بين الكحالة والمصرف المركزي… ضاع الشعب اللبناني / حسن احمد عبدالله

حسن احمد عبدالله ( لبنان ) –  الإثنين 14/8/2023 م …




يحتار اللبنانيون اليوم على من يلقون التهم بالانهيار المالي، وبقية الازمات التي تسببت بها طبقة سياسية – مصرفية-  تجارية احتكرت على مدى 31 عاما كل شيء في البلاد، اذ رغم تغيير بعض الوجوه فان الجميع كانوا، ولا يزالوا يشاركون في افقار البلاد والناس، اكان في خضم الحرب الاهلية، او بعدها.

لهذا منذ العام 1992 كانت المعالم واضحة لما مقبل عليه البلد، لكن كانت العيون كليلة، والاذان صماء، لان الرشوة فعلت فعلها في تلك الاثناء، في وقت كان حجارة الهيكل تتساقطت على رؤوس الجميع، الا ان، كعادة اللبنانيين، رأوا فيها نوعا من رذاذ مطر البحبوحة المحببة في صيف قائظ.

اليوم يتلهى هذا الشعب المسكين باحداث اخرى، تماما كما كانت الحال عليه في العام 1968، اذ في اوج ازمة مالية كبرى جاءت المناوشات في منطقة الكحالة لتغير وجهة الاهتمام الشعبي من ازمة “بنك انترا” الى الخوف من عودة حرب العام 1958.

كذلك الامر بعد احداث العام 1973، حين كانت البلاد تعيش ازمة سياسية، كان ايضا “كوع الكحالة”، هو المكمن الذي اشعل بين الجيش اللبناني والمنظمات الفلسطينية التي استغلت “اتفاق القاهرة” الموقع قبل نحو اربع سنوات من ذلك التاريخ، كي تمارس استعراضا للقوة، في وقت كان فيه “حزب الكتائب” قد استعد للمواجهة المسلحة، وبعدما عزز حضوره العسكري، اذ كان ينظم تدريبات على السلاح تحت اعين السلطة التي لم تحرك ساكنا، وايضا اتجهت الانظار الى احداث نسيان/ ابريل وحرب المخيمات الاولى من ذلك العام لتغطي على الازمة المعيشية التي افتعلها التجار عندما اقر قانون منع الاحتكار، الذي لم ينفذ ابدا.

اليوم، وعلى شفير ضياع البلد، صدر تقرير التدقيق الجنائي في ارتكابات حاكمية مصرف لبنان، الذي تولاها رياض سلامة منذ 31 سنة، وهي اطول فترة وظيفية لهذا النوع من الوظائف المهمة في العالم، وليس في لبنان فقط، وعلى وقع الدم المراق على “كوع الكحالة” ايضا ذهب الشعب الى بتلك الاحداث ونسي محاسبة من تسببوا بافقاره.

لا شك ان رياض سلامة لم يكن وحده، لكنه يتحمل المسؤولية منذ قبل ان يكون عراب افلاس لبنان، ونفذ كل ما طلبه اصحاب المصارف اللبنانية، الذين خسروا جراء استثماراتهم في البورصات الاميركية، والازمة المالية العالمية عام 2008، وما تركته من تبعات على العالم، اذ حينها ادرك هؤلاء جيدا انهم لن يستطيعوا تعويض خسائرهم الا عبر عملية “بونزي” باموال اللبنانيين، يشارك فيها حاكم المصرف المركزي، وتزكيها طبقة سياسية مستفيدة من العمولات، في بلد سيطر امراء الطوائف على كل مفاصله، وعملوا بالمثل الشعبي “من حضر السوق باع واشترى”.

لهذا يبحث الجميع عن كبش فداء، وكذلك عن مخارج لازمتهم الشخصية قبل السياسية، ومن هنا يعلنون، بطريقة غير مباشرة، ان شعرة لا تسقط من رأس اي مواطن الا بامرهم، وانهم “ام الصبي”، كما يقول المثل اللبناني.

فيما في الحقيقة هي ان لا احد منهم “ام الصبي”، بل هم “زوجة اب” شرسة لا تعرف الرحمة، ولهذا ليسوا اهلا للثقة على الاطلاق، لكن الزبائنية تمنحهم غطاء، مذهبيا وسياسيا، ومن هنا يمارسون فجورهم من دون اي محاسبة، ولا يتوانون عن ارتكاب الموبقات والجرائم، الخشنة والناعمة، وفي هذا الامر يتوحد رجال الدين والسياسيين والمصرفيين.

لهذا لم تكن حادثة الكحالة الا تطبيقا للمثل الشعبي “مش رمانة قلوب مليانة”، فالشحن الطائفي والمذهبي بسبب الافلاس السياسي فعل فعله الى حد ان لا احد اليوم يتحدث عن وجوب وقف الانهيار وحل الازمة، انما كل فريق يلقي التهم على الاخر، في حين ان الفقر والجوع لا يعرف طائفة هذا او ذاك، وهو ما لم تدركه غالبية الشعب التي تبحث عما يسليها بشعارات السياسيين، لهذا نسي هؤلاء ازمتهم وبدأوا يتحشدوا دفاعا عن السياسيين، وهذه هي المصيبة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.