ترحيب بالقرار.. “معانٍ ودلالات” لتعيين سفير للسعودية لدى فلسطين / عبد المنعم فياض سعدون
عبد المنعم فياض سعدون ( فلسطين ) – الجمعة 16/8/2023 م …
في خطوة هي الأولى من نوعها، ومنذ تأسيس السلطة عام 1994، وبعد 11 عاما من اعتبارها دولة عضو مراقب في الأمم المتحدة بقرار 19/67 لعام 2012، اعتمدت المملكة العربية السعودية سفيرها في الأردن نايف بن بندر السديري، سفيرا فوق العادة مفوضا وغير مقيم لدى دولة فلسطين، وقنصلا عاما في القدس. في ردّ سياسي ودبلوماسي تاريخي على “شائعات التطبيع” مع إسرائيل، التي لم يعلّق عليها أيّ مسؤول سعودي حتّى الآن، هكذا قطعت كلّ الشائعات التي يقودها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتانياهو وشلّته عن تطبيع وشيك بين الرياض وتل أبيب على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرّف، وأكّدت أنّ هذه الشائعات ما هي إلا أحلام يقظة تراود نتانياهو والساسة الإسرائيليين،
ربما، لم تكن تلك الخطوة “الدبلوماسية” تثير كثيرا من الاهتمام، رغم قيمتها السياسية، لولا تزامنها المباشر بحدث بات يحتل مكانة بارزة في الإعلام العالمي والعبري تحديدا، ما يعرف بـ “صفقة بايدن”، حول التطبيع السعودي مع دولة الاحتلال، التي كشفها الصحفي اليهودي في “نيويورك تايمز” نهاية يوليو 2023، والتي تضمنت فيما تضمن مسألة “حل القضية الفلسطينية”، كجزء من الصفقة، والتي وصفها كثيرون بأنها “الجائزة الكبرى” التي يعمل بايدن لتقديمها لدولة الكيان. أنّ هذه الخطوة “ما فوق العاديّة في توقيتها وأبعادها، هي رسالة قويّة من الرياض إلى تل أبيب بأنّ فلسطين كانت وستبقى القضية المركزية للعرب والمسلمين، وهي دليل دامغ من قيادة المملكة السعودية على أنّ أيّ حلّ سياسي في المنطقة لن يكون على حساب حقوق الفلسطينيين، وفي مقدَّمها دولة فلسطينية مستقلّة عاصمتها القدس”. واعتبر أنّ المملكة ردّت على شائعات التطبيع مع إسرائيل، بدون تسويات حقيقية للملفّ الفلسطيني، فعلاً لا قولاً، وأكّدت نيّتها تقوية السلطة الفلسطينية.
في الأشهر الأخيرة ، أجرت الرياض وواشنطن محادثات بشأن الشروط السعودية للتطبيع. وتشمل هذه الضمانات الأمنية والمساعدة في برنامج نووي مدني.
في يونيو ، أوضحت السفارة السعودية في العاصمة واشنطن أن اتفاقًا لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية لن يكون ممكنًا إلا إذا تم التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. و لدى إسرائيل الكثير من الإمكانات ، والتطبيع يمكن أن يفعل العجائب. من التجارة والتبادلات الثقافية ، ولكن لكي يحدث ذلك ، لكي تتخذ المملكة هذه الخطوة ، نحتاج إلى حل هذا النزاع الأساسي مع الفلسطينيين ، في إطار محاولات دفع العلاقات الإسرائيلية السعودية إلى الأمام ، تناقش إدارة بايدن إجراءات مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية تركز على تعزيز السلطة الفلسطينية ودعم اقتصادها وتقليل الاحتكاك بين الجيش الإسرائيلي والمستوطنين مع الفلسطينيين في الضفة الغربية
اليوم ، فيما يتعلق بالتقدم نحو التطبيع مع إسرائيل ، فإن المملكة العربية السعودية في مأزق: فمن ناحية ، تدرك أنه إذا كان من الممكن أن تستفيد بشكل كبير من الجانب الأمريكي في مثل هذه الخطوة ، بما في ذلك الطائرات المقاتلة من طراز F-35 ، فهي وسيلة دفاعية ، وحتى برنامج نووي مدني ؛ من ناحية أخرى ، تريد الدولة أن تحافظ على مكانتها “كحارس على المقدسات الإسلامية” ، ولا تريد أن يُنظر إليها على أنها تتجاهل القضية الفلسطينية. علاوة على ذلك ، لا يرى ولي العهد محمد بن سلمان ووالده الملك سلمان بالضرورة وجهاً لوجه بشأن التطورات في الشرق الأوسط. كما يولي الملك سلمان أهمية أكبر للقضية الفلسطينية ، مثل أسلافه. كما أن التطبيع مع إسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية سيعتبر تخلًا من المملكة العربية السعودية عن مبادرة السلام التي قدمتها إلى جامعة الدول العربية في عام 2002. وبموجب هذه الخطة ، ستدخل الدول العربية في علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل بشرط تشكيل دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية ، وانسحاب إسرائيلي كامل من الضفة الغربية (يهودا والسامرة) بما فيها القدس الشرقية ، ومن قطاع غزة ، ويشعر الفلسطينيون بالقلق من أن أي اتفاق قد يضعف الدعم لقضيتهم في العالم العربي الأوسع ويقوض آمالهم في دولة فلسطينية مستقلة. وقبلت المملكة العربية السعودية بهدوء ما يسمى باتفاقات إبراهيم التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج الإمارات العربية المتحدة والبحرين. عندما سئل عما إذا كان سيفكر في تقديم تنازلات للفلسطينيين كجزء من صفقة سعودية ،
تحدّث نتانياهو بكلّ تعجرف عن مساعي التطبيع مع الرياض، في لقاء مع شبكة بلومبرغ الأميركية، وأكّد رفضه فكرة الدولة الفلسطينية وعدم التعهّد بوقف الاستيطان، بينما وزّع مسؤوليين إسرائيليون أحاديث متفرّقة مفادها أن “ليس هناك ما سنقدّمه للفلسطينيين، ولن يكون تجميدٌ للبناء الاستيطاني حتى لثانية واحدة”، وأنّ “الصفقة مع السعودية مصلحة أمريكية حقيقية لا تقدّم معروفاً لتل أبيب، بل بالعكس نحن الذين سنقدّم معروفاً للبيت الأبيض، لأنّنا سنضمن تمريرها في مجلس الشيوخ”، وأنّ “واشنطن تبذل مساعي هائلة للتوصّل إلى هذه الصفقة، فهي مهمّة بالنسبة لها في المنافسة مع الصين والسيطرة على مناطق كثيرة من ضمنها الشرق الأوسط”.
وهو ما قالة وزير خارجية إسرائيل ، إيلي كوهين ، إن بلاده “لن تسمح بفتح بعثة دبلوماسية سعودية لدى السلطة الوطنية الفلسطينية” ، في أعقاب إعلان الرياض عن تعيين شخص غير مقيم. سفير الأراضي الفلسطينية ، ويعمل أيضًا قنصلًا عامًا للقدس. وسيلعب الدور نايف السديري السفير الحالي في الأردن. وأنهم “لا يحتاجون إلى طلب إذننا. لم يتشاوروا معنا ولا داعي لذلك. و “لكننا لن نسمح بفتح أي بعثات دبلوماسية. و أن القضية الفلسطينية ليست الهدف الأساسي لمفاوضات التطبيع مع الرياض. بالنسبة لكوهين ، يُظهر إعلان الرياض أنه في الوقت الذي تتواصل فيه الشائعات حول بدء العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية ، “يريد السعوديون إخبار الفلسطينيين بأنهم لم ينسوها. لكننا لا نسمح للدول بفتح قنصليات. إنه يتعارض مع مواقفنا. وإن القضية الفلسطينية ليست الموضوع الرئيسي للنقاش.
في الإطار ذاته، حذّر المستوى الأمني في تل أبيب من أن يؤدّي اتفاق التطبيع مع السعودية إلى المساس بالتفوّق العسكري الإسرائيلي في المنطقة. إذ نقلت هيئة البثّ الإسرائيلية “كان” عن جهاز الأمن الإسرائيلي أنّه “يعمل على إعداد رأي في خطورة بيع وسائل قتالية ومنظومات أسلحة أميركية متقدّمة إلى السعودية يكون جزءاً من اتفاق يؤدّي إلى التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية”.
الرئيس الأميركي بايدن مهتمّ على نحوٍ خاصٍّ بإنجاز اتفاق “التطبيع” بين السعودية ودولة الاحتلال، حتى لو كان هذا الاتفاق مبدئياً أو جزئياً، لكنّه لا يعي بالقدر نفسه أنّ اتّفاقاً كاسحاً كهذا مستحيل من دون اختراق حقيقي في ملفّ عملية السلام. لكن لم يصدر عن أيّ مسؤول سعودي أيّ إشارة إلى تراجع المملكة عن مبادرتها للسلام. وكلّ تصريحات المسؤوليين السعوديين تؤكّد التمسّك بهذه المبادرة شرطاً لأيّ سلام مع إسرائيل.
بينما ترى السلطة الوطنية الفلسطينية أن توقيت هذا القرار يعكس اهتمام المملكة العربية السعودية الشقيقة بالقضية الفلسطينية كأحد الأسس التي ترتكز عليها سياسة الرياض الخارجية على المستوى العربي والإسلامي والدولي وتشكل امتداداً موقف السعودية الداعم للقضية الفلسطينية وحقوق شعبها “. والأكيد أنّ المملكة العربية السعودية ليست بحاجة إلى اتفاقية تطبيع مع تل أبيب لا تلبّي شروطها واحتياجاتها ومصالحها، وليست في عجلة من أمرها، فهي تستطيع أن تنتظر ولن تخسر شيئاً جوهرياً، وتعتبر نفسها في الجانب الآمن بفضل قوّتها وإمكانياتها الهائلة. وفق حقائق السياسة والاقتصاد فإنّ لدى المملكة وضعاً تفاوضيّاً قويّاً للغاية بالمقارنة مع الوضع التفاوضي لكلٍّ من إسرائيل والولايات المتحدة. فالسعودية تعيد رسم سياستها الخارجية بالنظر إلى موقعها السياسي الإقليمي. خصوصاً أنّها واحدة من أهمّ الأسواق الاقتصادية في العالم، وتعيد بناء اقتصادها بحيث لا يعتمد مستقبلاً على إنتاج النفط فقط. وهي بدأت تعيد تشكيل ثقافة دينية أكثر مرونة وذات قبول عالمي، وتسعى إلى توسيع مروحة خياراتها السياسية وتحالفاتها الاستراتيجية.
واعتبر باحثون سياسيون الخطوة السعودية “مؤشراً على دور سعودي قادم في فلسطين، ورفضاً لمحاولات إسرائيل القفز عن القضية الفلسطينية وتهميشها في أي اتفاق مستقبلي.وأن الرياض تعمل حالياً على تنفيذ سياسة دولية وإقليمية بإقامة علاقات جديدة مع بكين وموسكو بما يتناسب مع قوتها والتمسك بحقوق الفلسطينيين المشروعة”.ويحظى السفير فوق العادة بأعلى مرتبة دبلوماسية في مراتب السفراء، ويمنح لقبه عادة لشخص مكلف بمهمات خاصة لبلده لدى بلدان أخرى أو منظمات دولية تمكنه من إمكانات استثنائية لأداء واجباته، كما يتمتع بصلاحيات قانونية موسعة تشمل توقيع اتفاقات باسم الدولة أو الهيئة التي يمثلها، خلافاً للسفير العادي.
التعليقات مغلقة.