كامب ديفيد والتطبيق الأمريكي، لنظرية العمود المزدوج في آسيا … سيناريو بورما ومسلسل الصراع الصيني – الأمريكي / المحامي محمد احمد الروسان

 المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – السبت 19/8/2023 م …




  • عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية …

** السياسة الصينية: بين خيار تغيير الاتجاه أم خيار إبقاء الاتجاه؟

المعطيات والوقائع الجارية تتحدث بعمق، بأنّ نواة الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية(البلدربيرغ)، والمجمّع الصناعي الحربي الأمريكي والحكومة الأوتوقراطية فيه، والشركات المتعددة الجنسيات التابعة له، كإحدى الأدوات التدخلية في جلّ ساحات المعمورة، ان لجهة القويّة، وان لجهة الضعيفة منها، يستثمرون في تفاصيل الوقت ومنحنياته، لكي تمر فترة الحكم المتبقية لإدارة الديمقراطي جو بايدن بسلام، بدون تفاقم الوصول الى حرب نووية تكتيكية بحدها الأدنى، والذي قتل بعهده عندما كان نائب رئيس، وعهد زميله باراك حسين أوباما، من المسلمين والعرب، أكثر من أي رئيس ونائب رئيس أمريكي سابق، عبر الاستثمار في دم الأيديولوجيا، وحروب الوكالة لإنتاج الإرهاب، من خلال الحركات الجهادية السلفية التكفيرية، وتحالف المسيحية الصهيونية، واليهودية الصهيونية، وبعض بعض العرب، والمسلمين المتصهينين معها، وستستمر بأثر مستقبلي، الى أن يحدث التفاهم الدولي على سلّة المصالح.

فهم مبدعون الأمريكان، بإستراتيجية الاستثمار بالوقت، على مجمل العلاقات الدولية في المنطقة والعالم من الزاوية الولاياتية الأمريكية الصرفة، وعلى طول خطوط العلاقات الروسية الأمريكية الغربية، والصينية الأمريكية الغربية ووكلاء الأمريكي في بحر الصين الجنوبي، فهناك حالات من الكباش السياسي والعسكري والاقتصادي والدبلوماسي والأمني الإستراتيجي تتعمّق بشكل عرضي ورأسي، وتضارب المصالح والصراعات على أوروبا والحدائق الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية، في دول وساحات أمريكا اللاتينية وحلفها، ومثيلتها الحدائق الخلفية للفدرالية الروسية وحلفها، والمجالات الحيوية للصين واستخدامات أمريكية جديدة للياباني ازاء الروسي بخصوص جزر الكورال المتنازع عليها بين روسيّا واليابان، مع توظيفات للفيتنامي والفلبيني والماليزي وسلطنة بروناي في مواجهات مع الصيني على السيادة على بحر الصين الجنوبي، ضمن استراتيجية الاستدارة الأمريكية نحو أسيا وغربها وجنوب شرقها، بعد أن أوغل وأدمى الأمريكي قلب الشرق سورية، بتوظيفات لوكلائه من بعض العرب وبعض المسلمين.

إذاً إلى حد ما ثمة تدهور في العلاقات بين روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين من جهة أخرى، استناداً إلى تدفقات الأخبار والمعلومات التي تكشف كل يوم الدور المتعاظم والمتزايد الذي تقوم به موسكو والصين في مواجهة تحديات النفوذ والهيمنة الأمريكية. 

بعروقها الجغرافية الكثيرة والمتعددة، تتميز القارة الآسيوية على أهميتها وتفاعلاتها ومفاعيلها، لميكانيزميات عالم ما بعد المواجهة الروسية الأطلسية، وعالم ما بعد الناتو وبدونه، بصعود العديد من دولها، إلى مصاف القوى العظمى والقوى الكبرى الجديدة الناشئة، ويمكن رصد هذه الدول ضمن مجموعتين:

الأولى: دول في حالة صعود إلى قوى عظمى: وتتمثل في الصين، وروسيا، باعتبارهما دولتان آسيوية وأوروبية، بالرغم من أنّ الروس، أقرب الى الشرق، منهم الى الغرب.

الثانية: دول في حالة صعود إلى قوى كبرى، مثل: الهند، وكازاخستان، وإيران، إضافة إلى باكستان.

والسؤال للتحفيز على التفكير هو: ما هو الإدراك الأمريكي لذلك:

منذ عام 2000م، وجلّ الرؤساء الأمريكان، يتحدثون عن التحدي الصيني، فقد وصف الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش الصين، بأنّها ستشكل تحدياً حقيقياً ضد قدرة واشنطن المستقبلية، في حماية المصالح الأمريكية، وقال الرئيس الأسبق بوش أيضاً: بأنّ الصين بجلّها، تمثل حالياً ومستقبلاً، المنافس الاستراتيجي والعسكري الرئيسي للولايات المتحدة في العالم، وفي عام 2005م: قام روبرت زوليك نائب وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، بتحذير الصين صراحة، بأنّ لا تحاول السعي للقيام بانقلاب، ضد الهيمنة الأمريكية في العالم.

لقد لجأت الإدارة الأمريكية الحاكمة في البيت الأبيض والناطقة باسم جنيين الحكومة الأممية البلدربيرغ، إلى استخدام أسلوب نظرية(العمود المزدوج)التي سبق أن استخدمتها في منطقة الخليج، خلال الحرب الباردة، والتي تعود – أي الحرب الباردة – من جديد، ولكن بصورة مختلفة، وبوصفها حرب باردة مرتفعة الشدّة، بفعل تفاعلات ومفاعيل المواجهة الروسية الأطلسية، عبر ما تبقى من جغرافية أوكرانيا، وذلك من أجل السيطرة على ترتيبات الأمن الإقليمي، ومن ورائه وعبره، التأثير في الأمن الدولي المعولم.

حسناً: على ماذا تقوم هذه النظرية؟ والجواب: يقوم التطبيق الأمريكي، لنظرية العمود المزدوج في آسيا على النحو الآتي:

تنشيط التحالفات العسكرية الثنائية بين أمريكا وحلفائها، والانتشار المتقدم للقوات الأمريكية في المنطقة، وتعزيزاً لهذين الجانبين: قامت واشنطن دي سي، ببعض الجهود والتحركات والتي من أبرزها:

التأكيد على وجود القوات الأمريكية بشكل دائم في اليابان، وكوريا الجنوبية(لتهديد شرق الصين)قمة كامب ديفيد الثلاثية الأخيرة: واشنطن وطوكيو وكوريا الجنوبية.

بناء التحالفات العسكرية مع تايلاند والفلبين وسنغافورة (لتهديد جنوب الصين).

إقامة القواعد الأمريكية وتعزيز القوّات، في أفغانستان(الأمريكي أعاد انتشاره فيها ولم ينسحب، ويتحالف من جديد مع طالبان وجلّ الإسلام السياسي، وما جرى هناك فقط: شوى، لغايات التعمية العسكرية، وهذا مكشوف للصين وروسيا وايران، ومخابرات واستخبارات هذه الدول، تفعل فعلها وبصمت – شبه القارة الهندية مهمة جداً لواشنطن)، كذلك إقامة المزيد من القواعد، وارسال المزيد من القوّات، في والى الباكستان، وبعض دول آسيا الوسطى كذلك(لتهديد غرب الصين).

أمّا على المستوى الاستراتيجي، فقد قامت الولايات المتحدة بنشر أسلحة الدمار الشامل، وقدراتها العسكرية النووية والباكستانية، بعد إزاحة عمران خان عن السلطة وسجنه، وتشكيل حكومة انتقالية جديدة، تشرف على الانتخابات القادمة، لضمان عودة حكومة دمية ومطواعة، كأداة لواشنطن في شبه القارة الهندية، في مناطق بحر الصين الجنوبي، ومناطق المحيط الباسفيكي المواجهة للصين، كذلك قامت الولايات المتحدة، بإقامة شراكة استراتيجية عسكرية، استخبارية، اقتصادية، سياسية مع استراليا، باعتبارها الحليف الرئيسي لأمريكا والغرب في المنطقة.

على المستوى الإقليمي، تحاول الولايات المتحدة، بناء تحالف كبير مع الهند، وذلك من أجل تأهيلها، لتصبح قوّة كبرى إقليمية، تتعاون مع أمريكا في استهداف الصين، ويراهن الأمريكيون، على إشعال فتيل نيران الصراعات الآتية من القارة الآسيوية، ونقل عدواها إلى الصين.

– إشعال صراع هندوسي – كونفوشوسي – بوذي، على غرار نموذج الصراع السني – الشيعي في الشرق الاوسط.

– اشعال صراع إسلامي – بوذي – هندوسي في منطقة البنغال، والهملايا.

وكذلك تخطط وتعمل الإدارة الأمريكية – أي إدارة أمريكية قادمة، إلى دعم وقدرة الهند، لكي تكون قوة اقتصادية وصناعية، تنتج نفس السلع التي تحتاج لها أمريكا، وتقوم باستيرادها من الصين، وذلك بما يؤدي إلى قيام أمريكا، بالحصول على كافة احتياجاتها من الهند، بشكل يؤدي إلى إضعاف قدرة الصين الاقتصادية.

تخطط وتعمل الإدارة الأمريكية – واي إدارة قادمة، إلى محاصرة الصين نفطياً، وذلك عن طريق السيطرة على مصادر إمدادات الصين النفطية، وعرقلة مشروع تمديد أنابيب النفط، الذي بدء بإنشائه، قبيل المواجهة الروسية الأطلسية الحالية، غبر ما تبقى من جغرافية أوكرانيا والتي تتلاشى، الذي تم الاتفاق عليه بين روسيا، كازاخستان، قيرغيزستان، منغوليا، الصين.

وعموماً: الأداء السلوكي العسكري الأمريكي خلال الفترة الماضية: يطرح أكثر من دلالة على طبيعة ومضمون التوجهات الأمريكية، فقد قامت أمريكا بالآتي:

– إجراء مناورات عسكرية يابانية – أمريكية، وستجري المزيد منها، وقمة كامب ديفيد الثلاثية أكّدت على ذلك.

– إجراء مناورات عسكرية كورية جنوبية – أمريكية، وستجري المزيد منها.

– كما قامت علناً وسراً واشنطن: الإعلان عن تزويد تايوان بالمزيد من طائرات اف16، و18 وتعزيز قدراتها الصاروخية الباليستية.

– نشر المزيد من سفن البحرية الأمريكية في مناطق بحر الصين الجنوبي الشمالي.

– إرسال المزيد من أقمار التجسس إلى الفضاء الصاروخي، بهدف رصد التطورات الميدانية الجارية في الصين.

انّ النظام الأمني الآسيوي، الذي تسعى الإدارة الأمريكية إلى ربط حلقاته وتقوية مفاصله، سوف يحاول التركيز على عزل الصين، عن أي ترتيبات أمنية آسيوية، وذلك عن طريق استخدام الضغوط الاقتصادية الأمريكية، وصولاً إلى تطويع إرادة كل من اليابان، كوريا الجنوبية، تايوان، فيتنام، لاوس، كمبوديا، ماليزيا، أندونيسيا، الهند، باكستان، استراليا، نيوزيلندا، باكستان، أفغانستان، منغوليا، قيرغيزستان، كازاخستان، ودفعها جميعاً  إلى بناء تحالف أمني عسكري اقتصادي سياسي، تشرف عليه وترعاه أمريكا من أجل(حماية هذه الدول من الخطر الصيني القادم)!! …. كما تزعم واشنطن دي سي، واليانكي الذي يديرها، عبر عميق الدولة وجنين حكومتها الأممية.

*السياسة الخارجية الصينية: بين خيار تغيير الاتجاه أم خيار إبقاء الاتجاه؟.

انّ سيناريو بورما، حاضر في الذهن الأمريكي، وفي عقل عميق الدولة ومفاصل حكمها، لغايات تنفيذ مخطط تطويق الصين: حيث تنطوي علاقات خط  بكين – واشنطن، على المزيد من القضايا والملفات المعقدة الشائكة، التي ستحدد نتائجها، ليس مستقبل الصين فحسب، وإنما مستقبل النظام الدولي، والذي يذهب بثبات، الى نظام متعدد الأقطاب، بفعل المواجهة الروسية الأطلسية، وبسبب سعي الولايات المتحدة إلى المضي قدماً، في تنفيذ مخطط تطويق الفدرالية الروسية ومن ورائها الصين، فإنّ الصين بالمقابل، أصبحت تسعى باتجاه اعتماد الأساليب الوقائية، التي تجعل من مخطط التطويق الأمريكي بلا فائدة ولا جدوى، كما فعلت موسكو، ولكن عن طريق العملية العسكرية الروسية الخاصة والمشروعة، في الداخل الأوكراني.

انّ سيناريو بورما، هو الحلقة الجديدة، في مسلسل الصراع الصيني – الأمريكي: جيث تجاور بورما الصين من الناحية الجنوبية الغربية، بحيث يطل شمال بورما على الصين، وغرب بورما على المحيط الهندي، وتقول المعلومات أن الصين تخطط حالياً، لتوسيع شراكتها وروابطها مع بورما، بحيث تتمتع بمزايا استخدام السواحل البورمية، كمنافذ لتدفقات التجارة، وإمدادات النفط والغاز، بما يتيح للصين التفادي الاستباقي، لاحتمالات التعرض لحصار، تفرضه أمريكا وحلفائها، بالسيطرة على منطقة بحر الصين الجنوبي وإغلاق ممر ملقة.

أمّا واشنطن، فتسعى إلى الفوضى واللعب، بالنظام السياسي البورمي، عن طريق دعم المعارضة السياسية البورمية، والجماعات الإثنية المسلحة، من أجل إشعال ثورة ملونة في بورما، إضافة لذلك ظلت واشنطن تلجأ باستمرار إلى دفع مجلس الأمن الدولي وحلفائها، لفرض وتشديد العقوبات المتعددة الأطراف والأنواع، ضد النظام البورمي بتهمة انتهاكات حقوق الإنسان المتزايدة في بورما.

لم تتضح الصورة النهائية، ولم يتحدد بعد الى الآن، مصير هيكلة الحكم السياسي في النظام البورمي، فهو من جهة يعتمد في بقائه واستمراره على الدعم الصيني، أملاً في التغلب على تأثيرات الحظر والخطر الأمريكي المتزايدة، وهو الخطر الاستراتيجي المتفاقم، والذي لم يعد أمريكياً وحسب، وإنما أصبح هندياً، بسبب ازدهار العلاقات الأمريكية – الهندية وتدهور و\ أو برود مرتفع الشدّة على طول العلاقات الصينية – الهندية.

وعلى أساس هذا الأدراك المزدوج، فأين تتموقع السياسة الخارجية الصينية وتتموضع، بين خيار تغيير الاتجاه أم خيار إبقاء الاتجاه؟.

الاختيار الأكثر صرامة، لخطوة تغيير الاتجاه الصينية، يتمثل في الكيفية ونوعية الكيفية، التي أصبحت تتصرف بها في المنطقة، التي تمثل فنائها الخلفي، حيث الاهتمامات التي تتعلق بترقية وتطوير الحدود الثابتة المستقرة، وتفادي التطويق المحتمل، بواسطة حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، وهو التطويق الذي أصبح مجرد ذكر اسمه، يخلق تأثيراً متزايداً، في حسابات بكين السياسية والاستراتيجية.

وعلى المثيل والتماثل، من كوريا الشمالية والسودان، فإن بورما تمثل كذلك بالقدر ذاته، تابعاً استراتيجياً هاماً ومصدر إرباك حرج للصين، هذا ولبكين مصالح معترف بها في بورما بشكل واضح، خاصة وأن بورما هي: بلد مجاور وحليف وثيق الصلة وموطن(حالي)لمليون مواطن صيني، إضافة إلى المخاوف، إزاء المشاكل التي ظلت ماثلة ومستمرة لفترة طويلة مثل تجارة المخدرات، والجريمة العابرة للحدود، وتزايد طفحان وتمدد أنشطة التمرد المسلحة في بورما، فقد ظلت بكين تأمل برغم ذلك، في استخدام موانئ بورما، وطرق المواصلات الجديدة العابرة لبورما، من أجل ربط الصين مع الهند، بما يتيح تطوير وتنمية أقاليم ومقاطعات منطقة جنوب غرب الصين، وهي المنطقة التي ظلت تعاني من الانغلاق والفقر الشديد.

سعت الصين إلى تسهيل شحن النفط القادم من إفريقيا والشرق الأوسط، عن طريق بناء خط أنابيب لنقل النفط والغاز بدءاً من شواطئ غرب بورما، وحتى يواننان وسيشوان الصينيتان، بدلاً من المرور عبر ممر ملقة البحري، الخاضع للرقابة والتفتيش الدقيق.

برغم ذلك، فإن صبر الصين واحتمالها للطغمة البورمية الحاكمة في حينه ووقته، أصبح يبدو وكأنه بدأ أو بالأحرى على وشك النفاذ، فلعدة سنوات خلت ظلت بكين تشجع الطغمة البورمية، من أجل انتهاج النموذج الصيني في الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، بهدف مساعدة النظام البورمي في تعزيز وتقوية حكمه، وضمان استقراره واستعادة القبول الدولي له، ففيما مضى، دعمت الصين رئيس الوزراء البورمي السابق خين نيونيت، الذي اعتبرته بكين زعيماً إصلاحياً، على غرار نموذج الزعيم الصيني الإصلاحي السابق دينغ، ولكن ما حدث تمثل في أن الصين نظرت إلى نيونيت، وهو يطاح به في عام 2004م، وفي الوقت الذي تزايد فيه تطرف النظام البورمي آنذاك، أصبحت ثقة الصين باهتة، إزاء قدرة الطغمة البورمية، في إجراء الإصلاح، ولكن مع ذلك: فقد تحولت بكين من تقديم الدعم، إلى ممارسة الضغوط على النظام البورمي، وهو تحول حدث فقط بعد أن انكشف أمر الدعم الصيني للنظام البورمي في مجلس الأمن الدولي.

وفي منتصف عام 2006م، وزعت الولايات المتحدة الأمريكية مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي، بإطلاق سراح السجناء السياسيين، وإدانة انتهاك حقوق الإنسان في بورما، ويطالب باستحداث عملية سياسية، تؤدي لإحداث تحول ديمقراطي حقيقي في بورما، وعليه: فقد دبّرت الصين مرتين أمر منع وإعاقة طرح مشروع القرار الأمريكي للمناقشة والنظر في المجلس، ولكن عندما نجحت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة(بريطانيا)في طرح مشروع القرار للتصويت في المجلس، لجأت الصين إلى استخدام الفيتو(النقض)ضد المشروع(والشيء ذاته قامت به معها روسيا)وهي المرة الأولى في وقته وحينه، منذ عام 1973 التي تستخدم فيها بكين حق الفيتو، في موضوع لا علاقة له بتايوان، ولكنها لاحقا استخدمت حق النقض بالتعاون مع روسيا من أجل سوريا ثلاثة مرات بشكل صيني روسي مزدوج، وفي الوقت ذاته طالبت بكين النظام البورمي بأن: يستمع إلى نداء شعبه.. ويقوم بتسريع الحوار والإصلاحات.

وبعد ذلك مباشرةً، أشارت الصين للطغمة البورمية، أن حماية الصين لها، نابعة من رغبتها الكبيرة في المضي قدماً بالإصلاحات السياسية، واتخاذ خطوات أقل مواجهة مع الأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية الأخرى.

أرسلت بكين تانغ جي غوانغ رئيس مجلس الدولة الصيني في ذلك الوقت، إلى بورما لنقل هذه الرسالة بشكل مباشر إلى الرئيس البورمي في ذلك الوقت ايضاً: الجنرال زيهان شيوي.

 ووقعت الحكومة البورمية حينها، اتفاقية جديدة مع منظمة العمل الدولية، التي كانت قد هددت بطرد بورما من عضويتها، ولاحقاً بعد أشهر قليلة، وبعد زيارة رئيس الوزراء البورمي المكلف زهايين شايين في حينه إلى بكين، أعلنت الطغمة البورمية بشكل غير متوقع، عن استئناف انعقاد مؤتمر الهيئة الوطنية الذي توقف طويلاً، والذي كان من المفترض أن يمهد السبيل لإعداد الدستور الجديد، وإجراء الانتخابات البورمية والتي حدثت لاحقاً.

 وبرغم أن الصين، كانت تضغط على النظام البورمي لتسوية مطالب الجماعات الإثنية البورمية، وعندما وافقت هذه الجماعات على الوساطة الصينية، لكن الصين لم تقدم شيئاً جديداً لها، وإنما بدأت باستخدام أسلوب النظام البورمي نفسه معها، فقد تم عقد اجتماع في كونمينغ، ضم زعماء العديد من الجماعات الإثنية البورمية، حيث مورست عليهم الضغوط للموافقة على نزع السلاح والقبول بشروط الطغمة البورمية.

 في جهد آخر، كثف المسؤولون الصينيون اتصالاتهم للوصول إلى المعارضة الديمقراطية البورمية، عن طريق استضافة ممثليها في اجتماعات يتم عقدها في الصين كانت من أبرزها تلك المحادثات بين الحكومة الأمريكية والحكومة البورمية التي تمت برعاية بكين في ذلك الوقت فيما مضى.

عندما أخفق مؤتمر الهيئة الوطنية البورمية في وضع تسوية سياسية مقبولة، واندلعت المظاهرات الاحتجاجية العامة في فصل الخريف في بورما في حينها، وذلك بسبب الزيادات المفاجئة الكبيرة في أسعار الوقود، التي فرضتها الحكومة، حدث أن سعت بكين إلى ممارسة الضغوط عليها من أجل انتهاج استراتيجيتها الإصلاحية، التي سبق أن حددتها للحكومة البورمية، وحتى عندما كانت الصين تقوم في الأمم المتحدة بمقاومة العقوبات متعددة الأطراف ضد بورما، فقد أيدت الصين بياناً صادراً من مجلس الأمن الدولي يستنكر بشدة استخدام الطغمة البورمية للعنف في قمع المظاهرات السلمية، إضافة لذلك فقد قبلت الصين دون معارضة أو رفض، ودون خوض في التفاصيل، بتمرير قرار الإدانة هذا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وضغطت الحكومة الصينية على الطغمة البورمية، للقيام باستقبال ابراهيم جانباري المبعوث الخاص للأمم المتحدة – في ذلك الوقت والزمان، كما سعت الصين إلى تأمين سبيل وصوله ومقابلته لكبار الجنرالات البورميين، وزعيم المعارضة البورمية أيونغ سان سيويو كييي في حينه.

وطوال فترة المظاهرات تلك، ظلت الحكومة الصينية تحث الطغمة البورمية بضرورة ضبط النفس، وأوضحت بكين للطغمة البورمية أن أولى الأولويات المهمة تتمثل في منع حدوث أي ثورة ملونة أخرى، وكيف ما كان اهتمام الصين إزاء السعي من أجل تحسين سمعتها الدولية، فإن بكين لم تكن راغبة في ذلك، ولا حتى في مطالبة النظام البورمي القائم آنذاك بـالانتحار وقتل نفسه.

إضافة لذلك، وإذا أخذنا بالاعتبار موضوع خطوط الأنابيب التي سيتم تمديدها، والاهتمام المخيف من جانب الهند لجهة رغبتها المتزايدة للوصول إلى موارد بورما، فإن الطغمة البورمية بالضرورة، تمكنت من حيلة اقتصادية: فبعد مرور الوقت الكافي من استخدام الصين للفيتو في ذلك الوقت، ضد قرار مجلس الأمن بإدانة بورما، منحت الحكومة البورمية القائمة آنذاك لإحدى الشركات الصينية، عقداً ضخماً يتيح لها القيام بأنشطة وأعمال الاستكشاف عن النفط والغاز، وقد تم ذلك برغم أن الطغمة البورمية تلك، تلقت عرضاً آخر أفضل من إحدى الجهات الهندية المنافسة.

في نهاية الأمر: عمل قادة الصين بجهد كبير حول كيفية التجاوب، ومواجهة الخطر المحدق بأمن الطاقة الصيني والخسارة المحتملة، لحكومة مجاورة حليفة بشكل وثيق للصين هي بورما وهي خسارة، بحسب ما نظرت الصين، سيكون لصالح حركة ديمقراطية بورمية، موالية للولايات المتحدة، ومن ثم بدلاً من إبعاد الطغمة البورمية، فإن بكين لم تلجأ للنيل من الطغمة البورمية وإسقاطها، وإنما قررت آنذاك أن تأخذ دور الحامي لها بحيث تتسنى لبكين فرصة استخدام عائدات رأس المال السياسي الذي حصلت عليه من جراء حمايتها لهذه الطغمة.

وقد تضمن هذا الاستغلال والتوظيف الصيني، من بين ما تضمن، فرض وتشديد الضغوط على الطغمة، وهو الأمر الذي حصل، وظل يحصل عندما تهدأ الأحوال وتنشغل أمريكا بالأمور الأخرى.

إذا كان التغيير السياسي في بلد مثل بورما المتميزة بأهميتها الاستراتيجية للصين، فإن علينا أن نفهم أن بورما تكون مختلفة جداً عن زمبابوي، ومن ثم وعلى خلفية ضبط التغيير والسيطرة على بورما، فقد ظلت بكين أكثر رغبة في تحديد متى وكيف وبأي طريقة، يمكن أن يحدث ذلك التغيير في بورما.

وفي العمق والعموم: فإنّ صراع الحرب الباردة غير المعلنة على خط واشنطن – بكين، يعتمد بقدر كبير على تفاهمات الطرفين، وجدول الأعمال الذي سيتوصلان إليه، وتحديداً بواسطة آليات الحوار والتفاهم الاقتصادي الاستراتيجي الصيني – الأمريكي الجاري حالياً، وما سينتج عن زيارة مرتقبة للرئيس جو بايدن الى الصين كما تقول المعلومات التي تم رصدها من قبل كاتب هذه السطور ومهندسها، وهو الناتج الذي سيحدد مسار علاقات بكين – واشنطن، بحيث أنّه: إمّا المضي قدماً في الصراع بين الطرفين أو التعاون، وبالتأكيد ستسعى الصين، إلى القيام بدور الوسيط بين أمريكا وخصومها، ولكن برغم ذلك نلاحظ أن قدرة الصين على القيام بدور أكبر، كوسيط بين الأنظمة المنبوذة أمريكياً ووما يسمى بالمجتمع الدولي، هي قدرة: معناها أن الصين بوسعها تحديد سقف المفاوضات مع هذه الأنظمة، وفي العديد من الحالات، فإنّ الصين ستفضل دفع هذه الأنظمة، للبقاء فترة أطول، مع السعي لجهة العمل والتعاون ضمن الحدود الدنيا، وبأقل ما يمكن، مما يؤدي لتجنب حدوث الاضطرابات وحالات عدم الاستقرار الكبيرة، أو يديم بقاء الفوضى كمخاض غير مكتمل، في نظام دولي أحادي، يلفظ أنفاسه نحو المتعدد من الأقطاب: والفاعل والمتفاعل: صيني روسي إيراني دول البريكس منظمة شنغهاي وتحالفات أوبك بلص.

عنوان قناتي على اليوتيوب البث عبرها أسبوعيا:

https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A

[email protected]

منزل – عمّان : 5674111    

خلوي: 0795615721

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.