الطفل خالد الشبطي يركب الطائرة مع ليلى خالد / شوقية عروق منصور

 

شوقية عروق منصور ( الجمعة ) 16/9/2016 م …

أعرف عشرات الأسباب للطيران، لركوب الطائرة والتمتع باختراق الغيوم والأجواء البعيدة، والشعور أن الانسان يملك حرية التحليق، لكن عندما يصبح الطيران الحلم الذي يضيء عتمة الذاكرة، وكتاب تفسير للتاريخ الفلسطيني الذي حاول ارتداء عباءة القضية فجاء التفسير حسب عروض الأزياء الدولية ومصانع القرار البريطانية الامريكية الصهيونية ” ميني ” أو ” مايوه ” لا يستر بل يكشف العري السياسي، ويرسم بثقل الحرمان والشوق للوطن خريطة تنقذ  السنوات من الانتظار .

طيران  الطفل الفلسطيني ” خالد الشبطي”  في الأجواء كان كصياح الديك في فجر اغتسل في مياه مالحة، وسقط في وطن يتسع مداه للتمرد  .

الطفل الفلسطيني خالد الشبطي من مخيم برج البراجنة و يبلغ من العمر 12 عامًا، استطاع بخفة اجتياز الحواجز الأمنية ” داخل مطار الحريري الدولي ” والصعود الى الطائرة  التابعة لشركة طيران الشرق الأوسط المتجهة الى تركيا، دون أن يحمل جواز سفر وتذكرة سفر،وعندما هبطت الطائرة في مطار إسطنبول توجه  خالد الشبطي الى قائد الطائرة وقال له بلغة طفل كسر لعبته وخاف من عقاب والديه .

          اريد العودة الى منزلي ..!! 

ارتعب قائد الطائرة من وجود الطفل، وعندما سأله لماذا صعد الى الطائرة،أجاب لقد  حقق حلمه بركوب الطائرة . وقامت القيامة حول تفاصيل الاختراق الأمني وكيف تخطى الطفل الحواجز وصولًا الى الطائرة وكيف لم يلفت نظر المضيفات ؟؟، وفتحوا ملفات التحقيق لمعرفة  ملابسات الحادث الذي يؤكد غياب الأمن والأمان في المطار اللبناني . 

أعلن الطفل خالد الشبطي – بعد ذلك –  بفرح أنه حقق امنيته بالتحليق، بعد أن حرمه القانون اللبناني من الحصول على جواز سفر يحترم فيه آدميته ووجوده وقضيته .

 قد ينظر البعض  الى الأمر كأنه مشاغبة وشقاوة  طفل، لكن أنا  أنظر الى الأمر كأنه  شهوة التحدي التي  دفعت خالد الشبطي، الى ركوب الممنوع، وعصر القانون في عصارة الصعود الى الطائرة، لقد خطط  الطفل ونفذ بذكاء خارق، لدرجة أنهم لم يشتبهوا به  . 

سنوات طويلة تفصل بين تسلل الطفل خالد الشبطي الى الطائرة، وبين المناضلة  ليلى خالد التي أجبرت الطائرة على التحليق فوق  حيفا، واذا كان اسم خالد يربط بين الطفل والمناضلة، فإن مياهًا كثيرة جرت منذ عام 1969 حتى عام 2016، مياهًا سياسية خذلت وأذلت وكسرت وحطمت ونزعت الكثير من الاحلام .

لكن قضية الفلسطيني خالد الشبطي فتحت صفحات ” ليلى خالد ” في فترة ذهبية، كان التاريخ عندها ينحني لكي يملأ من ينابيع القوة، ويكنس الغبار عن نوافذ التردد.

المناضلة ليلى خالد أو كما أطلق عليها  ” أيقونة التحرر الفلسطيني”  التي ولدت في حيفا عام 1944، لكن عاشت في الشتات واللجوء، واختارت أن تلتحق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،  ويكون مجالها النضالي خطف الطائرات  لبعثرة الضجر السياسي ، وقتل التثاؤب بالصراخ وطعن الخرس الذي يمنع اليقظة ويحرس الصمت.

في طائرة الركاب الامريكية تي دبليو رقم الرحلة 840 التي تعمل على خط لوس انجلوس تل ابيب ، في يوم 29/ 8/ 1969، جلست ليلى خالد الى جانبها زميلها المناضل سليم العيساوي شاب وشابة في شهر عسل، أثناء الطيران تقوم ليلى وزميلها باختطاف الطائرة والتوجه بها الى دمشق، وتدخل ليلى الى قمرة القيادة وتجبر قائد الطائرة على تغيير مسار الرحلة الى أثينا ثم طلبت منه بلحظة عشق للوطن التحليق فوق مدينة حيفا مسقط رأسها، تلك المدينة التي لا يمكنها زيارتها بعد أن أصبحت لاجئة فلسطينية .

في عدة لقاءات أجرتها المناضلة ليلى خالد مع وسائل الاعلام حول تلك اللحظات،  أكدت أن الطيران فوق مدينة حيفا منحها الشعور بالقوة والفخر، قد تكون لحظات عابرة أكلها البحر الأزرق والخوف الكامن في عيون الرهائن وضربات القلوب المتلاحقة  من شدة التوتر، لكن لن تنسى امنيتها التي لم تقترف الخطأ، بل تناولت الخبز والملح مع الذاكرة المحرومة، والتاريخ الذي اختار اللجوء والحزن لشعبها .

لقد قامت بشم هواء  ورأت بحر حيفا وتنفست في أجواء حيفا، حققت أمنية صممت لها مع سبق الإصرار . 

من الصعب والسذاجة مقارنة طيران طفل  بطيران المناضلة ليلى خالد، لكن تسلل الطفل الى الطائرة دون أن يراه أحد ذكرني بمرحلة  حين كان الفلسطيني  يعمل و لم يكن يراه  أحد .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.