عولمة الابادة الفاشية تحت قناع التأدلج اللبرالي – 1 / حسين علوان حسين
حسين علوان حسين – الإثنين 21/8/2023 م …
تُعنى هذه السلسلة بتسليط المزيد من الضوء على المنظمة الاجرامية لـ “الأممية الفاشية” التي اصطنعتها الايديولوجيا الامبريالية العالمية الارهابية المبيدة للشعوب بقيادة حكومات الولايات المتحدة الامريكية وذيولها في بلدان أوربا الغربية (والشرقية بعد عام 1990) وكندا واليابان والحكومات الفاشية التي عمّت وتعم غالبية بلدان أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا واستراليا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم. هذه الاممية الفاشية أصبحت هي السلطة المؤدلجة المهيمنة على مقدرات العالم أجمع، وهي تتهدد بإفناء البشرية برمتها من سطح هذا الكوكب الأخضر بعد أن أصبحت حياة ومصائر كل فرد فيه رهينة للإرهاب الامبريالي العالمي المبيد للشعوب. ولقد حرصت الامبريالية العالمية على خداع شعوب العالم أجمع بإلباس حملات إباداتها تحت القناع المؤدلج الزائف للبرالية التي هي بالضبط الفاشية بكل قباحتها وويلاتها مثلما شهده التاريخ من اندلاع المئات الحروب الطافية والغاطسة في كل قارات العالم بغية أدامة نهب شركاتها المتعدية الجنسية لثروات الشعوب واستعباد قواها المنتجة تحت حماية الدكتاتوريات المحلية المسنودة بأكثر من (750) قاعدة عسكرية خارجية أمريكية و(145) قاعدة عسكرية بريطانية… ولقد اثبتت وقائع التاريخ بالأدلة القاطعة وفي كل يوم أن حكومة الولايات المتحدة الفاشية الارهابية هي “العدو اللدود للحكومات الشعبية كافة، وأنها المبيدة لكل تعبئة اشتراكية علمية للوعي في كل مكان في العالم ، ولكل نشاط مناهض للإمبريالية على وجه الأرض” مثلما قال الناشط الامريكي “جورج جاكسون” – قبل أن تتولى ماكنة الابادة الجماعية الأمريكية تصفيته من طرف المؤدلجين لبرالياً بالرصاص في سجنه حسب قوانين حقوق الانسان والديمقراطية والتنوير والتقدم والتطور، مثلما فعلت وتفعل مع مئات ملايين المناضلين ضد ارهابها المؤدلج في كل مكان بالعالم منذ عام 1917 الى اليوم.
مقتطف من المقال الموسوم :
“الولايات المتحدة الامريكية لم تقهر الفاشية في الحرب العالمية الثانية ، بل قامت بتدويلها”
المنشور في أكتوبر 2020 ، على موقع : كاونتر بنتش (counter punch) من طرف غابرييل روكهيل. وهو فيلسوف وناقد ثقافي وناشط فرنسي أمريكي، والمدير المؤسس لورشة عمل النظرية النقدية، وأستاذ الفلسفة في جامعة فيلانوفا. تشمل مؤلفاته كتاب التاريخ المضاد للحاضر: “التحقيقات المفاجئة في العولمة والتكنولوجيا والديمقراطية” (2017) و”التدخلات في الفكر المعاصر: التاريخ والسياسة والجماليات” (2016) و”التاريخ الراديكالي وسياسة الفن” (2014) و “منطق التاريخ” (2010). وبالإضافة إلى عمله الأكاديمي ، فقد شارك بنشاط في أنشطة خارج الأكاديمية في عالم الفن وعالم النشاط الانساني ، بالإضافة إلى مساهماته المنتظمة في النقاش الفكري العام.
“المهندسون المعماريون للأممية الفاشية
عندما دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، تَحسَّر الرئيس المستقبلي لوكالة المخابرات المركزية، ألين دالاس، لأن بلاده باتت تقاتل العدو الخطأ. حينها قال: أن النازيين مسيحيون آريون مؤيدون للرأسمالية، بينما كان العدو الحقيقي هو الشيوعية الملحدة ومعاداتها الراسخة للرأسمالية. ومن المعلوم أن الولايات المتحدة كانت، قبل حوالي 20 عامًا فقط، جزءًا من التدخل العسكري الواسع النطاق ضد الاتحاد السوفيتي، عندما سعت 14 دولة رأسمالية مجتمعة – على حد تعبير ونستون تشرشل – إلى ” خنق الطفل البلشفي في مهده”. ولقد أدرك دالاس، مثل العديد من زملائه الآخرين في الحكومة الأمريكية، بأن ما عُرف لاحقًا باسم الحرب الباردة كانت هي في الواقع نفسها الحرب الامبريالية القديمة ضد الشيوعية المدشنة منذ ولادتها تلك.
قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، طار من ايطاليا الجنرال النازي كارل فولف ، اليد اليمنى لهيملر سابقًا، لزيارة ألين دالاس في زيورخ بسويسرا، حيث كان الأخير يعمل في “مكتب الخدمات الستراتيجية”: المنظمة التجسسية الارهابية التي سبقت تأسيس وكالة المخابرات المركزية. وقتها، كان فولف قد أيقن بأن ألمانيا النازية قد خسرت الحرب، وأراد تجنب تقديمه المرتقب إلى العدالة. من جانبه، أراد دالاس من النازيين في إيطاليا تحت قيادة فولف إلقاء أسلحتهم ضد الحلفاء، ومن ثم مساعدة الأمريكيين في حربهم المخططة ضد الشيوعية. وفي ذلك الاجتماع، تولى فولف – الذي كان أعلى ضابط في قوات الأمن النازية الخاصة رتبة – التعهد لدالاس بتطوير شبكة استخباراتية مع فريقه النازي لمحاربة الشيوعية. وفي مقابل ذلك، تم الاتفاق مع دالاس على تولي الأخير حماية ذلك الجنرال – الذي كان قد لعب دورًا مركزيًا في الإشراف على ماكنة الإبادة الجماعية للنازية، والذي كان قد أعرب علناً عن “فرحته الخاصة” عندما أمّن قطارات الشحن لإرسال 5000 يهودي يوميًا إلى معسكرات الموت النازية المقامة في تريبلينكا ببولونيا. وبالفعل، فقد تولى دالاس – المدير المستقبلي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية – حمايته، وأمّن له تفادي احالته لمحاكمات نورمبرغ.
ولم يكن فولف المسؤول النازي الكبير الوحيد الذي تمت حمايته وإعادة تأهيله من قبل مكتب الخدمات الستراتيجية الامريكي- السي آي أي لاحقاً، بل كان واحدا من الآلاف . ويمكن اعتبار حالة الجنرال “رينهارد غيهلين” معبرة بشكل خاص. كان هذا الجنرال في الرايخ الثالث مسؤولاً عن جهاز المخابرات النازي الموجه ضد السوفييت. بعد الحرب ، تم تجنيده من قبل “مكتب الخدمات الستراتيجية” ومن ثم “السي آي أي”، والتقى بجميع المهندسين المعماريين الرئيسيين لدولة الأمن القومي الامريكي بعد الحرب: ألين دالاس، ويليام دونوفان، فرانك ويزنر، والرئيس ترومان. ثم، تم تعيينه لرئاسة أول جهاز استخبارات ألماني بعد الحرب، فشرع بتوظيف العديد من مساعديه النازيين. ولقد أصبحت منظمة غيهلين – كما كانت تسمى – النواة لجهاز المخابرات الألماني. ولا يعرف بالضبط كم هو عدد مجرمي الحرب الذين استأجرهم هذا النازي ، ولكن يقدِّر “إريك ليشتبلو” بأنه قد تم دمج حوالي أربعة آلاف عميل نازي في تلك الشبكة التي كانت تشرف عليها وكالة التجسس الأمريكية. وبفضل تمويل سنوي قدره نصف مليون دولار من وكالة المخابرات المركزية في السنوات الأولى بعد الحرب ، فقد تمكن غيهلين ورجاله الأقوياء من التصرف كما يحلو لهم ضد الشيوعيين مع الإفلات من العقاب. أوضح إيفونيك دينويل هذا التحول بوضوح ملحوظ بالقول: “من الصعب أن نفهم أنه منذ عام 1945 ، جند الجيش الأمريكي وأجهزة المخابرات الأمريكية المجرمين النازيين السابقين دون أن تهتز لهم شعرة من ضمير. كانت المعادلة، مع ذلك، بسيطة للغاية في ذلك الوقت: لقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بدحر النازيين بمساعدة السوفييت. أما من الآن فصاعدا فقد خططوا لهزيمة السوفييت بمساعدة النازيين السابقين “.
وكان الوضع مشابهًا في إيطاليا، لأن اتفاق دالاس مع فولف كان جزءًا من مهمة أكبر، سميت بـ “عملية الشروق”، والتي استهدفت تحشيد النازيين والفاشيين لإنهاء الحرب العالمية الثانية في إيطاليا بغية بدء الحرب العالمية الثالثة في جميع أنحاء العالم. عمل دالاس جنبًا إلى جنب مع كبير مسؤولي مكافحة التجسس المستقبلي في الوكالة: جيمس أنغلتون، الذي كان يتمركز في مكتب خدمات الأمن في إيطاليا. ولقد أظهر هذان الرجلان – اللذان سيصبحان من أقوى اللاعبين السياسيين في القرن العشرين – ما كانا قادرين على تحقيقه في هذا التعاون الوثيق بين أجهزة المخابرات الأمريكية والنازيين والفاشيين. قام أنجلتون، من جانبه، بتجنيد الفاشيين الإيطاليين لإنهاء الحرب في إيطاليا لإضعاف قوة الشيوعيين. وكان “فاليريو بورغيزي” أحد عملائه الرئيسيين في هذه المهمة، لأن هذا الفاشي المتشدد في نظام موسوليني كان مستعدًا لخدمة الأمريكيين في الحرب ضد الشيوعية، ولقد أصبح أحد الرموز الدولية لفاشية فترة ما بعد الحرب. كان أنجلتون قد أنقذه مباشرة من اقتصاص الشيوعيين لجرائمه، ومن ثم فقد أتاح لهذا الرجل – المعروف باسم الأمير الأسود الفاشي – الفرصة لمواصلة الحرب ضد اليسار الراديكالي تحت قيادة رئيس جديد هو: وكالة المخابرات المركزية.
وبمجرد انتهاء الحرب ، عمل كبار مسؤولي المخابرات الأمريكية ، بمن فيهم دالاس ، ويزنر ، وكارمل أوفي على ضمان ألا تتخذ عملية إزالة النازية إلا نطاقًا محدودًا جداً. فوفقًا لـ “فريديريك شاربير” فإن : “الجنرالات، وكبار المسؤولين، ورجال الشرطة، والصناعيين، والمحامين، والاقتصاديين، والدبلوماسيين، والعلماء، ومجرمي الحرب الحقيقيين قد تم إعفاؤهم وإعادتهم في ألمانيا إلى مناصبهم السابقة التي كانوا يشغلونها في عهد الحكم النازي”. فالرجل المسؤول عن تطبيق خطة مارشال في ألمانيا، على سبيل المثال، كان مستشارًا سابقًا لهيرمان جورينج ، القائد الأعلى للقوات الجوية النازية. وحرص دالاس على تنظيم قائمة بكبار الموظفين في الدولة النازية ليتم حمايتهم عبر فبركة اعتبارهم معارضين لهتلر. ثم شرعت السي آي أي بإعادة بناء الدول الإدارية في ألمانيا وإيطاليا مع حلفائها النازيين والفاشيين المناهضين للشيوعية.
ويقدر الباحث “إريك ليشتبلو” أن أكثر من 10000 نازياً قد استطاع الهجرة إلى الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب (تم السماح لما لا يقل عن 700 عضو رسمي من الحزب النازي بدخول الولايات المتحدة في الثلاثينيات، بينما تم رفض دخول اللاجئين اليهود). وبالإضافة إلى بضع مئات من الجواسيس الألمان والآلاف من أفراد قوات الأمن الخاصة، فقد ضمن تنفيذ عملية “مشبك الورق”، التي بدأت في مايو 1945 ، ترحيل ما لا يقل عن 1600 عالم نازي مع عائلاتهم إلى الولايات المتحدة. كانت هذه الخطة تهدف إلى الاستحواذ على العقول الكبيرة لآلة الحرب النازية بوضع أبحاثهم حول الصواريخ والطيران والأسلحة البيولوجية والكيميائية وما إلى ذلك في خدمة الإمبراطورية الأمريكية. ولقد تم إنشاء “وكالة أهداف الاستخبارات المشتركة” خصيصًا لتجنيد النازيين وإيجاد مناصب لهم في مراكز الأبحاث أو الحكومة أو الجيش أو أجهزة المخابرات أو الجامعات الامريكية (أسهمت 14 جامعة أمريكية على الأقل في هذه الخطة، بما في ذلك جامعات كورنيل وييل ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا).
على الرغم من أن هذا البرنامج استبعد رسميًا النازيين المتحمسين، على الأقل في البداية، إلا أنه في واقع الحال فقد تم السماح بهجرة العلماء الكيميائيين المشتغلين في شركة “آي جي فاربن” (التي كانت قد زودت النظام النازي بالغازات المهلكة المستخدمة في عمليات الإبادة الجماعية) وكذلك العلماء الذين استخدموا أسرى معسكرات الاعتقال في إجراء تجاربهم، والأطباء الذين شاركوا في التجارب البشعة على اليهود والغجر والشيوعيين والمثليين وغيرهم من أسرى الحرب. هؤلاء العلماء – الذين وصفهم مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية معارض لخطة “مشبك الورق” بأنهم “ملائكة الموت العائدة لهتلر” – تم استقبالهم بأذرع مفتوحة في أرض الحرية الأمريكية. كما تم منحهم أماكن إقامة مريحة ومختبرات الابحاث مع المساعدين والوعد بنيل المواطنة الامريكية إذا ما اعطت ابحاثهم ثمارها المرجوّة. وقد واصل هؤلاء إجراء الأبحاث التي تم استخدامها في تصنيع الصواريخ الباليستية والقنابل العنقودية لغاز السارين ، والاسلحة الجرثومية.
يتبع، لطفاً.
التعليقات مغلقة.