التخلّي عن شعار “الاسلام هو الحل” في مواجهة الفن / د. مخلد الزيودي
د. مخلد الزيودي ( الأردن ) السبت 17/9/2016 م …
على مرمى حجر من نقابة الفنانين الاردنيين، رابطة الكتاب الاردنيين ورابطة الفنانين التشكيليين وعشرات الهيئات الثقافية في محيط الدائرة الثالثة في العاصمة عمان، هاجم الحقوقي صالح العرموطي – مرشح جبهة العمل الاسلامي – الفن والفنانين واستخدم مفردات لا تليق برجل قانون ونقيب للمحامين لعدة دورات، ولا بمرشح لتنظيم سياسي من المفترض انه يدرك حجم الكارثة التي انتجها التطرف والتشدد واقصاء الآخر واحتكار معرفة الله والايمان على فئة بعينها. ولا بتنظيم سياسي يخوض الانتخابات النيابية ولأول مرة ضمن قوائم تمثل التنوع والتعددية.
يذكرنا موقف المحامي العرموطي من الفن والفنانين بموقف معاكس تماما لموقف ‘حسن الترابي’ الذي خاطب وفد النقابات المهنية الاردنية في الخرطوم ردا على مداخلة الفنان الاردني ‘نصر الزعبي’ امين سر نقابة الفنانين الأردنيين آنذاك حول دور الموسيقى والفنون الدرامية في صناعة وتوجيه الرأي العام – رد الترابي ‘…. بأن الفنون في عصرنا الحالي من أهم وأسرع وسائل مخاطبة الجماهير ونشر الوعي بينها، وان الجماعات الاسلامية في العالم العربي لم تدرك بعد اهمية ذلك، ولو عاد بنا الزمن الى الوراء لدرست الفنون الموسيقية….’
الملاحظ ان جبهة العمل الاسلامي لم يرد في أدبياتها وبرامجها اي اهتمام يذكر بالشأن الثقافي والفني بوصفة وسيلة فعّالة لصناعة وصياغة الرأي العام من خلال توظيف المُنتج الثقافي والفني لخدمة خطاب الجبهة وبرامجها، مكتفية بالقران الكريم بوصفه ابداع الخالق والسنة النبوية بوصفها اهم انجاز ثقافي وفني عرفته الامة واعتمدته برنامجا لها، وبناء عليه اتخذت موقفا عقائديا ‘عدائيا’ من ايّ منجز ثقافي، فني لا ينسجم مع توجهاتها.
لم تقدم جبهة العمل الاسلامي شاعرا ولا روائيا ولا قاصا ولا فنانا تشكيليا ولا كاتبا دراميا يتبنى بالحد الادنى وجهة نظرها وينشر افكارها، ولم تنتج مسلسلا تلفزيونيا او فلما سينمائيا يدافع بالحد الادنى عن الاسلام وما يتعرض له من تشويه او حتى عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وما يتعرض له من اساءة عبر كافة اشكال الانتاج الفني والاعلامي.
موقف (عدمّي) لا يُدرك القائمون عليه حجم تأثير وسائل الاتصال وتطورها ودورها، موقف ادى الى حدّ غياب البحث والانتاج العلمي في مجال الدراسات والابحاث العلمية والمؤلفات التي تتناول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية ووجهة نظر الجبهة في اقتراح حلول لها وآليات تنفيذها!!
موقف غيّب بروز اسماء من الجبهة في وسائل الاعلام العربي والدولي لها وزن يؤثر في الرأي العام.
بالمقابل يصنّف ‘راشد الغنوشي’ الأول في قائمة أفضل 100 مفكر في العالم بالتشارك مع آخرين من قبل مجلة فورين بوليسي، وتحقق مؤلفاته النوعية انتشارا واسعا واعادة طباعتها عدة طبعات ولم يكتف بذلك بل ترجم عدد من المؤلفات لمفكرين اسلاميين الى الانجليزية والفرنسية واعتُمدت مؤلفات ‘الغنوشي’ مصادر ومرجعيات لعدد من الاحزاب والجماعات السياسية في العالم الاسلامي وتُدرّس ضمن المناهج الدراسية في عدد من الجامعات الغربية. وجاء كتابه (حق الاختلاف وواجب وحدة الصف) نموذجا للحوار والتعايش والاحترام المتبادل بين مكونات المجتمع الواحد.
وشكّل وصول حزب النهضة لسدة الحكم في تونس وتناوب السلطة مع غيره من الاحزاب دليلا على جدوى الأثر الذي تحقق عبر سنوات من خلال برنامجه الثقافي الذي ساهم في نشر الوعي وجاء جزءا من مقدمات الربيع العربي.
لم تُدرك جبهة العمل الاسلامي بعد، تراجع دور الاسلام السياسي نتيجة لظروف اقليمية ودولية وحجم التشويه الذي لحق بالإسلام.
محليا انخرطت الجبهة في لعبة الانتخابات النيابية ضمن قوائم مفتوحة وتخلّت عن شعار ‘الاسلام هو الحل’ ونكّست رايتها الخضراء، بالرغم من هذا التحوّل، لازال الموقف العقائدي العدائي الرافض للخطاب الثقافي بشقيه الرسمي والاهلي وأدوات انتاجه ونشره قائماً لدى الجبهة. بالمقابل لم تنجح في تقديم نموذج بديل يستطيع الدفاع بالحد الادنى عن مبادئها وقناعاتها بل أعادت انتاج وتكريّس خطاب ديني اجتزأت منه ما يُعزّز الكراهية بين ابناء المجتمع الواحد وأهملت منه دعوات التسامح والاحترام المتبادل.
ان ما ورد على لسان مرشح جبهة العمل الاسلامي المحامي صالح العرموطي من انكار لدور الفن والاساءة للفنانين دليل على قصور في الرؤيا وعدم القدرة على مواكبة ايقاع العصر المتسارع وكأن جبهة العمل الاسلامي قد انجزت مشروعها بالكامل واوجدت الحلول لكافة المشاكل التي تواجه الامة ولذلك تخلّت عن ‘شعار الاسلام هو الحل’ في برنامجها الانتخابي من اجل مواجهة الفن والعاملين به واختارت مرشحها عن الدائرة الثالثة في عمان لسهولة الوصول الى نقابة الفنانين الاردنيين، رابطة الكتاب الاردنيين ورابطة الفنانين التشكيليين.
التعليقات مغلقة.