الهوية القطرية والهوية الوطنية /المبادرة الوطنية الأردنية
الأردن العربي ( الأربعاء ) 11/2/2015 م …
مدخلاً للحوار.
الهوية: يمكن تعريف الهوية بشكل عام بأنها الثابت والمشترك بين مجموعات بشرية او بين اشياء او احكام في بنية المجتمع الواحد، مقابل التمايز مع مجموعات بشرية أو أشياء أو أحكام أخرى في بنية مجتمع آخر، هي ثابته ومشتركة في مراحل محددة وأزمنه محدده، ولكنها متغيره عبر المراحل المختلفة من تطور المجتمع وتطور التشكيله الاقتصادية – الاجتماعية الخاصة به، وشكلها الارقى الذي يفرض عملية التمايز داخل المجتمع، بناء على تقسيم العمل بداخله، فيتمايز المجتمع نتيجة تقسيم العمل إلى طبقات وشرائح، تتكامل وتتمايز، تتصارع وتتنافس، بناء على موقعها في العمل.
في المجتمعات ألتي أنجزت مهمات الثورة الوطنية البرجوازية، وحققت الانتقال من الاقطاعية إلى االرأسمالية، وفتحت الآفاق أمام تطور قوى الانتاج ، انتقلت من الهويات الماقبل الرأسمالية الفرعية إلى هوية الأمة الجامعة الموحدة، هوية محددة بمعطيات النظام الجديد السائد، النظام الرأسمالي القومي، ومع الإنتقال الاحق في العقود القليلة الماضية، إلى النظام الرأسمالي المعولم، حدث تحول في تشكل هويات جديدة ، غير تلك الهويات التي كانت سائدة، سواء عبر إعادة إنتاج هويات كانت قد إختفت، أو بناء هويات لم تكن موجودة أصلاً، مثلاً الهوية الأوروبية الجديدة، أو هويات معاد إنتاجها، كما هي حال الهويات الناجمة عن تفكيك جمهورية يوغسلافيا، وجمهوريات الاتحاد السوفياتي، ودول المعسكر الاشتراكي السابق، وهويات ناتجة عن تفكيك دول وامم سابقاً، كثير من الهويات التي تم تصنيعها في القارة الأفريقية مثلاً، و الهوية الباكستانية الناجمة عن تفكيكها عن الهوية الهندية، والتي استندت إلى الموروث الديني في تشكّلها، ومن ثم الهوية البنجلادشية الناجمة عن تفكيك الهوية الباكستنية ذاتها…الخ.
على الصعيد العربي تم تصنيع هويات التقسيم ، ومنها هويات أقطار سايكس بيكو، هويات تخدم مصالح المركز الرأسمالي العالمي، الذي كان خلف هذا التفكيك والتركيب، والهدف هو إبقاء هذه المجتمعات والدول في مرحلة التشكيلة الاجتماعية الماقبل رأسمالية، تشكيلة المجاميع البدائية: القبلية والأثنية والطائفية والمذهبية، لخدمة مشروع المركز القائم على إستغلال ثروات ومقدرات وإمكانات دول المحيط.
في مجتمعات المحيط التابعة فأن تشكل الهوية الوطنية المنتجة، مرتبط مباشرة بإنجاز الثورة الوطنية الديموقراطية، التي تفتح الآفاق أمام تطور قوى الانتاج الوطنية، وتفسح المجال أمام عملية ادماج المجاميع الماقبل رأسمالية، والهويات الفرعية في هوية وطنية واحدة.
والمرحلة الثانية تتمثل في دمج الهويات الوطنية المنجزة في هوية الأمة الواحدة، بعدما يتم تخطي واقع المجتمع البدائي المتخلف، إلى المجتمع المنتج الحديث.
مدخل للحوار:
من المهم الوعي الحقيقي المسبق في الفرق الجوهري بين الهوية القطرية والهوية الوطنية، والتميز بينهما هو الذي يسهم في فسح المجال واسعاً للحوار العلمي الموضوعي حول هذه المسألة التي ما تزال ملتبسة وعصبوية وعصابية عند الكثير من النخب والمهتمين.
1.الهوية القطرية: هي تعبير عن تجميع هويات فرعية، هويات المجاميع الماقبل الرأسمالية، التي تتعايش مع بعضها البعض ضمن مساحة جغرافية – دولة – محددة مفروضة، بفعل قوة تبعية المحيط وهيمنة المركز الرأسمالي العالمي، فيتم فرض هويات مجاميع تتعايش فيما بينها بفعل القوة، وفي الوقت ذاته لا يسمح لها الاندماج فيما بينها بحيث تشكل الهوية الوطنية المنتجة.
2. الهوية الوطنية المنتجة هي التعبير الحقيقي للمجتمع الحديث المنتج، وتتشكل بفعل إنجاز الثورة الوطنية الديموقراطية ، التي تحقق شرط كسر التبعية وتفتح الافاق أمام تطور قوى الانتاج الوطني، أي إحادث التنمية الوطنية المتمحورة حول الذات، التي هي القاعدة المادية لدمج المجاميع في مجتمع موحد وهوية وطنية واحدة، أي تحقيق مهمة الإندماج بين المجاميع لكي يتشكل المجتمع الموحد المنتج، والهوية الوطنية الموحدة.
يحتدم النقاش هذه الأيام حول الهوية بالمفهوم العام، حيث تنخرط مجموعات “مسيسة” في هذا النقاش:
من منظار رومنسي يستند إلى مقولة الشعور المشترك، أو من منطلقات تستند إلى العصبة أو العصوبوية ، ومجموعة ثالثة تستند إلى مفاهيم أكاديمية بحته، أي تستند إلى قوالب من نماذج إجتماعية سائدة موصوفة بمنظومة محددة مسبقاً.
في المقابل فأن مجموعة أخرى تنطلق من فهم للهوية في سياق التطور الموضوعي في الواقع، غير الجامد والثابت، فهم الهوية في سياق التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية، ودرجة تطورها في مرحلة تاريخية محددة، انطلاقاً من كون الهوية منتج إجتماعي يتطور مع تطور المجتمع ذاته، وليس شكلاً ثابتاً ولا معطىً ثابتاً.
يتركز الحوار السائد اليوم، وفي معظمه بين صفوف النخب بشكلٍ أساسي، حول الهوية على بعدها النظري والاكاديمي المثالي ، أي حول المفاهيم والمصطلحات، ماذا يخدم هذا النقاش على هذه الصيغة.
أن أهمية الحوار حول هذا الموضوع، بعيداً عن التخندق والتعصب والأوهام الموروثة، يجب أن يتم عل أرضية منهج التحليل العلمي، وبما يخدم الهدف من طرحه، بحيث يأخذ بنظر الإعتبار أهمية ووظيفة هذا الحوار في سياق المشروع الوطني ذاته:
مفهوم الهوية في سياق مشروع النضال، بل هو موضوع نضال في سياق مشروع،
وليس موضوع توافق أو اختلاف حول المصطلح والعنوان .
أين يقع موضوع الحوار حول الهوية ضمن مشروع التحرر الوطني؟.
الهدف الرئيس من مشروع التحرر الوطني هو إنجاز الثورة الوطنية الديموقراطية، من أجل:
• فتح الآفاق أمام التطور الطبيعي للمجتمع، أي كسر القيود والمعوقات أمام تطور قوى الإنتاج الوطني، وتحقيق التحول نحو الإنتاج على كافة الصعد: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية…الخ.
• دمج المجاميع الماقبل الرأسمالية، المجاميع البدائية: قبلية، عشائرية، أثنية، مذهبية طائفية،…الخ في مجتمع موحد ومنتج، وهوية اجتماعية واحدة منتجة، من خلال كسر التبعية للمركز الرأسمالي المهيمن، وتحقيق التنمية الوطنية المتحورة حول الذات.
بالمقابل يعمل المركز الرأسمالي وعلى كافة المستويات والصعد: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من أجل ضمان إستمرار التبعية: الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وفي مقدمتها الحفاظ على بنية وهوية المجتمع الماقبل الرأسمالي، هويات المجاميع الماقبل الرأسمالية، بصفتها البنية السلبية الخانعة والمتناحرة فيما بينها، القابلة لاستمرار الاستغلال، بما يخدم مخططات ضمان استمرار هيمنة المركز.
النظرة إلى الهوية في الواقع الأردني:
كانت جغرافيا شرق نهرالأردن كما هي جغرافيا غربه، تشكل الوطن القومي الموعود لليهود، وعد بلفور، ونتيجة لمصالح الدولة الاستعمارية البريطانية أنذاك، وبناء على رؤيا استراتيجية، تم استثناء شرق النهر من هذا الوعد عام 1920 وتقرر تشكيل إمارة شرق الأردن، عام 1921، لخدمة إنفاذ مشروع ” سايكس – بيكو” تقسيم المشرق العربي إلى مناطق نفوذ واستغلال بين قطبي الرأسمالية القومية أنذاك: البريطانية والفرنسية، وتهيئة منطقة شرق النهر لتكون الحاضنة لعمليات التهجير القسري المبرمج للشعب الفلسطيني، من جهة، ومن جهة ثانية حاضنة لإستقبال لاجئين آخرين من دول المشرق العربي نتيجة حالة التشظي والانفجارات المخطط لها مسبقاً في المنطقة، وهوما نعيشه اليوم، هذا السبب الحقيقي الذي يقف خلف إبقاء التشكيلة الأجتماعية البدائية هي السائدة عبر كل هذه العقود، أي منع تشكل المجتمع الحديث المنتج، ولذلك أستمر الخطاب الرسمي بوصف المجتمع بكافة المنابت والأصول، أي مجاميع وليس مجتمع.
كان المجتمع في تلك المرحلة ينقسم إلى مجموعتين رئستين، مجموعة البدو التي تعتمد الرعي والغزو نمط انتاج، مقابل مجموعة فلاحين وحضر تعتمد الزراعة والتجارة والحرف، انماط انتاج بدائية ، وكانت البنية العشائرية هي المهيمنة على المجموعتين، العشائر البدوية والعشائر الفلاحية، وسادت علاقة التوتر والحروب والغزو فيما بينها، أنه المجتمع الماقبل الرأسمالي.
المرحلة الثانية: فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، وخصوصاً بعد ضم ما تبقى من فلسطين ” الضفة الغربية” وتأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، نشأ شكل مجاميع جديدة، مجموعة من الأجئين شرق النهر، لا تنتمي لأي من المجموعتين السابقتين، ومدن وقرى غرب النهر مدنية وفلاحية. خلال فترة قصيرة تمكنت القوى الوطنية الأردنية، التي تشكلت أثر إندماج التشكيلات السياسية والأيدولوجية المتماثلة، من بناء الأطر الجماهيرية: العمالية والفلاحية والنسائية والطلابية والشبيبية، والأندية الثقافية والرياضية والأجتماعية، التي ساهمت في إندماج المجاميع إلى حدٍ ما، ظاهرياً، كما وساهمت مؤسسات الدولة المختلفة ، وخاصة الجيش في عملية الإندماج هذه.
المرحلة الثالثة : مرحلة ما بعد أيلول عام 1970 حيث ظهر الشرخ الأقليمي وتعمق على مدى عقدين، كشرخ رئيس، مقابل تضائل أشكال الشروخ السابقة.
المرحلة الرابعة : مرحلة ما بعد إنفاذ “توافقات واشنطن ” ورفع يد الدولة عن رعاية المجتمع، والتي كانت بالأساس في الحدود الدنيا ، فعادت حروب المجاميع البدائية العشائرية إلى الظهور في المدن والقرى والجامعات، كشروخ رئيسة، بالإضافة التي تفسخ العلاقات والعادات الأجتماعية وانفلاتها.
بسبب التبعية بقيت السمة الرئيسة السائدة، طيلة عمر الدولة الأردنية، الإمارة والمملكة، سمة المجاميع الماقبل الرأسمالية : العشائرية والأقليمية الطائفية الجهوية والأثنية،
والهوية القطرية هي هوية تجميع، وليس دمج، هويات المجاميع الماقبل الرأسمالية.
وبسبب قانون التبعية فرض ما يسمى بالهوية القطرية على الأردن، وكافة الدول العربية، أي هوية المجاميع الماقبل الرأسمالية، نتيجة لحجز تطورها الطبيعي ، حجز التنمية الوطنية المتمحورة حول الذات في هذه المنطقة، وإبقائها دول ومجتمعات مستهلكة.
أحد المهمات الرئيسة لحركة التحرر الوطني: إحداث “الإندماج المجتمعي” ادماج المجاميع الماقبل الرأسمالية لتشكيل المجتمع المنتج الحديث والهوية الوطنية المنتجة، فالإندماج الوطني هي الخطوة الأولى والشرط الرئيس لتحقيق هدف وحدة الأمة العربية، عبر أندماج مكوناتها بعد نضوج شروطها، فتجربة الوحدة المصرية السورية وأنهيارها في قمة النهوض ” القومي” مثالاً، وإنفراط العقد الإجتماعي في العراق، والعودة إلى المجاميع الماقبل الرأسمالية بعد الغزو الأمريكي مثالاً، وتقسيم السودان مثالاً آخراً وتفكيك ليبيا مثالاً، وتفخيخ اليمن وتفتيت الصومال، …الخ.
المطلوب الوعي بعملية تزييف الوعي التي تمت طيلة الفترة السابقة، بخصوص إحداث تماهي ما بين :
الهوية القطرية، هوية المجاميع الماقبل رأسمالية،
مع الهوية الوطنية، هوية ادماج هذه المجاميع في مجتمع موحد منتج حديث.
خلاصة
المشكلة هي حالة العصاب السائدة في مناقشة موضوع الهوية، حيث يتم استقطاب وهمي وساذج ، على أرضية الهوية القطرية والهوية ” القومية ” استقطاب تزييف الوعي.
الاستقطاب الحقيقي يجب أن يكون حول بناء الهوية الوطنية الحديثة المنتجة كخطوة أولى في سبيل الهوية العروبية الجامعة الموحدة المنتجة.
مهمة بناء الهوية الوطنية المنتجة خطوة أولى شرطية، من أجل بناء الهوية العروبية الموحدة الجامعة، هي مهمة نضالية أساسية من مهمات مرحلة التحرر الوطني العربي.
شرط إنجاز هذه المهمة، وهي ليست سهلة، إنفاذ مشروع التحرر الوطني العربي، وبناء الحامل الإجتماعي لهذا المشروع، وتحديداً من الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة، من أجل بناء الهوية الوطنية المنتجة كخطوة أولى رئيس لبناء هوية الأمة الموحدة المنتجة.
وإنجاز هذه المهمة يشترط بناء الأطر الممثلة لهذه الشرائح: العمالية والفلاحية والصناعية والاتحادات الجماهيرية والأندية … الخ وتحرير ما وجد منها من قبضة قوى التبعية المحلية، وتفعيلها في مجرى النضال اليومي، لكي تشكل الحامل الأجتماعي لمشروع التحرر الوطني، وبناء الهوية الوطنية المنتجة مقدمة لبناء هوية الأمة الموحدة المنتجة.
إحترام قوانين الصراع العلمي، وفي مقدمتها قانون التراكم وفي كافة المجالات: النضالية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية شرط إنجاز الثورة الوطنية الديموقراطية.
إنجاز الهوية الوطنية المنتجة مقدمة شرطية لإنجاز هوية الأمة الموحدة المنتجة
” كلكم للوطن والوطن لكم”
التعليقات مغلقة.