المقاومة مسار تاريخي وليست مجرد لحظة / خالد حدادة

 

خالد حدادة * ( لبنان ) الأحد 18/9/2016 م …

*الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني …

جورج بطل، كمال البقاعي ورضوان حمزة، في تزامن رحيلهم، أعادوا أمامنا طرح قيمة المقاومة، بوصفها أداة التحرير والتغيير بكامل أوجهه.

لم تكن المقاومة في جوهر انطلاقتها مكتفية بضرب العدو الرئيسي، بل اختزنت في جوهر قرارها، قرار الشيوعيين، بمقاومة إعادة تكوين السلطة على قاعدة التبعية للاحتلال وأيضاً مقاومة إعادة تركيب النظام الطائفي، الذي شكل الأرضية الداخلية للعدوان وللاحتلال. ومن ناحية أبعد، اختزن قرار إطلاق المقاومة بعده العربي، في تقديم نموذج المقاومة الشعبية الوطنية في مواجهة خيانة الأنظمة واستسلامها وصمتها وتآمرها.

إنه برنامج متكامل للمواجهة. برنامج مستقل حتماً في تعبيره عن المصلحة الوطنية السياسية والاجتماعية للأغلبية الساحقة للشعب اللبناني، بل للشعوب العربية، واستقلالية لا تعني الحياد كما لا تعني الانعزال وبالتأكيد لا تعني الالتحاق والتبعية. ومن يخلط بين هذه الجوانب، سواء داخل الحزب أو خارجه، فإنه حتماً لم يفهم أو على الأقل لم يوافق، على رفض الحزب لتأسيس غرفة عمليات مشتركة بقيادة موحدة (إقليمية حينها) لعمل المقاومة، وربما كلفه هذا الرفض الكثير على مستوى المكاسب الفئوية ولكن حتماً حافظ على الوجه الساطع لبرنامجه ومقاومته الوطنية.

ومن جهة ثانية، لا بد من الإقرار بأننا لم نكن يوماً وحدنا في المقاومة، ولم ندّعِ ذلك. وبرغم ذلك نسجل عدة ميزات ـ وقائع. فما يميز نهجنا المقاوم هو كونه مسارا مستمرا برغم التوقف المؤقت والتعثر أحياناً والقسري أغلب الأحيان، وليس لحظة تاريخية أو فترة محددة. وأن بنية حزبنا وتكوينه، يتوافقان مع منطق المقاومة، فالبنية والوظيفة كلتاهما وطنيتان تتعديان المناطق والجماعات العرقية أو المذهبية.

منذ تأسيسه، تصدى حزبنا لمهمة مواجهة الاستعمار من جهة مقرونة بنضالات المؤسسين من أجل مصالح الفقراء، العمال والفلاحين. وطرحنا برنامجنا للوطن الذي أردناه ديموقراطياً وطنياً مستقلاً، وفي الوقت عينه تصدينا لمؤامرة إنشاء الكيان الصهيوني وكان أول شهدائنا عسّاف الصبّاغ.

وفي مرحلة ما سمي «الاستقلال»، رفضنا هذا المولود المشوّه والمعاق والحامل معه بذور الفتن والحروب الأهلية المستدامة، وناضلنا من أجل العمال والفقراء، ومن أجل الجامعة الوطنية وأيضاً من أجل فلسطين، وكانت هذه عناوين مقاومتنا وكان لنا في كل ميدان شهداء وشركاء…

وفي رفض هزيمة الـ67 ومقاومة نتائجها، أيضاً كانت لنا مقاومتنا وأساسها دعم الشعب الفلسطيني ومقاومة اليمين في قيادة حركة التحرر العربية، وكان مؤتمرنا الثاني الشكل الحاضر لهذه المقاومة. وفي الوقت عينه، تصاعدت نضالاتنا الجماهيرية في الشارع والمعامل والجامعة والمدرسة. نساؤنا، شبابنا، نقاباتنا، طلابنا، فلاحونا، كانوا عنوان المقاومة وأساس نهضتها. واقترنت حركة الأنصار والحرس الشعبي، مع التظاهرات الجماهيرية من أجل التغيير السياسي ومصالح العمال وتطوير التعليم الرسمي والجامعة وحقوق المرأة وسواها… وأسفرت هذه المرحلة حتى أواخر السبعينيات، بما فيها مواجهة المشاريع التي فجّرت الحرب الأهلية، عن مقاومة توّجتها «جمول» في العام 1982.

وبعد الانهيارات الكبرى، ورغم الضعف الذي أصاب تركيبتنا الحزبية ورحيل العشرات من الرفاق عن التنظيم، بمن فيهم قيادات تاريخية، قاوم الحزب اعتباره حزباً من التاريخ واعتبار فكره فكراً ماضوياً، واستطاع الشيوعيون المحافظة على حزبهم، برغم الخسائر، وعلى شعاراتنا الوطنية وعلى كونه مقاومة من أجل الاستمرار والتجدد الدائم باتجاه التغيير الديموقراطي.

والتجربة الأقسى في هذه المرحلة، هي مرحلة دفن الطائف واغتيال رفيق الحريري، حيث انفجرت، كجزء من مؤامرة الخارج الأميركي والرجعي العربي، وكنتيجة لممارسات خاطئة لسوريا وحلفائها، انفجرت الحرب المذهبية بأسوأ مظاهرها. وطال الضغط حزبنا، وحاول البعض أخذه باتجاه الانقسامات الطائفية والمذهبية التي يقودها أهل النظام. وللأسف حتى داخل الحزب وفي قيادته، دفع البعض للالتحاق بـ14 آذار، والتحق، ودفع آخرون تحت حجة المعركة الرئيسية باتجاه 8 آذار. ولكن الحزب قاوم، هو الذي رفض الاستتباع على الدوام ولم يخضع لاتهامات البعض بالرمادية والوسطية، بل أصرّ على موقفه المستقل من موقعه الوطني والطبقي، ولم يسأل في أي قرار يتخذه عن أية جهة سياسية. وحمل راية استكمال التحرير والنضال ولو ضعيفاً وشبه معزول أحياناً، باتجاه التغيير الديموقراطي والعدالة الاجتماعية.

واستكملت قيادة الحزب مسار المقاومة والتجديد في مؤتمرها الحادي عشر الذي وافق بالإجماع على الخط السياسي الممارس، وذلك بالإجماع على التعديلات التنظيمية لإعادة تحريك بنيته الداخلية، وكذلك فتح مجال التجديد القيادي على أساس استمرار الخط السياسي والتجديد التنظيمي المقترحين. إنها مقاومة دائمة ومستمرة، حتى التحرير الكامل من كل عدوان، صهيوني أو ظلامي متطرف وباتجاه التغيير الديموقراطي لبناء دولة وطنية ديموقراطية تكون ركناً في مقاومة وطنية عربية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.