النيجر  قد تكون ليبيا 2… أغنى قارة تسكنها أفقر شعوب … محمد بازوم زيلنسكي آخر والنيجر أوكرانيا أخرى / المحامي محمد احمد الروسان

 المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – السبت 26/8/2023 م …




*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية …

فرنسا تريد أن تجعل، من محمد بازوم الرئيس المخلوع عبر الانقلاب العسكري، زيلنسكي آخر، ومن النيجر أوكرانيا أخرى، لتفجير أفريقيا، ومنع تلاشيها هناك، ولعرقلة الدور الأمريكي في شطبها ونفوذها، من أفريقيا – فهل تنجح؟. 

النفوذ الفرنسي في أفريقيا الى انحسار متفاقم، فأغنى قارة في العالم، تسكنها أفقر الشعوب، بسبب نهب الغرب لها، فمعادلة : أغنى أراض وأفقر شعوب، تتجذّر في القارة السوداء، وما يجري في النيجر انتفاضة أفريقية، والغرب خائف، من أن تنسج الدول الأفريقية، علاقات أوثق مع روسيا والصين وايران وحزب الله المتواجد هناك، خاصة وبعد توسع منظومة دول البريكس، المعادل الاقتصادي والعسكري، لكلّ من الناتو والاتحاد الأوروبي، بجانب منظومة دول: منظمة شنغهاي للتعاون. 

حيث الغرب: يقاوم التغيير هناك، عبر محاولته تحويل الساحل الأفريقي، الى ساحات لحروب عبر الإرهابيين والجريمة المنظّمة والمخدرات، والغرب وأمريكا بصدد تنفيذ استراتيجية: اشعال حروب بالوكالة، في ساحات ومساحات أفريقيا – حروب بروكسي، حيث العديد من الدول الأفريقية، مستعدة للدخول في شراكات مع الصين وموسكو، بعيداً عن الدول الاستعمارية التقليدية. 

والسياسة الفرنسية، في الساحل الأفريقي وباقي المساحات والساحات، تتحرك من منطلق استعماري قديم، وهي تسير الى حتفها، حيث يسهّل الأمريكي ذلك، حيث من الطبيعي أن تحافظ فرنسا على مصالحها، ولكن ليس على حساب النيجر، ولا لصالح مستعمر جديد كأمريكا مثلاً، معتقداً جازماً، أنّ فرنسا هنا قد ابتلعت الحدث النيجيري، كما ابتلعت الحدث المالي والباركيني فاسو من قبل. 

وبسبب الغطرسة الغربية، وسياسة: ثرواتكم ملكنا، تحركت القوى الحيّة، والوطنية العسكرية في بعض الدول الأفريقية، كمالي وباركينا فاسو، والان النيجر، والسؤال هنا: هل يعكس الحدث النيجيري، بداية تغيرات استراتيجية، بل فوق استراتيجية في القارة السمراء؟. والجواب الى حد ما : نعم… ولكن يحتاج الى صبر ووقت، وفي التفصيل نشرح التالي: 

بدون نيجيريا، لا يمكن أن تكون هناك، عملية عسكرية في النيجر، عبر الأداة الباريسية ايكواس، كما تريدها فرنسا، فما يجري في نيامي، أبعد من النيجر ذاتها، والتدخل العسكري هناك، من شأنه أن يقود الى تفكك مجموعة ايكواس كأداة امبريالية، وهذا ما لا تريده فرنسا بالدرجة الأولى، ثم واشنطن، لذلك يتم اللجوء وبصمت الى العمليات المخابراتية القذرة هناك، وفي جلّ القارة السمراء، لغايات هندسة حروب البروكسي، لمحاصرة النفوذ الروسي والصيني والإيراني وحزب الله هناك. 

بلا شك: الزلزال في النيجر، لكن الصدع المتفاقم، في عروق القارة الأوروبية، والتي تساق الى مذبحها، عبر المسألة الأوكرانية، من جهة أمريكا، كونها ساحة تنافس أمريكا اقتصادياً، حيث أمريكا تسرّع، من تلاشي النفوذ الفرنسي والغربي في أفريقيا، لذلك جاءت التصريحات الأمريكية تتماهى مع الهدف الأمريكي العميق، حيث تقول أمريكا: انّ فرصة التراجع عن انقلاب النيجر العسكري ضئيلة جداً.

أفريقيا بجلّها، مناطق نفوذ فرنسية تقليدية، حيث النيجر غني باليورانيوم، والذهب والمعادن الثمينة، وهذا ما دفع رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية المتطرفة الى القول: لولا يورانيوم النيجر، ما استطاعت فرنسا اضاءة شارع الشانزليه، ولا برج افيل، وما أبقت على باريس مضائه، وكذلك قال وزير خارجيتها: التدخل العسكري في النيجر يعني استعماراً جديداً. 

نحن مقبلون، على  تحولات نوعية في أفريقيا، بعد انقلاب النيجر، وكل الدول الافريقية، ضجّت من الصفاقة السياسية الفرنسية – أي الوقاحة المتفاقمة.

فرنسا دولة استعمارية كبيرة، باتت تنكمش ويتراجع دورها، ليس فقط في القارة السوداء، بل في أكثر من ساح ومساح، فبعد أن كانت تجول وتصول لوحدها في أفريقيا، واليوم هناك الصين والفدرالية الروسية وايران وحزب الله وتركيا أيضاً، في العديد من الدول الأفريقية. 

بالرغم، من أنّ كاتب ومهندس هذه السطور، ضد الانقلابات العسكرية، الاّ أنّ هذه الانقلابات في أفريقيا، تعطي الأمل للعديد من الشعوب في القارة السمراء، للتحرر من الهيمنة الغربية الاستعمارية، حيث مالي وباركينا فاسو والان النيجر والحبل جرّار. 

الانقلاب في النيجر، صار واقعاً وحقيقيةً، وما يهم فرنسا فقط استمرارية توريد اليورانيوم المنهوب، وبالتالي من شأن اجبار الرئيس المخلوع انقلاباً محمد بازوم، على الاستقالة وتحديد موعد اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، أن يحافظ على استقرار النيجر، ودول جوارها ويسرّع بحل الأزمة، وعدوى التغيير في النيجر، وجلّ أفريقيا، ستنتقل الى العديد من الدول الأفريقية، انّها عدوى مالي وباركينا فاسو بجانب عدوى نيامي – النيجر.

الغرب وفرنسا، عاجز عن منع التغيير السياسي في جلّ أفريقيا، حيث خطة الأداة الفرنسية ايكواس في التدخل العسكري، تحتاج الى توافق إقليمي، وهذا غير متوفر حتّى اللحظة. 

سؤال آخر استراتيجي، لتحفيز العقول المريضة، على التفكير: لماذا الصراع على وفي أفريقيا؟. 

الشرح مع الإيضاحات:

الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة، منذ الحرب العالمية الثانية وما بعد انتهاء الحرب الباردة، وما يجري الان من سيولة عسكرية متفاقمة، بسبب تداعيات المواجهة الروسية الأطلسية عبر أوكرانيا، وحروب الوكالة وادارتها من الخلف، للمرة الأولى تنشر الفرقة 101 في رومانيا، مع حشود عسكرية إضافية في بلغاريا ورومانيا أيضاً، وهذا يعني أن الناتو كمنظمة هجومية عدوانية، يتحسّب لتوسع الحرب بفعل المواجهة الروسية الأطلسية، وتزامن ذلك مع عودة وتنامي الإرهاب، بفعل أمريكي أطلسي في القرن الأفريقي والقارة السوداء أو السمراء، بحيث صار الصراع الجيوسياسي ينطلق باتجاه منطقة البحر الأسود بين روسيا والأطلسي، ونحو القرن الأفريقي والبحر الأحمر والساحل الأفريقي، بين محور الأنجلوسكسون وإسرائيل وفرنسا من جهة، وروسيا والصين وايران وحزب الله من جهة أخرى.

ما نلاحظه الان وبعمق، هو أنّ حروب الوكالة مع الإدارة من الخلف لها، باتت تدور في القرن الأفريقي – الصومال، ضمن مشهد يتم هندسته بشكل جيد، لمواجهة تصاعد في النفوذ الروسي والصيني، مع تنامي نفوذ إيراني ولحزب الله ليس فقط هناك، بل وفي جلّ القارة الأفريقية السمراء، و وفقاً لنقاط الصراع هنا وهناك، صارت القوى العظمى، تعتبر منطقة القرن الأفريقي، ومساحات وساحات البحر الأحمر، مركزاً مهماً للمنافسة الجيو – سياسية، حيث لاحظ المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، ومستعمرتها في الشرق الأوسط “إسرائيل”، دخول لاعبين كبار وعظام ودول إقليمية عظمى، وذو وزن أممي في القرن الأفريقي خاصةً، وجلّ عروق الجغرافيا الأفريقية السمراء، مثل الصين والفدرالية الروسية وايران. 

لاحظ الجميع أنّ هناك تكاثر أفقي ورأسي لجهة النوعية للجماعات الإرهابية في القرن الأفريقي والقارة السوداء، تزامن مع تصاعد للوجود العسكري والمخابراتي للمعسكر الغربي وأمريكا، وفي المعلومات: هناك هجرة بتذكرة باتجاه واحد، للجماعات التكفيرية الإرهابية من سورية والعراق وليبيا، الى الصومال والقارة الأفريقية، حيث الفاعل المتفاعل والناقل هو: أمريكي وبريطاني، وفرنسي واسرائيلي، لكبح تصاعد النفوذ الروسي والصيني هناك، وفي الساحل الأفريقي، وما يجري في اليمن من عدوان انجلوسكسوني إسرائيلي، يقع ضمن سياقات ميكانيزميات هذا الصراع على القارة السوداء. 

وما موضوعة ومسألة، تصاعد الهجمات الإرهابية مؤخراً في الصومال، الاّ لخلق وتخليق، سلّة أسباب متعددة، لغايات التبرير اللازم والمقنع، للوجود التدخلي لمحور الانجلوسكسون، مع العلم أنّ هناك قوّات عسكرية أمريكية وبريطانية وفرنسية في الصومال، مع تواجد قوّات تركية وازنة، وكل ذلك تحت عنوان عريض: تدريب القوات الصومالية لمواجهة الإرهاب، أو ما يسمى بالإرهاب المعولم وفقاً لمعايير الانجلوسكسون.  

ولا نكشف شيئاً جديداً، عندما نقول: انّ أجهزة ومجتمعات المخابرات الغربية والأمريكية والاسرائيلية، تخترق الجماعات الإرهابية التكفيرية، وتقوم باستخدامها وتوظيفها وتوليفها، ضد الروس والصين وايران وحزب الله، وما يحصل اليوم في القارة الأفريقية والقرن الأفريقي بشكل خاص، وما سيحصل لأحقاً هناك، هو مشابه لما حصل ويحصل في الشرق الأوسط، الذي يعاني من سيولة عسكرية مفرطة درجة الإسهال العسكري والمخابراتي القذر، وما جرى أيضاً، خلال عشرية النار المعروفة للجميع. 

انّ منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وجلّ الساحل الأفريقي، منطقة تنافس وصراع جيو – استراتيجي غير عادي، وخاصة بعد أن تم طرد فرنسا من مالي، وبعد انقلاب النيجر، ومع توسعات للحضور الروسي والصيني والايراني وحزب الله في أفريقيا، جرى ويجري تحريك الجماعات الإرهابية، لغايات إيجاد التبرير للحضور الغربي العسكري هناك، ومع العلم أن الصين بذلت جهوداً جبّارة لحل مشكلة المياه في مالي – قبل وبعد طرد فرنسا من هناك، الاّ أن الغرب عرقل ومنع هذا الأمر. 

واشنطن، تحاول أن تسبق موسكو وبكين في حضورهما في القرن الأفريقي وجلّ القارة السمراء، الغنية بالذهب واليورانيوم والغاز والنفط، وعظيم الثروات النفيسة الأخرى، وان كان الوجود الأمريكي الان في الصومال ضعيف، لكنه قوي في جيبوتي، وما يجري من صراع في القرن الأفريقي والنيجر، وجلّ القارة السمراء، ليس بعيداً عن المواجهة الروسية الأطلسية عبر أوكرانيا، وليس بعيداً عن الصراع الأمريكي الصيني، وما يجري في تايوان. 

السياسة الأمريكية تقوم على سياسة الأخطاء نفسها، بعبارة أخرى تقول: كوادر الدولة العميقة في الكارتل الحاكم في أمريكا: نحن امبراطورية الآن، وعندما نقوم بأي شيء فاننا نخلق واقعنا الخاص، وفيما يواصل الأعلام والمفكرون والباحثون دراسة ذلك، سنقوم بشيء آخر مجدداً لنخلق أشكالاً جديدة أخرى من الواقع، وسيكون بامكان الجميع دراستها أيضاً وبهذا الشكل سوف تترتب الأمور، فالتاريخ يصنعه صانعوا الحروب، أمّا كل ما يفعله الآخر من مراكز الدراسات والبحوث وحتّى في أجهزة المخابرات، هو دراسة ما نفعله نحن بعمق.  

وتل أبيب والتي صارت تل حبيب، تسعى إلى أن تكون عضو في الإتحاد الأفريقي كعضو مراقب أو كامل العضوية، وهذه مهمة الموساد الأفريقية – الموساد والتوغو، فأين المخابرات العربية والتوغو؟ الدولة الوطنية السورية ومجتمع مخابراتها ورغم الحرب الكونية عليها، هي الدولة الوحيدة التي أشارت ونبّهت إلى خطورة هذا التمدد وأثره على الأمن القومي العربي والإسلامي، وتعمل وبعمق مع المخابرات الروسية والأيرانية والصينية ومخابرات حزب الله في القارة الأفريقية، في متابعة هذا الأنتشار السرطاني لدور الكيان الصهيوني والحد منه، عبر عمليات مخابراتية وعسكرية واقتصادية ساكنة نمسك عن ذكرها الان، كل ذلك رغم الحرب والمؤامرة عليها، حيث باتت الحرب في نهايتها عبر فعل البوط العسكري السوري المتفاعل مع مناخات انجازاته.  

اذاً سورية ورغم كل ما جرى لها، فرعها الخارجي لمجتمع مخابراتها يعمل بعمق مع حلفائه في ساحات القارة الأفريقية، صوناً للأمن القومي العربي والاسلامي، والدول العربية الساكنة في حراكاتها، أجهزتها الأمنية متفرغة لمواطنيها؟ وكم هي مضحكة مبكية هذه المفارقة بهندسة احداثياتها وقولبتها.  

في عمق المنطق والواقع: التي تفرض استراتيجيات الدول المختلفة الفاعلة والمقرّرة ازاء أي منطقة، هي الثوابت الطبيعية الجغرافية، وتعمل الدواعي التاريخية على تحريكها لتلك الأستراتيجيات الخاصة، بالفاعلين من الدول أو حتّى الحركات والجماعات ذات الأذرع العسكرية، والتي تكون أقل من دولة وأكبر من حزب أو حركة أو جماعة.  

والجغرافيا أي جغرافيا، نعم قد تكون صمّاء لكنّ التاريخ هو لسانها، وصحيح أنّ التاريخ هو ظلّ الأنسان على الأرض، فانّ الجغرافيا الصمّاء هي ظل الأرض على الزمان.  

الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تشكيل بازارات من الحروب الطائفية والمذهبية، والتي يجري انضاجها على نار حامية في جلّ المنطقة العربية وغيرها، وتجعل اسرائيل تتموضع في خارطة العمل العسكري الحالي على اليمن في الظل، حيث تتقاطع مصالحها(أي اسرائيل الصهيونية)مع البعض العربي الآخر، والذي بلع الطعم اليمني حتّى اللحظة بنهم، حيث آعاد التاريخ نفسه ولكن بالمقلوب في الحالة اليمنية الآن، حيث شعبها طيب وفقير وخطيئته الوحيدة هي الجغرافيا ولغتها.  

ومرةً ثانيةً واضح أنّ ما يجري في شرقنا الأوسط، هو حرب السيطرة على هذه المنطقة الحيوية، حيث الغاز ومسارات خطوط أنابيبه عصبها ومحركها، والأطراف الرئيسيّة المشاركة في هذه الحرب، بجانب إيران وتركيا والسعودية وقطر “واسرائيل”، الكثير من الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، والأخيرة لا تملك حقول غاز في منطقتنا وان كانت تملك محميات أمريكية، لكنها تريد امتلاك الفيتو على تحديد مساراتها إزاء شمال أوروبا وجنوبها، كون واشنطن استراتيجياً تعمل على إضعاف كل دول القارة الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا وحصتها من العوائد(تضررت السياسة الأمريكية من خروج بريطانيا من الأتحاد الأوروبي، كونها حصان طروادة الأمريكي والأسرائيلي في القارة الأوروبية العجوز ولكنها متصابية)، ومن المحتمل أن تدخل مصر إلى ساحة الصراع في المستقبل، من هنا يجب تفهم الوضع الحسّاس لإيران، حيث تقف بكل وضوح وقوّة في وجه تغيير النسق السياسي في سورية وعنوانه الرئيس الدكتور بشّار الأسد، لأنها تعتبر أنه إذا ما سقطت الحكومة السورية، فهذا يعني تعاظم في قوّة منافسيها في المنطقة، وأنّ استراتيجيات إدارات التوحش الأمريكية سوف تستهدفها ومن ورائها الفدرالية الروسية والصين وعبر تركيا ذاتها، حيث إيران نفسها الخاصرة الروسية الضعيفة. 

اذاً ما يجري في المنطقة، هو حصيلة جمع نتائج التصادم الدولي حول المصالح الاقتصادية وأوثق استثماراتها وعلاقاتها، بجانب صناعة الأزمات والإرهاب والاستثمار في العلاقات العسكرية، والسيطرة على الموارد الطبيعية وعلى منابع الطاقة ومسارات عبورها ووصولها، بأقل تكلفة وبأسرع وقت إلى مصانع ومجتمعات منظومات الدول المتصارعة.   

إن الاتفاقيات الإستراتيجية بين أقوى المكونات الدولية موجودة، والخلافات صارت محصورة في الأهداف وكيفية المعالجات، ومقاربات المصالح الدولية الاقتصادية والسياسية، خاصةً مع وصول الفدرالية الروسية إلى المياه الدافئة، حيث منابع النفط والغاز والصخر الزيتي واليورانيوم واستثمارات موسكو الحقيقية في ديكتاتوريات الجغرافيا، للوصول إلى عالم متعدد الأقطاب وحالة من التوازنات الدولية للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. 

أمريكا لا تريد انهاء الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، بقدر ما تريد ادارة الأزمات، لا بل وأزيد من ذلك، تستخدم الأزمات عبر الوكلاء من بعض عرب، كأسلوب ادارة لذات الأزمات، لذلك واشنطن دي سي تدرك أنّ العقدة الحقيقية في المنطقة تكمن في أنّ كل شيء ممكن وفي ذات الوقت ليس كلّ شيء متاح، وتدرك أنّ وكلائها في المنطقة لا يدركون ذلك، وان أدركوه تناسوه وبادروا الى الفعل لغايات آنية ضيقة، وجعلوا صراعاتهم كدول صراعات شخصية بل وطفولية. 

وهناك بون شاسع بين الممكن والمتاح، وهو المسؤول عن تموضع الشكل والجوهر الذي ينتهي اليه مسرح العمليات، حيث تضيق الخيارات كل الخيارات، وزمن المتاح بدأ يتلاشى قبل الكارثة القادمة التي ستمزّق المنطقة وعبر حرب العرب بالعرب، حيث العرب ما زالوا يمارسون استراتيجية اللهاث وراء ايران، والأخيرة توظف وتستثمر في الأيديولوجيا لأحداث اختراقات جيواستراتيجية تخدم مصالحها، في حين أنّ العرب الأيديولوجيا عندهم تستخدم لحماية الأنظمة، حتّى ولو قادت الى تفتيت المجتمعات أو حتّى الغائها. 

الحرب والعدوان على اليمن فضيحتنا الكبرى كعرب، نقول: ايران وصلت الى هناك.. حسناً، من الذي أوصلها وفتح أمامها الأبواب؟ ألسنا نحن العرب؟ من الذي ترك اليمنيين طوال عقود خلت على تخوم العدم؟ ألسنا نحن العرب؟ أرادوا لليمن أن تكون رجولته عند حدود الجنبيّه(الخنجر)، انّ الحفره اليمنية بمثابة برمودا عربي، صحيح أنّه في اليمن شعب بهياكل عظمية بفعلنا كعرب، وصواريخ تنهال عليه، ولكن جلّ العرب هياكل عظمية بعد أن دمروا جيوشهم بأياديهم، فصارت المقاومة وجهة نظر والأرهاب وجهة نظر، والأسرائيلي يشترط على قادة العدوان العربي على اليمن، تسليم قاعدة تعز اليمنية الجويّة لتقديم المساعدات العسكرية الفاعلة والفعّالة بشكل أعمق مما هي عليه الآن، بشكل متزامن مع زيادة الأمريكي لعديد قوّاته في المنطقة وعلى نخوم المجالات الجيوية لليمن كما أعلن البنتاغون ذلك.  

فمن يفشل في المعركة  كما هو حاصل الآن في عدم تحقيق أي هدف من بنك أهداف الحرب على اليمن، والتي صارت تعصف بأصحابها، لن يكون قادراً على تكرارها بالمطلق لا على ذات الميدان اليماني، ولا على الميدان السوري ان فكّر وقدّر(مجزرة دير الزور الأخيرة كانت محاولة)، ولا حتّى في وعلى ميدانه الداخلي، حيث وحدهم ووحدهم فقط أصحاب القضية من يكرر المحاولة، أمّا أصحاب المشارييع سواء كانوا من الأصلاء أو الوكلاء للغربي، فيبحثون دوماً عن البدائل تنفيذاً لدور مرسوم ومقدّر لهم بامتياز.  

فالإمبراطورية الأمريكية، هي امبراطورية الجمهوريون المحافظون الجدد، الذين يعتبرون الخطاب الديني ركيزة لأجل ضمان أمن أمريكا ورفاهية شعوبها، من خلال ما يشبه المصالحة مع اليهود.

ولمّا كانت القارة الأفريقية السمراء أو السوداء، بمجملها تشكل العمق الأستراتيجي العربي والأسلامي أو قل الجبهة و\أو الحديقة الخلفية لعالمنا العربي والأسلامي معاً، ظلّت القارة الأفريقية في دائرة الأهتمام لللأستراتيجية الأسرائلية الصهيونية ودبلوماسيتها المزدوجة، منذ وجود هذا الكيان العبري السرطاني، والذي لا يقر بحدود لدولته ولا لأطماعه، ويسعى للتوسع اقتصادياً( مثال: مشروع قناة البحرين الثلاثي الذي تمّ توقيعه، ومشروع تصدير الغاز الأسرائيلي من سواحل المتوسط الى شركة البوتاس العربية على الجانب الأردني من البحر الميت، كما صرّح وآفاد عوديد عيران السفير الصهيوني الأسبق في عمّان في دراسه له) لتذويب الصراع العربي الإسرائيلي بعد أن تم وقف توسعه الجغرافي الى حد ما، عبر ما تسمى بمعاهدات السلام العربية معه، ان عبر مصر، وان عبر عمّان، وان عبر منظمة التحرير الفلسطينية، وان عبر اتفاقيات إبراهيم، مع التسليم برفضها شعبويّاً ومن جانب كاتب هذه السطور.  

وعلى ساحاتها وميادينها للقارة السوداء، ان لجهة القوي منها، وان لجهة الضعيف أيضاً، تشكل ويتشكل بعمق متجدداً الصراع العبري الأسرائيلي الصهيوني مع ايران وحزب الله دائما وأبداً، والصراع العميق بين البلدربيرغ في الداخل والخارج، مع النواة الصلبة في بكين ومثيلتها في الفدرالية الروسية، وتصارع فرنسا عبر مجموعات دول الفرانكفونية مع كل تلك القوى رغم ضعفها، باعتبار أفريقيا مناطق نفوذ فرنسي قديمة تعود الى حقبة الأستعمار.  

لقد أسفر المخاض العالمي المضطرب آنذاك  في 15ايار عام 1948 م عن ولادة قيصرية لهذا الكيان العبري في وسط المنطقة العربية، ولم تكن هذه الولادة مفاجأة بل سبقها فترة حمل طويل حقيقي عانت وما زالت المنطقة بأسرها من ويلاتها ومن المؤامرات التي آحاطت بها، فتم زرع هذا الكيان في قلب العالم العربي بدعم ومباركة من الدول الغربية وفي غيبة الوعي والأرادة العربية أنذاك، فعجزت جيوش الدول العربية مجتمعةً عن اقتلاع هذا الوباء من الجسد العربي المتهالك، ومنذ ذلك الوقت والمنطقة تعج بالصراعات بين هذا الكيان السرطاني البغيض من جهة، وبين دول عربية جريحة، وما زالت ساحات سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية ضعيفة، وتمثلت جهودها(أي الدول العربية الجريحة)  فقط في محاولات عروبية على حصاره ومنع انتشاره والحيلولة دون توغله في الجسد العربي ولم تفلح. 

مقابل ذلك تجهد الدولة العبرية وبشكل دوؤب على كسر هذا الحصار والعمل على النفاذ داخله تارةً، والألتفاف حوله تارةً أخرى، وها هي اسرائيل الصهيونية الطارئة على كل شيء، تجد متنفسها الآخر في القارة الأفريقية، بعد فشل مشروعها في سورية والعراق ولبنان، فهي(أي أفريقيّا) ميدان سياسي واقتصادي وعسكري واستخباري رحب، نحو تحقيق أهدافها في الألتفاف حول الطوق الذي فرض عليها الى حد ما من الدول العربية سابقاً(قمة التوغو قبل خمس سنوات من الآن، بين الكيان الصهيوني وجلّ دول القارة السوداء، خير مثال على عميق العلاقات الأسرائلية الأفريقية في لحظة الغفلة العربية، والتي وصلت لدرجة كوما من مستوى متقدم).  

لقد كانت ما تسمى بعملية التسوية السياسية السلمية بمؤتمر مدريد للسلام عام 1991 م، قد أدّت الى تأمين هذا الكيان العبري بالمعنى العضوي والسياسي، وبالتالي أمّن ذلك لهذا الكيان تنفيذ استراتيجيته في القارة السوداء، لملء الفراغ الذي خلّفه العرب بعد وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.  

وكم حذّر الملك الحسين رحمه الله تعالى، العرب مجتمعين ومنفردين من خطورة الفراغ العربي في أفريقيّا، وحاول مراراً وتكراراً على ضرورة ملئه بعد وفاة عبد الناصر ولكن لا حياة لمن تنادي.  

ويستغرب كاتب هذه السطور بعدم متابعة ما كان يعمل عليه الملك المرحوم الحسين، من قبل نواة الدولة الأردنية السياسية والمخابراتية، وأذكر وأنّه وقبل سنوات ما يسمى بالربيع العربي وبمبادرة من الجانب الأردني، عقد الملك عبدالله الثاني والرئيس اليمني السابق المتوفي علي عبدالله صالح والرئيس المصري السابق المتوفي محمد حسني مبارك، اجتماعاً ثلاثياً في العقبة في نهاية عطلة عيد الأضحى المبارك أنداك، لبحث موضوعة القرصنة في مياه البحر الأحمر والقرن الأفريقي، والدور والوجود العربي المرجو في مياه البحر الأحمر وعلى سواحله، وبحضور المرحومين عمر سليمان مدير المخابرات المصرية، والمشيرسعد خير مدير وكالة الأمن الوطني آنذاك، والمرحوم سميح عصفورة مدير المخابرات الأردنية، ومدير المخابرات اليمني في عهد صالح لا أتذكر اسمه، وبحضور خبراء من الأطراف الثلاثة مسنّدة بالمعلومات والخرائط، حيث صرفت الجهود وساعات عمل ولجان كثيرة. 

وبعيداً عن سياسات تدوير الزوايا، الغريب في هذه المسألة أيضاً، أنّه لم يتم البناء على ما بدأه الملك عبدالله الثاني بعد وفاة والده الملك الحسين، لا من الجانب الأردني ولا الجانب المصري ولا اليمني وكأنّنا بلا أفق سياسي استراتيجي، ولا نفكّر أبعد من أرنبة أنوفنا بعكس عدونا الأسرائيلي الصهيوني الأستراتيجي.  

الصورة تتغير وبسرعة الآن لغير صالح العرب والمسلمين، حيث بدأت حكومة هذا الكيان السرطاني تتسلل تدريجياً وبقوّة الى أفريقيا، عبر التعاون الأمني والفني مع بعض دول القارة، أو من خلال الروابط التجارية والأقتصادية، والعدوان العربي على اليمن يأتي ضمن هذه السياقات حيث كلمة السر فيه مضيق باب المندب.  

في المعلومات، جميع رؤساء أجهزة مجتمع المخابرات الصهيوني، قاموا بزيارات بعضها معلن والكثير منها سريّة الى القارة الأفريقية تركز على دول محددة ومعينة دون غيرها في القارة السوداء، تلك الدول التي تتميز بروابطها التاريخية والتجارية والأقتصادية والأمنية – الأستخبارية، مما يطرح بعض التساؤلات من طبيعة نوايا الدبلوماسية الأسرائيلية الصهيونية لاحقاً نحو أفريقيا على شاكلة التساؤل التالي: هل التركيز العبري الصهيوني سيكون على تلك الدول ذات العلاقات القويّة مع تل أبيب؟! أم استخدام وتوظيف وتوليف هذه الدول في سياق قواعد شاملة بما فيها الأستخباري – الأمني،  تتيح لتل أبيب توسيع علاقاتها الأفريقية لمنافسة دور ايران الصاعد في أفريقيا(أحسب أنّ إدراك الإسرائيليين الصهيونيين المتزايد باستمرار، بأن إيران دولة الضرورة للجميع على وشك أن تصبح قوة نووية)، ومن خلفه أدوار شاملة لحزب الله اللبناني، والدور الصيني العميق ومن خلفه أو أمامه أدوار روسية تطوّر وتبني على الموجود وتسعى الى الاستراتيجي الأوسع؟!. 

 تعتبر كينيا الأفريقية، الدولة التي تستضيف أكبر وأهم قاعدة استخبارية للموساد الأسرائيلي، حيث العلاقات الكينية – الأسرائلية متنوعه ومتميزة تجارياً واقتصادياً بسبب الروابط التجارية والأقتصادية بين اسرائيل والشركات اليهودية العالمية( الناشطة في تجارة التبغ والبن والشاي )من جهة، وكينيا من جهة أخرى، أضف الى ذلك توجهات مجلس الكنائس الكيني الداعم للمسيحية الصهيونية.  

أمّا أثيوبيا فحدّث ولا حرج، فهي تمثل الحليف الأستراتيجي لأسرائيل و واشنطن في القرن الأفريقي(على سفارتنا هناك أن تقوم بدور عميق وطني وعروبي ومخابراتي، لمتابعة النفوذات الصهيونية وأدوارها خاصة وأن عمّان لديها سفير هناك)، اذا ما استثنينا فترة حكم الرئيس الماركسي مانغستو هايلي مريام فقط، في حين تمتاز العلاقات التركية الأثيوبية بالتطور النوعي وفي المجالات السياسية والعسكرية والأقتصادية والأستخباراتية، ولنا في قصة وموضوعة سد النهضة على منابع النيل مؤشرات سيناريوهات الصراع التركي المصري الآن، واستغرب وأتعجب كيف تم التوقيع مؤخراً من قبل الرئيس السيسي، على اتفاق اعلان مبادىء بخصوص سد النهضة الذي تبنيه أثيوبيا، حيث تلك التفاهمات لها أثر خطير وكبير على الأمن القومي المصري بشقه المائي وبالتالي على العربي، فهل هو توقيع اتفاق الضرورة لغايات الناتو العربي في حربه العدوانية على اليمن الآن، ولاحقاً مثلاً ازاء ايران ان فكّروا وقدّروا؟. 

 فحصّة مصر من مياه النيل وحسب اتفاقية 1929 م 55 مليار متر مكعب، فهل ستلتزم أثيوبيا في ملء سد النهضة بالماء سنوياً حيث يحتاج الى 63 مليار متر مكعب وأكثر من حصة مصر منه؟ كيف ذلك أجيبوا يا عرب؟.  

وعمليات الحروب السريّة الإسرائيلية في أفريقيا كثيرة ومتعددة وتتجدد باستمرار، وما يجري في السودان الان، وفي ما تسمى بدويلة جنوب السودان الآن من صراع ونزاع مسلّح، كيفما حسبته وحلّلته يقع في هذه الخانة، رغم عمق العلاقات الأسرائيلية الصهيونية مع تلك الدويلة المسخ(اسرائيل أفريقيّا) في الجنوب السوداني العربي، وهي أعمق خسائر الأمن القومي المصري بشكل خاص، والعربي بشكل عام، والمحزن المفجع أن جلّ العرب ومعهم الأردن اعترفوا بتلك الدويلة المسخ، الدويلة المولودة بالزنا والسفاح في فراش الأممية الغربية، والنتائج أبناء حرام وزانيات لديهنّ نزق مجنون، انّها نبته شيطانية رؤوسها كأنّها الشياطين. 

حين اقتطعت دولة جنوب السودان 700 ألف كم وبكل ثرواتها المعدنية والنفطية والمائية من بلادنا، واقليم دارفور يستعد لذات الخطوة الان – دولة دارفور القادمة، وسيعترف بها العرب رغم أنفهم جميعاً  – الاّ من رحم ربي.  

والعرب قالوا ويقولوا: ايران عدونا، حسناً هي كذلك من زاويتكم يا عرب، ولكن اين اسرائيل؟ فكيف تسقط اسرائيل من العقل العربي ومن الذاكرة العربية؟ كذلك امدادات الأسلحة العبرية في الماضي القريب، وهذا الزمن العربي المأزوم والمتهالك، تكمن  وتتمثل عبر أوغندا باتجاه حركات التمرد الناشطة، ليس فقط في جنوب السودان وشرق زائير، بل في كل البؤر الساخنة من شمال أفريقيّا الى جنوبها ومن شرقها الى غربها، والآن الرئيس الأوغندي وجهاز مخابراته بإيعاز من المخابرات الفرنسية، بعد أن اجتمع مدير الفرع الخارجي الفرنسي الجديد معه لبعض سويعة كما تقول المعلومات، يتوسط بين الأطراف المتنازعة، لا بل وهناك محاولات، لأرسال قوّات لحماية المدنيين، وتفعل الأمم المتحدة(فراش الأممية)وقد ترسل قوّات فصل، انّها مفارقة عجيبة مضحكة مفجعة.  

بجانب حلفاء اسرائيل الصهيونية في رواندا وبوروندي، هناك نيجيريا  فهي مهمة للدولة العبرية الصهيونية، كونها تمثل الدولة النفطية الأكبر في أفريقيا، اضافةً الى وجود شبكات غسيل الأموال التي تشرف عليها المؤسسات المالية العالمية اليهودية، ومن تحالف معها من الشركات العالمية الأخرى ذات الطابع المسيحي الغربي، أضف الى ذلك وجود الشركات النفطية الأمريكية الأفريقية مثل: شيفرون والبريطانية مثل: كبريتيش بتروليوم الداعمة لأسرائيل الصهيونية، ويكفي ما يجري بحق المسلمين في نيجيريا من مذابح وحرق لهم وهم أحياء، في أخاديد عميقة وعبر صراع اثني طائفي عرقي ديني… ففتش عن اسرائيل الصهيونية يا عربي ويا مسلم.  

وغانا حليف آخر للكيان الصهيوني، كونها تمثل الدولة المرشحة للقيام بدور رئيسي في استضافة القيادة الأمريكية الأفريقية، وقد زارها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في فترة رئاسته الأولى، كما قام الرئيس السابق دونالد ترامب بزيارتها، وقام بجولة افريقية عرّج على معظم الدول والساحات في القارة الأفريقية، وأجرى سلسلة تفاهمات عسكرية وسياسية وأمنية استخبارية ناجعة وناجحة مع القيادة الغانية، لذلك تسعى اسرائيل الصهيونية للتنسيق مع هذه الدولة، بما يتيح لتل أبيب القيام بدور المكمل والمساند للدور الأمريكي المرجو والمرتقب في غانا.  

وما يتسنّى لنا من معلومات، نجد بعد التدقيق في طبيعة الوفود الأسرائيلية الصهيونية التي تزور القارة السوداء، أنّها تتكون بشكل أساس من قادة ورموز الصناعات العسكرية الأسرائيلية، وهو مؤشر على نتائج توقيع عقود الصفقات العسكرية الأسرائيلية مع الدول الأفريقية المعنية، فمتغير تجارة الأسلحة حاضر في أجندات جلّ الوفود الأسرائيلية الصهيونية.  

أمّا فيما يتعلق بمتغير تهديد الأمن القومي المصري، نجد أنّه من بين الدول التي تزورها الوفود العبرية الصهيونية، هناك ثلاثة دول تسيطر على منابع نهر النيل، فأثيوبيا تسيطر على بحيرة ” تانا ” التي ينبع منها النيل الأزرق، وكينيا و أوغندا تسيطران على بحيرة ” فكتوريا ” التي ينبع منها النيل الأبيض، وتشي المعلومات الأستخبارية أنّ تفاهمات هذه المجاميع الصهيونية، مع زعماء هذه الدول تشمل ملف المنشآت المائية التي وعدت اسرائيل الصهيونية، اقامتها عند نقطة خروج النيل الأزرق من بحيرة ” تانا ” ونقطة خروج النيل الأبيض من بحيرة ” فكتوريا “، وهذه المنشآت هي عبارة عن خزّانات مائية ضخمة تهدف الى رفع مستوى المياه في هذه البحيرات، اضافةً الى التحكم والضبط لتدفقات مياه النيلين الأزرق والأبيض.  

وتسعى اسرائيل الصهيونية الى استيعاب المزيد من الآفارقة، ضمن دائرة النفوذ اليهودي عن طريق عمليات التبشير اليهودي التي حققت المزيد من النجاح في أوغندا وكينيا وجنوب أفريقيا، بحيث أصبح هناك عدد متزايد من اليهود الآفارقة الذين ستحاول اسرائيل خلال المراحل القادمة ليس تهجيرهم الى اسرائيل، وانما دعمهم ودعمهم، بحيث يصعدون على سلم النخب الحاكمة في بلدانهم، فتكون فائدتهم لأسرائيل أكثر نوعية وأهمية من توطينهم في الشمال الفلسطيني المحتل(اسرائيل الصهيونية الآن).  

كما تجهد “اسرائيل” الى تنظيم الجماعات اليهودية في أفريقيا، مع نشر المزيد من الشركات اليهودية العالمية في القارة السوداء، بما يتلائم مع قيام الأقتصاد العبري بدور قطاع الخدمات الذي يقدم المساندة لمعاملات هذه الشركات، مع الدول الأوروبية والأمريكية من تقديم القروض وتنفيذ الترتيبات المصرفية وخدمات التأمين والشحن البحري.  

ومن أهداف الدولة العبرية الصهيونية أيضاً في القارة السوداء، يتمثل في عزل الدول العربية عن القارة الأفريقية، بما يؤدي الى قطع الطريق أمام قيام أي علاقات عربية – افريقية حقيقية، وذلك بما يترتب عليه سيطرة الشركات الأسرائيلية على الخامات الزراعية والمعدنية والأفريقية، كذلك كسب السند الدبلوماسي الأفريقي لصالح اسرائيل في المنظمات الدولية ومحافلها وكواليسها، ففي أعقاب حرب تشرين عام 1973 م قطعت كل الدول الأفريقية وبشكل جماعي علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان العبري الصهيوني، مما جعل القارة السوداء قارة خالية من اسرائيل الصهيونية نوعاً ما، وقد أثّر هذا الموقف على توازن القوى التصويتي داخل الأمم المتحدة، والآن هاهي اسرائيل الصهيونية تحاول جاهدةً وبكل السبل لملء الفراغ الحاصل الآن،  فكما هو معروف أفريقيا كانت لفترة طويلة واقعة تحت دائرة النفوذ الفرنسي(الفرانكفوني والبريطاني)الأنجلوفوني، وبقي النفوذ الفرنسي الآن رغم تراجعه، وتراجع لا بل انتهاء النفوذ البريطاني لصالح النفوذ الأمريكي، والذي تسعى اسرائيل الصهيونية جاهدةً، لأستخدامه كغطاء تتحرك بحرية تامة تحته ومن خلاله، بما يتيح القضاء وبشكل نهائي على تقدم الثقافة العربية والأسلامية، فحجم المخططات الأسرائلية الرامية الى انهاء ما تبقى من الوجود العربي في القارة السوداء كبيرة ونوعية، وعبر استغلال حالة الفراغ السياسي والأقتصادي والأمني الناجمة عن الأهمال الرسمي العربي لهذه القارة، لأنّه بخلاف ذلك تخشى اسرائيل الصهيونية الى نشوء النفوذ(العربفوني)المهدد لها في أفريقيا.  

ومن المعروف للعامة والخاصة في العالم، أنّ دولة إرتريا تملك أكثر الجزر المسكونة والصخرية الخالية في البحر الأحمر والبالغ عددها 126 جزيرة، وقد اشتريت منها مؤخراً(جزر أرخبيل دهلك) فاستأجرت إسرائيل ثلاثا منها «ديسي ودهول وشومي»،  وتقول المعلومات وعلى لسان بعض الخبراء الدوليين، أنّه لم تكن مصادفة أيضاً أن تستأجر إيران جزيرتين من هذا الأرخبيل «فاطمة ونهلقه»، وجاء توقيع إيجار هذه الجزر ذات المواقع الإستراتيجية من خلال زيارات رسمية قام بها رئيس جمهورية اريتريا «أفورقي»، فكانت زيارته الأولى لإسرائيل الصهيونية سريّة لغرض العلاج في نوفمبر عام 1995م من القرن الماضي، وتم من خلالها التوقيع على اتفاقيات ثنائية عديدة أهمها دخول أرتريا ضمن فصول الإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية في البحر الأحمر، وعلى أثر ذلك تم إنشاء برج مراقبة بحري ذي مدى بعيد، ليشرف على حركة الملاحة في البحر الأحمر من مضايق تيران حتى باب المندب، وتم استيطان(أكثر من ألف إسرائيلي إفريقي صهيوني من يهود الفلاشا) ليعملوا في المزارع المقامة للتمويه عن الغرض العسكري لها.  

وقدمت حكومة “إسرائيل” بالمقابل عدداً من الزوارق الحربية السريعة المزودة بالصواريخ متوسطة المدى، مع زرع منظومة رادار بحري وبطارية صواريخ آلية «جبراييل» بإشراف مجموعة تدريب إسرائيلية صهيونية تقدم خبراتها للقوات البحرية الارترية.  

وقد وصف «الرئيس أفورقي» علاقات بلاده المميزة مع إسرائيل الصهيونية قائلاً: إسرائيل دولة موجودة على الخريطة وعضو في الأمم المتحدة ومعترف بها دولياً، ونحن نتعامل معها على هذا الأساس وحسب مصالحنا القومية»، ونسي أو تناسى الرئيس الإرتري الحق العربي في وطنه السليب فلسطين المحتله، ومصالح بلاده العديدة في الدول العربية، وتعريض الأمن القومي العربي للخطر في منطقة جغرافية مهمة من البحر الأحمر، وهو الذي يتفاخر مع حاشيته بوصفه «جيفارا إفريقيا» ويرتاح شخصياً لهذه التسمية.   

وتقول المعلومات وعلى لسان بعض الخبراء الأمميين، أنّ المستأجر الآخر الثاني هو النظام الإيراني المسلم، حيث أثمرت زيارة الرئيس أفورقي لطهران في 20 مايو 2009، والتي جاءت بدعوة من الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد، وحققت نتائج هامة لكلا البلدين، منها اتفاقية ثقافية وعلمية مع مذكرة تفاهم لتعزيز الروابط الاقتصادية والسياسية وتفعيلها لحركة التبادل التجاري بين البلدين، واحتل الجانب العسكري حيزاً كبيراً في مباحثات الطرفين، حيث تمت الموافقة الإرترية بالسماح لإيران لبناء قاعدة بحرية تطل على باب المندب في ميناء «عصب»، وتقديم بترول إيراني بأسعار رمزية لدولة إرتريا، والمشاركة في التنقيب لاستخراج الذهب الذي اكتشف مؤخراً بكميات كبيرة في الجبال المجاورة للحدود الإثيوبية، علاوة على منح مالية خاصة لنظام أفورقي!  

يعتقد كاتب هذه السطور ويحسب بعمق، أنّ البلدربيرغ يتحوصل تحوصلاً سياسياً في الداخل الأمريكي والخارج الأمريكي، ويطلق عمليات تمرين ذهني حي وتسويقي لجلّ الفكرة التالية للتشكيك بنوايا ايران الأسلامية ولأحداث الفتن حيث فكرة البلدربيرغ هي:- “إسرائيل” وإيران تلتقيان بوجودهما متجاورين في جزر ارتريا جغرافياً، وأيضاً في أهدافهم المشتركة الجيوسياسية، للسيطرة على مواقع مهمة وذات ميزة عسكرية في مياه البحر الأحمر القريبة من القرن الإفريقي ومنفذ باب المندب، وحتى لا يكون الوجود الوحيد بحرياً للدول العربية المطلة على سواحل البحر الأحمر، بل إن تدخل إيران و”إسرائيل” لتقاطع هذا الوجود العربي لمراقبة الحركة الملاحية التجارية والعسكرية في مياه البحر الأحمر، وتثبيت وجودهم في موانئه، لاستغلال الاستعداد الارتيري المتعاون معه بشكل ميكافيلي، دون الاهتمام بأمن وسلامة البحر الأحمر، وأن تقوم ارتيريا بدور الوسيط لهذا الالتقاء “الإسرائيلي” الإيراني وبتوجيه من “إسرائيل” وحلفائها، فهذا المشروع العدائي تم تخطيطه وتنفيذه في تل أبيب وأسمرة وطهران( كما يسوّق البلدربيرغ ونواته الصلبة، ومجتمع الميديا العالميه ومجتمعات الميديا العربيه من عرب روتانا الكاميكازيين المتحالفين مع جنين الحكومة الأممية)وليس من المعقول أبداً أن يقوم الرئيس أفورقي في وقته، تحت تداعيات الأحداث السياسية الإقليمية الحالية بدعوة إيران لاستئجار الجزر الإرترية، والمجاورة للقواعد الإسرائيلية الصهيونية، دون حصوله على الضوء الأخضر من “إسرائيل” وأصدقائها.  

وتتحدث المعلومات، أنّ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، قامت مؤخراً(وبشكل غير معلن)بإرسال وفد من أروقتها الأستخبارية، يسانده فريق مختص من الخبراء في شؤون خطوط  العلاقات الأمريكية الأفريقية، وبناء على توصية من مجلس الأمن القومي الأمريكي برئاسة جيك سوليفان، لزيارة العديد من دول القارة السوداء، ولجولة هذا الفريق أهداف وأسباب عديدة تمتد ما بين المعلن وغير المعلن(ستؤسس لزيارة قادمة لجو بايدن للقارة السوداء قبل نهايات هذا العام)، بعيداُ عن المعلن لوسائل الميديا العالمية، وان كان هناك شيء معلن أصلا، سنبحث في غير المعلن للجولة، حيث تنطلق جولة هذا الفريق الاستخباري من مربعات الصراع الأمريكي الروسي الفرنسي البريطاني الصيني الإيراني وحزب الله على القارة الأفريقية، رغم التساوق في المواقف الفرنسية الأمريكية، إن لجهة المسألة السورية، وان لجهة باقي مسائل نتائج ما سمّي بالربيع العربي.

أفريقيا غنية بالموارد الطبيعية من نفط وغاز ومعادن كثيرة وعديدة و نفيسة مثل الذهب والماس، وكذلك تتضمن أفريقيا وبشكل وافر الكعكه الصفراء(اليورانيوم)، كما تتمتع أفريقيا بالموارد الزراعية والأماكن السياحية الطبيعية الخلاّبة وتضم ثلث دول العالم الحالي، وكانت الإدارات الأمريكية السابقة تهمل الأهتمام بالقارة الأفريقية، ولكن بعد عام 1999 م بدأ الأهتمام الأمريكي بالقارة الأفريقية وانطلقت عجلة الحراك السياسي  للخارجية الأمريكية، عبر جولات وجولات امتدت من جولة مادلين أولبرايت الى جولة كولن باول فجولة كوندا ليزا رايس الى جولات رئاسية قام بها كل من بيل كلنتون عام 1998 م وجورج بوش الأبن في عامي 2003 م و 2008 م،  وبموازاة الحراك الدبلوماسي للخارجية الأمريكية ثم الرئاسي كان هناك المسار الأمني المخابراتي الأستخباري والذي ما زال يعمل في كل القارة الأفريقية متابعاً للنشاط الصيني والروسي والبريطاني والفرنسي والإيراني ونشاط حزب الله  بشكل خاص،  والأوروبي بشكل عام .  

فكما هو معروف للمتابعين والخبراء في السياسة الدولية ومن الزاوية التاريخية التقليدية أنّ القارة الأفريقية هي مسرحاً للنفوذ الأوروبي الغربي وخاصةً فرنسا وبريطانيا بشكل كبير ونوعي، كذلك نفوذ لأسبانيا والبرتغال وبلجيكا بشكل أقل من الأول، وبعد حركات الأستقلال الأفريقية لدولها  في حينها عن من كان يستعمرها، بقي النفوذ الفرنسي تحت عنوان وغطاء عريض اسمه “غطاء الفرانكفونية” وتراجع نفوذ الانجليز، بسبب ضعف نوعي وكمي للندن في تعزيز عنوان وغطاء الكمنولث “الأنجلونية”، وبسبب هذا الضعف وتراجع النفوذ الإنجليزي، تولد فراغاً استراتيجياً في كينيا ونيجيريا، كذلك فراغ آخر في أنجولا وموزامبيق بسبب تراجع النفوذ البرتغالي والأسباني، وفي الكونغو وزائير بسبب تراجع النفوذ البلجيكي. 

وعليه: فقد ترتب على ذلك أن سعت واشنطن الى التقدم وبخطى حثيثة لملىء هذا الفراغ عن طريق بناء اتفاقات الشراكة، وتوطيد الروابط الثنائية مع معظم  دول القارة الأفريقية .  

أفريقيا القارة تشهد الآن حرباً ذات نسخة جيو سياسية استخبارية بين واشنطن وحلفائها من جهة، والصين والروس وفرنسا وإيران وحزب الله من جهة أخرى، في صراع النفوذ على القارة السوداء“لحلبها”، وما يتم رصده استخبارياً الآن أنّ فرنسا، ما زالت أكثر سعياً لجهة تأمين مناطق نفوذها التقليدية في أفريقيا، بالمقابل واشنطن تحاول السعي وبجدية متناهية لحرمان الصين والروس وإيران، من بناء تحالفات استراتيجية في القارة الأفريقية وتحديداً مع دول خليج غينيا النفطية(نيجيريا، زائير، انجولا، غينيا الاستوائية، والكونغو ).  

وتشي المعلومات الاقتصادية بإطارها الأستخباري الأحصائي التحليلي، أنّ صادرات نفط بلدان خليج غينيا الى الولايات المتحدة الأمريكية  تفوق صادرات الخليج العربي النفطية اليها . 

انّه من الصعب بمكان أن نحكم على نجاح باهر لجولة هذا الفريق الأمريكي الحالية للقارة السوداء، لكنها تأتي تحت عنوان مهم ضمن جهود ترتيب المسرح الأفريقي، بما يتيح لأمريكا العمل على ترويض دول خليج غينيا النفطية، ودفعها للدخول في التحالفات العسكرية – الأمنية الأمريكية. 

وفي السابق حاولت  ادارتي الرئيس بوش الأبن الى احتواء تللك الدول الآنف ذكرها عبر ترويضها وكذلك ادارتي الرئيس أوباما وإدارة الرئيس دونالد ترامب،  لجهة استقبال القيادة الأفريقية الأمريكية، فانّ إدارة الرئيس جو بايدن الأن، تستخدم الوسائل الاقتصادية في ترويض هذه الدول، لكي تتقبل أفريقيا تمركز القيادة الأفريقية الأمريكية وشبكات القواعد البرية والجوية والبحرية التابعة لها، بالإضافة إلى محطات الاستخبارات الأمريكية وذيولها وذيول محطّات استخبارية تابعة لحلفائها من عرب روتانا الكاميكازيين وغيرهم.

ملاحظة: مقابلتي حول الحدث النيجيري:

برنامج قضية ساخنة – قناة الكوثر الفضائية يشتبك مع المحامي محمد احمد الروسان أبو شهم حول الحدث النيجيري.

الروسان: الغرب يريد تفجير أفريقيا عبر النيجر.

الروسان: أدوار لروسيا والصين وإيران وحزب الله تتصاعد في القارة السوداء .

الروسان: الإمبريالية تريد أن تجعل من محمد بازوم زيلنسكي آخر دمية أخرى.

الروسان: الغرب عاجز عن منع التغيير السياسي في أفريقيا… وعملياته المخابراتية القذرة تتفاقم.

الروسان: أغنى قارة تسكنها أفقر شعوب بسبب نهب الغرب لها .

الروسان: الحدث النيجيري هل يعكس بداية تغيرات استراتيجية في أفريقيا؟.

الروسان: الغرب بصدد اشغال حروبا بالوكالة كبروكسي في أفريقيا .

كل ذلك وأكثر تجده هنا :

https://www.alkawthartv.ir/episode/325743

[email protected]

منزل – عمّان : 5674111    

خلوي: 0795615721

* عنوان قناتي على اليوتيوب حيث البث أسبوعياً عبرها:  

https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.