متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الرابع والثلاثون / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 26/8/2023 م …

 




يتضمن العدد الرابع والثلاثون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة عن ظروف أزمة الخُبْز في تونس وعن مشروع ميزانية 2024 الذي نشرته وزارة المالية كمشروع أَوّلِي، وفقرة مُطَوّلة عن المغرب وتناقضاته الإجتماعية، وفقرة عن الضرر الذي قد يلحق قناة السويس والإقتصاد المصري، جراء مشروع مد خطوط برية وحديدية مباشرة بين ميناء حيفا المحتلة ودُوَيْلات الخليج، وفقرة عن الجوع وانعدام الأمن الغذائي بمصر، وفقرة عن الجوع وندرة الغذاء، انطلاقًا من الحرب العدوانية على اليمن، مرورًا باحتكار الإنتاج الفلاحي من قِبَل الشركات العابرة للقارات، وفقرة عن تأثير خبر احتمال إضراب عُمّال تسييل الغاز في أستراليا على أسعار الغاز في أوروبا، وفقرة عن ريادة جيش الولايات المتحدة في مجالات القتل والتّدمير، مع الإفلات من العقاب

 

تونس

يُعْتَبَرُ الخُبْز غذاءً أساسيًّا في تونس (وبلدان أخرى) وهو مَدعوم من قِبل الدّولة، ولما حاولت الحكومة، خلال السنة المالية 1983/1984، إلغاء دعم أسعار الحبوب ومشتقاتها، ومُضاعفة أسعار الخبز والعجين (المَكَرُونَة)، كشرط للحصول على قرض من صندوق النقد الدّولي انطلقت مظاهرات عمّت البلاد، من 27 كانون الأول/ديسمبر 1983 إلى الثالث من كانون الثاني/يناير 1984، وأطلقت الشرطة والجيش النار على المتظاهرين، وأعلنت حالة الطّوارئ، واضطرت الحكومة إلى التراجع عن القرار، لما انطلقت انتفاضة 17/12/2010 – 14/01/2011 حمل العديد من المتظاهرين خبزة في أيديهم، تجسيدًا لشعار “العيش والحرية والكرامة”…

تُعتَبَرُ تونس بلادًا فلاحية، قادرة على إنتاج ما يكفيها من الأغذية الأساسية، غير أن التّوجهات السياسية، منذ الإستقلال الشّكْلِي سنة 1956، هَمّشت الإنتاج الفلاحي، وشجعت الزراعات الكُبرى التي تستنزف المياه والتُّربة والموارد الطبيعية، لِتُصَدِّرَ إنتاجها إلى أسواق أوروبا، بدل تلبية احتياجات السّوق المحلية، ولذلك تستورد تونس حوالي ثُلُثَيْ حاجتها من الحبوب التي ارتفع سعرها، خلال السنتيْن الماضيَتَيْن، بالتزامن مع شح العملات الأجنبية في تونس، حيث أصبحت الدّولة عاجزة عن تسديد ثمن السلع الأساسية المُستوردَة، ومنها الحبوب، وذكر موقع صحيفة “الشعب” التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل (اتحاد نقابات الأُجَراء)، أن “8 بواخر محملة بالحبوب تنتظر منذ نحو أسبوعين في ميناء مدينة صفاقس، للحصول على ثمن الشحنات لتفريغها”.

تزامنت الأزمة المالية مع استمرار الجفاف الذي عرفته تونس والمغرب العربي للموسم الرابع على التوالي، ما أدّى إلى نقص كبير في السلع الغذائية ومن بينها الخُبز الذي يُباع بعضه بأسعار تدعمها الدّولة، ما جعل المواطنين يصطفون في طوابير طويلة أمام المخابز للحصول على الرغيف المدعوم، واتهم الرئيس قيس سعيد أصحاب المخابز الذين احتجوا بالإحتكار واختلاق الأزمات، قبل إقالة رئيس ديوان الحبوب، واعتقال الشرطة رئيس “الغرفة الوطنية لأصحاب المخابز”،  بشُبْهَة “الاحتكار والمضاربة في السوق بمواد غذائية مدعمة وتبييض الأموال”، وتحميله مسؤولية أزمة نقص الخُبز، بحسب وكالة تونس إفريقيا للأنباء يوم الخميس 17 آب/أغسطس 2023…

تأثّر قطاع الفلاحة بالجفاف ما اضطر الدّولة لاستيراد كل احتياجات البلاد من الحبوب هذا العام 2023، وهو أحد أسباب الأزمة، حيث لم يبلغ محصول الحبوب 10% تقريبًا من حاجة البلاد، ويستوجب التّوريد احتياطيات كافية من العملة الأجنبية، وهو ما لا تستطيع الحكومة توفيره في ظل عجز الموازنة العامة والعجز التجاري. أما بالنسبة لقطاع الفلاحة فقد توفّرت عوامل عديدة زادت من معاناة صغار الفلاحين ومُرَبِّي المواشي، ومنها انخفاض قيمة الدّينار وشح العملة، لتوريد علف الحيوانات والبذور والأسمدة التي ارتفعت أسعارها، زادها الجفاف الذي عَمّق الأزمة الهيكلية لقطاع الفلاحة، وهي جزء من الأزمة الهيكلية للإقتصاد التونسي الذي يعتمد على تصدير السلع الخامة وعلى بعض الخدمات كالسياحة الرخيصة       

كانت تونس بلدًا فلاحيّا منذ قرطاج أو ما قبلها، وأدّى إهمال قطاع الفلاحة، منذ عقود إلى انخفاض إنتاج الحبوب والخضار والفواكه واللحوم والألبان ومشتقاتها، وأصبحت الدّولة تستورد نحو 60% من القمح من أوكرانيا وروسيا، وفق وزارة الفلاحة، وأدّى نقص العملة الأجنبية إلى رَفْض البواخر، منذ السنة الماضية (2022) تفريغ حمولتها من القمح قبل دفع ثمنها، ما ساهم في تفاقم أزمة الخبز في البلاد

ميزانية تونس للسنة المالية 2024

أظْهَرَت وثيقة بعنوان “الفرضيات والتوجهات الكبرى لمشروع موازنة الدولة لسنة 2024” ( وزارة المالية) عن ارتفاع حجم الموازنة من 69,6 مليار دينارًا سنة 2023 إلى 71,7 مليار دينارًا ( 23,9 مليار دولارا) سنة 2024، بزيادة حوالي 4,5% وتفترض الوثيقة – وهي بمثابة مشروع أوّلي لإعداد ميزانية العام القادم – نموًّا بنسبة 2,1% بزيادة 0,3% عن النمو الذي توقعته الحكومة لسنة 2023، (أي 1,8%) ولا يُتوقّع أن تتحقق هذه النسبة بنهاية العام الحالي 2023، وأظهرت نفس الوثيقة عدم رَفْع أسعار المواد الغذائية والمحروقات والكهرباء سنة 2024، خلافًا لما ورد في ميزانية سنة 2023. أما عجز الميزانية فقد بلغ 6,7% سنة 2022، وتتوقع الحكومة خفضه إلى 5,2% سنة 2023، ليرتفع إلى 5,7% سنة 2024، وفق توقّعات الحكومة المَبْنِيّة على بعض الأُسُس منها فرضية استقرار سعر الصّرف ( 3,1 دينارات مقابل الدّولار الأمريكي ) واستقرار أسعار النفط (71 دولارا للبرميل الواحد) وتحقيق نسبة النّمو المتوقّعة، رغم ” التحديات والضغوط التي تفرضها الظروف الاقتصادية الدولية والأزمات، والعوامل المناخية والجفاف وشُحّ المياه”، وفق وثيقة وزارة المالية التي أشارت إلى تراجع الإنتاج الفلاحي عمومًا بفعل انخفاض مساحات زراعة الحبوب وانخفاض مستويات الإنتاج وفقدان الوظائف في قطاع الفلاحة.

يُتَوَقّع أن تلجأ الحكومة إلى زيادة في بعض أنواع الضرائب، وفرض ضرائب جديدة (مباشرة أو غير مباشرة) للتخفيف من عجز ميزانية 2024، ضمن “الإصلاح الجبائي” الذي ادّعت وثيقة وزارة المالية إنه سوف يتّسِمُ “بالعدل وبالنجاعة الاقتصادية والمالية… وبمكافحة الإقتصاد المُوازي والتّهرّب الضّريبي…”، لكن هل صمّمت الحكومة برامج وخطط لخفض عدد المُعَطَّلين عن العمل والفقراء، الذين بلغ عددهم حوالي أربعة ملايين مواطنًا، وفق بينات وزارة الشؤون الإجتماعية بشأن الأُسَر الأشدّ فقرا، والتي تتمتّع بمنحة العائلات المعْوِزَة التي لا تتجاوز 220 دينارا شهريا، لكل أسرة، أو ما يعادل 73 دولارا…

 

المغرب – تناقضات صارخة

احتفل الملك محمد السادس يوم الاثنين 21 آب/أغسطس 2023، بذكرى ميلاده الستين، ويوم 23 تموز/يوليو بالذكرى 25 بذكرى بداية حُكْمِهِ، خلفًا لوالده الحسن الثاني، واستمرت طريقة الحكم خلال رُبُع قَرْن حيث يُدِيرُ القصر الملكي معظم شؤون البلاد (القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد والعلاقات الخارجية والدفاع والأمن )، ولا يبقى للحكومة، مهما كان الحزب المُهَيْمِن عليها، سوى هامش ضَيّق، كما استمرَّ، بل ازداد قَمْع المعارضة السياسية والمطالب النقابية والإحتجاجات الشعبية، واستمر حجم الفقر في الإرتفاع، بينما ارتفعت الثروة الشخصية للملك وأسرته والمُقرّبين منه بسرعة مُذْهِلَة، حيث اتّسَعَ حَيِّزُ النّهب خلال ربع قرن من حُكم محمد السادس، مقارنة بأبيه الحسن الثاني وبجدّه محمد الخامس…

دام الإنفتاح النّسبي الذي بدأه الحسن الثاني، سنة 1995، حتى سنة 2003، ثم عاد التّضييق على حرية التعبير واعتقال ومحاكمة المُعارضين السياسيين والصحافيين والمُدَوّنِين معارضين، فضلا عن المُشاركين في الإحتجاجات الإجتماعية، كما حال شُبّان منطقة الحُسَيْمة (الرّيف – شمال المغرب) وجرادة بشرق البلاد، وتذرّعت السلطة بالعمليات الانتحارية التي أودت بحياة 33 شخصا في الدار البيضاء سنة 2003، للعودة للسياسة الأمنية المُشَدَّدَة.

تميزت السياسة الخارجية بتعميق التبعية للإتحاد الأوروبي وكذلك للولايات المتحدة التي دعمت احتلال المغرب للصحراء الغربية، بالتواطؤ مع إسبانيا التي غادرت هذه المُسْتَعْمَرَة سنة 1975، كما اعترف المغرب بالكيان الصهيوني عَلَنًا، عبر إرساء علاقات دبلوماسية وسياسية قوية، مقابل تأييد الكيان الصهيوني والولايات المتحدة لاحتلال المغرب للصحراء الغربية والإستفادة من ثرواتها البحرية والبَرّيّة (الفوسفات والكوبالت)، وأصبح شركة “مناجم” وصندوق الإستثمار (يُشرف الملك على إدارتهما) ذراعًا للمصارف والقوى الأجنبية في إفريقيا، باسم “تنويع الشراكات”، وبذلك حصل المغرب على تأييد إسبانيا، القوة المستعمرة السابقة للصحراء الغربية، والولايات المتحدة والكيان الصهيوني لمخططات المغرب بشأن “مَغْرِبِيّة الصّحراء” 

لكن هذا “النجاح الدّبلوماسي”، كما تصفه أبواق الدّعاية الرسمية، لم يُساعد على تنمية البلاد ولا حتى تحقيق النمو الكافي للتخفيف من حِدذة الفوارق الاجتماعية، في عهد الملك الذي أطلقت الدّعاية الرسمية عليه، في بدايات عهده، لقب “ملك الفقراء، بل ما انفكّت الفوارق تتسّع بين الأغنياء والفقراء وبين المدن والأرياف.

تَمَيّزت فترة حكم الأب الحسن الثاني بالتّدخّل العَلَنِي المُستمر في الإختيارات السياسية، وتوكيل المُقرّبين منه في الشؤون الأخرى، خلافًا لابنه محمد السادس الذي لم يتميز بخطاب سياسي قوي، لكنه يتحكم بمفاصل كافة مجالات الحياة السياسية والإقتصادية بالبلاد، ويمتلك مُجَمّعًا ماليا واقتصاديًّا يُشرف على مشاريع كبرى، باهظة التكلفة في مجال البنى التحتية مثل ميناء مدينة طنجة والقطار فائق السرعة بين طنجة والدار البيضاء، والطاقات المتجددة مثل محطة “نور” للطاقة الشمسية، وتطوير صناعات تركيب قطع السيارات والطيران، وكذلك إنتاج الهيدروجين الأخضر، وفق ما وَرَدَ ب تقرير من أجل “نموذج تنموي جديد” الذي نُشِرَ سنة 2021، بعد الإحتجاجات الإجتماعية لسنة 2019، واعترف هذا التقرير الرّسمي بتعميق الفوارق الطبقية حيث تفوق ثروة ال10% الأكثر ثراء ما يزيد عن 11 مرة ثروة ال 10% الأقل ثراء بالبلاد، واعترفت المندوبية السّامية للتخطيط (هيئة رسمية) بعودة مستوى الفقر سنة 2022 إلى مُستوى سنة 2014، ولا يزال المغرب في مراتب متأخرة في مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة، بسبب ارتفاع نسبة الأمية والبطالة والفقر وانخفاض معدل الدخل الفردي الخام.

يُشرف الملك بشكل مباشر على الصندوق الإستثماري الذي أسَّسَهُ تحت إسم “المَدَى” وعلى شركة “مناجم” التي توسّعت ( بحكم النفوذ المُطْلَق لصاحبها ) فأصبح المغرب يحتل المركز الحادي عشر عالميا من الإحتياطي العالمي من معدن الكوبالت، بإنتاج ألْفَيْ طن سنويا، واحتياطي مُقَدٍّر ب17,6 ألف طن، وفق البيانات الرسمية، لكن شركة “مناجم” حوّلت مناطق عديدة من البلاد إلى مصب لنفايات الكوبالت الذي تنتجه الشركات العابرة للقارات، وعلى سبيل المثال، وقَّعَت “مناجم” اتفاقًا في شباط/فبراير 2022، مع شركة “غلينكور” ( أنغلو- سويسرية) “لإعادة تدوير الكوبالت”، أي توريد نفايات هذه الشركة الضخمة ومعالجتها في ضواحي مدينة مراكش، وفي إطار التّوسّع، اشترت شركة “مناجم” التي تمتلكها العائلة المالكة بالمغرب، أُصُولاً من الشركة الكندية “ايمغولد”  (IAMGOLD)  في كل من السنغال ومالي وغينيا، بقيمة 280 مليون دولار، وفق خبر نشرته وكالة بلومبرغ يوم 21 كانون الأول/ديسمبر 2022

أنشأت العائلة المالكة صندوقًا استثماريا إسمه “المَدَى”، ومقرّه بالدار البيضاء، وهو المساهم الرئيسي بنسبة 81,4% في شركة “مناجم”، وحصل على الدّعم السياسي والمالي الفرنسي لغزو الأسواق الأفريقية، في مجالات الخدمات المالية والمصرفية ومواد البناء والتوزيع والاتصالات والمناجم والطاقة والعقار والسياحة وغيرها، فضلا عن استغلال مناجم الفضة والذهب والنحاس والزنك والرصاص، والكوبالت والفليورين، وتم إدْراج شركة “مناجم” في السوق المالية بالدار البيضاء، وتورطت الشركة، سنة 2019، في عمليات تهريب غير قانوني لكميات كبيرة من الذّهب السّوداني تحملها طائرات “في عملية نقل غير مشروعة لكميات كبيرة من الذهب، في غياب التصاريح المطلوبة لهبوطها وإقلاعها” وفق بيان رسمي سوداني نُشِرَ يوم التاسع من أيار/مايو 2019، أما كمية الذهب المصادرة فلقد أودعت في البنك السوداني المركزي، وخضعت فيما بعد لمفاوضات ومساومات بين اللصوص.

طرحت هذه القضية تساؤلات بشأن الروابط المشبوهة بين ملك المغرب وأوْساط المال والأعمال، أو ما يُسمّى “تضارب المصالح”، وقدّرت مجلة فوربس الثروة الشخصية للملك، سنة 2015، بأكثر من خمسة مليارات دولار، بفضل مجموعته المالية “المدى” (صندوق استثماري) التي تُهيمن على قطاع المصارف والتأمينات والعقارات والإتصالات والمناجم والطاقة بالمغرب، قبل التوسع في إفريقيا، وأصبحت شركات الملك تفوز بمعظم المناقصات الحكومية، فضلا عن احتكار شركة “مناجم” ( التي لها مَقَرّ دَولي في مدينة زوغ بسويسرا، يُساعدها على تهريب الأموال) لقطاع استخراج المعادن وامتلاك عشرة مُجَمَّعَات منجمية غنية بالذهب والفضة في أشدّ المناطق فقرًا بالمغرب، وست مُجَمّعات في بلدان إفريقية أخرى، منها موريتانيا والسودان والغابون والكونغو والسينغال وغيرها، وفق النشرة الإعلامية لمجموعة “مناجم”، في بلد يحتل مراتب مُتدنّية في مجالات التعليم والرعاية الصحية وفي مجالات الحُريات والمساواة والعدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص الخ.

 

مصر- جزاء سنمار

شرعت وزارة مواصلات العدُوّ، بالترويج لمشروع سكة حديد “من خليج حيفا، إلى الخليج العربي”، وفقًا لصحية “غلوبس” الإقتصادية الصهيونية التي أشارت أن المرحلة الأولى تتضمن رَبْط موانئ الهند بميناء دُبَيْ والموانئ الخليجية، ليَنْضَمّ كيان الإحتلال بعد ذلك إلى المشروع، وربط ميناء حيفا بالموانئ الخليجية، بهدف تصدير الطاقة وسلع أخرى إلى أوروبا، عبر ميناء حيفا الذي يُصبح منصّة مِحْوَرِية تُهمّش قناة السّويس، والتأمت، منذ سنة 2020، اجتماعات درست مشروع الربط البري والحديدي بإشراف الولايات المتحدة وبمشاركة كيان الإحتلال والهند والإمارات، ونشرت مواقع فلسطينية، منذ بداية سنة 2021، بعض تفاصيل مشروع نقل البضائع القادمة من الأردن والخليج بواسطة الشاحنات حاليا، والقطار مستقبلاً، إلى ميناء حيفا ثم إلى أوروبا، ويتضمّن المُخطّط افتتاح سكة القطار سنة 2040، للحد من اكتظاظ حركة الشاحنات على الطرقات…

لا يختلف مسار هذا المشروع عن خط الحجاز القديم لنقل المسافرين والسّلع بين فلسطين والسعودية، مرورًا بسوريا والأردن، سوى بإلغاء المرور عبر سوريا، وافتتح السلطان عبد الحميد الثاني هذا الخط سنة 1908، بطول 1464 كيلومترا… 

نشرت الصحيفة الصهيونية “يدعوت أحرونوت” يوم السابع من تموز/يوليو 2023، بعض تفاصيل مشروع الطّريق البَرِّي الرابط بين ميناء حيف المحتلة والخليج (السعودية والإمارات والبحرين وعُمان وقطر)، عبر الأردن، بإشراف أمريكي مباشر، لتعزيز الدّور المُهَيْمن للكيان الصهيوني في مجالات البنية التحتية والمواصلات والإتصالات، وتهميش دور قناة السويس، رغم ريادة النّظام المصري في تطبيع العلاقات مع الكيان الصّهيوني، لأن الربط المُباشر بالسكة الحديدية يُتِيحُ خَفْض مُدّة النقل من ثلاثة أسابيع إلى ثلاثة أيام وخفض كُلْفَة النقل بنسبة 20% مقارنة بالنقل البري حاليا، ويُتيح نقل البضائع من جنوب وشرق آسيا، إلى دُبَيْ (عبر الهند) ثم إلى حيفا لتصل السلع إلى أوروبا، ويستفيد الكيان الصهيوني كذلك من سياحة صهاينة العرب، أثرياء الخليج، و”تعزيز مكانة إسرائيل في الشرق الأوسط وآسيا، من خلال إنجاز مشاريع إقليمية وبُنْيَة تَحْتِيّة تُساهم في تطوير حركة التجارة بين الدول، بين آسيا وأوروبا، ويُعزّز مكانة إسرائيل كمركز لنقل البضائع من الشرق الأقصى إلى أوروبا، وتعزيز دور الولايات المتحدة في المنطقة، في مواجهة المنافسين…” وفق تصريح وزير الخارجية الصهيوني (إيلي كوهين)، نقلتْه صحيفة “يدعوت أحرونوت”، يوم السابع من تموز/يوليو 2023، وأشارت الصحيفة إلى انطلاق المشروع سنة 2017، تحت مُسَمَّى “مسارات من أجل السلام الإقليمي” بالتزامن مع تسارع عمليات التطبيع التي شملت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، ودولا عربية أخرى، لم تُعلن حماسها بعد لعملية التّطبيع، وَعَرَض وزير النقل الصهيوني (سنة 2017، وهو وزير الطاقة حاليا) بعض تفاصيل المشروع الذي تدعمه الولايات المتحدة، على أنظمة بعض الدّول العربية قبل الإعلان عنه رسميا، ويتمثل المشروع في إحياء خط السكة الحديدية المُمتد من ميناء حيفا إلى السعودية والإمارات مرورًا بالأردن، لنقل السلع والمُسافرين، لتصبح فلسطين المحتلة “جسرًا بريا وحديديا بين البحر الأبيض المتوسط وأوروبا من جهة، والخليج من جهة أخرى”، فضلا عن نهب المحروقات – الغاز بشكل خاص – من سواحل فلسطين المحتلة، وتصديره إلى أوروبا، ويُعتَبَرُ المشروع الصهيوني الأمريكي تطويرًا لِخَطّ الحجاز القديم (مع استثاء سوريا وإضافة الإمارات)، الذي بدأ ينقل المسافرين والبضائع سنة 1909، من خلال رحلات يومية بين حيفا ودمشق، وثلاثة رحلات أسبوعيا بين دمشق والمدينة بالسعودية، فضلا عن الرحلات الإضافية لنقل مواد البناء والإمدادات العسكرية والحجاج، وتحث الويات المتحدة البحرين وعُمان على الإنضمام إلى المشروع.

تتوقّع وزارة الخارجية الصهيونية أن يُساهم المشروع في زيادة حجم التجارة الصهيونية مع مشيخات الخليج لتصل إلى نحو 250 مليار دولارا، وأن ترتفع قيمة التجارة الصهيونية بنسبة 400% سنة 2030، وأن يستفيد الكيان أمنيا، لتصبح دُويلات الخليج مُشاركة في أمن الإحتلال،  وتعزيز التعاون الأمني والعسكري بين الإحتلال وشيوخ النفط ، غير أن هذا المشروع يُهدّد دور قناة السويس التي يتوقع انخفاض حركة التجارة الدّولية عبرها بنحو 12% وخفض شحنات المحروقات بنسبة 10% وخفض حجم تجارة الحاويات بنحو 22% عبر قناة السويس الرابطة بين البحر الأبيض المتوسّط والبحر الأحمر، والتي عبرتها 26 ألف سفينة ووفَرت للحكومة المصرية، خلال السنة المالية الماضية ( من 01 تموز/يوليو 2022 إلى 30 حزيران/يونيو 2023) نحو 9,4 مليارات دولارا، وبذلك تكون مصر، أول دولة عربية طبّعت علاقاتها الرسمية مع الكيان الصهيوني، أكبر خاسر من المشاريع الصهيونية، لأن الكيان الصهيوني لا يستهدف فلسطين لوحدها، بل يستهدف الوطن العربي ككل، من المحيط إلى الخليج، وقصف البلدان العربية، بواسطة السلاح الأمريكي، من العراق إلى تونس، مرورًا بمصر وسوريا ولبنان والسودان وليبيا الخ. 

 

مصر – سوء التّغذية

تُعَدّ مصر أكبر مُستورد عالمي للقمح، وقَدّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة – “فاو”، إن حوالي ثُلُ السّكّان (ثلاثين مليون مصري) يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ونظرًا لاعتماد النظام المصري نموذجًا فلاحيا ينتج من أجل التصدير لتلبية الأسواق خارجية، بدل تلبية حاجة المواطنين، يُتَوَقّع أن يرتفع عدد الجائعين، بالتوازي مع فَرْض تغيير العادات الغذائية،ويأتي البعض لتغيير عاداتهم الغذائية، وأكّدت منظمة الصحة العالمية معاناة عدد متزايد من الأطفال من فقر الدم، ومُعاناة الأطفال الرُّضَّع من سوء التغذية بشكل متزايد، بسبب تدهور الوضع الإقتصادي والمالي للأُسَر، حيث يُعتَبَرُ نصف السكان فُقراء، بفعل ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم، وانخفاض قيمة الجُنَيْه المصري، مقابل الدّولار واليورو، إذْ تضاعفت أسعار السلع الأساسية ثلاث مرات تقريبًا خلال عام واحد، ومن المتوقع أن يزداد الفَقْر انتشارًا إذا ما طبقت الدّولة شُرُوطَ صندوق النّقد الدّولي، الذي يشترط إلغاء دعم الغذاء، خصوصًا منذ سنة 2016 لما اقترض النّظام 12 مليار دولار، وبالفعل ارتفعت أسعار الغذاء مع خفض حجم الكميات المدعومة – كما يحصل حاليا في تونس – من الخبز والسكر والزيت والعجين والأرز، وبذلك حُرِم أكثر من نصف المصريين من تناول وجبات صحية، ما يزيد من العواقب الصحية الوخيمة (السّكّري والسّمنة…)، في حين تُرَكِّزُ الحكومات السابقة والحالية على النموذج الزراعي التصديري، من أجل زيادة عائدات النقد الأجنبي، ما يُؤَدِّي إلى انتشار المساحات الزراعية الكُبْرى، وانخفاض الإنتاج التقليدي من الفول الذي أصبحت الحكومة تستورده من أستراليا والعدس من تركيا والقمح من روسيا الخ، بفعل تغيير هيكلة قطاع الفلاحة، وتهميش صغار الفلاحين الذي يستغلون المزارع العائلية الصغيرة التي لا تتجاوز مساحة 87% منها هكتارا واحدًا، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التي قَدّرت واردات مصر من القمح سنة 2023، بحوالي 12 مليون طن لتظل أكبر مستورد عالمي للقمح.

أعلنت الحكومة، منذ سنة 2013، “مكافحة انعدام الأمن الغذائي” بزيادة حجم الأراضي الصالحة للزراعة، وزيادة الإنتاج من خلال مشاريع مثل الدلتا الجديدة، وإنشاء نهر صناعي وزراعة أكثر من 420 ألف هكتار، ومعظمها مشاريع يُدِيرها الجيش الذي يستصلح  ويُهيِّئ  الأراضي قبل بيعها إلى مُضارِبي القطاع الخاص من المصريين والأجانب الذين لا يهتمون بالسياقات المحلية ولا بالحفاظ على البيئة أو على التقاليد الزراعية، بل على استخدام البذور المُعَدّلة وراثيا والأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية، وجميعها مُسْتَوْرَدَة وتؤثر على جودة المحاصيل وخصوبة التربة، وفق برنامج الأغذية العالمي و برنامج الأمم المتحدة الإنمائ ( UNDP ) ، فضلا عن انخفاض منسوب مياه النيل بفعل سُدّ النّهضة الضّخم الذي أقامته الحبشة،  وتغير المناخ وارتفاع سطح البحر، والتّصَحُّر وزيادة نسبة مُلُوحة احتياطيات المياه الجوفية في الدلتا، ما قد يزيد من مخاطر سوء التغذية.

 

غذاء:

أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة يوم الجمعة 18 آب/أغسطس 2023، خَفْضَ المُساعدات الغذائية لأكثر من 4,4 ملايين يمني، من بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات، اعتبارًا من نهاية أيلول/سبتمبر 2023، بسبب أزمة تمويل حادة، ما يفاقم إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بسبب العدوان السعودي الإماراتي، نيابةً عن الإمبرياليّتَيْن الأمريكية والبريطانية، وشُرَكائهما من حلف شمال الأطلسي، منذ سنة 2014، وسبق أن أعلن برنامج الأغذية العالمي إنه يواجه “صعوبة كبيرة في تمويل المساعدات الغذائية في اليمن، ما (يضطرّهُ) إلى تقليصها في جميع أنحاء البلاد…”، وتتوقّع بعض المنظمات الإنسانية إن عدد الأشخاص المُتَضَرِّرِين قد يكون أعلى من ذلك المُعْلَنِ، حيث يواجه اليمن حصارًا يشمل المواد الغذائية والأدوية، فيما تنهب الإمارات والسعودية موارد البلاد وتُغلق الموانئ الجوية والبحرية، ما جعل أكثر من ثلثي اليمنيين يعتمد على المساعدات، في ظل  أزمة اقتصادية حادّة تسبّبت بها الحرب وانهيار العملة والقيود المفروضة على عمليات الاستيراد والتجارة مع الخارج، ويعاني أكثر من 17 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي، من أصل ثلاثين مليون نسمة، كما يحتاج 2,2 مليون طفل دون الخامسة ومليون امرأة لعلاج جراء سوء تغذية حاد، وفق برنامج الأغذية العالمي الذي أعلن حاجته خلال الأشهر الستة المقبلة “إلى تمويل إجمالي قيمته 1,05 مليار دولار، ولم يتم تأمين سوى 28% فقط من هذا المبلغ”، حتى يوم 20 آب/أغسطس 2023، وتتزامن أزمة التمويل مع تزايد عدد الحالات المصابة بسوء التغذية الحاد، وسبق أن أعلن برنامج الأغذية العالمي في حزيران/يونيو 2022، تقليص مساعداته إلى ما دون 50% إلى اليمنيين بسبب نقص التمويل، وتُشير هذه الوقائع إلى الإفلات التّام للمُعتَدِين – في أي مكان، سواء في العراق أو أفغانستان أو سوريا أو اليمن وخصوصًا في فلسطين – من المتابعة والعُقوبات، لأن الأمم المتحدة والمنظمات الدّولية تعكس موازين القوى، وهو في صالح الإمبريالية الأمريكية وحلفائها من أعضاء حلف شمال الأطلسي…

أسست الأمم المتحدة لجنة الأمن الغذائي، سنة 2010، في أعقاب أزمة 2008، لتقييم الوضع الغذائي العالمي وتقديم مقترحات وحلول،

 وبعد ثلاثة عشر سنة، لا يزال أكثر من 800 مليون إنسان في العالم يعانون من الجوع، بسبب هيمنة رأس المال الإحتكاري على قطاع الزراعة ويحتكر نقل وتخزين وتوزيع الغذاء، ويستغل رأس المال الأزمات لخفض المعروض وزيادة الأسعار، وهو ما يحصل منذ انطلاق الحرب في أوكرانيا ( ارتفاع أسعار الحبوب وعلف الحيوانات والأسمدة والزيوت النباتية…) وأزمة المناخ ( الجفاف أو الفيضانات المُدَمِّرَة ) التي تُسبّب خسارة الكثير من المحاصيل والأراضي الصالحة للزراعة في أفريقيا وآسيا، مما يؤدي إلى قلة المواد الغذائية محليًّا، وما يُؤَدِّي إلى تَضرّر السّكّان الأكثر هشاشةً، مثل الأطفال

يعتبر مسؤول سابق بلجنة الأمن الغذائي “إن الحق في الغذاء، كحق إنساني، بقي مجرد كلام نَظَرِي، فالسبب الرئيسي لأزمة الغذاء الحالية (سنة 2023) ليس نقص الوفرة، فالطعام موجود، لكن المشكلة هي الفقر وندْرَة المال الضروري لِشِراء المواد الغذائية وكذلك البُذُور والأسمدة التي أصبحت سلعة، خاضعة للإحتكار وللمُضارَبة وأَدَاةً لابتزاز الشُّعُوب، ولذا فإن الحد من الفَقْر هو مفتاح الحل لمحاربة الجوع”، خصوصًا في الكثير من دول “الأطراف” (الدّول الواقعة تحت الهيمنة الإمبريالية) التي تُعاني من نهب الشركات الإحتكارية ومن ارتفاع حجم الدّيُون المَشْرُوطة التي تمنع هذه الدّول من الإستثمار في القطاعات المنتجة كالفلاحة وتحويل فائض الإنتاج إلى مواد مُصنّعة وإنتاج الغذاء لتلبية احتياجات مواطنيها وأسواقها الداخلية، بدلًا من التصدير، فيما تغرق الدّول الإمبريالية أسواق الدّول الفقيرة بالبضائع الرخيصة التي تدعمها حكومات الدّول الإمبريالية والتي تدمر الإنتاج المحلي.

أظْهر أحد تقارير لجنة الأمن الغذائي (حزيران/يونيو 2023) مدى ارتباط عدم المساواة بانعدام الأمن الغذائي، من خلال عدم تكافؤ فُرص الحصول على مواد غذائية مناسبة ومغذية، في ظل تبعية الأنظمة السياسية للبلدان الفقيرة وافتقادها حرية القرار بشأن الإختيارات الإقتصادية، وبشأن نوعية غذاء المواطنين، وتُؤَدّي هذه الخيارات السياسية التي يُمليها صندوق النقد الدّولي (نيابة عن الدّول الإمبريالية) إلى تهميش صغار الفلاحين ومربي الحيوانات، وعلى سبيل المثال فرضت الشركات الرأسمالية الإحتكارية توجيه حوالي 60% من الحبوب المنتَجة في العالم إلى إطعام الحيوانات كعلف مركّز، وحوالي 16% تذهب لإنتاج الوقود الحيوي، ما يُؤَدِّي إلى نقص غذاء الإنسان، فضلاً عن هَدْر وفقدان ثُلث المواد الغذائية المنتَجة في العالم، إما بسبب فساد المحاصيل مباشرةً في حقول البلدان الفقيرة أو بسبب عدم توفّر مخازن ومحلات تبريد مناسبة، يُضاف إلى ذلك طبيعة الأغذية التي تنتجها الشركات الإحتكارية (المدعومة من المال العام) باستخدام المبيدات السّامّة والأسمدة الكيماوية والمنتجات المُعَدَّلَة وراثيا، وجميعها مُضِرٌّ بالبيئة وبالأرض والمياه والهواء وبصحة الإنسان…  

 

طاقة – أوروبا “نِمْرٌ من وَرَق”؟

هلع بسبب إضراب محتمل في أستراليا- كانت دول أوروبا تشتري حوالي 40% من حاجتها من الغاز الطبيعي من روسيا، وهو غاز عالي الجودة ورخيص الثمن، وبعقود طويلة، وضغطت الولايات المتحدة، منذ سنة 2015، على جميع أعضاء حلف شمال الأطلسي ( منها 26 دولة أوروبية) لمقاطعة الغاز الروسي وشراء الغاز الصخري الأمريكي، الأقل جودة والأعلى ثمنًا، وكانت الحرب في أوكرانيا فرصةً لزيادة الضُّغُوط الأمريكية ثم لجأت الإستخبارات الأمريكية إلى تفجير أنابيب خط “نورث ستريم 2” لنقل الغاز بين المصانع الروسية وأوروبا الشمالية، فارتفعت أسعار الغاز لتُسدّد سعر الغاز الصخري الأمريكي بخمسة أضعاف السعر الذي تسدده الشركات الأمريكية، ما يعيق تنافُسية الشركات الأوروبية التي بحثت عن بدائل للغاز الروسي، من بينها الغاز الأسترالي بأسعار مرتفعة، وزادت أسعار العقود الآجلة لشحنات الغاز في أوروبا ارتفاعًا بنسبة 40% يوم التاسع من آب/أغسطس 2023 وبنسبة 15% يوم العاشر من آب/أغسطس، وبنسبة 18% يوم 15 آب/أغسطس، وبنسبة 21% يوم 17 آب/أغسطس 2023، بمجرد انتشار خبر احتمال إضراب ( خلال الأسبوع الأخير من آب/أغسطس 2023) قد يُؤدّي إلى توقف الإمدادات من ثلاث مصانع رئيسية لإنتاج الغاز في غرب أستراليا، وفق صحيفة “فايننشيال تايمز” (يوم الخميس 17 آب/أغسطس 2023)، التي كتبت إن المواقع الثلاثة، المملوكة لشركة “وودسايد إنيرجي” الأسترالية وشركة “شيفرون” الأميركية، تُنتج نحو 10% من الإمدادات العالمية، تتجه معظمها إلى آسيا، ونحو نصف إنتاج أستراليا من الغاز الطبيعي المسال، ولم تُسفر المحادثات مع النقابات- في محاولة لدرء إضراب قد يعطل الإمدادات العالمية – على نتيجة تُرضِي الطّرَفَيْن، حتى إعداد الخبر يوم 18 آب/أغسطس 2023، وكانت النقابات العُمّالية التي تمثل حوالي 700 عامل في وودسايد وشيفرون قد تقدّمت بطلب للحصول على زيادات في الأجور وعلى تثبيت العاملين وحقوق الأمن الوظيفي وظروف العمل، ولم تحقق المفاوضات تقدُّمًا، صَوَّتَ العمال في منشآت المنتجين الرئيسيين للغاز المُسال في أستراليا ( Chevron و Woodside Energy) لصالح الإضراب دون تحديد التاريخ، مع احتمال تحديد التاريخ بعد انتهاء مهلة بأُسْبُوعٍ واحدٍ…

تمتلك أوروبا مخزونات قياسية من الغاز الطبيعي، وهي لا تستورد سوى جزءًا صغيرًا من حاجتها من أستراليا، لكن توقف الإمدادات يُؤَدِّي إلى بحث الزبائن الآسيويين للغاز الأسترالي عن بدائل، ما يُقَلِّلُ المعروض وما يرفع الأسعار بمعدّل قد يفوق 50% وفق توقعات مصرف “غولدمان ساكس”، من 38 يورو لكل ميغاواط/ساعة إلى أكثر من خمسين يورو وإلى حوالي ثمانين يورو، للشحنات الآجلة التي يتم تسلّمها خلال فصل الشتاء القادم 2023/2024، لأن الإضراب يؤدّي إلى استمرار نقص إمدادات الغاز المسال الأسترالي لفترة لا تقل عن شهرين

تُنتج المنشآت الأسترالية الثلاثة المَعْنِيّة بالإضراب نحو 14% من واردات الصين، ونحو 28% بالمئة من واردات سنغافورة من الغاز الطبيعي، وإذا ما تم تنفيذ الإضراب يضطر زبائن أستراليا للبحث عن إمدادات بديلة في أسواق الغاز الفورية، ما يرْفَعُ الأسعار…

للتذكير، تُعتَبَرُ أستراليا رابع أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، بنحو 153 مليار متر مكعب سنة 2022، أو ما يُعادل نحو 3,8% من الإنتاج العالمي، وبعد حظْر الغاز الرُّوسي ومحاصرة روسيا، أصبحت أستراليا ثاني أكبر مُصدِّر عالمي للغاز الطبيعي المسال سنة 2022، بنحو 112 مليار متر مكعب، أي نحو 21% من صادرات الغاز المسال عالميا، وهو ما زاد من أهمية الإضراب في وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية… 

 

أمريكا – ثقافة القتل والتّدمير

يمتلك الجيش الأمريكي رقمين قياسيين عالميين على الأقل، وهما أضخم ميزانية حربية وضخامة عدد ضحاياه في أنحاء العالم، فقد تجاوزت ميزانية الحرب الأمريكية لسنة 2023 ميزانية الدول العشر التالية مجتمعة، ولا تُستَخْدَمُ هذه الميزانية الضّخمة للدفاع عن الحدود، بل لتدمير دول مثل فيتنام ويوغوسلافيا والصومال وأفغانستان والعراق وسوريا وغيرها، وبلغت الميزانية الحربية الأمريكية 740 مليار دولار مُعْلَنَة سنة 2022 وارتفعت إلى 886 مليار دولار معلنة للسنة المالية 2024، وارتفعت خلال رئاسة دونالد ترامب (الحزب الجمهوري) بنسة 20% خلال فترة أربع سنوات، وبنسبة حوالي 20% كذلك خلال ثلاث سنوات فقط من رئاسة جوزيف بايدن ( الحزب الدّيمقراطي) ولا تشمل هذه الزيادة تكلفة دعم أوكرانيا في حربها ( نيابة عن حلف شمال الأطلسي) ضد روسيا والتي تتراوح بين 120 مليار دولار و 200 مليار دولار، بنهاية شهر تموز/يوليو 2023، ولا يزال الدّعم العسكري مستمرًّا، وتحظى الميزانيات الضخمة للأسلحة والحرب بدعم واسع من المسؤولين والرؤساء المنتخبين من كلا الحزبين – الجمهوري والديمقراطي – حيث يمول المجمع الصناعي العسكري الحملات الانتخابية للمرشحين من كلا الحزبين.

يقدر قسم الدراسات ل”مشروع تكاليف الحروب” بجامعة براون الأمريكية أن ما يقرب من مليون شخص كانوا ضحايا الجيوش أو أجهزة التجسس الأمريكية، بين 11 أيلول/سبتمبر 2001 و 11 أيلول/سبتمبر 2021، بسبب القصف والقتل المباشر خلال “الحرب على الإرهاب”، التي شنّتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وليبيا وأماكن أخرى، فضلا عن ما يقرب من 3,7 ملايين شخص إضافي لقوا حتفهم بشكل غير مباشر خلال هذه الحروب العدوانية، بالإضافة إلى العمليات العسكرية الأمريكية المعلنة وغير المُعْلَنَة في 85 دولة، خلال هذه السنوات العشرين، ورغم مئات الآلاف من القتلى والمشوهين والمصابين ورغم الدمار، لم تتم مقاضاة أو معاقبة أي زعيم أو ضابط أمريكي، بل تمت محاكمة أو سجن أو نفي أولئك الذين استنكروا هذه الاعتداءات العسكرية الأمريكية من بينهم تشيلسي مانينغ ودانيال هيل وإدوارد سنودن وجوليان أسانج وغيرهم ممن تم اغتيالهم أو سجنهم بتهم مختلفة ومُلَفَّقَة.

تدعي السلطات السياسية الأمريكية أن جيشها هو قوة تنشر الخير في العالم، ولكن الوقائع تُثْبِتُ عدم وجود أي دولة أخرى تقسم العالم بأسره إلى قيادات ومناطق عسكرية مثل أفريكوم لأفريقيا والقيادة المركزية للشرق الأوسط ووسط وجنوب آسيا، وختلف الأساطيل التي تجوب البحار، فضلا عن أقمار التّجسّس، كما لا توجد دولة أخرى لديها شبكة تضم أكثر من 800 قاعدة عسكرية منتشرة في جميع أنحاء العالم، ولا توجد دولة أخرى تطمح إلى ممارسة الهيمنة الكاملة والسيطرة على الأرض والبحر والجو والفضاء، ويخطط الجيش الأمريكي، بهذا الصّدد لإنفاق أكثر من تريلْيُونَيْ دولار، خلال السنوات القادمة، لنشْر جيل جديد من الأسلحة النووية، من القاذفات “الشّبَح” التي تفلت من مراقبة الرادار، والصواريخ الباليستية العابرة للقارات والغواصات النووية، ومن الضروري أن نتذكر أن الجيش الأمريكي هو الوحيد في العالم الذي استخدم الأسلحة النووية ضد المدنيين اليابانيين في مثل هذا الشّهر، يوم السادس من آب/أغسطس 1945 في هيروشيما وفي التاسع من آب/أغسطس 1945 في ناغاساكي. أهذا هو الجيش “الأخلاقي” الذي “ينْشُرُ قِيَمَ الخَيْر في العالم” إلى جانب ربيبه الجيش الصهيوني؟

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.