زوال هيبتها ومكانتها وهيمنتها. كَبُرَ الجنين، عقدٍ بعد عقد، حربٍ بعد حرب، منذُ حرب فيتنام، وحروب افغانستان والعراق، ومعارك اليوم في شرق سوريا وعلى الشريط الحدودي السوري العراقي، ودخلت امريكا في نفق التيه، لعلها تبحث عن زاوية لولادة جنينها، وولادته هي اعلان عن احتظار هيمنتها على العالم. لم يبقْ لدى امريكا غير سلاحيّن، وخاصة تجاه دول منطقتنا: الحرب والدولار، وهي الآن تستخدم الثاني (لبنان، سوريا، العراق، تركيا، مصر)، عقوبات و تدمير الاقتصاد للبنان ولسوريا، وأبتزاز وتحذير للدول الثلاث المذكورة. وتحشّد عسكري بّراً وجواً وبحراً و خاصة في شرق الفرات و الحدود الشريطي لسوريا وتركيا، والمثلث الحدودي بين العراق و الاردن و سوريا، كي تهدّدْ بسلاح الحرب.

أعودُ الى السؤال، عنوان المقال.

هل حرصتْ (ولا اقول سعت) امريكا، في الماضي و في عهد النظام السابق، وهل تحرص في الوقت الحاضر على مصلحة العراق ؟

 كُلّْ الاحداث والوقائع التاريخية تؤكد بأنَّ امريكا سعت، في وقت النظام السابق الى ايقاع اكبر ضرر ممكن بالعراق. غرّرت النظام السابق على شّنْ الحرب على ايران، وسعتْ هي حلفائها على اطالة أمد الحرب، والجميع يعرف ما كانت تنتظره امريكا واسرائيل و حلفائهما من الحرب العراقية -الايرانية. جاءت نتائج الحرب، بخلاف ما تنتظره امريكا و حلفائها، حيث انتهت بعسكرة العراق،ومديونيته،و استهلاك احتياطه النقدي وتدمير اقتصاده، و بصمود ايران وتقدمها العسكري،و ترسيخ النظام و الحرس الثوري. ولتدمير الآلة العسكرية العراقية،و تدمير ما تبقى من امكانيات العراق الاقتصادية،وتمرير مشاريع هيمنة وسيطرة امريكا و اسرائيل على العراق وعلى المنطقة، ضلّلو النظام السابق و استدرجوه في مصيدة ” احتلال الكويت “، كما وكان لديكتاتورية النظام و استبداده قدراً كبيراً في نجاح الخطط الامريكية الصهيونية،والتي استهدفت العراق كدولة و كشعب،وليس رأس النظام فقط، فتّمَ تمرير مشروع حصار العراق و ترسيم الحدود بما لا يطابق الموروث التاريخي والموثق دولياً للحدود بين العراق و الكويت،وبما لا يتماشى مع ميثاق الامم المتحدة،الذي لا تمنح بنوده صلاحية لمجلس الامن الدولي في ترسيم الحدود. وكان لبريطانيا دور كبير في الترسيم لتقديمها خارطة حدود بين العراق والكويت، حديثة ولم تُعرفْ من قبل،لا من الطرف العراقي،ولا من الطرف الكويتي، وتًمَ تقديم هذه الخارطة من قبل ممثل المملكة المتحدة في مجلس الامن بأعتبارها من ضمن الادوات المناسبة لترسيم الحدود.و مانكتبّه ليس تحليل وانما معلومات موثقّة في قرارات مجلس الامن وفي الوثائق وفي المراسلات المتبادلة بين مجلس الامن وخبراء الامم المتحدة في لجنة ترسيم الحدود،وبين مندوبي الدول وخاصة مندوب العراق في الامم المتحدة السيد عبد الامير الانباري، و وردَت الاشارة الى هذه الخارطة و الاعتراض على اعتمادها، في رسالة وزرير خارجية العراق حينها،السيد احمد حسين. اذاً، لم تكتفْ امريكا بالسماح للنظام بقمع الانتفاضة وحصار و تجويع الشعب و فرض قرارات،بواسطة مجلس الامن،وبتنفيذ الامين العام للأمم المتحدة ( السيد بطرس بطرس غالي )،قرارات مجحفة في ترسيم الحدود،في التعويضات، وحتى في تمويل نصف نفقات عمل اللجنة التي شُكلّت لترسيم الحدود،والتي امتنع العراق على المشاركة فيها !

خداع و مكر الامريكان، وتشبث النظام السابق بالسلطة و ظّنه بأن تطبيقه للقرارات الصادرة من مجلس الامن،والظالمة والمجحفة بحق العراق وشعبه، سيجعلانه بمأمن من اي اعتداء او حرب. ظّنَ النظام السابق بأنَّ تطبيقه لقرارات مجلس الامن المجحفة بحق سيادة وجغرافية و شعب العراق هو ثمن بقاءه في السلطة، وضمان له من اي اعتداء او حرب.

الامريكان ومن خلفهم لم يخدعوا النظام السابق فقط.

وانما خدعوا العراق وشعب العراق مرتيّن : الاولى في الانتفاضة الشعبانية، حيث دعت الادارة الامريكية حينها الشعب العراقي للثورة ضّدَ النظام، و حين انتفّضّ الشعب،سمحوا الامريكان للنظام بقمع الانتفاضة، والمرّة الثانية حين استغلوا حاجة النظام للبقاء في السلطة،فسمحوا له بالبقاء، فمرّروا من خلاله تطبيق قرارات مجحفة وظالمة،لم يكْ بمقدورهم تمريرها في ظّلِ نظام سياسي جديد مدعوم من قبلهم كالذي جاء بعد عام 2003.

هذا ما عمله الاصدقاء الامريكان للعراق ولشعبه، في عهد النظام السابق، وذكرنا الوقائع بأختصار شديد. استخدموا الامريكان استبداد و دكتاتورية وحروب النظام لغرض تدمير العراق، و أمعنوا في ذلك، وإلاّ لكان بمقدور قوات التحالف الدولي،التي حرّرت الكويت من الاطاحة بالنظام السابق، او عدم السماح للنظام باستخدام طائراته التي قمعت الانتفاضة.

 وظّفَ الامريكان الفترة بين 1991( تحرير الكويت ) و 2003( اسقاط النظام )، لغرض فرض قرارات مجلس الامن، و لاتمام تدمير ما بقي من بنى تحتيّة وثروات في العراق،و لتكبيله بقيود وبالتزامات تنتقص وليومنا هذا من سيادته و مكانته.

مضى عقديّن على سقوط النظام،ومن حقّنا ان نتساءل،هل ثمّة ثقة متبادلة بين العراق والادارة الامريكية ؟

هل لمكونات الشعب العراقي ثقة في الادارة الامريكية او في السياسة الامريكية تجاههم؟ هل للشيعة ثقة،وهل للكرد ثقة، وهل للسنّة ثقة؟

بينهم وبين الادارة الامريكية (او السياسة الاميركية مهما اختلفت الادارات) زواج بالاكراه،او زواج منقطع وعند الحاجة،و الميّتم من هذا الزواج هو العراق وطن و دولة.

لو كان يعلم قادة النظام السابق بأنَّ،وبعدَ تحرير الكويت،تنتظرهم حرب واحتلال واسقاط لنظامهم،لما وافقوا وطبقوا قرارات مجلس الامن و الامم المتحدة.

وهذه عِبرة لقادة اليوم برفض الرضوخ للاملاءات المفروضة، والتمسك بسيادة العراق وبالاعتماد على ارادة الشعب، والايمان بأن مستقبل العراق هو مَنْ مستقبل المنطقة،و أنَّ امن واستقرار العراق هو من أمن و استقرار المنطقة، شريطة ان يكون هذا الايمان مشفوع بارادة واعية و رافضة للرضوخ وقادرة على التحدي.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.